ليس الإحسان النسائي وليد العصر الحالي، ولم يكن تردي قطاع التعليم وفشل منظومة إصلاحه الدافع الوحيد لظهور محسنات فاضلات وضعن جزءا من ثرواتهن رهن إشارة القائمين على هذا القطاع الحيوي. فقد أظهرت المرأة المغربية ميولا للعمل الخيري، حتى حين يكون المال مال الزوج أو موروثا عن الوالدين، لكن أغلبية المبادرات كانت تصب في الاتجاه الديني، عبر بناء مساجد وإطعام الفقراء وتمويل الزوايا الدينية. وكانت المحسنات في مجملهن صوفيات.
وتبقى أبرز ظاهرة عرفها الإحسان النسوي في المغرب هي الوقف من خلال المحسنة الفاضلة فاطمة بنت محمد الفهري، أم البنين، وأختها مريم حيث تركت كل منهما معلمة خالدة تحمل ذاكرة امرأة من أهل البر والإحسان. «لقد وجدت الأختان في المحيط الديني والتربوي ما دعاهما لتوظيف نصيبهما في الإرث في العمران الديني. فبنت فاطمة أم البنين جامع القرويين المعلمة التاريخية، وبنت أختها مريم مسجد الأندلس»، كما تقول الأستاذة زهراء ناجية الزهراوي التي كانت سباقة لإلقاء درس ديني في حضرة الملك محمد السادس، حول الإحسان النسوي.
صحيح أن المجال لا يتسع لعرض جميع المبادرات الخيرية للمغربيات، خاصة وأن غالبيتهن يفضلن عدم الكشف عن أسمائهن، ويعتبرن عطاءهن رصيدا في ميزان حسناتهن، علما أن حفظة القرآن حظين بالنصيب الأكبر من وقف النساء. لكن الآن تغير التوجه العام للإحسان وأصبح يصب في اتجاه قطاعات أخرى كالتربية والتعليم والصحة والرعاية الاجتماعية.
في هذا الملف نسلط الضوء على الإحسان النسوي، من خلال مبادرات لعبت فيها محسنات دورا أساسيا في طرد الحزن واستبدال غيمة الألم بانفراج.
نجية نظير تحارب الهدر المدرسي بمليار و200 مليون
اتجهت الأنظار في الأسبوع الماضي إلى جماعة أولاد فارس بدائرة ابن أحمد الجنوبية، حيث نابت سيدة أعمال مغربية تدعى نجية نظير، تنحدر من قبائل مزاب، عن المنتخبين ووزارة التربية وحاربت الهدر المدرسي في المنطقة، برصدها لغلاف مالي قدره 12 مليون درهم من أجل بناء ثانوية تأهيلية وإقامة داخلية للتلاميذ، في إطار تبرع ترجمته إلى اتفاقية شراكة بين عمالة إقليم سطات والمديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي بسطات.
حسب مصادر الموقع، فإن نجية المعروفة بلقب الحاجة قد اختارت بين بناء دار للرعاية الاجتماعية أو مسجد أو مدرسة، فوقع اختيارها على المؤسسة التعليمية وبررت قرارها بإمكانية بناء مسجد من طرف المحسنين وأن المساجد متوفرة في الدواوير والمداشر، ودور الرعاية في الوسط القروي تلعب دور «الداخليات»، فتوقف اختيارها عند ثانوية تأهيلية تضم داخلية لإيواء التلاميذ، نظرا للصعوبات التي يلاقيها التلاميذ في هذه المنطقة كصعوبة التنقل وإصرار الأسر على منع إيفاد بناتها إلى المدارس خاصة الثانوية، لذا وعدت نجية بالتبرع لاقتناء حافلتين للنقل المدرسي للحد من انتشار ظاهرة التحرش بالتلميذات، والحد أيضا من ظاهرة الانقطاع المدرسي بسبب سوء الأحوال الجوية، وما يترتب عنها من مصاعب الطريق.
حسب المصادر ذاتها، فإن نجية تنحدر من دوار لهديلات التابع لفخذة أولاد موسى، ولها غيرة على المنطقة التي بنت فيها سكنا يمكنها من الارتباط أكثر بتربة «مزاب»، حيث لا تتردد في القيام ببعض المبادرات الإنسانية خاصة خلال عيد الأضحى، علما أنها تقيم بين لندن ودبي وتعمل في مجال المال والأعمال رفقة زوجها، وذهبت بعض الروايات إلى أن الزوج يشجعها على الانخراط في العمل التضامني، خاصة أمام تراجع المجالس المنتخبة وعدم الاستثمار في مشاريع تهدف إلى الارتقاء بمستوى التربية والتكوين والرفع من جودته وتوسيع العرض التربوي، سيما بالعالم القروي.
وأمام الانتشار الواسع للمبادرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ووجود تأويلات أغضبت المحسنة، اضطرت هذه الأخيرة إلى الخروج الإعلامي والتأكيد على أن مالها حلال، بعد أن ربطه بعض الماكرين بتواجدها في الإمارات العربية المتحدة. لكن المقرئ المغربي عمر لقزابري رد على المشككين بتدوينة مثيرة نوه فيها بالمبادرة، موجها الدعوة إلى أغنياء البلد لفعل الخير، مثل سيدة الأعمال نجية، «هذا عمل ينادي أغنياء البلد لفعل الخيرات والمساهمة في النَفع والرفع وإدخالِ السرور على المسلمين. فما قيمة المليار على المليار إذا لم ينفق في الخيرات والمبار».
وحظيت مبادرة سيدة الأعمال نجية نظير بإشادة واسعة من مختلف مكونات المجتمع، وجعلتها تخلق الحدث، خصوصا حين صرحت بأنها لا تطمح إلى الوصول إلى شيء من وراء هذا التبرع، رافضة الظهور مجددا في وسائل الإعلام بوجه مكشوف.
فاطنة المدرسي.. وجدية تتبرع بـ600 مليون لبناء مدرسة عليا للتسيير
في سنة 2003 قضت الحاجة فاطنة المدرسي ابنة مدينة فكيك ليلة ليلاء، وهي تبحث عن وسيلة لاستثمار مالها في عمل خيري. كانت تمني النفس ببناء مسجد أو مدرسة أو مؤسسة خيرية، ولأنها كانت تقطن في مدينة وجدة، فقد توجهت في اليوم الموالي صوب مكتب رئيس المجلس العلمي بجدة، حيث التقت الشيخ مصطفى بنحمزة، رئيس المجلس.
بعد أن عرفت بنفسها وسر إصرارها على لقائه، طلبت منه «أن يدلها على مجال تنفق فيه أموالها، شرط ألا يكون هذا العمل هو تشييد مسجد، لأن العشرات بل المئات من المحسنين في المدينة بنوا مساجد، حتى أصبحت وجدة تحوي على أكثر من ثلاثمئة مسجد، كثاني مدينة بعد إسطنبول من حيث عدد المساجد».
كان بنحمزة يعلم أن المدينة في أمس الحاجة إلى بناء مدرسة للتجارة والتسيير على غرار مدن مغربية أخرى، وكان يعلم أن وزارة التعليم العالي قد عينت أساتذة قبل وجود البناية، على اعتبار أنها واحدة من المؤسسات التي تحتضن نخبة من الطلبة الذين يدرسون التجارة والتسيير. استمعت فاطنة بإمعان لمصطفى الذي وجهها نحو إنفاق مالها في هذا العمل، استقرت الفكرة في وجدان الحاجة وعزمت على فعل الخير التعليمي. وفي السنة نفسها تم ضخ الغلاف المالي المتفق عليه في بناء صرح إعلامي، وقدره 600 مليون سنتيم.
الآن يفوق عدد الطلاب 780 طالبا وطالبة، كلهم يعرفون اسم الحاجة فاطنة رغم أن هذه الأخيرة حاولت التكتم على مبادرتها، إلى أن أطلق رئيس الجامعة اسمها على أحد مدرجات المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بمدينة وجدة، ضمن أسماء علماء أطلقوا على مدرجات مؤسسات جامعة محمد الأول، علما أنها ساهمت بمالها في بناء مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة.
أمينة السوسي تبيع أسهمها لدعم مبادرة خيرية
في لحظة إنسانية غير مسبوقة عرضت أمينة السوسي، الصحافية السابقة بإذاعة طنجة، نفسها في المزاد العلني تشجيعا منها الحضور لتكثيف عملية دعم 170 مشروعا مدرا للدخل لفائدة أسر الأيتام، حيث عبرت عن فرحتها العارمة خلال تكريمها ضمن حفل العشاء الخيري، الذي نظمته جمعية العون والإغاثة بمدينة طنجة تحت عنوان «مشروعي كرامتي» في دورته الثانية، ونوهت بالعمل الخيري الداعم للمشاريع الفردية قائلة: «لا تعطيني سمكة ولكن اعطيني صنارة وعلمني كيف أصطادها».
أمينة تعرف جيدا تضاريس العمل الخيري، حيث اشتهرت بتقديمها برنامج «لا أنام» التكافلي وفيه عانت أمينة السوسي من إشكالية الاسم المستعار، إذ إن أغلب المحسنين الذين كانوا يقدمون مساهمات مالية عن طريق شيكات بنكية يحرصون على كتابة اسم أمينة السوسي، مما استعصى عليها صرف الشيكات في شراء الدواء وأداء واجبات الاستشفاء لمئات المرضى، لأن اسمها الحقيقي هو أمينة أجانة. لكن أمينة ظلت تطالب المحسنين بتوجيه مساهماتهم المالية مباشرة للمعنيين أو للمصحات أو الدائنين، وعلى الرغم من الجدل الذي أثير حول هذه القضية، إلا أن أمينة كانت تتوصل بشيكات من القصر الملكي في اسمها، لذا حرصت في ظل وصاية الداخلية على الإعلام على إرسال فواتير ومستندات تحويل الشيكات إلى الديوان الملكي، مع نسخة لعمالة إقليم طنجة. بل إن الكتابة الخاصة للملك ساهمت في تذليل صعوبات سفر عدد من الأشخاص إلى أوربا، بعد أن استعصى عليهم الحصول على جواز السفر والتأشيرة.
كان الملك الحسن الثاني يتابع البرامج التضامنية لإذاعة طنجة، وكلف مرارا مدير ديوانه عبد الكريم بناني، الذي كان على تواصل دائم معها على هاتف بيتها، حيث نقل لها مرارا رغبة الملك في تبني كثير من الملفات المعروضة على المحسنين وذلك من ماله الخاص، بل إنه أصر على إرسال طفلة إلى مصحة فرنسية قصد العلاج، رغم أن حالة التفكك العائلي التي تعيشها لا تسمح لها بالحصول على جواز سفر.
أمينة المريني.. وهبت كتبا وذخائر للمكتبة الوطنية بقيمة 250 مليونا
حين استسلم جسد المفكر المغربي المهدي المنجرة للمرض، تحولت زوجته أمينة المريني إلى ممرضة تقضي وقتها بين سريره والمطبخ، لتلبية حاجيات ضيوفه الذين كانوا يترددون عليه، حيث كانت تحرص على ألا يساهم حوار الضيوف في الرفع من معاناته، سيما وأنه ظل يحمل في قلبه غصة المنع. طالبت أمينة بكل جرأة بعض الضيوف بالكف عن زيارة المهدي للضرورة الصحية، رغم ذلك كان يواجه الآلام بتحد كبير ويصر على أداء صلواته في مسجد كراكشو رفقة رفيقه المهدي بن عبود الذي اقتسم معه الاسم والفكر وداء الارتعاش أيضا، وظلا في المحنة سواء.
حين يخلو البيت من الزوار تتحول أمينة إلى مهندسة ديكور، تعيد ترتيب الميداليات التي حاز عليها زوجها كثمرة لجهوده المعرفية، ميدالية السلام من معهد «ألبرت إينشتاين» والجائزة الكبرى لأكاديمية الهندسة الفرنسية، ووسام الشمس المشرقة في اليابان، إلى جانب عضويته في أكاديميات دولية عدة منها الأكاديمية المغربية والأكاديمية الإفريقية للعلوم، والأكاديمية الأوروبية للعلوم والفنون والآداب والجمعية الدولية للمستقبليات «فورتوبيل». كما كان من مؤسسي ورئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، وعضوا نشيطا في حزب الاستقلال ومن بعده الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، قبل أن يعلن القطيعة مع السياسة.
في منتصف شهر يونيو سنة 2014 أسلم المنجرة الروح إلى بارئها عن عمر يناهز 81 سنة، وأطلقت أسرته صرخة بكاء سرعان ما تم تطويقها، قبل أن تبدأ إجراءات الدفن، حيث تم تشييع جثمان الراحل بعد ظهر اليوم الموالي بعد صلاتي الظهر والجنازة بمسجد عبد الحكيم اكديرة بالرباط، لينقل جثمان الراحل إلى مثواه الأخير بمقبرة سيدي مسعود في حي الرياض بالرباط، في موكب جنائزي مهيب.
ورغم أن المرض ناب عن الحكومة وساهم في نسيان المفكر المهدي المنجرة، ورغم الجحود وآلام المصادرة التي ظل عالم المستقبليات المغربي عرضة لها من طرف وزارة الداخلية، إلا أن أمينة المريني، أرملة الراحل، بادرت إلى منح مكتبته الخاصة للمكتبة الوطنية بالرباط، حتى ينهل منها الطلاب والباحثون الذين لم تتح لهم سلطات المنع فرصة حضور ومواكبة محاضراته.
لم يبادل الرجل الجفاء والتنكر بالغضب والانتقام، بل دعا رفيقة حياته وبناته إلى ترحيل كل كتبه ومؤلفاته التي فاقت 5560 كتابا إلى المكتبة الوطنية، ناهيك عن عدد كبير من الصور والملصقات التاريخية، و808 مجلات و788 قرصا مدمجا. تم توثيق الهبة بمقر المكتبة الوطنية، وحملت توقيع أرملة فقيد الفكر أمينة المريني، ومدير المكتبة الوطنية.
دنيا باطما تتبرع بالغناء والمال لفائدة الأطفال المتخلى عنهم
في خروج إعلامي مثير عبر الفنان المغربي نعمان لحلو عن رأيه في الفنانة المغربية دنيا باطما، ليس كموهبة فنية بل كإنسانة، مبرزا أن ما يشده أكثر إليها هو حرصها على عمل الخير وسعادتها بالمبادرات الخيرية، كاشفا عن تبرعها بمبلغ مالي وصفه بالمهم لفائدة دور للرعاية الاجتماعية، خاصة التي تعنى بالأطفال المتخلى عنهم. وكتب موضحا سر دعمه لهذه الفنانة، مع تحفظه عن ذكر قيمة التبرع مشيرا إلى أن مقربين من الفنانة تحفظوا عن الإفصاح عن قدر المبلغ الذي تبرعت به دنيا. «باطما، التي تلقت سيلا من الهدايا في الآونة الأخيرة، أرادت أن تهدي بدورها جزءا من مالها لإسعاد الآخرين».
وكتب الفنان نعمان لحلو في تعليق على الخبر عبر صفحته الخاصة، قال فيه: «هادي هيا دنيا، اللي دايما كيسولوني علاش كندافع عليها. لأنها فنانة إنسانة».
وتعليقا على تصريحات لحلو، أعادت باطما نشر مقطع فيديو لتصريح لحلو أرفقته بتعليق شكرته فيه وكتبت: «شكرا لأحد أهرامات الفن المغربي الأصيل الأستاذ نعمان لحلو».
وكانت الفنانة دنيا قد قامت بزيارة تضامنية إلى مدينة طنجة من أجل المشاركة في سهرة فنية، مستغلة الفرصة لزيارة مركز حضانة للأطفال المتخلى عنهم بمدينة طنجة، حيث أعلنت دعمها لهذه الفئة ماديا ومعنويا، مجسدة كلامها بمساعدات خيرية لصالح أطفال الحضانة.
استقبلت باطما بالتمر والحليب، وألقت كلمة وهي تحمل طفلا من نزلاء هذا المركز، الذي وصفته بـ«أنظف مكان في طنجة»، شاكرة مديرة الجمعية وكل العاملات على تضحيتهم من أجل هؤلاء الأطفال. من جهته ساند محمد الترك، زوج دنيا، هذه المبادرة وكشف عن تبرع زوجته بـ200 مليون سنتيم للأطفال في وضعية صعبة، بمناسبة شفائه من السرطان.
وشاركت الفنانة دنيا باطما في حفل خيري بفضاء «قصر مولاي حفيظ» بطنجة، خصص ريعه لفائدة الأطفال المتخلى عنهم، وجاءت مشاركتها في المبادرة في رمضان الماضي، تزامنا مع قضائها الشهر الفضيل بالمغرب. إذ سبق أن صرحت أنها تحب قضاء شهر الصيام بالمغرب، لأنه يتميز بأجواء خاصة عن بقية البلدان الأخرى.
عائشة الشنا.. رصدت جزءا كبيرا من جائزة أوبيس للأمهات العازبات
في سنة 2000 حظيت عائشة الشنا بالتفاتة ملكية من العاهل المغربي محمد السادس، حيث منحها وساما ومساعدة مالية قدرها مليون درهم، ودعا السلطات إلى تسهيل مساطر العمل الاجتماعي حين يتعلق الأمر بمشاريع مدرة للدخل، أو عندما يتعلق الأمر بمشاريع لفائدة الفئات الهشة. كما تم توشيح الفاعلة الجمعوية المغربية بوسام الجمهورية الفرنسية، جوقة الشرف من رتبة فارس، اعترافا بالخدمات التي قدمتها لفائدة الأمهات العازبات، حيث قال شارل فرييس، سفير فرنسا بالمغرب، في كلمة بالمناسبة مخاطبا عائشة الشنا: «هذا التوشيح ينضاف إلى سلسلة التكريمات التي حصلت عليها في المغرب وعبر العالم، يعتبر اعترافا يتيح لك أن تصبحي المتحدثة باسم من لا صوت لهم».
وكانت الشنا قد حصلت في نونبر 2009 بمنيابوليس (الولايات المتحدة الأمريكية) على جائزة أوبيس، التي تكافئ الأعمال الإنسانية الأكثر تميزا في العالم والتي تبلغ قيمتها مليون دولار، تقديرا للعمل الذي تقوم به. علما أنها حصلت سنة 1995 بباريس على جائزة حقوق الإنسان للجمهورية الفرنسية.
ولأن زليخة نصري كانت تؤمن بأفكار الشنا، فقد تبادلت معها المشورة وقررت رئيسة جمعية التضامن النسوي رصد جزء كبير من جائزتها في دعم مشاريعها الاجتماعية، خاصة المبادرات المدرة للدعم، حيث تم بناء حمام شعبي خصصت مداخيله لفائدة الجمعية، لذا حين توفيت المسؤولة عن مؤسسة محمد الخامس للتضامن، قالت الشنا: «الله يعوض الملك بمستشارة من قامة زليخة نصري»، وهو تأبين يكشف عمق العلاقة بين نصري والشنا، خاصة وأن ملك البلاد كان يوصي زليخة خيرا بالشنا.
رأت عائشة الشنا النور بمدينة مراكش سنة 1941، لكن القدر شاء أن تعيش هذه الفتاة اليتم وعمرها لا يتجاوز الثلاث سنوات، بعد أن فقدت والدها وتحديدا سنة 1945، كان الراحل رجلا محافظا حريصا على تعليم بناته أصول الدين بدعم من جدهن، قبل أن ترحل إلى الدار البيضاء، هناك بدأت أولى خطواتها في المجال الاجتماعي.
شامة بنت امسيك.. وهبت أرضها لبناء مقبرة الشهداء بالبيضاء
يعد المرحوم العربي بن امسيك أحد وجهاء أولاد احريز، سميت باسمه إحدى عمالات الدار البيضاء الموجودة فوق أرضه الشاسعة، كما أهدت إحدى أخواته وهي شامة بنت امسيك أرض مقبرة الشهداء لدفن أموات المسلمين بالمدينة، والتي تفوق مساحتها الثلاثين هكتارا، فضلا عن الأرض التي بني عليها مسجد الشهداء.
يرتبط اسم ابن امسيك في أذهان سكان الدار البيضاء الأقدمين ببساتين ممتدة من عين الشق إلى درب الكبير العفو الفاسي مساحتها تقارب 70 هكتارا، قبل أن تتحول «العرصة» إلى أكبر تجمع صفيحي في المغرب ابتداء من منتصف ثلاثينات القرن الماضي.
لم تكن بساتين عائلة عبد الكريم بن امسيك مجالا صفيحيا، بل كانت عبارة عن فضاء للأغراس يخترقه رافد من روافد وادي بوسكورة، مما جعلها مقصدا لكثير من البيضاويين الذين كانوا يقتنون منها حاجياتهم من الخضر والفواكه.
لكن السلطات الاستعمارية حولت هدوء الفضاء إلى تجمع صفيحي، حين أصدرت في 2 يناير 1932 مرسوما يمنع إنشاء براريك داخل المدار الحضري للمدينة، فتم نقل مدن الصفيح الناشئة خارج الحزام الكبير، وبالضبط إلى أرض في ملكية عائلة بن امسيك.
كان عبد الكريم بن امسيك الهراوي المديوني يشغل مهمة خليفة لأحد باشوات الدار البيضاء إبان الحماية، وهو أب أحمد والعربي ومحمد وشامة وعائشة وزهرة وفاطمة وما تفرع عنهم من ورثة.
ويبقى العربي بن عبد السلام بن امسيك هو المالك الأصلي للأراضي الشاسعة التي جثم عليها تجمع صفيحي ظهرت أولى بذوره في منتصف الثلاثينات من القرن الماضي، ففي سنة 1940 بلغ عدد السكان الذين استوطنوا هذه البيوت القصديرية 50 ألف نسمة.
كانت الدار البيضاء تعاني من أزمة مقابر بعد أن امتلأت غالبيتها، حينها تعهدت شامة بمنح أراض شاسعة لدفن أموات المسلمين غير بعيد عن كاريان بن امسيك، قالت شامة: «لا يعقل أن تغلق كثير من المقابر أبوابها في وجه الجنائز دون أن يتم التفكير في فتح مرافق أخرى».
بالأمس كانت مقاربة القرب حاضرة في تدبير شأن الأموات، حيث كانت مدينة الدار البيضاء تتوفر على عدد كبير من فضاءات الدفن الموزعة على أحياء العاصمة الاقتصادية، فاق عددها عشرة مدافن أغلبها أغلق أبوابه بعد أن فاقت الطاقة الاستيعابية للدفن وضاقت المساحات بالأموات، من بينها مقبرة أهل فاس غير بعيد عن لهجاجمة بحي بوركون، ومقبرة أولاد زيان المجاورة لمقبرة اليهود والمسيحيين، ومقبرة مسعود الرويضي وهي قطعة أرضية وهبها المرحوم الرويضي لبلدية الدار البيضاء من أجل دفن أموات وسط المدينة وتوجد على مقربة من ملعب فيليب قبل أن تموت بدورها بالتقادم، ومقبرة سيدي مومن القريبة من كريان الرحامنة، ومقبرة القاعدة العسكرية بشارع عمر بن الخطاب، ومقبرة سيدي عثمان قرب الضريح ومقبرة حي سباتة بشارع الجولان، ومقبرة عين حرودة ومقبرة سيدي أحمد بلحسن بمديونة، ثم مقبرة سيدي مسعود، وكل هذه المرافق أغلقت بالتقادم أو التجاهل.
لالة عودة.. أفطرت رمضان فوهبت ثروتها للنفارين
تعددت أسماء الولية الصالحة مسعودة، فالبعض يفضل تسميتها بالأميرة العالمة، والبعض اختار لها اسم السيدة الحرة الصالحة، وأهل الجنوب يطلقون عليها لقب مسعودة الوزكيتية، وفئة من المؤرخين تلقبها بعنقاء الصحراء، لكن مهما تعددت أسماؤها وألقابها فإنها تفضل لقب الأميرة المحسنة، باعتبارها أم السلطان أحمد المنصور الذهبي، لكن مسعودة يبقى اللقب المسجل في الروايات التاريخية، إلا أن عودة هو الأكثر شهرة، ولا يعرف الناس سبب هذا اللقب رغم أن مجموعة من الروايات الشفوية ربطته بقوامها الممتلئ الشبيه بـ«العودة»، وقيل إن هذا اللفظ مخفف من مسعودة على طريقة أهل المنطقة.
يرقد جثمان مسعودة في قبور السعديين بحي القصبة داخل أسوار مدينة مراكش القديمة، في ضريح سلطاني يضم مجموعة من قبور رجال ونساء الدولة السعدية، من قبر محمد الشيخ، مؤسس الدولة، إلى بقية أفراد العائلة. ولعل وجود ضريح لالة عودة في هذا الفضاء، جعله أقل ارتباطا بالدجل كما هو حال كثير من مزارات الوليات الصالحات في هذا البلد.
ولدت مسعودة في كنف والدها الشيخ أبي العباس أحمد بن عبد الله الوزكيتي الورزازي، وكانت منذ صغرها حريصة على اقتناء المفاخر راغبة في فعل الخير. وهي أم السلطان المنصور الذهبي، الذي ساعدها في توسيع مبادراتها التضامنية وحولها إلى السيدة الأولى للقصر السلطاني.
أجمعت الكتابات التاريخية على أن لالة عودة عرفت بقلبها الرحيم وبحرصها على الذكر وقيام الليل، وكانت تخصص للأيتام حيزا كبيرا من اهتماماتها، بل عملت على إقامة حفلات زفاف للأيتام واليتيمات وشجعت الزواج من المتخلى عنهن، فضلا عن اهتمامها بالعمران، سيما إنشاء المساجد والقناطر، وكانت تعمل على إصلاح الطرق في البوادي والحواضر في زمن كان فيه ابنها مهتما بالفتوحات العسكرية وتقوية الاقتصاد الوطني.
على بوابة المسجد العظيم لباب دكالة بمراكش إشارة إلى دور هذه السيدة في إنشاء هذه المعلمة الدينية، ويعرض السلاوي قصة يتداولها العامة حول سبب بنائها للمسجد المذكور، تقول إنها «دخلت يوما بستانا من بساتين قصورها وهي في حالة الوحم، فرأت به خوخا ورمانا فأكلت منها في نهار رمضان والناس صيام، ثم ندمت وفعلت أفعالا كثيرة من باب البر رجاء أن يتجاوز الله عنها، ومنها بناء الجامع المذكور».
لكن المراكشيين يرددون روايات أخرى عن لالة عودة السعدية، أم المنصور الذهبي، تجمع على أنها أفطرت يوما عمدا في رمضان وشعرت بالندم، فوهبت كل ما تملك لفائدة «النفافرية» ليدعون لها من الله جل جلاله بالمغفرة والتوبة، ومن يومها كان النفافري ينشد على نغمات نفاره «عودة كالت رمضان بالخوخ والرمان اغفر ليها يا رحمان».
فاطمة الفهرية.. وهبت مالها لبناء أول جامعة في العالم
لعب جامع القرويين منذ نشأته سنة 245 هـ على يد المحسنة فاطمة أم البنين الفهرية دورا بارزا، وأثر في سيرورة التاريخ بما قدمته من جوانب حضارته الكبرى في نشر الثقافة الإسلامية في المغرب والأندلس، ثم في كل مناطق غرب إفريقيا بعد ذلك.
تعد القرويين بشهادة التاريخ أقدم جامعة في العالم والتي طالما كابدت مكايد المستعمرين، الذين قاوموا محاولات لإطفاء شعلتها باعتبارها مبعث الحركات الإصلاحية والتطورات الاجتماعية، ومنطلق الثورات السياسية التي كانت تقف في وجه الظلم، وتضع حدا لتصرفات الحكام الجائرين.
تعد فاطمة بنت محمد الفهرية من ذرية عقبة بن نافع الفهري، فاتح تونس ومؤسس مدينة القيروان، وهي شخصية تاريخية خالدة في ذاكرة التونسيين والمغاربة. حسب مجلة «دعوة الحق»، فإن فاطمة اشترطت أثناء عملية البناء «أن تكون مواد البناء محلية من ذات المنطقة حتى لا يمن عليها أحد، وكانت مياه البناء تجلب من بئر حفرت في الأرض ذاتها التي اشترتها من رجل من هوارة، حيث قامت بالإشراف عليه بنفسها لما اتصفت بالمهارة، ثم أنشأت معامل خاصة لذلك وعقدت العزم على ألا تأخذ ترابا أو مواد بناء من غير الأرض وطلبت من العمال الحفر حتى أعماق الأرض، يستخرجون من أعماقها الرمل الأصفر الجديد والأحجار لتستخدم في البناء. وضاعفت مساحته بشراء الحقل المحيط به، ضمت أرضه إلى المسجد. وعند الانتهاء من بنائه أقامت به صلاة الشكر لربها على فضله وامتنانها لكريم رزقه وعطائه الذي وفقها لبناء هذا الصرح، الذي كان دوره رائدا في نشر الإسلام والعلوم بالمغرب وأول معهد ديني وأكبر كلية عربية في بلاد المغرب الأقصى ولم تعمل أي عمل يمجد عملها».