بعد صدور رأي مجلس المنافسة حول أسعار المحروقات، تتجه الحكومة إلى إدخال المواد البترولية إلى لائحة المواد الاستهلاكية المقننة. وناقش لحسن الداودي، وزير الشؤون العامة والحكامة، مقترح تحديد الأسعار، خلال الاجتماع الذي عقده أول أمس الثلاثاء، مع تجمع النفطيين بالمغرب، وهي الهيئة التي تمثل شركات توزيع المحروقات.
وأكد الداودي، في تصريح نشره بالموقع الرسمي لحزبه، عقب اللقاء مع ممثلي شركات المحروقات، أن الحكومة جاهزة لكي تفعل نظام التسقيف، لكنها تراهن على أن يكون بشكل متوافق عليه مع شركات المحروقات، وهو الأمر الذي سيتيح عدم الزيادة في هامش ربح هذه الشركات بعد انصرام مدة ستة أشهر، مضيفا أنه في هذه الحالة «هما غادي اربحوا والمواطن غادي يربح»، مشيرا إلى أن ممثلي شركات المحروقات اقتنعوا بأنه لا يمكن الاستمرار في ظل هذه الوضعية، وأصبح مبدأ تسقيف أسعار المحروقات مقبولا لديهم.
وخلافا لما أعلنه الداودي بخصوص مقترح تسقيف الأسعار، كشف عادل الزيادي، رئيس تجمع النفطيين بالمغرب، في اتصال مع الموقع، أن الداودي قدم له خلال الاجتماع مقترحا يتعلق بتحديد الأسعار وليس تسقيف الأسعار والأرباح، موضحا أن هذا المقترح ينص على تدخل الدولة لتحديد سعر البيع النهائي في محطات توزيع الوقود، وهو ما يعني، حسب الزيادي، إدخال المحروقات إلى لائحة المواد الاستهلاكية المقننة، بعد قرار الحكومة السابقة تحرير أسعارها، وأضاف "بالرغم من رأي مجلس المنافسة بخصوص تسقيف أسعار المحروقات، فإن الوزير الداودي مصمم على فرض تحديد الأسعار"، مشيرا إلى أن "تحديد الأسعار سيواجه عدة صعوبات، ويمكن أن يؤدي إلى العودة بنظام دعم المواد البترولية في حالة ارتفاع الأسعار بالأسواق الدولية، ما سيكلف خزينة الدولة ميزانية إضافية، بعد تحرير الأسعار من طرف الحكومة السابقة". وبخصوص موقف الشركات من هذا المقترح الحكومي، قال الزيادي: "ما علينا سوى الامتثال للقرار، إذا كانت الحكومة تريد العمل بنظام تقنين أسعار المحروقات".
وعقد الداودي، صباح أول أمس الثلاثاء، اجتماعا مع وفد يمثل الجامعة الوطنية لأرباب وتجار ومسيري محطات الوقود. وأكد جمال زريكم، رئيس الجامعة، أن أرباب المحطات لا علاقة لهم بتسقيف أو تحديد الأسعار، لكنهم يطالبون بمراجعة الهامش الربحي، وكذلك تفعيل بعض الإجراءات المواكبة لهذا القرار، لأن البنية المعتمدة في تحديد الأسعار لم تتغير منذ 20 سنة، حيث أكد مجلس المنافسة أن قطاع المحروقات يحتاج إلى "إصلاح شامل" يجيب عن الاختلالات ذات الطبيعة البنيوية التي تمس جميع مكونات القطاع. واعتبر المجلس، في رأي بشأن تقنين أسعار المحروقات السائلة، أن حماية القدرة الشرائية للمستهلكين، وتموين السوق، وتنافسية القطاع، وجاذبية الاستثمار، تظل رهينة بتحقيق هذا الإصلاح البنيوي الشامل.
وأوصى المجلس الحكومة بالقيام بإصلاحات تنبني على أربع رافعات تهم جميع مستويات سوق المحروقات حتى تصبح أكثر تنافسية وانسجاما مع الأهداف الوطنية الاستراتيجية الكفيلة بتأمين التموين في السوق، وتحقيق النجاعة الاقتصادية، وضمان العدالة الاجتماعية. واعتبر مجلس المنافسة أن تعزيز المنافسة في سوق المحروقات لن يمكن إنجازه بالعمل فحسب على مستوى المقطع البعدي للسوق بواسطة تقنين أسعار التقسيط والهوامش، وأوصى بالعمل على المستويات الأخرى لسلسلة القيمة من أجل الحصول على مسلسل تنافسي مندمج يشمل أيضا منبع القطاع.
وفي هذا الإطار، اعتبر المجلس أن إعادة الامتلاك الوطني لنشاط التكرير تكتسي أهمية بالغة، مشيرا إلى أنه بالإضافة إلى أنها تساهم في استعادة التوازنات التنافسية، تمكن البنية (أو البنيات) المكلفة بالتكرير من لعب دور سلطة مضادة تجاه المتدخلين المهيمنين في مقاطع الاستيراد، والتخزين، والتوزيع بالجملة. ولهذا السبب، أوصى المجلس الحكومة بوضع ترتيبات عملية لتشجيع الاستثمار في صناعة التكرير الخاص و/أو في إطار شراكة عمومية–خصوصية. وحسب المجلس، يمكن بلوغ هذا الهدف بوسائل أخرى أكثر تنافسية، وبتطوير مهنة المخزن المستقل، وتكمن هذه الفكرة في تشجيع الاستثمارات في قدرات التخزين من طرف الأغيار المستقلين، الذين تتمثل مهنتهم الرئيسية في تخزين المواد النفطية، وسيضع هؤلاء بنياتهم التحتية رهن إشارة الموزعين بالجملة أو المستوردين للمواد المكررة مقابل أجر عن خدماتهم.
ولهذا الغرض، أوصى المجلس بوضع ترتيبات لتيسير مساطر إنشاء قدرات جديدة للتخزين، أو توسيع القدرات الموجودة، وانفتاح القطاع على المستثمرين المحتملين في قدرات التخزين بواسطة إقرار إطار تشجيعي يوضح الرؤية للاستثمار في هذا المقطع بالسوق. أما الرافعة الثانية فتتمثل في التوزيع بالجملة وبالتقسيط، الذي يعاني من عدة عوائق أمام المنافسة رغم وجود عدد هام لمحطات الوقود (2477 سنة 2018). ويتمثل السبب الرئيسي في الطابع الجغرافي لتحديد الأسواق المعنية، وفي الطبيعة المغلقة للتوزيع بالتقسيط في هذا السوق. ومن أجل تحسين السير التنافسي للأسواق بالتقسيط، أوصى مجلس المنافسة الحكومة باستبدال نظام الرخص المطبق على محطات الوقود بنظام عادي للتصريح، وإلغاء إلزامية التوفر على شبكة من 30 محطة للوقود، وتسجيل إنشاء محطات للوقود مستقلة، وكذا حذف قاعدة التسلسل المكاني بين المحطات.