قرر قاضي التحقيق باستئنافية مكناس، أول أمس الثلاثاء، إحالة الراعي المتهم بارتكاب جريمة "الرأس المقطوع" بجماعة "واد إيفران"، على السجن المحلي "تولال"، في انتظار جلسة تحقيق حدد لها تاريخ 27 يناير الجاري، للنظر في ملف يواجه فيه الراعي تهما ثقيلة لها علاقة بالقتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، وارتكاب أفعال وحشية لتنفيذ فعل يعد جناية، والفساد.
وأطاحت القضية ذاتها بسائق سيارة أجرة كبيرة كان هو من أوصل الضحية، في وقت مبكر من صباح الجمعة الماضي، إلى مركز الجماعة، قبل أن يترصدها الراعي "حميد.أ"، الذي يبلغ من العمر 38 سنة، حيث أجهز عليها ذبحا من الوريد إلى الوريد، وفصل الرأس عن الجسد، ورمى بالسلاح الأبيض الذي وقع به الجريمة إلى بئر مجاور قبل أن يلوذ بالفرار، حيث لجأ إلى الغابات المجاورة. وأطاحت القضية ذاتها، أيضا، بأب الأسرة التي يشتغل لفائدتها الراعي، وهو خال الضحية دخل معها في نزاع حول قطعة أرض، وذلك إلى جانب ابن الخال.
هذا وتمت متابعة السائق وخال الضحية وابنه في حالة سراح، في حين تم الاستماع من جديد إلى والد الضحية وشقيقتها لتعميق التحريات حول ملابسات هذه الجريمة المروعة التي هزت السكان المحليين، وخلقت حالة استنفار في أوساط السلطات المحلية والدرك.
واستعمل الدرك في عملية المطاردة مروحية وكلابا مدربة، وتبين أن المتهم اقترب من بلدة "بومية"، حيث أمضى ليلة الفرار الأولى (ليلة الجمعة/السبت) في منطقة جبلية مجاورة، قبل أن يتم اعتقاله مساء السبت الماضي بمنطقة "تونفيت" بنواحي إقليم ميدلت، بتنسيق بين السلطات المحلية والدرك والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني.
إلى ذلك، أقر الراعي، أثناء التحقيق معه، بارتكابه للجريمة، وقال إن الضحية، وهي أم عازبة تبلغ قيد حياتها 24 سنة ولها ابنة تبلغ من العمر حوالي 7 سنوات، رفضت الارتباط به، ما دفعه إلى قتلها بطريقة بشعة، حيث ظل يترقب مجيئها، قبل أن يداهمها ويقوم بذبحها.
وأشار الجاني، في اعترافاته الصادمة، إلى أنه ارتكب الجريمة لوحده، حيث أخبر الأسرة التي يشتغل راعيا لفائدتها بأنه لن يبيت الليلة في غرفته، بمبرر قضاء أغراض لدى شقيقته التي تقطن بالجماعة نفسها، لكنه ظل الليلة كلها متربصا بالضحية، وعند قدومها انقض عليها وغطى رأسها بغطاء لإخماد صوتها، وجرها نحو سياج من الأشواك، وفصل الرأس عن الجسد، ثم غادر نحو منزل أخته، ومنه فر إلى الغابات والجبال المجاورة.
ووسط أجواء من الحزن في أوساط السكان المحليين، جرى دفن الضحية فاطمة ريحان، في مقبرة مركز سوق الأحد بجماعة "واد إيفران"، عصر السبت الماضي، بحضور رئيس مركز الدرك والقوات المساعدة ورئيس الجماعة وعضو من المعارضة، دون تسجيل حضور بقية الأعضاء.
وانتقدت فعاليات محلية غياب عدد كبير من المنتخبين عن حضور مراسيم الدفن وتقديم واجب العزاء لوالد الضحية، محمد ريحان، الذي يعاني من مرض السرطان، ما جعله مقعدا وعاجزا عن العمل، بينما ظلت الضحية هي التي تشتغل في الضيعات الفلاحية والمقاهي لإعالة أسرتها التي تتكون من أب مريض وابنة صغيرة لا حول لها ولا قوة، في وقت حظيت القصة المؤلمة لهذه الأسرة التي تعيش الهشاشة الاجتماعية، بتضامن واسع من قبل فعاليات جمعوية وحقوقية وأكاديمية وإعلامية على الصعيد الوطني.
وفي صباح الأحد الماضي، أشرفت عناصر الدرك، وسط تعزيزات أمنية كبيرة، على إعادة تمثيل الجريمة. وأعاد الراعي، الذي يعمل لفائدة أسرة تربطها علاقة قرابة ونزاع بسبب الأرض مع أسرة الضحية، تركيب الطريقة البشعة التي نفذ بها هذه الجريمة، في حين دعت الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان إلى "الضرب بيد من حديد على أيدي الجناة وتشديد العقوبة عليهم حتى يكونوا عبرة لكل من سولت له نفسه ارتكاب مثل هذه الجرائم النكراء"، مطالبة الجهات المسؤولة بـ"تحسين الوضع الاجتماعي لتحقيق عدالة اجتماعية ومجالية وصون حياة المواطن وكرامته، وتوفير الشغل للعاطلين، والاهتمام بالأرامل والمطلقات والأيتام والأسر ذوي الدخل المحدود والمنعدم، بشكل يضمن لهم العيش الكريم في وطن آمن".