في ظل التطور الذي شهده العالم، مع ظهور شبكات التواصل الاجتماعي، التي سهلت الاتصال والتواصل بين الناس وقلصت المسافات بينهم، ظهر نوع جديد من التنمر تتجاوز خطورته التنمر التقليدي، وهو التنمر الإلكتروني le cyber harcèlement والذي يعتبر في التشريعات القانونية لمعظم دول العالم من الجرائم الإلكترونية. في هذا العدد من «دليل الصحة النفسية» سوف نتطرق إلى آفة التنمر الإلكتروني: أسبابه، وأضراره وكيفية مواجهته عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
كل ما تجب معرفته عن التنمر الإلكتروني
التنمر التقليدي هو السخرية من تصرف أو صفة أو شكل أو أسلوب الأشخاص، ومن الممكن أن يكون ذلك نابعا عن خلل صحي لدى الشخص ولا ذنب له به. ولكن في الآونة الأخيرة انتشر مصطلح التنمر وازدادت حملات التوعية اتجاهه بفضل ازدياد وعي الناس والجمعيات والإرشاد الاجتماعي.
وازداد اهتمام المجتمعات بتفسير كلمة ومعنى التنمر بعد أن ارتفعت نسبة الأطفال والشبان الذين أقدموا على الانتحار بسبب تعرضهم للتنمر المتكرر وطويل الأمد، حيث كانوا ضحايا لأمراض واضطرابات نفسية بسبب قلة وعي المجتمع الذي يحيط بهم، وانتهى بهم الأمر باتخاذ قرار بعدم الاستمرار في الحياة نتيجة قسوة كلمات وسخرية الناس والمجتمع منهم.
أما التنمر الإلكتروني فهو أخطر من التنمر التقليدي ويتجلى في استغلال الإنترنت والتقنيات المتعلقة به بهدف إيذاء أشخاص آخرين بطريقة متعمدة ومتكررة وعدائية. نظرا لأن هذه الوسيلة أصبحت شائعة في المجتمع خاصة بين فئة الشباب، فقد وضعت تشريعات وحملات توعوية لمكافحتها.
وتعرفه منظمة «اليونيسيف» بأنه هو شكل من أشكال المضايقات يمارس من خلال التقنيات الرقمية. يمكن التعرض له على الشبكات الاجتماعية، في نظام المراسلة، أثناء جلسات الألعاب عبر الإنترنت وعلى الهواتف المحمولة. هو سلوك متكرر والغرض منه زرع الخوف أو الانزعاج أو الخزي في نفوس المستهدفين. هذا ما يحدث، على سبيل المثال، عندما ننشر أكاذيب أو صورًا محرجة لشخص ما على الشبكات الاجتماعية، أو عندما نرسل رسائل أو تهديدات عدوانية على منصات التواصل الاجتماعي، أو عندما تستحوذ على حساب شخص ما وترسل رسائل غير لائقة نيابة عنه.
وغالبًا ما يقترن التنمر عبر الإنترنت بأفعال مضايقة خارج الإنترنت. لكن المطاردة عبر الإنترنت تترك آثارا يمكن أن تكون مفيدة في وضع حد لها عند استخدامها كدليل.
يمكن أن يستهدف التنمر شخصا واحدا بصفة فردية له مثلا طفل مصاب بمرض البهاق يتعرض للسخرية والتقليل من شأنه نتيجة اختلاف في شكل جسده فقط دون الالتفات إلى النمو والتقدم العقلي الذي من الممكن أن يفوق القدرة العقلية الموجودة لدى الشخص المتنمر، والتنمر الجماعي هو السخرية من انتماء أو صفة أو فكرة تجمع مجموعة من الأفراد، فعلى سبيل المثال من الممكن أن يتلقى مجموعة من النباتيين تنمرا اجتماعيا إلكترونيا لمجرد أنهم مختلفون ولا يتبنون أفكار غالبية أفراد المجتمع الذين ينتمون إليه. في جميع الحالات ينبع التنمر عن أشخاص جاهلين أو غير أسوياء أخلاقيا لأنه يجر الشخص الذي يتعرض للتنمر إلى دائرة الشك حول قدراته وحول ملاءمة وجوده في المجتمع.
أسباب التنمر الإلكتروني
-الاختلاف: عندما يكون الشخص مختلفا عن الجماعة بالشكل أو في الأفكار فهو معرض للتنمر الناتج عن الاستغراب، حول الأسباب التي جعلت هذا الشخص لا يشبه الجماعة، وفي غالبية الأحيان يكون الشخص متميزا عن الجماعة ويأتي التنمر كمحاولة إحباط وكسر له
-الاضطرابات النفسية: في بعض الأحيان يكون المتنمر يعاني من اضطرابات نفسية تجعله يحس بعقدة النقص، وتفريغا لذلك وكمحاولة إثبات العكس يقوم بالبحث عن نقاط الضعف أو الاختلاف لدى الأشخاص الآخرين ويستمر بالحديث عنها والنشر عنها إلكترونيا ليثبت بأنه ليس أقل من الآخرين بل هم أقل منه.
-الخلافات الشخصية: تعتبر الخلافات الشخصية من أهم الأسباب التي تدفع بالمتنمر إلى ممارسة التنمر، وذلك يأتي بعد خلاف أو مشكلة بينه وبين أحد الأطراف من نفس جيله، ويكتشف أن الطريقة السريعة للانتقام هي نشر المعلومات التي تخص الضحية وإلحاق الأذى النفسي بها من خلال التنمر لكي يشبع رغبة الانتقام .
-الجهل: إهمال العائلة للأبناء وعدم متابعة أساليب تربية أخلاقية تفرض عليهم تقبل كافة الأشخاص في المجتمع بكافة اختلافاتهم تؤدي إلى استغراب الأطفال من أي اختلاف يجدونه في الأشخاص الآخرين ويقومون بالسخرية منه لمجرد أنه غير مألوف بالنسبة إليهم، والتنمر في هذه الحالة يرتكز على الاختلاف الشكلي للأشخاص والفرق الطبقي الاقتصادي، حيث يهمش الطالب الأقل من الآخرين عن باقي المجموعة.
هذه أهم الأسباب التي تؤدي إلى التنمر بين شريحة الشبيبة والأطفال في غالب الأحيان.
ما هي أنواع التنمر الإلكتروني؟
توجد عدة تصرفات تندرج تحت لواء أنواع للتنمر الإلكتروني، ولكن في غالب الأحيان نجهل أن هذه التصرفات تعتبر تنمرا، وأنواع التنمر هي:
-الاستبعاد والاستثناء: هو عدم دعوة شخص عمدا إلى حدث ما وتركه خارجًا، ومثال لذلك عدم دعوة شخص ما لمجموعة تضم أصدقاءه، أو استبعاده من بعض المحادثات والرسائل التي تضم أصدقاءه.
-التحرش: هو إرسال رسائل تهديد باستمرار تؤذي الشخص المتنمر عليه وتقصد عمدا إلحاق الضرر به، وتندرج تحت هذا البند العديد من أنواع التنمر.
-الخداع: هو محاولة كسب المتنمر لثقة الشخص المتنمر عليه وإيهامه وإشعاره بالثقة للحصول على أسراره ومعلوماته الخاصة، ثم مشاركتها مع أشخاص آخرين أو نشرها على شبكة الإنترنت.
-انتحال الشخصية: هو أن يُنشئ المتنمر حسابا وهميا باسم الشخص المتنمر عليه على شبكات التواصل الاجتماعي وإدراج بعض الأمور المحرجة له وغير اللائقة والتي تضره بشكلٍ كبير، كما قد يُنشر بعض الإهانات التي تُسبب دمار سمعته.
-كشف أسرار المتنمر عليه: هو كشف معلومات حساسة وخاصة تخص الشخص المتنمر عليه دون الحصول على موافقته بهدف إزعاجه وإحراجه وإذلاله، وذلك من خلال نشر صور أو وثائق أو رسائل شخصية على الملأ.
-المطاردة: هي ملاحقة المتنمر الشخص المستهدف عبر الإنترنت، وذلك يشمل مراقبته وإرسال تهديدات واتهامات باطلة وقد تصل إلى متابعته في العالم الحقيقي وإلحاق الأذى الجسدي به، وهذا النوع يُعد جريمة جنائية تؤدي إلى تقييد ومراقبة المتنمر وقد تصل إلى سجنه.
-الإهانة المباشرة: هي أن يُهين المتنمر الشخص المتنمر عليه مباشرة من خلال إرسال الألفاظ النابية أو الإهانات مباشرة إليه بطريقة هجومية لتحريضه على القتال.
-التنكر: هو أن يُنشئ المتنمر حسابا باسم وهمي بقصد إخفاء هويته الحقيقية للتنمر على شخص ما عبر الإنترنت، وعادة ما يكون المتنمر عليه يعرف الشخص المتنمر معرفة شخصية.
-التصيد: هو نشر تعليقات مُزعجة أو شتائم للآخرين بشكلٍ متعمد عبر شبكة الإنترنت بقصد الإضرار بهم واستفزازهم لحملهم على الرد بنفس الطريقة المسيئة.
وسائل التنمر الإلكتروني
كانت تستخدم شبكة الإنترنت في بدايتها بشكل رئيسي في تبادل المعلومات والبيانات، أما الآن فقد اتسع وتنوع استخدام الإنترنت حتى أصبح من الصعب حصره، وذلك بسبب التطور الهائل في تقنية المعلومات والاتصالات والذي أدى إلى انتشار وتعدد وتنوع استخدام الشبكة.
وهذه أبرز أنواع الوسائل المستخدمة في التنمر الإلكتروني التي تعد أداة الجريمة في العالم الافتراضي ويمكن أن نذكر منها:
-التراسل الفوري باستخدام البرامج أو التطبيقات المختلفة.
-البريد الإلكتروني.
-التراسل النصي.
-مواقع شبكات التواصل الاجتماعية.
-غرف المحادثات chat
-المدونات المختلفة.
-لوحات الحوار (تستخدم للتعليق على موضوع معين)
-ألعاب الإنترنت.
ما هي آثار التنمر الإلكتروني؟
يتسبب التنمر الإلكتروني في العديد من الأضرار الكبيرة والتي تؤثر على الفرد والمجتمع بأشكال مختلفة.
-الاضطراب النفسي وشعور الوحدة: أول شعور يخلقه التنمر لدى الضحية هو الانطوائية والشعور بأنه من غير المرغوب بوجوده بين الجماعة لأنه لا يشبههم فيبدأ الشخص الضحية بالتقليل من نفسه وعدم تصديق قدراته وميزاته حتى يصل إلى مرحلة الابتعاد عن المجتمع والمحيط.
-قلة احترام الذات: يسبب تدني ثقة الفرد بنفسه ويقل احترامه لذاته خاصة عندما يتعرض للتنمر بسبب مظهر الجسد أو الملامح، مما يجعل الشخص يشعر بأنه أقل جاذبية ممن حوله مما يسبب الشعور بالخجل ويقلل من تفاعله مع الآخرين.
-الاكتئاب: يسبب القلق والتوتر للضحية ويجعله يشعر بأنه غير سعيد، مما يزيد شعوره بالحزن والاستياء وهذا يؤدي إلى شعوره بالاكتئاب وبالتالي يؤثر في صحته العقلية، خصوصًا أن الضحية يخاف من التحدث حول تعرضه للتنمر حتى لا يتعرض للسخرية ممن حوله.
-أمراض جسدية: قد يسبب التنمر بعض الأمراض كالصداع والأرق وألم الصدر وبعض الأمراض الجلدية وغيرها من الأعراض.
-أفكار الانتحارية: يُشجع التنمر على الأفكار الانتحارية لدى بعض الضحايا، وذلك بسبب شعورهم باليأس نتيجة تعرضهم للمضايقات المستمرة عبر شبكة الإنترنت مما يجعلهم يشعرون أن الموت هو المهرب الوحيد من هذه الحلقة المفرغة.
-عقدة النقص: تتأجج عقدة النقص لدى الأشخاص الذين يتعرضون للتنمر ويصبحون أقل ثقة بأنفسهم وإنجازاتهم وأفكارهم.
-الاغتراب: يتقوقع الأشخاص الذين يتعرضون للتنمر داخل دائرة اغتراب عن أنفسهم وعن مجتمعاتهم وعن محيطهم لأن عملية التنمر تعطيهم دافعا مستمرا للابتعاد عن كل ما لا يشبههم والدوائر من حولهم تستمر في إقصائهم وعدم الاعتراف بأهمية الاختلاف بينهم.
-العدوانية: شعور ضحايا التنمر بالعداوة تجاه الأشخاص الآخرين وتحطيم معنوياتهم بنفس الطريقة التي حطم المجتمع شخصياتهم بها، فنجد أن الأشخاص الذين يتعرضون للتنمر أكثر عدائية من الذين عاشوا في بيئة سليمة.
كيف نضع حدا للتنمر الإلكتروني؟
-التحفظ على المعلومات والصور الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي بعيدا عن متناول الجميع.
-في حال الوقوع ضحية للتنمر الإلكتروني على الشخص أن يتقرب من عائلته، وأن يطلب مساعدتهم بشكلٍ سريع بدلا من الخوف والانعزال.
-التعرف على القوانين التي تشتمل عليها سياسة مواقع التواصل الاجتماعي، والحرص على معرفة الطرق التي يستطيع من خلالها مقاضاة المتنمر إلكترونيا.
-عدم تنازل الضحية عن حقوقه أمام الشخص المتنمر، وعدم إظهار ضعفه وخوفه منه، وذلك حتى لا يتمادى بهذه الإساءات الإلكترونية.
-قيام الضحية بتصوير كل الأعمال التي قام بها المُتنمر ضده ليُرسلها إلى مركز الأمن المختص بمقاضاة المتنمرين لأخذ الإجراءات اللازمة.
-الطلب من المتنمر أنْ يتوقف تماما عما يفعله ويمكن التدرب على ذلك مع شخص آخر يثق به مثل صديق مقرب أو أحد الوالدين.
-طلب المساعدة من شخص يمكنه أن يستمع له وأن يُساعده على حل الأمر.
-حظر الأشخاص المتنمرين على تطبيقات التواصل الاجتماعي، كما يمكن الإبلاغ عنهم للتخلص من مضايقاتهم، أما في حال كانت التهديدات تتعلق بالتسبب بإيذاء جسدي فيجب في هذه الحالة الاتصال بالشرطة.
وتجدر الإشارة إلى أن الفصل 1-447 من القانون الجنائي المغربي ينص في هذا الصدد على ما يلي: «يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من 2.000 إلى 20.000 درهم، كل من قام عمدا، وبأي وسيلة بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية، بالتقاط أو تسجيل أو بث أو توزيع أقوال أو معلومات صادرة بشكل خاص أو سري، دون موافقة أصحابها».
يعاقب بنفس العقوبة، من قام عمدا وبأي وسيلة، بتثبيت أو تسجيل أو بث أو توزيع صورة شخص أثناء وجوده في مكان خاص، دون موافقته -المعدل بمقتضى القانون 13. 103 الخاص بمحاربة العنف ضد النساء-.