فيما يشبه حملة انتخابية سابقة لأوانها، خرج رئيس الحكومة سعد الدين العثماني من قلب المعقل الانتخابي لرئيس التجمع الوطني للأحرار بجهة سوس- ماسة، ليرمي بكرة المسؤولية عن الاحتجاجات التي يخوضها التجار ضد بعض إجراءات القانون المالي للسنة الجارية، إلى مرمى وزير الفلاحة ووزراء التجمع، معلنا أنهم هم من اتخذوا القرار الذي أغضب التجار، وأن وزراء الحزب الحاكم أبرياء من القرار براءة الذئب من دم يوسف.
وقبل ذلك كان، بلاغ للتجمع الوطني للأحرار حمل حكومة عبد الإله بنكيران المسؤولية في تفجر ملف أزمة التجار.
والواقع أنه ليست هناك حكومة تحترم نفسها في العالم يهرول رئيسها لتوريط وزرائه في فشل بعض السياسات والقرارات، فالأصل أن رؤساء الحكومات يتحملون مسؤولياتهم السياسية والدستورية، ويخرجون للدفاع بشراسة عن وزرائهم، وفي أسوأ الأحوال يحافظون لهم على حق الدفاع عن قراراتهم ويتركون للرأي العام سلطة التفاعل.
للأسف، رئيس حكومتنا كلما أثار قرار رد فعل اجتماعي، يستل مسؤوليته ويدع وزيره في قلب العاصفة، وسبق ان حدث المشكل نفسه مع وزيره في التعليم سعيد أمزازي خلال الضجة التي ثارت حول إدراج بعض مصطلحات الدارجة، معتبرا أن ما قام به الوزير الحركي غير مقبول.
نعود إلى قصة الفوترة الإلكترونية ونساير رئيس الحكومة في كون وزراء الأحرار مسؤولين عن القرار، أليس هو رئيس الحكومة التي تُمارس اختصاصاتها تحت سلطته طبقا للفصل 89 من الدستور؟ أليس العثماني هو من يحدد صلاحيات كل وزير وفق الفصل 93 من الدستور؟ أليس العثماني هو رئيس مجلس الحكومة الذي أشر على القانون المالي حسب المادة 5 من القانون التنظيمي لأشغال الحكومة؟
أليس رئيس الحكومة هو من يملك مطالبة وزرائه بإعداد دراسة للجدوى إذا تم سن تشريع جديد يمكن أن تكون له رهانات اجتماعية واقتصادية بصريح المادة 19 من القانون المنظم للحكومة؟ أليس العثماني من يحيل القانون المالي على البرلمان من أجل المصادقة عليه؟
أليس هو من يملك حق تقديم تعديل على القانون المالي خلال فترة مناقشته إذا تبين له أنه يتضمن إجراء يمس بحقوق الآخرين؟ أليس من حقه التدخل لدى الأغلبية البرلمانية التي يقودها حزبه ومطالبتها بوقف الإجراء من جانبها؟
من المؤكد أن رئيس الحكومة يملك كل هذه الترسانة القانونية والإمكانات الدستورية والرئاسية لتعطيل أي قرار وزاري لا يقتنع به أو يشعر بأنه يمس الطبقات الهشة أو يتعارض مع البرنامج الحكومي الذي حصل به على الثقة البرلمانية. لذلك فإن تضارب تصريحات سعد الدين العثماني وتذبذب موقفه حول المسؤول الأول عن القرار، باتا دون جدوى ومسيئين له.
المواطن بحاجة إلى إجراءات وقرارات لإعادة الأمور إلى نصابها، لا إلى رئيس حكومة مهزوز يقذف التهم حول المسؤوليات ويشتكي مثل المواطنين، وإلا ما الحاجة إلى وجوده أصلا، وما حاجة الرأي العام إلى رئيس حكومة يحول نفسه باستمرار إلى وزير أقل من عادي، بينما الحكومة والإدارة وحتى البرلمان تحت سلطته القانونية والسياسية؟
تنشر بالاتفاق مع جريدة "الأخبار" الورقية