توقف، أول أمس (الخميس)، القلب النابض للتجارة المغربية الذي تشكل شريانه آلاف من المحلات المهنية والدكاكين التجارية الصغيرة، بسبب توجسات التجار والمهنيين الصغار من تداعيات فرض الحكومة لنظام الفوترة الإلكترونية على معاملاتهم التي قد تعصف بهوامش الربح الصغير الذي يحصلون عليه.
هؤلاء التجار الصغار أغلقوا محلاتهم قسرا وليس اختيارا، لأن ما مسهم، طيلة السبع سنوات الماضية، من رفع للأسعار وتقليص لهوامش الربح، هو جزء من السياسة ذاتها التي يأتي ضمنها اليوم تعديل قانون المالية بفرض الفوترة الإلكترونية التي أفاضت كأس الفئات المهنية وفجرت غضبهم العارم.
فموضوع الاحتجاج أبعد ما يكون عن الفوترة، وهو القشة التي قصمت ظهر البعير، والمستهدف بإغلاق المتاجر والمحلات هو نهج الارتباك والقرارات الفاشلة التي اتخذتها الحكومة اليوم في شكل إصلاح ضريبي، لكنه ليس الشكل الوحيد أو الأخير لسياسات الإجهاز على ما تبقى من هامش لدافعي الضرائب للعيش بكرامة.
ويبقى الدرس الذي يمكن استخلاصه من حالة الشلل التام التي أصابت معظم المحلات، هو أن هذه الحكومة بارعة في صناعة الاحتجاج وتقوم، بشكل مباشر وغير مباشر، بكل ما من شأنه تأجيج الشارع وهدم كيان الاستقرار الاجتماعي، وتصدير فشلها للقوات العمومية، بسبب تراخيها في أداء واجباتها في حماية القدرة الشرائية للمواطن، أو جراء اتخاذ قرارات غير محسوبة العواقب في المجالات المختلفة، الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، والتي سرعان ما تسببت في تجيش المعارضين لها.
وإذا كان من إنجاز يمكن أن يوضع في كفة حكومة سعد الدين العثماني وسلفه عبد الإله بنكيران، فهو تحقيقهما الإجماع لدى مختلف الفئات المهنية داخل القطاعين العام والخاص، بحتمية اللجوء للاحتجاجات والإضرابات لتحقيق مطالبها تجاه جشع الحكومة التي تحاول كل يوم البحث عن مداخيل لميزانية الدولة، على حساب جيوب الطبقة الفقيرة والمتوسطة التي لم تعد تثق في أن الضرائب التي ستحصّلها الحكومة منها ستعود عليها بأي نفع ملموس، من خلال توجيهها لخدمات في القطاع الصحي أو التعليمي أو خلق فرص الشغل والاستثمار، أو غيرهما.
والغريب أن الحكومة وصلت إلى منسوب من الهواية جعلها أثناء اتخاذها للقرارات تستخف بالشارع ومفاجآته، وتظهر اطمئنانا ساذجا بتجاوز قنابل الاحتجاج الاجتماعي. إن تزايد إخفاقات حكومة العثماني، التي أثبتت فشلها منذ تعيينها قبل عشرين شهرا في إدارة الملف الاقتصادي والاجتماعي بامتياز، يستوجب إعادة النظر في استمرار الحكومة بشكلها الحالي قبل فوات الأوان.
تنشر بالاتفاق مع جريدة "الأخبار" الورقية