أبانت الحصيلة التشريعية للبرلمان في منتصف ولايته، عن هيمنة الحكومة على جل الإنتاج التشريعي، حيث أغلب النصوص القانونية المصادق عليها، يكون مصدرها هو الحكومة، في حين توجد في رفوف البرلمان 200 مقترح قانون، بعضها مرت عليه سنوات دون أن يدخل إلى المسطرة التشريعية للمصادقة عليه، ومنها قوانين تهم ملايين المغاربة، ما يطرح أسئلة حول مصير هذه القوانين، وكذلك الجدوى من صرف الملايير من المال العام على مؤسسة تحولت إلى مجرد غرفة لتسجيل مشاريع القوانين التي تصدرها الحكومة.
منح الدستور الجديد للبرلمان عدة صلاحيات في مجال الرقابة على العمل الحكومي، كما تم منح المعارضة بالبرلمان وضعية متميزة وحقوقا متعددة، ويبقى الهدف الأساسي من ذلك هو النهوض بالعمل البرلماني، والرفع من جودة القوانين والسياسات العمومية التي يتولى البرلمان تشريعها، ورد الاعتبار للبرلمان كمؤسسة دستورية لازمة لتحقيق الديمقراطية التمثيلية الحقة وليس الشكلية. كما نص الدستور على تنظيم العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، على أن "تخصص بالأسبقية جلسة في كل أسبوع لأسئلة أعضاء مجلسي البرلمان وأجوبة الحكومة". والحكومة ملزمة بالجواب عن أسئلة أعضاء البرلمان خلال العشرين يوما الموالية لإحالة السؤال إليها.
حصيلة هزيلة
مع اقتراب منتصف الولاية التشريعية، يواجه كل من البرلمان والحكومية تحدي إخراج جميع القوانين التنظيمية المكملة لتنزيل دستور 2011، حيث مازالت هناك خمسة قوانين في غاية الأهمية لم تخرج بعد إلى الوجود، رغم أن الدستور اعتبر الولاية التشريعية السابقة، ولاية تأسيسية، تتطلب استكمال البناء المؤسساتي والقانوني للبلاد، ويعني ذلك أنه كان من المفروض إخراج هذه القوانين قبل نهاية الولاية السابقة، وإلى حدود الآن، هناك بطء في الإنتاج التشريعي للحكومة الحالية والبرلمان، حيث مازالت هذه القوانين ذات الأهمية محتجزة داخل اللجان البرلمانية منذ حوالي ثلاث سنوات. ويتعلق الأمر بالقانون التنظيمي للأمازيغية، والقانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للغات والثقافة، والقانون التنظيمي للإضراب، والقانون التنظيمي للدفع بعدم الدستورية، كما أن القانون التنظيمي للنقابات مازالت الحكومة لم تفرج عنه.
وبالإضافة إلى القوانين التنظيمية، هناك العشرات من مشاريع ومقترحات القوانين مازالت «محتجزة» داخل اللجان البرلمانية الدائمة، وهناك أكثر من 40 مشروع قانون و110 مقترحات موضوعة برفوف البرلمان دون استكمال مساطرها تشريعية، بالإضافة إلى النصوص المتبقية من الولاية السابقة، والتي يتجاوز عددها حوالي 200 مشروع ومقترح قانون، منها قوانين مرت عليها أزيد من خمس سنوات دون إخضاع هذه القوانين للمناقشة والدراسة، وفق ما تنص عليه المسطرة التشريعية قبل المصادقة عليها، ما جعل بعضها يدخل طي النسيان، من بينها قوانين مثيرة للجدل، ما يطرح أسئلة حول مصير هذه القوانين.
وحسب المعطيات التي استقاها الموقع من مصادر برلمانية، هناك لوبيات تتحرك داخل غرفتي البرلمان المغربي للدفاع عن مصالحها الشخصية، ففي الوقت الذي توجد قوانين لم يقدر المشرع على تعديلها، وهناك العديد من مقترحات القوانين ومشاريع القوانين التي بقيت منذ سنوات مجرد حبر على ورق داخل رفوف مكاتب غرفتي البرلمان أو القطاعات الحكومية المعنية، مقابل ذلك هناك قوانين تتم دراستها والمصادقة عليها في وقت قياسي، لأنه، بكل بساطة، تكون وراءها جماعات ضغط تتحكم في دواليب الآلية التشريعية من خارج مؤسسة البرلمان، كما تتحكم في صنع القوانين التي تخدم مصالحها وتعرقل القوانين التي تمس مصالحها أو تخدم مصالح منافسيها. ويتوفر أصحاب المصالح الاقتصادية داخل البرلمان على كل الإمكانيات والآليات والوسائل لعرقلة كل مبادرة يمكن أن تؤثر على مصالحهم، وتتحرك على شكل جمعيات مهنية أو نقابات، ويستعملون كافة وسائل الضغط، بما فيها استمالة البرلمانيين.
وكشفت الحصيلة التشريعية التي أعلن عنها حكيم بنشماش، رئيس مجلس المستشارين، في كلمة له خلال جلسة اختتام دورة أكتوبر من السنة التشريعية 2018 - 2019، عن هيمنة الحكومة على العمل التشريعي، وأبانت عن هزالة إنتاج القوانين بالنسبة للمؤسسة البرلمانية، التي تكلف ميزانية بالملايير من المال العام. وحسب بنشماش، فقد صادق المجلس خلال هذه الدورة على 47 نصا قانونيا، توزعت من حيث طبيعتها بين مشروع قانون تنظيمي واحد، و20 مشروع قانون، و23 مشروع قانون يوافق بموجبه على اتفاقية دولية ثنائية ومتعددة الأطراف، وثلاثة مقترحات قوانين، همت جميعها مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية، مشيرا إلى مصادقة المجلس بالإجماع على 42 نصا تشريعيا من أصل 47، مقابل خمسة نصوص فقط تم التصويت عليها بالأغلبية.
ومن جهته، حمل الحبيب المالكي، رئيس مجلس النواب، المسؤولية للحكومة بخصوص عدم تعاملها مع المبادرات التشريعية للبرلمانيين، وذلك بعدما كشفت حصيلة المجلس عن هيمنة الحكومة على الإنتاج التشريعي. وأكد المالكي، في كلمة خلال جلسة اختتام الدورة الأولى من السنة التشريعية الحالية، الأربعاء، أن المجلس صادق خلال هذه الدورة على 44 مشروع قانون. وسلط المالكي الضوء على حصيلة المبادرة التشريعية للنواب، متمثلة في مقترحات القوانين، وفي التعديلات التي تقدموا بها على مشاريع القوانين التي صادق عليها المجلس، مسجلا تواضع نسبة ما تم التجاوب معه من مقترحات من جانب الحكومة، إذ لم تتجاوز المقترحات المصادق عليها 7.75 في المائة، أي تسعة مقترحات من مجموع 116 مقترحا تقدم بها أعضاء المجلس منذ بداية الولاية.
وتقدم الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني –الناطق الرسمي باسم الحكومة، خلال اجتماع المجلس الحكومي الأخير، بإفادة تتعلق باختتام الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة، أبرز خلالها حصيلة العلاقة بين الحكومة والبرلمان، مشيرا إلى أنه على المستوى التشريعي: من أصل 176 مشروع قانون أحيل على البرلمان سواء في نهاية الولاية السابقة أو في هذه الولاية، تمت المصادقة بشكل نهائي على 143 مشروعا، فيما ما يزال 33 مشروع قانون قيد الدرس بالبرلمان، كما بلغ عدد النصوص المصادق عليها خلال هذه الدورة 48 مشروع قانون بما يمثل ضعف المعدل الذي تم اعتماده في الدورات السابقة، منها 25 مشروع قانون في عدد من المجالات و23 مشروع قانون يتعلق باتفاقيات.
أزمة الأغلبية داخل البرلمان
انتقلت الصراعات التي تعرفها الأغلبية الحكومية إلى المؤسسة البرلمانية، ما انعكس بشكل كبير على سير العمل التشريعي داخل البرلمان، وكان من نتائجها عدم المصادقة على قوانين مهمة تهم الملايين من المغاربة، وعلى رأسها القانون الإطار المتعلق بالتربية والتكوين، الذي كان مبرمجا خلال الدورة التشريعية المنتهية، لكن الخلافات بين مكونات التحالف الحكومي تسببت في تأجيل اجتماع لجنة التعليم والاتصال إلى أجل غير مسمى، وذلك بعد اعتراض فريق حزب العدالة والتنمية على تدريس المواد العلمية والتقنية بإحدى اللغات الأجنبية. وأكد قيادي بأحد الأحزاب المشاركة في الحكومة، أن موقف «البيجيدي» من قانون التعليم سيكون له ما بعده داخل الأغلبية، وأن التعايش بين المكونات نفسها تحت سقف الحكومة لم يعد له معنى في ظل ازدواجية المواقف وتصريف حسابات وأجندات إيديولوجية وانتخابوية بغية تصريف الأزمة الداخلية للحزب الذي يقود الحكومة، مشيرا إلى انقلاب فريق الحزب على حلفائه لعرقلة أشغال اللجنة المختصة التي اشتغلت عدة أيام على القانون لكي يكون جاهزا للمصادقة قبل اختتام الدورة البرلمانية.
واستغربت مصادر في فرق الأغلبية للطريقة التي يتعامل بها فريق الحزب الذي يقود التحالف الحكومي، ما اعتبرته المصادر سلوكا سلبيا يهدف إلى عرقلة مشروع قانون يعزز ورش إصلاح منظومة التربية والتكوين.
ولم يفلح زعماء أحزاب الأغلبية في احتواء الوضع، وإيجاد حل توافقي للأزمة التي اندلعت داخل الأغلبية البرلمانية بمجلس النواب، بخصوص تقديم التعديلات على مشاريع قوانين مهمة، بعد بروز خلافات عميقة حول اعتماد حرف «تيفيناغ» في كتابة اللغة الأمازيغية، أثناء مناقشة القانون التنظيمي للأمازيغية، والقانون الإطار المتعلق بالتربية والتعليم، والقانون المنظم للمجلس الأعلى للغات والثقافة، حيث فشلت فرق الأغلبية في تقديم تعديلات مشتركة حول قانون الأمازيغية المعروض للدراسة على لجنة المالية والتعليم، بعد خلافات عميقة حول التنصيص على اعتماد حرف «تيفيناغ» لكتابة اللغة الأمازيغية، ما دفع بفريق العدالة والتنمية، الذي يطالب بكتابة الأمازيغية باللغة العربية، إلى تقديم تعديلاته بشكل مستقل عن باقي فرق الأغلبية، فيما قدمت فرق التجمع الدستوري، والحركة الشعبية والاتحاد الاشتراكي، تعديلات مشتركة، بعد انسحاب مجموعة التقدم والاشتراكية التي قدمت كذلك تعديلات بشكل انفرادي.
وبعد اختتام الدورة التشريعية الخريفية لمجلسي البرلمان، هناك تحركات في الكواليس، من أجل عقد دورة برلمانية استثنائية، خلال شهر مارس المقبل، ستخصص للمصادقة على القانون الإطار المتعلق بالتربية والتكوين، بعد عرقلة إخراجه خلال الدورة المنتهية، من طرف فريق العدالة والتنمية، وكذلك المصادقة على القوانين التنظيمية المتعلقة بالأمازيغية والمجلس الوطني للغات، التي مازالت محتجزة داخل البرلمان، رغم أن الدستور حدد الولاية السابقة كسقف لصدور كافة القوانين التنظيمية، كما ستكون مطروحة على جدول أعمال الدورة، المصادقة على اتفاقية الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي، وهي اتفاقية مهمة، إثر التصويت عليها بالأغلبية الساحقة من طرف نواب برلمان الاتحاد الأوروبي. ولم تستبعد المصادر إدراج القوانين المرتبطة بتدبير الأراضي السلالية، التي صادق عليها المجلس الحكومي في اجتماعه الأخير، لأنها مرتبطة بالورش الملكي المتعلق بتمليك هذه الأراضي لذوي الحقوق.
أشباح تحت قبة البرلمان
تبقى ظاهرة غياب البرلمانيين عن الجلسات الأسبوعية واجتماعات اللجان الدائمة، من أكبر الاختلالات التي تعانيها المؤسسة البرلمانية منذ سنوات، حيث يهجر أغلب البرلمانيين غرفتي البرلمان، مباشرة بعد حضورهم الجلسة الافتتاحية للدورة البرلمانية الخريفية التي يترأسها كل سنة الملك محمد السادس، وذلك رغم أن النظام الداخلي لمجلس النواب فرض العديد من الإجراءات التي تروم زجر غياب البرلمانيين، وفي محاولة للحد من هذه الظاهرة المستفحلة داخل مجلسي البرلمان، إلا أن هذه الظاهرة لازالت مستفحلة أمام عجز مكتبي مجلسي البرلمان عن تطبيق هذه الإجراءات.
وينص النظام الداخلي للمجلس على ضرورة حضور النواب والنائبات جميع الجلسات العامة، وعلى من أراد الاعتذار أن يوجه رسالة إلى رئيس المجلس مع بيان العذر، قبل انعقاد الجلسة العامة، وفي حالة عدم وجود عذر من المتغيب عن الجلسة العامة، فقد قرر مكتب المجلس، طبقا للنظام الداخلي، الاقتطاع من التعويضات الممنوحة لأعضاء مجلس النواب، والمحددة في ألف درهم عن كل يوم. كما ينص النظام الداخلي على أنه إذا تغيب عضو عن الجلسة بدون عذر مقبول، يوجه الرئيس في المرة الأولى إلى العضو المتغيب تنبيها كتابيا، وإذا تغيب في المرة الثانية بدون عذر عن جلسة عامة في الدورة نفسها، يوجه إليه الرئيس تنبيها كتابيا ثانيا ويأمر بتلاوة اسمه في افتتاح الجلسة العامة الموالية، وفي حالة تغيبه بدون عذر للمرة الثالثة أو أكثر في الدورة نفسها، يقتطع مبلغ مالي من التعويضات الشهرية الممنوحة للعضو المعني بحسب عدد الأيام التي وقع خلالها التغيب بدون عذر مقبول، وتنشر هذه الإجراءات في الجريدة الرسمية للبرلمان والنشرة الداخلية للمجلس وموقعه الإلكتروني. وتنطبق هذه الإجراءات كذلك على غياب البرلمانيين والبرلمانيات عن اجتماعات اللجان الدائمة لمجلس النواب.
كما أنه، رغم حضور بعض البرلمانيين لجلسات البرلمان، فإنهم لا يشاركون في الجلسات البرلمانية أو في اجتماعات اللجان الدائمة، فهناك بعض البرلمانيين بمجلسي النواب والمستشارين لم يسمع صوتهم منذ أول جلوس لهم على الكراسي الوثيرة للمجلسين. كما أن برلمانيين آخرين رغم حرصهم على حضور الجلسات، فإنهم يقضون أغلب أوقاتهم في قراءة الجرائد أو تفحص المواقع الإلكترونية على هواتفهم النقالة والحواسيب المحمولة التي أصبحت موضة داخل جلسات البرلمان.
وأقر النظام الداخلي لمجلس النواب، بوجود هذه السلوكات التي تؤثر على سير الجلسات وعلى الأداء البرلماني. ولذلك تضمن النظام الداخلي الجديد مدونة للسلوك والأخلاق، تمنع الحديث في الهاتف وتصفح الجرائد والمواقع الإلكترونية، وتناول الوجبات الغذائية داخل قاعة البرلمان أثناء انعقاد الجلسات العامة التي تخصص لطرح الأسئلة الشفوية على الحكومة، أو خلال انعقاد اجتماعات اللجان الدائمة التي تخصص لدراسة ومناقشة القوانين ومساءلة أعضاء الحكومة. ويأتي هذا المنع بعد بروز بعض السلوكات المخلة بالسير العادي للجلسات العامة، من قبيل عدم اهتمام النواب البرلمانيين بالنقاشات التي تكون داخل قاعة البرلمان، وانهماك بعضهم في مكالمات هاتفية أو في أحاديث ثنائية.
مجلس المستشارين يتحول إلى مقبرة للقوانين
تحول مجلس المستشارين، في عهد رئيسه حكيم بنشماش، إلى مقبرة للقوانين، بسبب نفوذ لوبيات قوية داخل المجلس، حيث مازالت العديد من مشاريع ومقترحات القوانين محتجزة داخل المجلس منذ ما يزيد عن ثلاث سنوات، دون المصادقة عليها، ومنها قوانين ذات طابع اجتماعي تهم ملايين المغاربة.
ومن أبرز القوانين التي مازالت دون مصادقة منذ سنة 2016، مشروع قانون 63.16 يغير ويتمم القانون رقم 65.00 بمثابة مدونة التغطية الصحية الأساسية، من أجل تمكين أم أو أب المؤمن، بموجب نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض لفائدة المأجورين وأصحاب المعاشات بالقطاع العام، أو هما معا، من الاستفادة من التغطية الصحية، على غرار الزوج والأولاد..، وذلك في إطار استكمال تعميم استفادة كافة شرائح المجتمع من التغطية الصحية. وأحيل هذا القانون على لجنة التعليم والشؤون الاجتماعية والثقافية، التي يترأسها القيادي بحزب العدالة والتنمية عبد العالي حامي الدين، وبرمج لاجتماع اللجنة في 3 غشت 2016، ومازال إلى حدود الآن بدون مصادقة.
وهناك، كذلك، قانون 109.12 بمثابة مدونة التعاضد، الذي أحيل على لجنة المالية والتخطيط، بتاريخ 4 غشت 2016، وبرمج لاجتماع اللجنة في 22 يونيو 2017. ومازال هذا القانون، الذي سينظم عمل التعاضديات، محتجزا داخل اللجنة دون مصادقة. وأثار هذا القانون جدلا كبيرا داخل المجلس، بعدما تم إقحام تعديلات خطيرة، خصوصا المادتين 2 و138 من القانون، تتعارض مع مقتضيات قانون رقم 65.00 بمثابة مدونة التغطية الصحية الأساسية، والتي تمنع بشكل صريح وجلي على كل هيئة مكلفة بتدبير نظام أو مجموعة من أنظمة التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، الجمع بين تدبير نظام من هذه الأنظمة وتدبير مؤسسات تقدم خدمات في مجال التشخيص أو العلاج أو الاستشفاء، أو مؤسسات توريد الأدوية والمعدات والآلات وأجهزة الترويض الطبي أو هما معا.
وهناك، أيضا، مشروع قانون رقم 25.14 يتعلق بمزاولة مهن محضري ومناولي المنتجات الصحية، والذي أحيل على لجنة التعليم والشؤون الثقافية والاجتماعية منذ تاريخ 16 فبراير 2016، ومازال بدون مصادقة. وباللجنة نفسها يوجد مشروع قانون رقم 45.13 يتعلق بمزاولة مهن الترويض والتأهيل وإعادة التأهيل الوظيفي، لم تصادق عليه اللجنة، رغم توصلها بهذا المشروع منذ تاريخ 2 مارس 2016، وذلك على غرار مشروع قانون رقم 143.12 بتغيير المادة 44 من القانون رقم 65.00 بمثابة مدونة التغطية الصحية الأساسية، والذي أجيل على مجلس المستشارين من مجلس النواب، منذ فاتح دجنبر 2013، وتم الاتفاق على إرجاء البت فيه إلى ما بعد النظر في مقترح تشكيل لجنة مشتركة بين اللجنتين المختصتين بكلا المجلسين.
ووفقا للمقتضيات الدستورية، كما ينص على ذلك الفصل 78 من الدستور، تودع مشاريع القوانين بالأسبقية لدى مكتب مجلس النواب، غير أن مشاريع القوانين المتعلقة، على وجه الخصوص، بالجماعات الترابية وبالتنمية الجهوية، وبالقضايا الاجتماعية، تودع بالأسبقية لدى مكتب مجلس المستشارين. وينص الفصل 84 على أنه يتداول مجلسا البرلمان بالتتابع في كل مشروع أو مقترح قانون، بغية التوصل إلى المصادقة على نص واحد، ويتداول مجلس النواب بالأسبقية، وعلى التوالي، في مشاريع القوانين، وفي مقترحات القوانين التي قدمت بمبادرة من أعضائه. ويتداول مجلس المستشارين بدوره بالأسبقية، وعلى التوالي، في مشاريع القوانين وكذا في مقترحات القوانين التي هي من مبادرة أعضائه، ويتداول كل مجلس في النص الذي صوت عليه المجلس الآخر في الصيغة التي أحيل بها إليه.
بن يونس المرزوقي: «المؤسسة التشريعية لا تساير الرأي العام بتقييم السياسة العمومية في الجانب الاقتصادي والاجتماعي»
اعتبر بن يونس المرزوقي، أستاذ القانون العام بكلية الحقوق بوجدة، أنه «من خلال اختتام الدورة الخريفية الحالية، فيجب طرح عدة أسئلة حول الحصيلة الحقيقية»، مضيفا أنه «لا يمكن الحديث عن حصيلة حقيقية لمجلس النواب دون حذف القوانين التي خضعت للقراءة الثانية»، مشددا على أن «حصيلة الدورة الخريفية الحالية لمجلس النواب، خصوصا في مجال التشريع لا تتجسد في 150 نصا قانونيا، بل يجب سحب المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي ليست عملا تشريعيا من إنجاز البرلمان، ومن هذا الباب فبعض النصوص التي صدرت عن المؤسسة لم تدخل بعد مراحلها النهائية»، مؤكدا أن «هناك بعض النصوص التي أقرت المحكمة الدستورية عدم دستوريتها، منها قانون التنظيم القضائي الذي أحيل على المحكمة الدستورية، والتي حكمت على أن مسطرة التعديلات التي أدخلت من طرف مجلس النواب على القانون المذكور غير مطابقة للدستور»، وهو ما اعتبره المرزوقي «دليلا على ضعف المؤسسة التشريعية التي لم تنتبه إلى مسألة من أبجديات العمل التشريعي رغم لجانها وخبرائها، وبالرغم من أن المحكمة الدستورية سبق ونبهت إليها عندما كان النقاش حول القانون التنظيمي للمالية».
في السياق ذاته، أوضح المرزوقي أن «حصيلة مؤسسة البرلمان متواضعة، خصوصا أن بعض النصوص التي صادق عليها البرلمان لا تعدو أن تكون هذه المساهمة سوى تعديل لمادة أو مادتين»، مضيفا أنه «لا يمكن الحديث هنا عن حصيلة إلى عند تقديم رقم المشاريع المتكاملة التي صدرت عن البرلمان»، مبينا أن «الأرقام التي تتحدث عن 1700 تعديل بالنسبة إلى المؤسسة التشريعية المغربية، وهو رقم ليس كبيرا مقارنة مع التعديلات التي سطرتها الجمعية العامة الفرنسية خلال الدورة الحالية، والتي وصلت إلى 14000 تعديل، وهو ما يترجم أن أعضاء البرلمان في المغرب لا يساهمون بالشكل المطلوب في تجويد النص القانوني».
وأكد المرزوقي أن «الحديث عن التجويد بالنسبة إلى المؤسسة التشريعية في المغرب لا يخرج عن التعديلات الفنية واللغوية للنصوص القانونية، وهي مسائل شكلية لا تصل إلى جوهر النص الشريعي».
وأوضح أستاذ القانون العام بكلية الحقوق بوجدة أنه في ما يخص الجانب المتعلق بمراقبة العمل الحكومي والذي يتجسد في الأسئلة الموجهة إلى الحكومة، والتي قال المتحدث إن «هذا الجانب يتأثر بالربط الجدلي بين جلسة الأسئلة الشفوية والبث التلفزي، وهو ما يجعل الحصيلة بالنسبة لكل جلسة في أقصى الحالات لا تتجاوز 30 سؤالا»، مبينا أن «الاستمرار على هذا المنوال سيؤدي دائما إلى تراكم الأسئلة وتبدو الحكومة على أنها لا تجيب عن أسئلة البرلمان في الوقت أن الأمر الصحيح هو العكس، لأن البرلمان لا يجدول الأسئلة خارج البث التلفزي».
وبخصوص وظيفة البرلمان المتعلقة بتقييم السياسات العمومية، قال المرزوقي إن «هذا المجال كان جديدا في 2011 بعدما تضمنه الدستور، لكن ما تم إنجازه هو عمليات تقييم تقنية وليس تقييما للسياسة العمومية، كمثال على ذلك عملية تقييم سياسة الطرق في المناطق الجبيلة، أو التقييم للتعليم الأولي، والتي ليست سوى تقييم لمشاريع وبرامج فقط تقييما تقنيا»، حسب المتحدث الذي قال إنه «كان ينبغي أن تساير المؤسسة التشريعية الرأي العام بطرح تقييم للسياسة العمومية المندمجة في الجانب الاقتصادي والاجتماعي، حتي يصل البرلمان إلى مكامن الإشكالات الجوهرية في كل القطاعات»، منبها إلى أنه «ينبغي الشروع في التقييم الفعلي والحقيقي للسياسات العمومية، وقد وجب على البرلمان القيام الفعلي بهذه المهمة المنوطة به»، مبينا أن «الحصيلة البرلمانية عادية ولا تخرج عن الأرقام التي تسجلها الدورات السابقة، ويجب المزيد من العمل على صعيد البرمجة التي لا يمكن ربطها بحضور اللجنة والوزير مرة في الشهر أو كل 15 يوما»، منبها إلى أنه بخصوص الميزانية المرتبطة بالبرلمان «وجب التفرقة بين الجانب التدبيري المتعلق بالموظفين، والميزانية المخصصة لعمل البرلمان، وهي الميزانية الضعيفة، ومثال هذا المكتبة التي توجد في البرلمان والتي لا تتوفر حتى على طاقم إداري قادر على إنجاز الملفات للبرلمان. ويجب تحويل الميزانية المرتبطة بالجانب التسييري إلى الجانب التشريعي، خصوصا في العلاقة والتنسيق مع المؤسسات الأكاديمية وتأهيل العمل التشريعي».
عمر الشرقاوي: الحصيلة البرلمانية هزيلة والحكومة تتلاعب بأرقام الإنتاج التشريعي
خرجت الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان لتتباهى بحصيلة الدورة الربيعية التي اختتمت أواسط الأسبوع الماضي، وتعتبر أنها حصيلة نوعية، كيف تنظر إلى هذه الحصيلة؟
يمكن للمرء وصف ما خلفته الدورة الخامسة التي تصادف نصف الولاية التشريعية بأي وصف قدحي ولن نتجنى عليها في شيء. أي حصيلة نوعية تتحدث عنها الحكومة وهي دورة كلفت حوالي 7 ملايير سنتيم صرفت على تعويضات البرلمانيين، وهناك أربعة قوانين تنظيمية التزم دستور 2011 بإخراجها إلى حيّز التنفيذ خلال الولاية السابقة، لكنها مازالت موضوعة على رفوف البرلمان؟ أي حصيلة نوعية ولم تسفر الدورة سوى عن المصادقة على 48 نصا، نصف المنتوج التشريعي عبارة عن اتفاقيات دولية أشرف عليها الملك وتطلب تشريعها جلسة واحدة برفع اليد دون متاعب في مسطرة التشريع؟ أي حصيلة نوعية والمنتوج التشريعي جاء شبه خال من أي مقترح قانون باستثناء تعديل مادة وحيدة في قانون الالتزامات والعقود؟
ينبغي أن نكون سذجا لنصدق رواية الحكومة التي لا تتوانى في تسويق الوهم على أنه إنجاز والفشل على أنه انتصار. الخلاصة المؤكدة أن الحصيلة الحكومية في المجال البرلماني كانت متواضعة للغاية، بل أقل من المتوسط، لكن الحكومة تصر على أن تنظر بمنظار آخر لا علاقة له بالواقع.
لكن، بلغة الأرقام، ألا تعد المصادقة على 48 نصا خلال دورة واحدة حصيلة جيدة؟
معضلة هاته الحكومة أنها تتلاعب بالأرقام وتحاول أن تحملها ما لا تحتمل، هي تريد تسويق صورة وردية عن العلاقة بين الحكومة والبرلمان، لكنها تدرك أنها تغطي الغابة المخيفة بشجرة جميلة، لأن حصيلة الحكومة تنتشي بأرقام بدون روح وبدون معنى، ولا تتحدث في الجوهر عن قوانين ظلت مقبرة بالبرلمان دون أن ترى النور منذ سنوات. حكومة العثماني لم تخبرنا لماذا هذا التأخر المهول وغير المفهوم لعدم المصادقة على القانونين التنظيميين للأمازيغية والمجلس الوطني للغات، والقانون التنظيمي للإضراب، والقانون التنظيمي للدفع بعدم الدستورية، وهي القوانين التي وردت في دستور 2011، ولم تر النور إلى الآن. لم يقدم لنا الناطق باسم الحكومة الأسباب حول عدم إخراج القانون الجنائي الذي مازال بلجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، ولماذا مازال أكثر من 40 مشروع قانون و110 مقترحات موضوعة في رفوف البرلمان دون استكمال مساطرها التشريعية.
قلت إن نهاية الدورة الحالية تتزامن مع نصف الولاية التشريعية، كيف تقرأ هذا الحدث؟
للأسف، انتهت نصف الولاية التشريعية العاشرة والدورة الخامسة من الانتداب البرلماني الحالي بدون معنى وبدون روح، وبدون أن تشكل أي لحظة سياسية فارقة في المشهد السياسي. وظهر جليا أن انتهاء دورة سياسية وبداية أخرى لا يهم المغاربة ولا يلقون له بالا، لأنهم لا يشعرون بأن استمرار الدورة أو توقفها يهم معيشتهم اليومية، وأنه آخر موضوع قد يعيرونه أي أهمية على أجندة يومهم الشاق. وبعيدا عن الانطباع السيئ لجزء كبير من المغاربة تجاه مؤسستهم التشريعية، فإن قراءة سريعة في منتوج نصف الولاية البرلمانية يؤكد التمثلات البسيطة للمغاربة حول ممثليهم، وأننا أمام برلمان لا يستحق ما يبتلعه من أموال دافعي الضرائب، دون أن ينعكس ذلك على موائد وجيوب المغاربة.