في العديد من الروايات التاريخية التي كتبت عن غاندي، تم تسليط الضوء على عامل إنساني عميق جعل من الرجل قديسا بالنسبة لتاريخ الهند الإنساني والسياسي بل وللتاريخ الإنساني قاطبة. هذا العامل نابع من بيئة الرجل الأسرية، والتي انضافت إليها المقومات الحقوقية والفلسفية التي استقاها من تكوينه الحقوقي كرجل قانون، كما غذت كل ذلك ميولاته الفلسفية والأدبية من خلال قراءاته النهمة والكثيرة للأدب وخصوصا الأدب الروسي والاشتراكي وولعه بتولستوي ولعا شديدا. وكثير من متتبعي ومؤرخي حياة الماهاتما يقرون بإجماع أيضا أن مروره بأفريقيا الجنوبية ومعاصرته لحركات التحرر العرقي والحقوقي هناك كان له آثرا بالغا في توهج مسيرته النضالية كسياسي ومفكر ينبذ كل أشكال العنصرية.
موهانداس كرمشاند غاندي (2 أكتوبر 1869 - 30 يناير 1948) هو السياسي البارز والزعيم الروحي للهند الذي نشط من دون منازع خلال حركة استقلال الهند. كان غاندي رائداً لفكر ونهج الساتياغراها وهي مقاربة فكرية وروحية بل وسياسية أيضا في مقاومة الاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل واللاعنف الكامل وهي المنهجية التي أدت إلى استقلال الهند وألهمت الكثير من حركات الحقوق المدنية والحريات في جميع أنحاء العالم.
غاندي معروف في جميع أنحاء العالم باسم المهاتما غاندي وكلمة المهاتما تعني للهنود 'الروح العظيمة'، وهو تشريف تم إطلاقه عليه في الهند كما عرف أيضا باسم بابو أي "الأب". تم تشريفه رسمياً في الهند باعتباره أبو الأمة؛ حيث أن عيد ميلاده، 2 أكتوبر، يتم الاحتفال به كعطلة وطنية، وعالمياً باعتبار مولده هو اليوم العالمي للاعنف.
ولد غاندي في بوربندر بولاية غوجارات الهندية من عائلة محافظة لها باع طويل في العمل السياسي، حيث شغل جده ومن بعده والده منصب رئيس وزراء إمارة بوربندر، كما كان للعائلة مشاريعها التجارية المشهورة. وقضى طفولة عادية ثم تزوج وهو في الثالثة عشرة من عمره بحسب التقاليد الهندية المحلية ورزق من زواجه هذا بأربعة أولاد.
وفى لندن حيث درس القانون، أصبح غاندى نباتيا. كما أنه اكتشف المسيحية، وقرأ الإنجيل بتمعن شديد مستلهما منه دروسا ومواعظ كثيرة في الأخلاق وفى السياسة. بعد ذلك انتقل غاندي ليعيش في جنوب أفريقيا (إحدى أكبر مستعمرات المملكة البريطانية بأفريقيا) حيث أقام بها عشرين عاما ومنذ وصوله إلى هناك، وجد نفسه مجبرا على مواجهة العنصرية، وثمة حادث لا يزال ماثلا في ذاكرة الهنود. حدث ذلك في القطار يوم 21 مايو 1893 وكان غاندى في الرابعة والعشرين من عمره آنذاك. فقد كان من ركاب الدرجة الأولى، غير عارف بأن القوانين العنصرية تحرّم عليه ذلك وقد قام أحد الركاب البيض بالتبليغ عنه. وبالرغم من أن غاندى كان قد دفع ثمن تذكرته، وكان يرتدى بذلة ثمينة، فإنه طرد بالقوة من عربة الدرجة الأولى. لذلك كان الشعور بالاذلال والمهانة في ذلك اليوم دافعا نفسيا قويا دفعه إلى النضال من أجل حقوق الهنود الذين كانوا كثيرين في جنوب أفريقيا في ذلك الوقت.
لم ينحز غاندي لفكرة النضال المسلح لاسترجاع حقوق الجالية الهندية بجنوب أفريقيا، ولأنه من أشد المتأثرين بفكر تولستوي، الكاتب الروسي، وبفكرة العصيان المدني لدفيد تورو، الكاتب الأمريكي الشهير، وجون راسكن، الأديب الأنجليزي وغيرهم، وكذا من مقومات البوذية في إذكاء المقاومة بالسلم التام والنضال الكامل، فقد أسس غاندي حركة مقاومة سلمية أساسها النضال السلمي بحيث أسس حزبا وجريدة أطلق عليها "إسم الهند".
بعد عودته إلى الهند في عام 1915، قام بتنظيم احتجاجات من قبل الفلاحين والمزارعين والعمال في المناطق الحضرية ضد ضرائب الأراضي المفرطة والتمييز في المعاملة. بعد توليه قيادة المؤتمر الوطني الهندي في عام 1921، قاد غاندي حملات وطنية لتخفيف حدة الفقر، وزيادة حقوق المرأة، وبناء وئام ديني ووطني، ووضع حد للنبذ، وزيادة الاعتماد على الذات اقتصادياً.
وكان أهم ما قام به غاندي في ذلك الوقت هو قيادته وأتباعه لحركة عدم التعاون التي احتجت على فرض بريطانيا ضريبة على الملح في مسيرة ملح داندي عام 1930، والتي كانت مسافتها 400 كيلومتر. وهي التظاهرة الوطنية التي رفض فيها الهنود كل أشكال التعامل الاقتصادي والانتاجي والزراعي مع الهند فيما يخص الملح (التي كانت عملة اقتصادية مربحة للمستعمر).
واحتجاجا على مشروع قانون يكرس التمييز في الانتخابات ضد المنبوذين الهنود، قرر غاندي سنة 1932 البدء بصيام حتى الموت، مما دفع بالزعماء السياسيين والدينيين إلى التفاوض والتوصل إلى "اتفاقية بونا" التي قضت بزيادة عدد النواب "المنبوذين" وإلغاء نظام التمييز الانتخابي الذي فرضته بريطانيا.
تميزت مواقف غاندي من الاحتلال البريطاني لشبه القارة الهندية في عمومها بالصلابة المبدئية التي لا تلغي أحيانا المرونة التكتيكية، وتسبب تنقله بين المواقف القومية المتصلبة والتسويات المرحلية المهادنة حرجا مع خصومه ومؤيديه وصل أحيانا إلى حد التخوين والطعن في مصداقية نضاله الوطني من قبل المعارضين لأسلوبه، فعلى سبيل المثال تعاون غاندي مع بريطانيا في الحرب العالمية الأولى ضد دول الوسط، وشارك عام 1918 بناء على طلب من الحاكم البريطاني في الهند بمؤتمر دلهي الحربي، ثم انتقل للمعارضة المباشرة للسياسة البريطانية بين عامي 1918 و1922 وطالب خلال تلك الفترة بالاستقلال التام للهند. وفي عام 1922 قاد حركة عصيان مدني صعدت من الغضب الشعبي الذي وصل في بعض الأحيان إلى صدام بين الجماهير وقوات الأمن والشرطة البريطانية مما دفعه إلى إيقاف هذه الحركة، ورغم ذلك حكمت عليه السلطات البريطانية بالسجن ست سنوات ثم عادت وأفرجت عنه في عام 1924.
بانتهاء عام 1944 وبداية عام 1945 اقتربت الهند من الاستقلال وتزايدت المخاوف من الدعوات الانفصالية الهادفة إلى تقسيمها إلى دولتين بين المسلمين والهندوس، وحاول غاندي إقناع محمد علي جناح الذي كان على رأس الداعين إلى هذا الانفصال بالعدول عن توجهاته لكنه فشل.
وتم ذلك بالفعل في 16 غشت 1947، وما إن أعلن تقسيم الهند حتى سادت الاضطرابات الدينية عموم الهند وبلغت من العنف حدا تجاوز كل التوقعات فسقط في كلكتا وحدها على سبيل المثال ما يزيد عن خمسة آلاف قتيل. وقد تألم غاندي لهذه الأحداث واعتبرها كارثة وطنية، كما زاد من ألمه تصاعد حدة التوتر بين الهند وباكستان بشأن كشمير وسقوط العديد من القتلى في الاشتباكات المسلحة التي نشبت بينهما عام 1947/1948وأخذ يدعو إلى إعادة الوحدة الوطنية بين الهنود والمسلمين طالبا بشكل خاص من الأكثرية الهندوسية احترام حقوق الأقلية المسلمة.
لم ترق دعوات غاندي للأغلبية الهندوسية باحترام حقوق الأقلية المسلمة، واعتبرتها بعض الفئات الهندوسية المتعصبة خيانة عظمى فقررت التخلص منه، وبالفعل في 30 يناير 1948 بينما كان الماهاتما متوجها وسط حشود غفيرة لإلقاء خطاب مصالحة وطنية بين الهندوس والمسلمين وسط دلهي، أطلق أحد الهندوس المتعصبين ويدعى ناثورم جوتسى ثلاث رصاصات قاتلة سقط على أثرها المهاتما غاندي سريعا عن عمر يناهز 78 عاما.
وتروي أغلب الشهادات أن غاندي نطق آخر كلمة قبل أن يموت وهي كلمة "يا الله" وهي قرينة لشهادة المسلمين،حسب الكثيرين. سيتم إلقاء القبض على القاتل وهو من حركة الهيندوستانيين المتطرفة وسيتم إعدامه، أما رماد رفات غاندي فسيوضع في أرقى أضرحة الهند الآوية للقديسين وسيتم اعتماده كأحد قديسي الهند المعاصرة.