أخرج عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المبعد، لسانه الطويل وشرع يطلق الشتائم والبذاءات في كل الاتجاهات، في محاولة منه للهروب من الزاوية الضيقة التي وجد نفسه محشورا فيها بسبب حصوله على معاش غير مستحق كان يشن عليه حروبا زمن المعارضة، قبل أن يهتدي إلى حيلة الاختباء وراء الملك لإنقاذ ما تبقى من شعبيته التي قضمتها خمس سنوات ونصف من تواجده في الحكومة.
وقدم رئيس الحكومة السابق، خلال نهاية الأسبوع، ساعتين كلها عبارة عن خطاب من جانب واحد أمام صمت مطبق للصحافيين الذين استدعاهم للحديث أمامهم في كل شيء، ودفع الرأي العام لنسيان تقاعده السمين، فأشهر ورقة حراك الريف وطلبه العفو عن الزفزافي لأنه وأصدقاءه مجرد ضحايا فيما الفاعلون الأصليون لازالوا طلقاء، علما أن القضاء قال كلمته في الموضوع. وتحدث عن إصلاح التقاعد والرفع من الحد الأدنى للأجور وتعويضات الأرامل وحكاياته مع مزوار ومريم بنصالح وشكه في وفاة عبد الله بها وإحساسه بدنو أجله، وسجاله مع نزار بركة ونقاشاته مع المستشار الملكي فؤاد عالي الهمة، وغضبة الملك عليه وقصة وأد رفع الدعم عن البوطة وإصلاح أثمان الكهرباء والماء، قبل أن يخصص جلسة جلد لمدير هاته الجريدة وبعض من الزملاء الصحافيين أمام بعض ممن يفترض أنهم زملاء.
لن نكرر خلال كل خروج إعلامي لبنكيران سمفونية أن الرجل يتجاوز كل واجبات التحفظ التي يفترض أن تلاحق رجل دولة ورئيس حكومة حتى مرقده الأخير، لكن لن نقبل بمحاولاته التطاول على الملكية وجرها إلى قلب الصراع السياسي وجعلها كطرف سياسي. فوسط إشارات الغزل التي بعث بها بنكيران إلى الجالس على العرش وإظهار أنه ضد مطالب الملكية البرلمانية، وأنه وقف سدا منيعا في وجه حركة 20 فبراير، توجد رسائل غير ودية تحمل ضمنيا المؤسسة الملكية مسؤولية عدم موافقته على قرارات طلبها كرئيس حكومة لصالح فقراء المجتمع. فالملك، وفق ما يفهم من رواية بنكيران، لم يتجاوب مع طلبه للعفو عن معتقلي الريف الضحايا، والملك رفض، حسب بنكيران، ضمنيا، رفع الدعم عن البوطة الذي كان سيوفر بعض الملايير لخزينة الدولة، والملك، حسب بنكيران، أوقف استفادة مليوني فقير من مجانية الماء والكهرباء، والملك غضب على رئيس الحكومة بسبب نقاشه مع مستشاريه.
سيكون بنكيران أكبر متوهم إذا اعتقد أن بمثل هذا النوع من الابتزاز المقيت وخطاب الإشارات الموجهة لأعلى سلطة في البلد، بإمكانه الشفاء من حالة الاحتضار السياسي التي دخل فيها بعدما انفض من حوله الإخوان وانقلب عليه رفاق الدرب وانتبه المغاربة أخيرا لأكاذيبه وشعاراته الخادعة.
وسيزيد وهم بنكيران تضخما إذا كان يظن أن الزمن السياسي توقف لسنتين في انتظار عودته لممارسة هوايته المفضلة في الشعبوية والنكت الحامضة والكلام البذيء والشتائم المقذعة في حق الغائبين عن مجالسه، فالمغاربة أذكياء ولا يمكن أن يسبحوا في النهر مرتين أو يلدغوا من نفس الجحر أكثر من مرة.
تنشر بالاتفاق مع جريدة "الأخبار" الورقية