كان الحذر السمة الأساسية لسياسة السلطان الرسمية، التي لم تفارقه الآن. لقد سمح للأحداث بأن تتطور في إطار نمطها الخاص. كان واضحا أنه تأثر بأحداث سنة 1944، عندما لم يتخذ الفرنسيون موقفا حازما على الرغم من اندلاع أعمال الشغب التي صار لها بُعد قومي، في الرباط وفاس.
ربما أخطأ السلطان في تفسير تردد الفرنسيين، لأن فرنسا كانت وقتها في حالة حرب، وبالتالي فإنها كانت ضعيفة جدا داخليا. ومع ذلك، لم يتدخل إلا في أبريل سنة 1947، لكي يتعامل مع الوضع، عندما اندلعت الأحداث وكان السبب شجار جندي سنغالي مع سيدة مغربية.
هذه الوقائع والأحداث، التي تحدثنا عنها، لا تمثل ما يتم الترويج له في «البروباغاندا» المغربية. وما قمتُ به أنني لخصتُ بعض الأحداث من سيرة الكاتب روم لاندو في كتاب «سلطان المغرب».
من وجهة نظر حزب الاستقلال، فإنني اعتمدتُ الرأي الرسمي. ينظر الوطنيون المغاربة إلى السيد لاندو باعتباره أكثر المدافعين عنهم إخلاصا وانتشارا في أوروبا. وهنا أقول إنه ليس ذنبه أنهم يبالغون في وصف شعبيته وتأثيره.
من الناحية الشرعية، بطبيعة الحال، فإن طنجة جزء من منطقة نفوذ السلطان، وقد طال انتظار زيارة رسمية لها من السلطان.
بعد أن تم الحصول على موافقة جميع السلطات التي تحكم المدنية، فإن رحلة السلطان استُقبلت بحفاوة بالغة، وقُدم خطابه الرسمي، حسب الأصول المعمول بها، إلى الفرنسيين في إطار الرقابة.
كان الخطاب يتضمن بعض الجُمل الفضفاضة، التي يمكن تأويلها، مثل: «الحقوق الشرعية للشعب المغربي». و«السعي نحو أمجاد جديدة في المُستقبل»، بالإضافة إلى التعليقات التقليدية عن أخوة الشعوب العربية، مع الاعتراف بفائدة المعرفة والعلوم الغربية والتشديد على أهمية التعاليم القرآنية.
سمح الفرنسيون ببقاء هذه العبارات في الخطاب، بدون اعتراض، لكنهم أضافوا فقرة مكملة، تتحدث عن الإنجازات الفرنسية في المغرب، واقترحوا أن يكون تقدم البلاد، في المستقبل، في ظل الإنجازات الفرنسية المستقبلية، في يد فرنسا، مع علمائها وتقنييها. وهكذا جاء في الخطاب، بعد موافقة السلطان على إدراج هذه الجملة، أن هذه الإنجازات «مستوحاة من روح الحرية الفردية التي تقود البلدان نحو الرخاء والسلام».
ثم، بعد ذلك، يضيف السيد لاندو أنه ينفي تأثره بالدعاية والدعاية «المضادة»، واقتصر على ما أسماها «بعض الحقائق القليلة المرتبطة بالموضوع»:
عشية مغادرة السلطان صوب طنجة، وقعت الحادثة الشهيرة في الدار البيضاء، إذ إن سيدة مغربية تعرضت للتحرش، خارج ثكنة عسكرية، على يد جندي سنغالي. وخلال الاشتباكات التي تلت ذلك، قتلت القوات عدة مئات من السكان الأصليين وتسببت في جروح لآخرين منهم، قبل أن تتدخل السلطات وتضع حدا لإراقة الدماء.
وبالتالي فإن الحادث كان عبارة عن هجوم على امرأة محلية على يد جندي سنغالي، ومجزرة في صفوف المدنيين ارتكبتها القوات العسكرية. وتمكن قراءة المزيد من التفاصيل بخصوص هذه الواقعة، وهي، إلى حد كبير، تنبع من الرواية التي تبناها حزب الاستقلال. وهذه الرواية تُفيد بأن الفرنسيين استغلوا الحادث ذريعة لممارسة أعمال العنف التي استمرت دون رادع، إلى أن قررت السلطات إنهاءها.
كان الأمر برُمته مثيرا للاهتمام، إلى درجة أنني وضعتُ بعض التساؤلات حول «الحادث». السجلات الرسمية كانت متاحة ووجدتُ أناسا مهتمين بهذا الموضوع. لم يكونوا أوروبيين، فقط، وإنما مغاربة أيضا. وما حدث في الحقيقة يختلف، في بعض التفاصيل المهمة، عما نُقل في الرواية المتداولة.