عرت شعبوية البرلماني خالد البوقرعي، حينما كشف أن رئيس الحكومة اشترى فيلته الموجودة بحي السلام بسلا بطريقة «دارت»، غابة مخيفة من المعاملات المالية غير القانونية التي يلجأ إليها أعضاء ورموز الحزب الحاكم خارج مراقبة السلطات المالية، من بنك المغرب ولجنة مؤسسات الائتمان، والمجلس الأعلى للحسابات، وبدون احترام نظام وضع الودائع وآليات المراقبة الاحترازية وتتبع مصادر التمويل.
ما كشف عنه البرلماني الذي تحول إلى أمين مال مجلس النواب، يعني أن هناك نظاما ماليا خاصا بالحزب داخل نظام مالي للدولة، توظف فيه الجمعيات المحددة بظهير 1958 التي تهدف إلى خدمة المصلحة العامة دون أن تكون لها أهداف ربحية أو استثمارية لأعضائها، كواجهات قانونية لممارسة دور الأبناك عبر تحويل آليات الانخراط والمساهمات السنوية إلى ودائع استثمارية للمنخرطين فيها يحصلون عليها بعد حين، رغم أن القانون يمنح وزارة الداخلية حل الجمعيات التي تتحايل على القانون وتمارس أهدافا غير تلك التي دونتها في نظامها الأساسي ومتابعتهم جنائيا.
لقد نجحت سذاجة رموز «البيجيدي» وشعبويتهم السطحية لربح بعض النقاط السياسية ضد الخصوم، في فتح ملف كبير لعشرات الجمعيات تنشط بـ(سلا، الرباط، فاس، الدار البيضاء، طنجة، أكادير، مراكش..)، بدأت تتحول لشركات ائتمان بدون تراخيص ودون سلك المساطر القانونية المعتمدة في القانون البنكي، لكنها تستغل قانون الجمعيات كغطاء لضخ تمويلات هائلة بطرق ملتوية، في ظل غياب الشفافية المالية وعدم احترام القانون، إلى أعضائها لشراء مساكن أو القيام بمشاريع استثمارية.
إن تراخي الحكومة والمؤسسات الدستورية، خصوصا المجلس الأعلى للحسابات، وتسامحها مع تحول جمعيات أو مجموعات بشرية إلى خزان للتمويل خارج رقابة الدولة، يمثل خطورة على أمن البلد وتهديدا لنسيجه المالي الذي يعاني من الهشاشة أصلا.
لقد أصبحت الحاجة ماسة لفتح هذا الملف الشائك بكل جدية وحزم، وتتبع أنشطة العشرات من الجمعيات التي تحوّلت خلال العقد الأخير إلى شبه أبناك وهمية تودع لديها مئات الملايين، في ظل غياب رقابة الدولة وخارج القواعد التي تتطلبها الشفافية المالية. وبدون شك، فإن تدخل المجلس الأعلى للحسابات والمحاكم المالية والسلطات العمومية والجهاز القضائي لفرض القانون وإجبار أي جمعية على الالتزام بطبيعة نشاطها أو حلها، سيكون مدخلا مهما للقضاء على الممارسات المالية غير المهيكلة، قبل أن تتحول إلى سلاح فتاك في يد منظمات التبييض والتطرف وتهدد به البلاد والعباد.
تنشر بالاتفاق مع جريدة "الأخبار" الورقية