لا أحد يشك أن أكبر هدية سياسية قدمت لحزب العدالة والتنمية هي الطريقة التي دبر بها بعض أمناء الحزب العامين شؤون حزب الأصالة والمعاصرة، الذي شكل مصدرا غنيا ساهم بوعي أو بدونه في تغذية شرعية الحزب الحاكم ومدها بكل مقومات الاستمرار والتمدد.
ولم يكن يتوقع حتى أكثر "البجيديين" تفاؤلا أن يخرج أمين عام كإلياس العماري ويعلن بشكل صريح أن هدفه هو محاربة الإسلاميين وتقليص رقعتهم، بينما هو في الواقع يقدم بمواقفه البهلوانية وخطاباته المراهقة خدمات لا تعد ولا تحصى تقوي من وجود غريمه السياسي وتمنحه الكثير من مبررات البقاء.
ومما لا شك فيه أن "الجرار" أصبح يعاني عطبا كبيرا في محركه وسائقيه، وخصوصا بعد فشله الذريع في الإطاحة بالحزب الحاكم مما أدى إلى تآكل هائل في شرعية وجود الوافد الجديد، والذي كان، حتى سنوات قليلة، يتمتع بنفوذ كبير داخل ردهات صناعة القرار أو هكذا على الأقل، حاول إلياس العماري إقناع الجميع بأنه حزب حصل على الضوء الأخضر لقيادة المشهد السياسي، وأن كل شيء تحت السيطرة قبل أن تبور حساباته ويتعرض لهزيمة نكراء بسبب مشاهد السيرك المضحكة التي قام بها، معتقدا أنه يستطيع بها تنحية الإسلاميين قبل أن يكتشف أنه كان سببا كسب به حزب العدالة والتنمية المئات والآلاف من أصوات الناخبين بدون أي جهد مضني.
لقد نجح حزب "البام" في زمن إلياس العماري في شيء واحد فقط هو تحويل الحزب إلى مطية للاتجار بأموال الانتخابات ومصعد سريع لتسلق المتزلفين والمتملقين من بقايا اليسار، وأداة لتحقيق الوصوليين والانتهازيين من الأعيان لمآربهم الشخصية، بعيدا عن أي قناعات سياسية أو فكرية أو رؤية سياسية واضحة يمكن أن تقدم قيمة إضافية للمشهد الحزبي المبلقن.
واليوم يقف "الجرار" على أعتاب أكبر تحد يواجهه في مسيرته الغامضة، ويهدده بالاندثار نهائيا من المشهد السياسي إن لم يبادر إلى اتخاذ خطوات جريئة سريعة لإعادة بناء هياكله ومؤسساته على أسس جديدة بعيدا عن علاقات الزبونية والعاطفية والقبلية وبروفايلات ذات مصداقية وغير مستهلكة. والمؤكد أن أولى الإصلاحات المطلوبة هي إجراء عملية مراجعة جذرية تحقق انفصاله عن شبهة الارتباط بالدولة كما سوقها إلياس العماري واعتماده على إمكانياته الذاتية وقدرات مناضليه دون "ضوباج" سياسي. وَمِما لا ريب فيه أن"البام" محتاج إلى مراجعات عميقة وكبيرة ليتحرر من مراهقته السياسية التي جنت عليه وجرت عليه غضب الفاعلين السياسيين مما جعله يتحول إلى حزب على شفا الانشطار، رغم أنه يشكل ثاني لاعب حزبي في الملعب السياسي.
تنشر بالاتفاق مع جريدة "الأخبار" الورقية