أظهرت بعض الأرقام المخيفة التي أعلنها سعيد امزازي، وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، تخص هجرة الكفاءات المغربية تجاه الخارج، أن أكثر من 600 مهندس يهاجرون سنويا بلادهم متوجِهين إلى أوروبا والولايات المُتحِدة وكندا للبحث عن مستقبل أفضل. وسبق للهيأة الفرنسية، حسب دراسة أجرتها حديثا، أن أكدت أن عدد الأطباء المغاربة، المقيمين في الديار الفرنسية، يقارب 7000 طبيب، منهم 6510 أطباء من أصول مغربية يمارسون مهنتهم بشكل مستمر، و430 طبيبا يمارسونها بشكل متقطع.
الغريب في الأمر أن الحكومات المغربية تقف مذهولة وعاجزة عن إيجاد وصفة لوقف نزيف الهروب الجماعي لمهارات تمثّل صفوة النخبة الأكاديمية والعلمية الوطنية، دون أي محاولات لتقديم بدائل مغرية لهاته الأدمغة للبقاء في بلدها والاستفادة من كفاءاتها، في ظل الندرة المسجلة في هاته الفئات. أكثر من ذلك، لجأت حكومتا «البيجيدي» إلى القيام بكل ما من شأنه أن يحرض الكفاءات على الهجرة، ونتذكر إصلاحات تقاعد بنكيران التي أجبرت المهندسين والأطباء العموميين والأساتذة الجامعيين على دفع حوالي 1500 درهم إضافية لتمويل صناديق التقاعد، بالإضافة إلى استمرار غياب التغطية الصحية والتقاعد لدى أصحاب المهن الخاصة رغم وجود قانون يلزم بذلك مازال معطل التطبيق.
نحن، إذن، أمام صفقة خاسرة بالنسبة للوطن ومربحة لبلد الاستقبال والكفاءة المغربية، حيث تستفيد البلدان المضيفة دون عناء من مهارات المهاجرين المغاربة الذين يستفيدون بدورهم من دخول بيئة اقتصادية ومهنية أكثر استقرارا. لكن الأمر في غاية السوء بالنسبة إلى وطننا، الذي يحرم من الكفاءات التي يحتاج إليها لتخطي معوقات التنمية وهشاشة الخدمات العمومية، رغم بعض فوائد التحويلات المالية التي قد يكون مصدرها بعض الأدمغة المهاجرة، لكن أضرار النزوح الجماعي تفوق بكثير مكاسب مغادرتهم.
إن استمرار النزوح الممنهج للعقول العلمية التي بذلت الدولة مجهودات جبارة لتكوينها دون العمل على وقف النزيف، فضلا عن أنه سيؤدي إلى تصحر الساحة العلمية من نخبها، ليحل محلّها أشباه السياسيين الذين أصبحوا يملؤون الساحة ضجيجا وشعبوية دون مردود يذكر، فإنه يجعلنا عرضة لانفجار إحدى القنابل الموقوتة التي ينجم عنها الكثير من التداعيات السلبية الاجتماعية والسياسية والأمنية.
تنشر بالاتفاق مع جريدة "الأخبار" الورقية