لقد فوت حزب العدالة والتنمية مع قضية صور ماء العينين بباريس فرصة ذهبية لكي يقوم بمراجعة عميقة لمرجعيته الأيديولوجية وأن يصارح ناخبيه بمخرجات هذه المراجعة.
فمن خلال سلوكيات بعض قياديّيه، وزراء وبرلمانيين، وممارساتهم وتصريحاتهم يتضح لكل ذي حاسة شم سليمة أن الحزب يعيش مخاضا عسيرا على مستوى التحولات القيمية والمرجعيات الأيديولوجية التي تأسس عليها قبل ثلاثين سنة.
لكن الحزب الحاكم، وبسبب حرصه المرضي الشديد على عائدات ريع الأصل التجاري للمرجعية الإسلامية، فضل أن يدس رأسه في الرمال وأن ينتظر مرور العاصفة، معولا على الوقت لكي ينسى الناس هذه التناقضات الكبيرة التي يعيشها والتي تحفر هوة عميقة بين الخطاب والممارسة.
وفي الأول جرب الحزب عبر فريقه النيابي وصفة التضامن مع البرلمانية ضد ما اعتبره قادته حملة تشهير بصور مفبركة ضدها بسبب مواقفها، قبل أن يتضح أن الصور حقيقية ويخرج أحد المعتوهين لكي يقول إنهم سيتشبثون بقادتهم حتى ولو تمت تعريتهم على المنصات، والحال أن الصور لم تعر شيئا آخر سوى نفاق وكذب وتدليس الحزب الحاكم، فنحن ضد نشر صور الأشخاص عراة سوى من أقنعتهم السياسية.
لقد تضامن حزب العدالة والتنمية مرتين مع أمينة ماء العينين واكتشف أنه "تزرف"، أولا عندما ادعت قبل سنوات من اليوم قرصنة بريدها الإلكتروني ووضعت شكاية واتهمت الأجهزة الأمنية باختراق بريدها بسبب جرأة مواقفها، وعندما ظهر العكس واتضح أن زوجها السابق، الذي بالمناسبة طلقته للارتباط بحبيبها اليساري، هو من اخترقها أصيبوا جميعا بالبكم وتم سحب الشكاية وانتهت القصة.
وها هو اليوم الطليق المخدوع يتضامن مع طليقته المتحررة بتدوينة في الفيسبوك، ومن حقه ذلك، فالرجل كان أستاذا فائضا في تزنيت فجاءت به أمينة ووظفته في وزارة الشوباني لذيذ مديرا لمديرية، "السيد كان فائض فاق وصبح مدير فوزارة، معلوم يضامن".
واليوم بعد نشر الصورة الأولى للبرلمانية في حي "بيغال" الساخن بباريس سارع الفريق النيابي للعدالة والتنمية وأصدر بلاغا تضامنيا ضد "الصور المفبركة"، وعندما تم نشر صورة للسيدة البرلمانية بساحة "فاندوم" بتنورة تكشف ساقيها وتبين من الصورة الثانية أن الفبركة غير واردة، سكت القوم مجددا وكأن لا شيء حدث.
فكيف يقبل هؤلاء أن يلدغوا من الجحر نفسه مرتين؟
كم سيحتاج الحزب من فضائح أخلاقية ومن تناقضات أيديولوجية ومن أكاذيب سياسية لكي يفهم أنه يجب عليه وضع مسافة بينه وبين ادعاء العمل بالمرجعية الإسلامية؟
كم من صور تكشف كذبهم وزيف ادعاءاتهم وانفصام شخصياتهم ستكفي لكي يتركوا التظاهر بالدين جانبا في خطاباتهم ويركزوا على تجسيد مبادئ الدين الحقيقية، من عمل وكفاءة وصدق وأمانة وتضحية، في أعمالهم وسلوكياتهم وممارساتهم اليومية للسلطة وليس فوق منصات الخطابة أمام الجماهير المخدوعة؟
لقد فوتت ماء العينين فرصة ذهبية لكي تنجز ثورة داخلية وسط حزب العدالة والتنمية، وأن تكون بذلك أول قيادية تقرر أن تعيش حياتها الخاصة كما تشاء بعيدا عن إملاءات الحزب وحركته الدعوية التي تربط الحجاب بالعفة، كما لو أن كل امرأة لا تضع خرقة فوق شعرها فهي ناقصة عفة.
فعوض أن تعترف بأن الصور صورها وأنها فعلا لبست السروال والتيشورت والتنورة والقميص بدون أكمام، وأن الساقين ساقاها والذراعين ذراعاها وأننا لسنا كذابين ولا أفاكين ولا نقود حملة تشهير أو تلفيق أو اختلاق وافتراء ضدها كما كتب رئيس فريقها في البرلمان، اختارت موقفا جبانا حرصا على صورة ليست هي الصورة التي تقتنع بها، ودفاعا عن أفكار لم تعد تؤمن بها، وجاءت إلى البرلمان في جلسة الاثنين بالزي الإسلامي مغطية بمنديل شعرها الذي كان يتطاير أمام الطاحونة الحمراء ومسدلة معطفها الطويل الذي يخفي ساقيها اللذين كانا يتحمران تحت شمس غشت في ساحة "فاندوم"، كما لو أن الحجاب بذلة عمل وليس اختيارا دينيا عن قناعة.
إن مشكلة الحزب الحاكم أنه لم يستوعب بعد أن دور الضحية الذي يلعبه منذ سبع سنوات قضاها في الحكم لم يعد ينطلي على الشعب، فقد كان هذا الدور يليق بهم عندما كانوا يجتازون صحراء المعارضة أما اليوم فهم يحكمون، ويتوفرون على 129 نائبا ومستشارا بمجلسي البرلمان، ويشرفون على رئاسة 350 جماعة ترابية، ويرأسون جهتين من أصل 12، ويتوفرون على ما يفوق 5000 مستشار جماعي، ومع كل هذا يجدون الوجه لكي يتباكوا ويذرفوا دموع التماسيح أمام الشعب ويقولوا إنهم مستهدفون وضحايا ولا أحد يتركهم يشتغلون.
"قلبو على شي ديسك جديد، هادا راكم حفيتوه".