كتب أسامة بنكيران، نجل عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة والأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية، تدوينة بمناسبة ذكرى 20 فبراير، قال فيها إنه يحن إلى حركة 20 فبراير مؤكدا أن ثماني سنوات مرت بحلوها ومرها في انتظار ربيع عربي جديد قادم بحول الله.
السي أسامة ابن بنكيران الذي ربح من الربيع العربي معاشا مريحا بقيمة سبعة ملايين تضاف إلى المعاش المدني الذي يحصل عليه، حسب منطوق الظهير، يتمنى عودة هذا الربيع الذي كلّف المنطقة العربية، ومنها المغرب، حوالي 833.7 مليار دولار، بالإضافة إلى مقتل وجرح 1.34 مليون شخص نتيجة الحروب والعمليات الإرهابية.
ولا يسعنا سوى أن نقول للسي أسامة ما يقوله المغاربة عادة عندما يسمعون شخصا يتمنى أو يتوقع حدوث شيء سيّئ “فمك لحسو كلب”.
فما سمته الدعاية الغربية “ربيعا عربيا” تأكد للجميع، بمن فيهم الذين انخدعوا وانخرطوا فيه، أنه لم يكن سوى مؤامرة تم حبكها بمكر وخبث لإسقاط نظامين بعينهما هما النظام السوري والنظام الليبي بهدف واحد ووحيد هو إيجاد مبررات سياسية للتدخل العسكري في هذين البلدين من أجل الاستيلاء على مصادر الطاقة بالنسبة لليبيا والمعابر المائية بالنسبة لسوريا .
وبينما فشلت خطة إسقاط بشار الأسد لقضم الامتداد الجيو استراتيجي لروسيا في الشام لصالح الامتداد الأمريكي الأوربي، بسبب صمود الجيش إلى جانب الرئيس وبسبب الدعم الإيراني الروسي الكبير، فقد نجح الانقلاب على القذافي الذي فشل في تكوين جيش نظامي حقيقي وتم اغتياله في مجرى مياه بتخطيط من نيكولا ساركوزي الرئيس الفرنسي آنذاك، قبل أن تسطو القوى الدولية المتحالفة ضده على حساباته البنكية وذهبه وتم توزيع آبار البترول الليبي بين الشركات الخليجية والفرنسية والإيطالية والبريطانية والأمريكية بعدما جاءت فرنسا بالجنرال حفتر ليحرس آبار النفط الليبي من أجل شركة طوطال والشركات الأخرى العالمية.
أما الأنظمة التي سقطت في الطريق بسبب هذا الربيع الخادع فكانت كلها مجرد خسائر جانبية في حوادث سير، وقد تم تعويض ضحاياها بعد سنوات قليلة من انتهاء الربيع، بحيث قام النظام التونسي من رماده وعاد عجائز السلطة إلى مقاعدهم، وكذلك الشأن في مصر حيث استعاد الجيش سلطته ووضع أحد رجاله على كرسي الحكم وتم سجن الرئيس المنتخب الذي جاء على صهوة الربيع الخادع وتم سجن قادة تنظيم الإخوان المسلمين وتعليق شبابها على أعواد المشانق، قبل أن يذهب الرئيس لشرم الشيخ للمشاركة في المؤتمر الأوربي العربي، ليقول أمام القادة الأوربيين إن الإعدام من صميم أخلاقيات وثقافة المصريين.
وما يحدث اليوم في الجزائر يذكر كثيرا ببدايات ما حدث في سوريا، فنفس الاجتماعات التي احتضنتها فنادق باريس من أجل تشكيل معارضة الصالونات في الخارج ضد نظام بشار الأسد، تتشكل اليوم من أجل إسقاط النظام في الجزائر.
والسؤال اليوم هو هل سقط النظام في سوريا؟ طبعا لا، وأين اختفت هذه المعارضة في الخارج التي رصدت لها المليارات وفتحت أمامها بلاطوهات القنوات الإخبارية؟
الله أعلم.
لنتفق حول شيء أساسي، وهو إنها لشوهة عالمية أن يستمر رجل اسمه بوتفليقة، ثمانيني مصاب بكل أمراض الدنيا لا يتحرك لا يتكلم معظم وقته يقضيه في غرف الإنعاش بالمستشفيات الأوربية باسم حزب يدعي امتلاك الأصل التجاري لاستقلال الجزائر، في رئاسة بلد نصف سكانه شباب.
لقد حان الوقت لكي يفهم جنرالات الجيش الذين يأخذون الجزائر رهينة منذ عقود أن الوقت قد حان لإنجاز انتقال ديمقراطي للسلطة، مع الاحتفاظ طبعا للجيش بمكانته كما يحدث في بلدان العالم، فحتى في أمريكا التي تقدم نفسها كنموذج للحرية والديمقراطية فالبنتاغون هو من يحكم من وراء الستار، والبنتاغون بدوره تتحكم فيه لوبيات INRA لتجارة السلاح، لأن تجارة السلاح هي محرك الاقتصاد العالمي، والحروب هي مناسبة لرفع أرقام معاملات هذه الشركات، أما السلام ومؤتمراته وأوهامه فتعني عند هؤلاء شيئا واحدا هو الإفلاس المالي والركود الاقتصادي.
ولا يجب على إخواننا الجزائريين أن ينخدعوا بشأن مشكلتهم الحقيقية، فالأمر لا يتعلق بمشكل عهدة خامسة أو سادسة، ولا يتعلق برئيس يريد أن يبقى رئيسا مدى الحياة أو برئيس جديد سيأخذ مكانه ضمن نفس اللعبة القديمة، بل مشكلتهم الحقيقية هي مع نظام عسكري استبدادي متسلط متحكم في كل شيء في البلد، لا يسمح بنشوء حياة سياسية عادية. وطالما أنهم لم يحلوا هذا المشكل فلن يتغير شيء في بلدهم حتى ولو جاؤوا برئيس جديد في كل انتخابات جديدة.
لهذا فالجزائر اليوم توجد في مفترق طرق، وما يسمونه ربيعا يزحف نحوها ليس في الحقيقة سوى ستار من الدخان يحجب رغبة أطراف دولية في إدخال البلد إلى حمام دم، إذ سيكون من المستحيل أن يسلم الجيش السلطة تحت الضغط للشعب، لأن الجيش في الجزائر يتحكم في كل مناحي الحياة، فلديه قنواته وجرائده وشركاته ومقاولاته، حيث إنه متغلغل في كل شيء.
والخوف كل الخوف اليوم ليس من الاحتجاجات التي تشهدها شوارع الجزائر والانقسام داخل صفوف المحتجين بين دعاة إسقاط العهدة الخامسة وإسقاط النظام، بل الخوف كل الخوف من الانقسام داخل الجيش.
لأنه إذا كان من حسنة للتمسك المرضي ببوتفليقة فهو أنها كشفت عن أن جناح هذا الأخير في الجيش يخوض حربا لا هوادة فيها مع جناح معاد له، وقد ظهرت آثار هذه الحرب جلية في عملية تصفية جهاز الاستخبارات على خلفية تفكيك خلية الكوكايين التي كانت حصان طروادة لتصفية واسعة داخل دواليب جهاز الشرطة والاستخبارات، حيث أطاح هذا الملف بمسؤولين جزائريين كبار على رأسهم مدير الأمن العام اللواء عبد الغني هامل الذي كانت جماعات المصالح بالجزائر تدفع به نحو قصر المرادية.
لذلك فليس من المستبعد إذا ما تطورت الاحتجاجات في الجزائر أن تدافع مؤسسة الجيش عن بقائها بتسليح ميلشيات تكون كل واحدة منها تابعة لتيار داخل الجيش تتقاتل بالوكالة في حرب أهلية شبيهة بما حدث في سوريا.
ونحن كمغاربة علينا أن نكون حذرين مما يحدث في الجزائر، لأن الوضع عندما انفجر في سوريا ودخل البلد في حرب فقد نزح مليون لاجئ نحو الحدود مع تركيا، وإذا حدث السيناريو نفسه في الجزائر وانفجر الوضع فيجب أن نتوقع نزوح الملايين نحو حدودنا الشرقية. فهل المغرب لديه الإمكانيات لكي يتعامل مع هذا الوضع المحتمل؟
وكيف سيكون الوضع في الحدود الجزائرية مع مالي إذا ترك الجيش الجزائري مواقعه الحدودية وصعد إلى العاصمة لمواجهة الاحتجاجات؟ من سيمنع عناصر “أكمي” و”بوكو حرام” من اجتياح البلد ومنها شمال إفريقيا في ما بعد؟
لذلك يجب التعاطي برزانة وتعقل مع ما يحدث عند جيراننا، نعم الجزائر بلد بترولي غني ومواطنوه يستحقون أن يعيشوا بكرامة في بلدهم عِوَض اللجوء إلى أوربا ويجب اقتسام ثروات البلد بين أبنائه، نعم النظام السياسي في الجزائر يجب أن يشرع في إعداد انتقاله الديمقراطي نحو نظام رئاسي مدني حقيقي، نعم البلد بحاجة إلى مؤسسة عسكرية قوية وليس مؤسسة عسكرية تأخذ المدنيين كرهينة لمصلحة حفنة من الجنرالات يستعملون ملف الصحراء المغربية كفزاعة من أجل ابتزاز خزينة الدولة.
وعليه فلا يجب رمي الرضيع مع ماء الحمام كما يقول المثل الفرنسي، تجب المحافظة على استقرار الجزائر وفِي الوقت نفسه إطلاق حوار شامل مع 45 بالمائة من مجموع سكان الجزائر ولدوا بعد عشرية الدم ولا علاقة لهم بأساطير الاستقلال وحكايات جبهة التحرير الوطني والاحتراب الدموي بين الجيش وجبهة الإنقاذ.