كشفت دراسة أعدتها غرفة التجارة والصناعة والخدمات بطنجة، أن نحو 92 في المائة من المقاولات بالجهة عمدت إلى تسريح عمالها بالكامل أو خفضت عددهم خلال فترة الحجر الصحي. وأوضحت الدراسة التي تم إعدادها وتتكون من قرابة 84 صفحة، أن فيروس «كورونا» تسبب في خسائر كارثية على مستوى الجهة اقتصاديا، مؤكدة أنه نظرا لتخصص الجهة في القطاعات الاقتصادية المرتبطة بالسوق الدولية، وتقلباتها،على غرار السياحة والصناعات الاستهلاكية وصناعة السيارات وغيرها، فإن وقع أزمة جائحة الفيروس كان شاملا وعاما ولم يستثن أي قطاع أو تراب في الجهة، كما لم يستثن أية مقاولة اعتبارا لحجمها أو إطارها أوشكلها.
توقف الإنتاج في ¾ المقاولات
حسب الدراسة، فقد اضطرت ثلاث مقاولات من أصل أربع للتوقف النهائي عن الإنتاج في القطاعات المرتبطة بتقلبات السوق الدولية والتصدير والاستيراد خلال فترة الحجر الصحي الأولى والثانية، في حين اضطرت المقاولات التي استطاعت الاستمرار في الإنتاج إلى خفض إنتاجها بنسبة تفوق 50 في المائة.
وعلى المستوى الاجتماعي، فإن 68 في المائة من الموارد البشرية وجدت نفسها في بطالة غير إرادية، نفس الشيء للوقع المالي، وتتنبأ 90 في المائة من المقاولات بتراجع رقم معاملاتها هذه السنة بنسب متفاوتة.
وحسب الدراسة، فإنه على مستوى القطاعات، لم يستثن وقع الأزمة أي قطاع أو نشاط اقتصادي، وحتى إن كانت مقاولات الخدمات والمقاولات السياحية الأولى من حيث المعاناة، فإن القطاعات الأخرى لم تستثن كذلك لارتباطها بالأولى من حيث العرض أو الطلب، وحدة الأزمة تتباين من قطاع لآخر، ففي الوقت الذي كانت فيه في مستويات حادة جدا بالقطاعات السياحية والخدمات المرتبطة بالعائلات وكذا في التجارة غير الغذائية والصناعات التركيبية، كانت نسبيا أقل حدة على التجارة والصناعة الغذائية، حسب الدراسة التي تضيف أنه باعتبار مقياس القطاع في المقاربة، نجد أن الخدمات والصناعة كانتا أكثر تأثرا من التجارة.
امتصاص الأزمة
تقول الدراسة إنه حتى إذا كانت الإحصاءات التي تم تقديمها تظهر أن حجم الأزمة كان عاما وشاملا على كل مقاولات الجهة من دون اعتبار لحجمها، فإن الواقع الكيفي الذي لا تظهره الأرقام هو أن تداعيات الأزمة كانت وستكون أكثر وقعا على المقاولات الصغرى والصغيرة جدا، لاعتبار ضيق هامش الإمكانيات المادية التي تستخدمها كنوابض لامتصاص وقع الأزمة على النشاط وفي الزمان من أجل التأقلم مع واقع الجائحة وما سيفرضه من استثمارات إضافية.
من ناحية الإنتاج، يظهر أن المقاولات الصغرى والصغيرة جدا، وبفضل الليونة التي تتميزان بها، فقد اضطرتا الى التوقف النهائي عن العمل بحدة أقل من المقاولات المتوسطة أو الكبيرة. هذه الفرضية تتأكد بخصوص الثمن الاجتماعي، بحيث نجد أن المقاولات الكبرى، وبسبب معدل الأجرة بها، كانت الأكثر تسريحا للعمال. ومن جانب وضع خزينة المقاولة، نجد أن المقاولة الصغرى هي الأكثر تخوفا من حصيلة هذه السنة، متبوعة بالمتوسطة فالكبرى، ثم أخيرا الصغيرة جدا.
على المستوى الترابي
في هذه النقطة تقول الدراسة إن كل أقاليم وعمالات الجهة تضررت من تبعات الجائحة وإن بنسب متفاوتة،وبالنظر إلى الإحصاءات عن قرب، يتبين أن الأقاليم التي تتوفر على سبق نسبي أو تخصص في قطاع الخدمات والسياحة، كانت الأكثر توقفا عن العمل بشكل نهائي من نظيراتها بالمجالات المتخصصة في الصناعة..، حيث إن 50 في المائة من مقاولات عمالة طنجة-أصيلة، التي تمثل أكثر من نصف مقاولات عينة الاستطلاع، تتوقع انكماش رقم المعاملات هذه السنة بنسبة النصف مقارنة بسنة عادية.
أضف إلى ذلك، أن تداعيات كوفيد-19 كانت حاضرة أيضا بكل عمالات وأقاليم الجهة في كل القطاعات الاقتصادية وبدون اعتبار لحجم المقاولة. والتمعن في الإحصاءات ومعالجتها عن قرب يؤكدان الفرضية السابقة بخصوص كون المجالات التي تتوفر على تخصص نسبي في السياحة، كانت أكثر تأثرا من المجالات المتوفرة على بدائل قطاعية عملت على تخفيف الوقع، على الأقل إحصائيا.
دروس من التجارة والصناعة
قطاع التجارة كان الأكثر اعتمادا على الإمكانيات الخاصة سواء الشخصية منها أو العائلية أو المبتكرة لتحمل وقع الأزمة المرتبطة بوضع الحجر الصحي. هذه الحالة يمكن تفسيرها بكون هذا القطاع واسعا وغير متجانس وأقل تقنينا من القطاعين الآخرين. وبالنسبة لتقييمها للإجراءات المتخذة من أجلها، فإن مقاولات التجارة والخدمات كانتا أقل رضى عنها من مقاولات قطاع الصناعة..، في حين أن قطاع الصناعة له ميول واضح تجاه المتطلبات المالية، إذ إن أغلب المقاولات الصناعية جعلت القروض المدعمة والقليلة الفائدة في مقدمة حاجياتها المستقبلية، وعيا منها بأن ما بعد كوفيد-19 سيتطلب استثمارات على أكثر من مستوى. في قطاع الخدمات تفضل المقاولات الإعفاءات والتخفيضات الضريبية،أما التجارة فموزعة بين المالي والضرائبي، على اعتبار أن حاجيات التجارة تتميز بكون طلباتها متعددة وخاصة.
التأثير على المقاولات
حسب الدراسة، فإن هناك علاقة قوية بين درجة رضى المقاولات عنالإجراءات المتعددة التي اتخذت لصالحها وحجمها. وهكذا، تعتبر المقاولات الكبرى الأكثر رضى عنها متبوعة بالمقاولة المتوسطة فالصغرى ثم أخيرا الصغيرة جدا. في الوقت الذي كانت خدمات صندوق الضمان الاجتماعي دعامة أساسية للمقاولات بكل أحجامها بأشكال متفاوتة. المقاولة الكبرى والمتوسطة استفادت أكثر من الصغرى والصغيرة جدا لكونها الأكثر تنظيما وتقنينا.
ووفق الدراسة، فإن المقاولات الكبرى والمتوسطة اختارت تصنيف حاجياتها المستقبلية بشكل يضع الحاجيات المالية هي الأولى في شكل قروض مدعمة وقليلة الفائدة،بينما المقاولات المتوسطة اختارت الامتيازات الضريبية،والمقاولاتالصغيرة جدا اختارت الحاجتين السالفتين بالتساوي. ومرة أخرى هناك تأكيد للفرضية السابقة بخصوص قطاع التجارة الذي يستحق التفاتة، خاصة في مرحلة ما بعد كوفيد-19. وباتت احتياجات المقاولة الصغيرة جدا التي تشكل أغلبية قطاع التجارة،ذات طلبات خاصة وتتطلب إجراءات خاصة.
تأثيرات من إقليم لآخر
هناك تباين واختلاف كبير بين الأقاليم والعمالات حسب نص الدراسة، بخصوص الطرق التي تم تبنيها من طرف المقاولات للتخفيف من حدة الأزمة،إذ إنه في كل من طنجة-أصيلة والحسيمة والعرائش نجد أن المقاولات صرحت بكونها اعتمدت بدرجة أولى على إمكانياتها الذاتية، بينما تتقاسم الوسائل المعتمدة لتخفيف وقع الأزمة بالأقاليمالأخرى، بين الاستفادةمن خدمات صندوق الضمان الاجتماعي وقروض ضمان-أكسجين المدعمة.
وتضيف الدراسة أن مقاولات إقليم الحسيمة وتطوان وشفشاون كانت الأقل رضى عن الإجراءات المتخذة لصالحها، ربما تطرح هذه المسألة إشكالية علاقة المركز بالمحيط. وعلى مستوى طنجة-أصيلة فضلت مقاولاتها الحاجيات المالية في شكل قروض، وفضلت مقاولات الحسيمة التخفيضات الضريبية، بينما تقاسمت الاحتياجات الأخرى الأفضلية في الأقاليم المتبقية.
توصيات بالرقمنة
رافقت الدراسة عدة توصيات حول عملية التعافي من هذه الأزمة، حيث أوصت بضرورة مصاحبة المهنيين للتزود بسلاح الرقمنة في كل المجالات، بدءا بالإنتاج ثم التسيير والتسويق. وأثبتت فترة الحجر الصحي أهمية الرقمنة، وبما أن الفيروس لن يندثر في القريب العاجل، فإنه توجب الإسراع في رقمنة جميع الخدمات في احترام تام للمساطر القانونية والضمانات الحمائية والامتيازات الاقتصادية. كما أنه، تضيف الدراسة، يجب التذكير، في هذا المضمار، بأن الغرفة الجهوية لطنجة-تطوان-الحسيمة قطعت أشواطا مهمة في هذا الإطار من خلال تنزيل مخطط 2019-21 بشراكة مع الوزارة الوصية ما جعلها تستحق شهادة الجودة.