لا حديث في صفوف موظفي قطاع التعليم إلا عن مصير ملفاتهم المطلبية، وعلى رأس هذه الملفات نجد ما يعرف إعلاميا ونقابيا بـ«أساتذة التعاقد»، ففي الوقت الذي يصر الوزير الحالي سعيد أمزازي على أنه تم الانتهاء من التعاقد، نجد نزار البركة، وفي حملته الانتخابية، مصرا على استعمال التسمية الأصلية ذاتها، واعدا هؤلاء بإدماجهم. في مقابل حضور هذا الملف في الخطاب الانتخابي لحزب الاستقلال، نجد غيابه في خطابات حليفيه الرئيسيين، «التجمع الوطني للأحرار» و«الأصالة والمعاصرة».
ما يزال نشطاء «تنسيقية المتعاقدين» يصرون على ما أسموه «إسقاط التعاقد»، متوعدين الحكومة المرتقبة بالمزيد من الإضرابات، خصوصا مع تزامن مفاوضات تشكيل هذه الحكومة وانطلاق محاكمة بعض هؤلاء النشطاء في محكمة الرباط.
«التعاقد».. أول اختبار
العدد الكبير الذي تتشكل منه هذه الفئة من الموظفين الجهويين، والبالغ 100 ألف، دفع حزب الاستقلال لتوظيف ملفهم انتخابيا حيث وعدهم نزار البركة، الأمين العام للحزب، بإدماجهم في الوظيفة العمومية.
هذا الوعد الذي أتى من وزير مالية سابق أعطى شحنة معنوية كبرى لنشطاء التنسيقية المذكورة، إذ في الوقت الذي يتحدث فيه الوزير الحالي سعيد أمزازي عن أن التوظيف الجهوي خيار لا رجعة فيه، وأن التعاقد انتهى منذ سنوات، مصرا في المقابل على تسميتهم بـ«أطر الأكاديميات»، نجد نزار البركة مصرا على التسمية التي ينفيها الوزير الحالي، قاطعا وعدا بتحقيق مطلبهم.
في مقابل وضوح حزب نزار البركة في إدماج من أسماهم بـ«المتعاقدين»، نجد غموضا في موقف حليفيه، سواء الحزب الذي سيقود الحكومة المرتقبة أو حليفهما الثالث. صحيح أن التعليم كان حاضرا في البرنامج الانتخابي لحزب التجمع الوطني للأحرار، وأيضا في اللقاءات الجماهيرية التي ترأسها زعيم الحزب عزيز أخنوش، غير أن ملف المتعاقدين تحديدا لم يحضر لا تصريحا ولا تلميحا. بل حضرت مسألة تجويد تكوين الأساتذة وأيضا زيادة رواتب الخريجين بـ 2500 درهم.
من جهته، اكتفى الحليف الثالث لعزيز أخنوش بالحديث عن أهمية التعليم وإصلاحه بالنسبة للنموذج التنموي الجديد وبالنسبة لمستقبل المغرب. لتتناسل العديد من التعليقات من طرف رواد مواقع التواصل الاجتماعي حول إمكانية تجاوب الحكومة المرتقبة مع مطلب إدماج «المتعاقدين» في الوظيفة العمومية، بين «متشائم» مصر على اعتبار أن قرار التعاقد اتخذ على مستوى الدولة، وليس فقط على مستوى حكومة بنكيران السابقة، وبالتالي فأقصى ما يمكن لهذه الحكومة هو إيجاد صيغة تحسن من شروط المماثلة والمطابقة بين الموظفين المنتمين لنظام الوظيفة العمومية المركزي وزملائهم المنتمين للأنظمة الجهوية.
في المقابل لم يخف البعض الآخر تفاؤله بحل الملف، مستندا ليس فقط إلى الوعود الانتخابية لزعيم حزب الاستقلال، بل وأيضا لتصريح سابق لوزير المالية الحالي محمد بنشعبون، عبر فيه صراحة عن أنه لا يرى مانعا من إدماج «المتعاقدين» في نظام الوظيفة العمومية. وإذا أخذنا بعين الاعتبار احتمال احتفاظ الوزير نفسه بمنصبه، وهو من الوجوه البارزة في الحزب المتصدر للانتخابات، فإن هذا، حسب المتفائلين، سيعني أن حزبي «الحمامة» و«الميزان» سيكونان داعمين لمسألة الإدماج. ليبقى السؤال المطروح هو هل سيدعم حزب «الجرار» هذا الموقف؟
تكلفة مالية وتغييرات إدارية
موقف حزب الاستقلال من إدماج «المتعاقدين» في الوظيفة العمومية، وإن كان مفهوما بحكم أن له نقابة تعليمية وازنة شكلت دوما رافدا شعبيا للحزب، فإن حزبي «التجمع الوطني للأحرار» و«الأصالة والمعاصرة»، وبحكم افتقارهما لنقابة مركزية وازنة، سيعني إدخال هذا الملف، حسب بعض الملاحظين، في حسابات سياسية. لكون تصريح نزار البركة علانية بتبني هذا الملف سيضع قرار حله في «حسنات» حزب الاستقلال. أصحاب هذا التحليل لم يقيموا وزنا لتصريح محمد بنشعبون الذي تحدث فيه عن إمكانية الإدماج، بل إن منهم من اعتبره موقفا شخصيا وليس موقفا حزبيا، وإلا لتم وضع الملف في البرنامج الانتخابي. بالإضافة إلى أن الوزن السياسي الكبير الذي كان لحزب «الحمامة» في حكومة العثماني كان يمكن أن يصب في اتجاه إدماج هذه الفئة العريضة من موظفي التعليم في الوظيفة العمومية.
ملف آخر لا يقل أهمية ذو صلة بملف «المتعاقدين»، هو ملف حاملي الشهادات، وعدد الموظفين المعنيين بهذا الملف كبير أيضا ويتزايدون سنويا باضطراد. معضلة هذا الملف، حسب متتبعين للشأن التعليمي، هي أنه في الوقت الذي لن يكلف إدماج «المتعاقدين» الخزينة العامة درهما إضافيا، لكون قرار الإدماج سيكون إداريا خالصا، بدليل أنهم يتقاضون أجورهم من ميزانيات الأكاديميات وهي ميزانيات عمومية، نجد، في مقابل هذا، أن ملف حاملي الشهادات مكلف ماليا، ذلك لأن تغيير الإطار بالنسبة للعديد من موظفي هذا الملف ستتبعه تغييرات مالية هامة في مسارهم الوظيفي، من قبيل إمكانية ولوجهم لخارج السلم.
المؤكد أن موظفي هاتين الفئتين، وغيرهم من باقي الفئات البالغ عددها 20 فئة ذات مطالب خاصة، سيمارسون ضغوطا على الحكومة المرتقبة لإثارة انتباهها. وهو ما يعني إمكانية أن تكون المطالب الاجتماعية لموظفي التعليم عموما، و«المتعاقدين» خصوصا، من الملفات الأولى التي ستجد الحكومة المرتقبة نفسها في مواجهتها.
هذه الضغوطات ستزداد حدتها مع اصطفاف حزب العدالة والتنمية في صف المعارضة، ورغم اندحار نقابة هذا الحزب في الانتخابات المهنية الأخيرة، غير أن المتتبعين يتوقعون أن تستغل هذه النقابة وضعية المعارضة التي تتواجد فيها وممارسة ضغوطات على الحكومة، على أمل العودة بقوة إلى الوضع الذي كانت عليه قبل انتخابات 2011، عندما كانت نقابة لها قوة تأثير كبرى وغير مماثلة. يضاف إلى هذا المعطى أن إمكانية اصطفاف حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في صف المعارضة سيجعله سندا لنقابة يسارية لم تخف تبنيها الكامل لكل مطالب موظفي التعليم، وعلى رأسها مطالب «المتعاقدين».