الذي ينظر إلى روايات وزراء حكومة سعد الدين العثماني، أول أمس (الخميس)، بشأن إنفلونزا الخنازير بعد خروجهما من نفس المجلس الحكومي، قد يتصور أننا أمام وزراء لا ينتمون لنفس الحكومة أو لنفس البلد، ففي الوقت الذي أكد فيه أنس الدكالي، وزير الصحة، مصرع 5 أشخاص بسبب هذا الوباء، فإن مصطفى الخلفي، الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، الناطق الرسمي باسم الحكومة، كشف عن تسجيل حالتي وفاة بالإنفلونزا (أش 1 إن 1). وفي اللحظة التي نفى فيها وزير الصحة وفاة المواطنة، يسرا، بسبب داء الخنازير، كذب الناطق الرسمي تصريح زميله، مؤكدا أنها قضت نحبها بالإنفلونزا الخبيثة.
ليس بمثل هاته المواقف المتضاربة يمكن للحكومة مواجهة مرض إنفلونزا الخنازير الذي لم يكشر عن أنيابه بعد، وأن احتمالات خطره قد ترتفع في الأسابيع القادمة. فالرأي العام محتاج إلى حكومة قادرة على تدبير هاته الأزمة الصحية ومحاصرة رقعة الداء بخطاب موحد وتدابير استعجالية فعالة، وليس بإعطاء تصريحات متناقضة أو يكذبها الواقع بعد ثوان على إطلاقها.
ما أظهرته الأيام الأولى من انفجار الوباء الذي خلف رسميا وفاة خمسة مواطنين، يجعلنا نقتنع أننا أمام حكومة لا تملك أي حس لإدارة الأزمات، حيث ترفض الحديث بصراحة عن الأخطار والتهديدات المختلفة للوباء، وترى في ذلك رسالة سلبية وروحا تشاؤمية لا داعي لها، رغم أن مثل هذا المشكل الصحي ليس حكرا على بلدنا، ولا يوجد مجتمع يخلو من الأوبئة، رغم ما سجله التقدم البشري والتطور التكنولوجي.
ولا شك أن الأيام الأولى لظهور أعراض الإنفلونزا أكدت بالملموس إخفاق الحكومة في إدارة معركة تواصلية، قادرة على مواجهة التخوفات المشروعة للمواطنين و«تسونامي» الإشاعات التي تحاول تضخيم الأمور والتهويل منها، لكن هذا ليس مبررا لانحياز الحكومة لاستراتيجية التستر والصمت عن الداء وضحاياه. صحيح أن هناك الكثير من وسائل الإعلام العشوائية وغير المسؤولة وغير المهنية تغذي مواقع التواصل الاجتماعي بأخبار كاذبة، سرعان ما تحظى بكثير من المتابعة في ظل أزمة الثقة في بيانات الحكومة وتصريحات وزرائها، لكن لغة الصمت في إدارة الأزمات وغياب التفاعل اللحظي يزيدان من المخاوف ويولدان الاحتقان.
والمؤكد أن إدارة مثل هاته الأزمة تحتاج بالفعل إلى حكومة تصنع توجهات الرأي العام بإمداده بالحقائق والمعطيات، وليس حكومة تتبع ما يصنعه الرأي العام وتتفاعل معه ببيانات تكذيب وتوضيح.
على حكومتنا أن تدرك أن الانتصار على فيروس إنفلونزا الخنازير لا يتم بتوفير الدواء وتطبيق البروتوكول الصحي فقط، بل بتوفير وصفة تواصلية فعالة للقضاء على فيروس الشك والخوف والارتباك، وآنذاك ستنتصر على الفيروس قبل أن يتحول إلى وباء صحي يهدد الاستقرار الاجتماعي.
تنشر بالاتفاق مع جريدة "الأخبار" الورقية