ترتفع حدة الاحتقان الاجتماعي في صفوف عدد من القطاعات المهنية، منذرة بصيف ساخن يواجه الحكومة، التي كانت باشرت سلسلة من جلسات الحوار الاجتماعي أفضت إلى زيادة عامة في الأجور تضمنها اتفاق 26 أبريل 2024، وهي الزيادة التي كانت الحكومة تراهن على أن تعيد الهدوء إلى الشارع النقابي وإلى صفوف موظفي القطاع العام، غير أن الرياح الاجتماعية جرت بما لا تشتهيه الحكومة، فقد تحرك الشارع النقابي من جديد مطالبا، في شق، بتنزيل الزيادة المقررة في الاتفاقات بين الحكومة والنقابات، وفي شق آخر بالإشراك في الإعداد لعدد من القوانين الأساسية الخاصة بفئات من الموظفين، من قبيل كتاب الضبط بالمحاكم، والممرضين وتقنيي الصحة بالمستشفيات العمومية، بينما بقيت العديد من الملفات في قطاعات التعليم والجماعات المحلية محركا أساسا لاستمرار الإضرابات وإذكاء فتيل الاحتجاجات.
البرلمان يشرع في مناقشة قانون يحدد شروط وكيفيات ممارسة الإضراب
قررت لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب الشروع في دراسة القانون المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، خلال الدورة التشريعية الحالية، وذلك تفعيلا للاتفاق بين الحكومة والنقابات والاتحاد العام لمقاولات المغرب على إخراج هذا القانون.
وأكد يونس السكوري، وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات، أنه سيتم إخراج القانون التنظيمي من خلال الاتفاق على المبادئ الأساسية المتمثلة في ضمان انسجام مشروع القانون التنظيمي مع أحكام الدستور، ومع التشريعات الدولية، وضمان التوازن بين ممارسة هذا الحق الدستوري وحرية العمل، وتدقيق مختلف المفاهيم المتعلقة بممارسة حق الإضراب، وضبط المرافق التي تستوجب توفير حد أدنى من الخدمة خلال مدة سريان الإضراب، وتعزيز آليات الحوار والتصالح والمفاوضة في حل نزاعات الشغل الجماعية. وقال الوزير إنه سيتم العمل على إدراج هذه المبادئ في صيغة مشروع القانون التنظيمي المتعلق بشروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، التي سبق إيداعها بالبرلمان، بعد استكمال مناقشة تفاصيل بنوده مع الشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين باعتماد منهجية الحوار مع السعي إلى التوافق.
وتجدر الإشارة إلى أن مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب ما زال يراوح مكانه بمجلس النواب منذ سنة 2016، في انتظار بدء مسطرة دراسته بلجنة القطاعات الاجتماعية، وسبق لهذه اللجنة أن عقدت اجتماعا خصص لتقديم المشروع، خلال الولاية الحكومية السابقة، ما أثار جدلا كبيرا بين الحكومة والنقابات، حيث رفضت هذه الأخيرة الشروع في مسطرة المصادقة على القانون، وطالبت بسحب المشروع من البرلمان، وفتح مشاورات جديدة بشأنه، قبل إعادة برمجته على أجندة أعمال البرلمان، وهو ما أدى إلى تأجيل دراسته بطلب من الحكومة إلى أجل غير مسمى.
ويعتبر مشروع القانون من ضمن آخر القوانين التنظيمية التي نص عليها الدستور، والتي طال أمد انتظار إخراجها، لكن يظل الهدف الأساسي واضحا يتمثل في تنظيم ممارسة هذا الحق الدستوري، بما يضمن تأطير وتحسين العلاقات المهنية ويضمن ممارسة حق الإضراب، ويكفل التوازن بين مصالح الأفراد والجماعات والتوفيق بين الحقوق والواجبات التي تعتبر أهم مقومات دولة الحق والقانون.
وينص الدستور في فصله التاسع والعشرين على أن "حريات الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي، وتأسيس الجمعيات، والانتماء النقابي والسياسي مضمونة. ويحدد القانون شروط ممارسة هذه الحريات. حق الإضراب مضمون. ويحدد قانون تنظيمي شروط وكيفيات ممارسته"، ولذلك فإن تحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب بموجب قانون تنظيمي يكسبه أهمية كبيرة، نظرا إلى كون القوانين التنظيمية تأتي في المرتبة الثانية بعد الدستور.
ويتكون مشروع قانون الإضراب من خمسة أبواب ومن 49 مادة، ونص في المادة الخامسة على أن "كل دعوة إلى الإضراب خلافا لأحكام هذا القانون التنظيمي تعتبر باطلة، كما يعتبر كل إضراب لأهداف سياسية ممنوعا"، ووضعت الحكومة قيودا عديدة على ممارسة الإضراب، حيث يوجب مشروع القانون حسب المادة السابعة، إجراء مفاوضات بشأن الملف المطلبي للعمال قبل الدعوة إلى الإضراب، وذلك قصد البحث عن حلول متوافق عليها، ولهذه الغاية يمكن للأطراف الاتفاق على تعيين وسيط، ويضيف أنه في حالة تعذر المفاوضات أو فشلها يتعين بذل جميع المساعي اللازمة لمحاولة التصالح بين الطرفين، وتنص هذه المادة على أنه لا يمكن اللجوء إلى ممارسة حق الإضراب، إلا بعد انصرام أجل 30 يوما من تاريخ توصل المشغل بالملف المطلبي من الجهة التي يمكن لها الدعوة إلى الإضراب.
وينص المشروع كذلك على ضرورة اتخاذ قرار الإضراب من قبل الجمع العام للأجراء، يحضره ثلاثة أرباع أجراء المقاولة أو المؤسسة، والذي يجب أن تدعو إليه الجهة الداعية إلى الإضراب خلال 15 يوما على الأقل من التاريخ المزمع عقد الجمع العام فيه، وكذا تبليغ المشغل عن مكان انعقاده قبل 7 أيام، مع اشتراط الحصول على موافقة أغلبية العمال قبل خوضه، وبلوغ نوع من النصاب القانوني قبل الشروع في الدعوة للإضراب، ولا بد من الإخطار بقرار الإضراب بمهلة لا تقل عن 10 أيام، مع ضرورة تحديد دواعيه ومكانه وشكله، والكشف عن أسماء المندوبين الداعين إليه في حال عدم وجود نقابة بالمؤسسة.
ويعتبر مشروع القانون في المادة 14 أن العمال المشاركين في الإضراب، وفي حال حدوث توقف مؤقت عن العمل لا يمكنهم الاستفادة من الأجر خلال مدة إضرابهم، ويلزم النص الجهة الداعية للإضراب بإبلاغ رب المقاولة أو المشغل والسلطات المسؤولة ومديرية التشغيل بقرار الإضراب قبل 15 يوما على الأقل من التاريخ المقرر لخوضه، مع تخفيض هذه المدة إلى 5 أيام، في حال ما إذا كان الأمر يتعلق بعدم أداء المشغل لأجور العاملين أو وجود خطر يتهدد صحتهم وسلامتهم.
وتنص المادة 15 من القانون على أنه يمكن أن يتخذ قرار الإضراب على الصعيد الوطني في جميع القطاعات أو بعضها أو في قطاع واحد أو في عدة أنشطة معينة داخل نفس القطاع أو في قطاعات مختلفة، من قبل الجهاز التداولي المختص لإحدى النقابات الأكثر تمثيلا أو ذات تمثيلية على الصعيد الوطني، وذلك طبقا لأنظمتها الأساسية.
ويمنع حسب المادة 23، بعد إنهاء الإضراب أو إلغائه بمقتضى اتفاق بين الأطراف المعنية؛ اتخاذ قرار إضراب جديد دفاعا عن المطالب نفسها، إلا بعد مرور سنة على الأقل، أما في حالة الإضراب فيمنع على المضربين، حسب المادة 13، عرقلة حرية العمل خلال مدة سريان الإضراب، ويمنع عليهم احتلال أماكن العمل أو مداخلها أو الطرق المؤدية إليها، وحسب المادة 26 فيمكن لصاحب العمل حال ممارسة الإضراب خلافا لأحكام هذا القانون أن يطالب بالتعويض عن الخسائر والأضرار التي لحقت بالمقاولة. ويمنع النص الأجراء من خوض إضراب للدفاع عن المطالب التي تمت الاستجابة لها لمدة تناهز السنة. وفيما يتعلق بالقطاع العام، يلزم النص الجديد الجهة الداعية إلى الإضراب بإخطار قبلي لا يتعدى سبعة أيام، ويتضمن القانون سلسلة من المواد التي أدرجت عقوبات مادية وأخرى سالبة للحرية لكل من أخل بهذه البنود، ولم يتقيد بإجراءاتها التفصيلية، بالإضافة إلى تطبيق العقوبات التأديبية.
الإضرابات تشل قطاعات حكومية
توتر بالجماعات المحلية
أعلنت الجامعة الوطنية لموظفي الجماعات الترابية والتدبير المفوض، التابعة للاتحاد المغربي للشغل، في بيان لها، خوض إضراب وطني إنذاري لمدة 48 ساعة، تعبيرا عن استياء موظفي الجماعات الترابية من استمرار تدهور قدرتهم الشرائية نتيجة ارتفاع الأسعار وتجميد الأجور. وأضاف بيان الجامعة أن هذا الاضراب يأتي احتجاجا على استمرار معاناة موظفي الجماعات الترابية في ما يتعلق بمستحقاتهم المتأخرة، وعدم تنفيذ الأحكام القضائية لصالحهم وتأخر ذلك، بالإضافة إلى عدم تفعيل اللجان الإقليمية لفض النزاعات المتعلقة بالموارد البشرية في الجماعات الترابية. فضلا عن ذلك انتقدت الجامعة استمرار تدخل المستشارين في شؤون تسيير الموظفين بطرق تخالف القانون، واستمرار معاناة عمال التدبير المفوض وعاملات وعمال الإنعاش الوطني والعمال العرضيين.
وتُبدي مكونات الجسم النقابي المفاوض للداخلية رفضها لما تعتبره "تلكؤ" الوزارة في حل عدد من الملفات، المتعلقة بتسوية وضعية الموظفين حاملي الشهادات. وفي هذا السياق، قال محمد النحيلي، الكاتب الوطني للمنظمة الديمقراطية لموظفي الجماعات المحلية، إن "الموظفين اليوم رهينة لنظام أساسي يعود لأكثر من نصف قرن من الزمان، في الوقت الذي تراجع أغلب القطاعات الأنظمة الأساسية المتعلقة بموظفيها"، حسب النحيلي، الذي أشار، في اتصال هاتفي مع "الأخبار"، إلى "أن الموظفين في الجماعات المحلية كانوا يمنون النفس بإخراج جمعية الأعمال الاجتماعية الخاصة بهم للوجود، وذلك بعد الاتفاق السابق مع وزارة الداخلية، غير أن هذا الأمر لم يتم"، مبرزا أن الوضعية الاجتماعية لموظفي الجماعات الترابية متدهورة".
وبخصوص الموارد البشرية في القطاع، قال النحيلي "إن عدد موظفي الجماعات الترابية لا يتجاوز 80 ألف موظف في الوقت الذي كان قبل سنوات 180 ألفا، وهو ما يعني أن القطاع فقد 100 ألف موظف في السنوات الأخيرة"، مشيرا إلى أن "هذا الرقم مرشح للارتفاع، حيث ينتظر أن يفقد القطاع في السنوات العشر القادمة 70 في المائة من موظفيه"، حسب أرقام النحيلي، مشددا على أن "قطاع الجماعات المحلية يضم خيرة الأطر من مهندسين وخريجي المدارس العليا والجامعات، غير أن حياتهم المهنية تكون رهينة مزاجية المنتخبين، حيث إن موظفي جماعة الرباط، على سبيل المثال، لم يحصلوا بعد على التعويضات الخاصة بالأعمال الشاقة، وهو مثال واحد عن عشرات الجماعات التي يعاني داخلها الموظفون من الحيف والإقصاء وثقل المهام".
الأجور تخرج مهنيي الصحة للاحتجاج
أعلنت ثماني نقابات مهنية، في قطاع الصحة، عن خوض إضرابيْن وطنيّين جديدين، خلال الأسبوعين المقبلين، في جميع المستشفيات عَدا أقسام المستعجلات والإنعاش. وحسب المصدر ذاته، فإن الإضراب الأول سيمتد لـ48 ساعة، يليه إضراب مماثل في الأسبوع الذي يليه، لمدة 48 ساعة كذلك، في ظل الخلاف القائم، بين نقابات القطاع الصحي والحكومة، بخصوص النقاط التي لها علاقة بما هو مادي؛ منها الزيادة في الأجور المقدرة بـ1500 درهم، حيث اقترحت الحكومة صرْفها على دفعتين، بينما تطالب النقابات بصرْفها دفعة واحدة ابتداء من يناير 2024، بالإضافة إلى مطالب النقابات بترقية استثنائية للممرضين المساعدين والممرضين الإعداديين الذين يقتربون من سن التقاعد، كنوع من الاعتراف بالدور المهم الذي لعبوه في بناء المنظومة الصحية الوطنية، إضافة إلى تخويل سنوات اعتبارية لفائدة أطر هيئة الممرضين وتقنيي الصحة المرتبين في السلم التاسع أو أكثر قبل صدور مرسوم 2017، وتُحتسب ابتداء من شهر يناير 2024.
في هذا السياق، قررت مختلف النقابات العاملة في القطاع الصحي خوض الإضراب الوطني بالمؤسسات الصحية الاستشفائية والوقائية والإدارية بكل أنحاء البلاد باستثناء أقسام المستعجلات والإنعاش والعناية المركزة، مع تنظيم وقفات احتجاجية إقليمية وجهوية يوم الأربعاء. وقال مصطفى الشناوي، الكاتب العام للنقابة الوطنية للصحة، المنضوية تحت لواء الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، إن الإضراب يأتي بعد "استمرار الحكومة في الإخلال بالاتفاقات والالتزامات بخصوص مطالب موظفي الصحة ولعدم استخلاص الحكومة للدرس من حراك اجتماعي سابق ناتج عن سوء تدبيرها"، معتبرا أن "الحكومة تتحمل مسؤولية ما قد يترتب على تصرفها من عبث بالحوار الاجتماعي ومصداقيته وخلق أجواء احتقان بقطاع الصحة بمخلفاته"، مؤكدا أن الإضراب يأتي "من أجل تحقيق الاستجابة الفعلية للمطالب العادلة والمشروعة لكل فئات مهنيي الصحة بداية بتنفيذ مضمون الاتفاقات واستئناف التفاوض حول النقط المطلبية المتبقية".
من جانبها، أوضحت النقابة المستقلة للممرضين أن هذا التصعيد يأتي في ظل استمرار "التماطل والجمود والاختباء في حضن الصمت من طرف الحكومة ووزارة الصحة والحماية الاجتماعية"، مشدّدة على "أنها ستستمر في الترافع والضغط حتى إيقاظ النائمين من سباتهم والصامتين من صمتهم، وستقابل هذا الوضع المفتعل برد فعل حازم ومستمر في الزمان والمكان، لأن حقوق الممرضين وتقنيي الصحة ليست للمساومة ولن نسمح بأن يطولها المزيد من التجاهل أو النسيان أو التهريب"، بحسب تعبير بيان نقابة الممرضين.
احتقان بمحاكم المملكة
تلوح بوادر احتقان اجتماعي داخل المحاكم، بعد إعلان موظفي قطاع العدل خوض إضرابات وطنية. فقد قررت النقابة الوطنية للعدل، التابعة للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، تنفيذ إضراب وطني لثلاثة أيام، من أجل إخراج النظام الأساسي لهيئة كتابة الضبط، مشيرة إلى أن بلاغ وزارة العدل بخصوص لقاء الخميس 02 ماي 2024 مع النقابات القطاعية الأكثر تمثيلية، "ضبابي يفتقر للوضوح والشفافية"، حسب النقابة التي دعت رئيس الحكومة إلى "حماية الحريات النقابية بقطاع العدل والتراجع عن الاقتطاع من أجور الموظفين المضربين عن العمل خلال أبريل الماضي"، حسب النقابة، التي اتهمت الوزارة بـ"تحقير حكم قضائي بت في شرعية إعفاء رئيس مصلحة كتابة الضبط سابقا وإعادة تعيينه من جديد في نفس منصب المسؤولية".
وفي هذا السياق، نبه مسؤول نقابي، عن النقابة الوطنية للعدل التابعة للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، إلى ما قال إنه "رفض الوزارة لأي مشروع تعديل من طرف وزارتي المالية والوظيفة العمومية لا يستجيب للمطالب المشروعة للهيئة"، مشيرا إلى أن "مشروع النظام الأساسي المذكور يستجيب نسبيا لانتظارات وتطلعات كُتاب الضبط، يعتبر جبرا لما لحقهم من تهميش وإقصاء من داخل مسارات إصلاح منظومة العدالة، مقارنة بما بُذل من جهد وما زال من طرفهم في سبيل إصلاح القضاء بغية تنزيل مشروع المحكمة الرقمية"، مبينا أن "رفض وزارة المالية التأشير على مرسوم الزيادة في الحساب الخاص تحت مبررات واهية، يشكل استهدافا لأطر وموظفي كتابة الضبط، كما يعد ضغطا في اتجاه تقوية ميول المغادرة عن القطاع".
وكان وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، حاول امتصاص غضب النقابات الممثلة لهيئة كتاب الضبط بالمحاكم، بعد الإضراب الوطني الذي دخلوه على مدى يومين في أبريل الماضي، احتجاجا على عدم تنفيذ النظام الأساسي لموظفي القطاع المتفق عليه مع الوزارة. وأسفر الاجتماع، الذي عقده وهبي بمعية الكاتب العام للوزارة إلى جانب مدير الموارد البشرية، عن تشكيل لجنة حكومية تقنية تتشكل من وزارتي العدل والمالية إلى جانب النقابات لمراجعة النظام الأساسي وتحديد كلفته المالية، والنظر في الملفات الأخرى. واستمر اجتماع وهبي مع الهيئات النقابية ساعات، قبل أن تقرر الأخيرة العودة إلى قواعدها لاتخاذ قرار وقف التصعيد أو مواصلة الاحتجاج إلى حين الاستجابة لمطالبها.
التعليم.. أزمة لا تنتهي
لم تفلح الحوارات في إنهاء الاحتقان بقطاع التعليم، فقد أعلنت التنسيقية الوطنية للأستاذات والأساتذة ضحايا تجميد الترقيات، عن خوض اعتصام مفتوح مع إضراب عن الطعام أمام مديرية الموارد البشرية لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولى والرياضة، وذلك ابتداء من 18 يوليوز 2024، إلى غاية صرف المستحقات المتأخرة برسم ترقيات 2022.
وأوضحت التنسيقية الوطنية للأستاذات والأساتذة ضحايا تجميد الترقيات "أن هذه الخطوة تأتي بعد استنفادها جميع الحلول الممكنة لصرف مستحقاتها المتأخرة منذ أزيد من 31 شهرا، من خلال مراسلات، زيارات، وأسئلة برلمانية كتابية، ووقفات ومتابعات نقابية".
وأضافت التنسيقية الوطنية للأستاذات والأساتذة ضحايا تجميد الترقيات، في بيان، أن هذا الاعتصام يأتي، أيضا، "بعد أن اتضح جليا أن الوزارة تموه من خلال إعطاء تواريخ لا تلتزم بها إطلاقا مع استمرارها في التسويف دون نية للحل".
وأفاد البيان بأن "الوزارة تسعى لتصريف المبالغ المرصودة لترقيات 2022 في حل ملفات أخرى دونا عن مستحقيها الحقيقيين، وذلك للمرة الثانية، بعد المرة الأولى في النصف الأول من السنة المالية 2024"، مشيرا إلى أن "التحجج بغياب السيولة المالية لم يكن إلا ذريعة واهية لتبرير تأخر صرف المستحقات، خاصة بعد ضخ السيولة منذ مدة طويلة وكافية للصرف".
ثلاثة أسئلة لمحمد جدري*: "الحكومة مطالبة بإقرار قانون للإضراب وتدبيرها للحوار الاجتماعي هو ما جعل كلفته قياسية"
- ما هي مؤشرات تزايد الاحتقان الاجتماعي في صفوف موظفي بعض القطاعات، وإضرابات العدل والصحة والتعليم؟
أعتقد أن تزايد هذا الاحتقان الاجتماعي وظهور موجات احتجاجية في مجموعة من القطاعات منها التعليم والصحة والعدل والجماعات الترابية، راجع بالأساس إلى نقطة مهمة تتعلق بالموجة التضخمية التي عمت المغرب خلال السنتين الماضيتين، والتي أضعفت القدرات الشرائية للمواطنات والمواطنين، خاصة ذوي الدخل المحدود الفئات المتوسطة، سيما أن فئة عريضة من الموظفين اليوم بات من الصعب عليهم إكمال شهر دون اللجوء إلى الاقتراض، والأدهى من ذلك أن نسبة مهمة من هذه الفئات بدأت تلجأ إما لقروض عائلية، أو لقروض لدى مؤسسات ائتمانية.
أما العامل الثاني، فهي طريقة تدبير الحكومة لملف الحوار الاجتماعي، وهي الطريقة التي جعلت العديد من الفئات في صفوف الموظفين ترى بأن الفيصل لتحقيق مكاسب اجتماعية هو الشارع، اعتبارا من كون الحكومة قد وقعت اتفاقا اجتماعيا في 30 أبريل سنة 2022، وهو الاتفاق الذي كان متضمنا لقرار الزيادة العامة في الأجور، غير أنها كانت تريد ربح بعض الوقت في انتظار تحقيق انتعاشة اقتصادية، لذلك تلكأت في تنزيل هذه الزيادة، وهو الأمر الذي دفع إلى احتجاجات في الشارع، كان أولها احتجاجات الأساتذة في نهاية سنة 2023 وبداية 2024، وهي الاحتجاجات الذي دامت عدة أشهر، والتي أدت في نهاية المطاف إلى رفع سقف توقعات نساء ورجال التعليم وجعلتهم ينتزعون قرارا بالزيادة في الأجور بلغت 1500 درهم، وبالتالي أصبح لزاما على مجموعة من القطاعات الأخرى إلى رفع سقف توقعاتها أيضا، وعدم القبول إلا بـ1500 درهم كحد أدنى للزيادة في الأجور، ويتعلق الأمر هنا بالتحديد في الصحة والعدل والجماعات المحلية.
اليوم ونحن إزاء هذه الاحتجاجات، يمكن القول إنه من غير المقبول أن الوزير الوصي على قطاع الصحة كان قد وقع التزاما بالزيادة في أجور مهنيي القطاع، غير أن الحكومة تتماطل في تنزيل هذا الاتفاق وتفعيل هذه الزيادة على أرض الواقع، وهو الأمر الذي جعل موظفي هذا القطاع يعتبرون أن السبيل المباشر لتحقيق مطالبهم هو الخروج إلى الشارع، وقد ألهمت احتجاجات قطاع التعليم باقي الاحتجاجات الأخرى لقطاعات باتت تعتبر أن هذه الحكومة لا تستجيب إلا للمطالب المسنودة باحتجاجات الشارع.
- ما هي الكلفة التي تؤديها الحكومة، من أجل تحقيق السلم الاجتماعي؟
أعتقد أن تكلفة الحوار الاجتماعي ستكون على جيوب المغاربة دافعي الضرائب، وهي التكلفة التي ستكون باهظة، حيث إن الحكومة تتحدث عن أن التكلفة المالية للحوار الاجتماعي ستصل في أفق 2026، بعد تنزيل جميع الزيادات في الأجور، إلى 45 مليار درهم، وبالتالي فهي تكلفة باهظة جدا. وأعتقد أنه لو أن الحكومة كانت قد قبلت بالزيادة العامة في الأجور في شتنبر سنة 2022، كانت من الممكن أن تقنع موظفي القطاعات بقبول زيادة 500 إلى 600 درهم، كما كان عليه الشأن إبان حكومة عباس الفاسي، والتي كانت قد أقرت زيادة بلغت 600 درهم في اتفاق 26 أبريل 2011 وقد قبلها المغاربة، وفي 2022 كانت هناك موجة تضخم تقتضي تدخل الحكومة، من أجل تقوية القدرة الشرائية للمواطنين، وهو الأمر الذي لم يتم حينها، حيث كانت ترغب الحكومة في ربح بعض الوقت، وقد انقلب السحر على الساحر، وبات سقف مطالب الموظفين أعلى مما كانت تتوقع الحكومة، وبالتالي فـ45 مليار درهم تمثل 14 في المائة من الميزانية المخصصة للاستثمار، وبالتالي فهذه الأموال عوض أن تذهب في تقوية كتلة الأجور، كان من الممكن أن توجه لتنزيل استثمارات مهمة تعود بالنفع على البلاد، من حيث خلق الثروة، وخلق فرص الشغل، وبالتالي فالتدبير الحكومي للحوار الاجتماعي، هو الذي جعل كلفته تبلغ مستويات مهمة وغير مسبوقة على مستوى تاريخ الحكومات المغربية.
- هل إخراج قانون الإضراب كفيل بإعادة الهدوء للشارع ؟
أعتقد أنه اليوم أصبح لزاما على الحكومة الخروج بقانون تنظيمي للإضراب، وذلك على الرغم من أنه يمكن تسجيل غياب الثقة بين الحكومة والفرقاء الاجتماعيين، في ظل الشد والجذب الحاصل بين هذه الأطراف، وتحديدا بين النقابات وممثلي أرباب العامل والحكومة، زيادة على أن المسودة المتوفرة اليوم بمجلس النواب حول مشروع قانون الإضراب تضم العديد من التراجعات الكبيرة، غير أنه في حال ما تم فتح حوار بشأنها بعيدا عن الحسابات السياسوية والانتخابية وبعيدا عن البعد المصلحي الخاص، فإنه يمكن تغليب مصلحة الجميع والوصول إلى حوار حقيقي بين الأطراف الثلاثة، ويجب أن يكون حوار موسع يضم جميع الفرقاء بما فيهم النقابات الأقل تمثيلية، والمقاولات الصغيرة جدا، ليكون لنا قانون متوازن يحفظ مصلحة وكرامة العاملين وأيضا الاستثمارات الخاصة، وأن يكون قانون تنظيمي يوازي بين الكفتين ولا يتم العمل عليه بتسرع، بل يجب أخذ الوقت الكافي حتى يكون لنا قانون يستجيب لجميع الفئات ويضمن حقوق الجميع.
*متخصص في الاقتصاد الاجتماعي