بعد الحرب العالمية الثانية، ظهرت مؤشرات على وجود «غزو ثالث». لكن ثمن الأراضي الصالحة للزراعة وقتها، ارتفع جدا إلى درجة أن الرجل الذي يتوفر على رأس مال وافر، وحده من يمكنه النظر في حجم الإنفاق الذي تتطلبه أي مزرعة كيف ما كانت مساحتها.
تُظهر السجلات الفرنسية بعض الحالات التي ربما قد صُنفت للوهلة الأولى تحت عنوان «نزع الملكية».
لقد كانوا يرغبون في تشجيع الزراعة على نطاق واسع في المغرب. من الناحية الاقتصادية، كان هذا النظام إيجابيا بالكامل، سواء كان يمارسه الأفراد في أمريكا أو المزارعون بشكل جماعي في روسيا.
وهكذا، إذا كان هناك فلاح يملك أرضا تتداخل مع مساحة كبيرة بشكل يقطعها، يُمنح هذا الرجل أرضا بديلة في مكان آخر، يكون أقرب قدر الإمكان إلى أرضه الأصلية.
هناك حالات اعتراض كثيرة على إجراء إجباري من هذا النوع. لكن الفلاح على الأقل يحصل على التعويض. في ظل الحكومات المغربية السابقة، إذا كان الرجل يمتلك أرضا تقع في خط ملكية مالك ثري، فإنه يخسر مزرعته، وربما حياته أيضا.
اليوم، هناك أزيد من 400000 أوروبي في المغرب، أغلبهم فرنسيون. وأغلبهم تُجار، تقنيون، أو عمال مدنيون. وطبعا، 6000 منهم فقط يعيشون مع عائلاتهم.
ومن بين هؤلاء الستة آلاف شخص، اشترى 4300 منهم أراض من الملاك السابقين وفق عمليات تحويل ملكية تقليدية. بينما حصل المتبقون على «مخصصات» من أراضي الدولة، وغالبا ما قاموا باستصلاحها لأنها كانت في وضعية أراض في الظروف الصحراوية.
90 بالمئة من المستوطنين الأوروبيين كانوا فرنسيين، وهؤلاء طوروا الأراضي التي امتلكوها بأحدث التقنيات الميكانيكية. وصارت مزارعهم، على العموم، الأكثر ازدهارا وتطورا في المغرب.
ومع هذا كله، فإن هذا كان عاملا آخر، بسهولة، لتأجيج شكاوى الوطنيين.
الفلاحون الأوروبيون الذين كان عددهم ستة آلاف شخص، اقتسموا بينهم مليون هكتار. 600000 هكتار كانت أراض صالحة للزراعة، بينما 400000 هكتار المتبقية من الأراضي، كانت مراع وعرة. ومع ذلك، فمن خلال الزراعة المكثفة، تتم زراعة واستصلاح حوالي عشرة آلاف هكتار سنويا من المراعي الوعرة، عاما بعد عام.
المساحة الإجمالية للأراضي الزراعية المُنتجة في المغرب تبلغ خمسة عشر مليون هكتار ونصف المليون. لكن هذا الرقم يشمل أراضي المراعي والأراضي المُهملة في الوقت الحالي، ولكنها تصلح للزراعة بعد تزويدها بنظام الري، أو أي أعمال استصلاح أخرى.
المساحة المزروعة فعليا، تزيد قليلا عن خمسة ملايين هكتار أخرى. تسبب الجفاف الكارثي الذي وقع سنة 1945، في انتكاسة. وهكذا، بينما كان ستة آلاف أوروبي قد زرعوا أربعة ملايين هكتار ونصف المليون، كان 850000 فلاح مغربي قد زرعوا أربعة ملايين ونصف المليون هكتار المتبقية. وبما أن هذا الرقم لا يزال يشمل عددا من المزارع الكبيرة جدا من حيث المساحة، والتي تمتد مساحة بعضها إلى آلاف الأفدنة، فإنه من الواضح أن متوسط الحيازة ضئيل جدا.
وتكاد هذه الظروف تحكم على الفلاح لكي يشتغل وفق الظروف البدائية التي تنعكس على حجم الإنتاج لديه. يبلغ إنتاج القمح الصلب، على سبيل المثال، داخل مزرعة واحدة 87،5 قنطارات للهكتار الواحد كمعدل سنوي. بينما المزارع الأوروبية في المغرب تصل إلى 69،7 قنطارات.
أما إنتاج القمح الطري، فإن الفرق يكمن في أن المزارع المغربية الكُبرى تُنتج 47،5 قنطارات، بينما المستعمرات الأوروبية تُنتج 75،9 قنطارات سنويا.