مولاي عثمان.. الأمير المنسي الذي سُجن بعد نفي الملك - تيلي ماروك

مولاي يوسف، تاريخ مولاي عثمان.. الأمير المنسي الذي سُجن بعد نفي الملك

مولاي عثمان.. الأمير المنسي الذي سُجن بعد نفي الملك
  • 64x64
    telemaroc
    نشرت في : 20/12/2021

 

«الأمير مولاي عثمان لم يكن صغير السن عندما توفي والده الحسن الأول سنة 1894، بل كان قد بلغ العشرين. لكنه كان بعيدا عن الحياة السياسية، بحكم أن إخوته الآخرين كانوا يكبرونه سنا، لذلك لم يكن اسمه متداولا في ذلك السباق، لكنه اكتسب مناعة كبيرة عندما نشأ في هذه الأجواء. وحتى عندما نُصب أخوه الأصغر على العرش، لم يكن الفارق بينهما سوى سنوات قليلة، ولم يكن يملك وقتها أي تيار يدافع عنه، لا من العلماء ولا من موظفي المخزن.

وفي سنة 1953، وعمره قد بلغ الثمانين سجنته الإدارة الفرنسية، لأنه عارض ابن عرفة وامتنع عن الاستمرار في منصبه المخزني بصفته خليفة للسلطان في فاس، فكان جزاؤه أن تفرض عليه الإقامة الإجبارية، ويتحول إلى سجين في إقامة مغلقة بمكناس.

من هو مولاي عثمان؟ وكيف عاش حياة حافلة بالأحداث، دون أن تسلط عليه الأضواء؟

 

مولاي عثمان.. سجنته فرنسا بمنزله لأنه رفض الدعاء لابن عرفة

المولى الحسن الأول، السلطان الذي حكم المغرب على صهوة جواده ما بين سنتي 1873 و1894، استقبل في السنة نفسها التي جلس فيها على العرش مولودا جديدا انضم إلى لائحة «الأمراء». يتعلق الأمر بمولاي عثمان، وهو واحد من أبناء المولى الحسن الأول الذين لم يسلط عليهم الضوء، خلال فترة ما قبل معاهدة الحماية. حيث كان إخوته الذين يكبرونه سنا، مثل مولاي محمد، مولاي الزين، مولاي يوسف، مولاي عبد الحفيظ، بالإضافة إلى أصغر إخوته المولى عبد العزيز، كلهم تحت ضوء الأحداث بحكم أن أسماءهم تم تداولها كثيرا كمرشحين للسلطة، بعد وفاة المولى الحسن الأول ومرور المغرب بأزمات سياسية.

لم يكن ابتعاد مولاي عثمان عن الأضواء ابتعادا عن السياسة، بل كان واحدا من أكثر أبناء المولى الحسن الأول فهما لطريقة عمل دواليب المخزن. كان مقربا من علماء القرويين، وصديقا لرجال الدولة الكبار، لكن بحكم أنه كان يتخذ مكانا مريحا في ترتيب أبناء المولى الحسن الأول، فقد كان في مأمن من عدد من الأحداث التي عاش مرارتها كل من المولى عبد العزيز والمولى عبد الحفيظ والمولى محمد ومولاي الزين.

لكن أكبر المحن التي عاشها مولاي عثمان تتعلق بنفي الملك الراحل محمد الخامس، الذي كانت تربطه به علاقة وطيدة جدا، إذ كان أحب أعمام السلطان إلى قلبه، وآخر من عاش منهم إلى حدود نفي الملك الراحل إلى مدغشقر. إذ كان وقتها مولاي عثمان آخر أبناء المولى الحسن الأول الذي بقي على قيد الحياة، لكي يشهد على تلك الواقعة، وعمره قد بلغ الثمانين. وسجل موقفا شجاعا للغاية، إذ يشير الأرشيف الفرنسي في المغرب إلى أن مولاي عثمان، الذي كان يشغل منصب خليفة السلطان مولاي محمد بن يوسف في مدينة فاس، امتنع يوم 12 دجنبر 1953 عن الخروج إلى صلاة الجمعة، حيث كان مقررا أن يخرج إليها بصفته خليفة السلطان، وأن يترأس الصلاة ويدعو لابن عرفة. لكنه رفض رفضا قاطعا أن يمارس هذا الدور، فكانت النتيجة صدور قرار من الإدارة الفرنسية في الرباط يقضي بعقاب مولاي عثمان، ونقله بالقوة إلى مدينة مكناس وإيداعه مسكنا للعائلة الملكية وتفرض عليه الحراسة، ليصبح تحت الإقامة الجبرية ممنوعا من مغادرة منزله، وفي الوقت نفسه ممنوعا من استقبال أي زيارات. وما زاد من حدة العقوبة، أن خليفته الذي كان مساعدا له يكلفه بقضاء شؤونه الإدارية، عوقب هو الآخر بالنفي إلى مدينة الجديدة، حيث أودع هو الآخر منزلا منعزلا وفرضت عليه المراقبة.

من يكون إذن هذا الأمير المتمرد ضد فرنسا، والذي كلفه موقفه الشجاع أن يودع السجن، رغم أنه آخر أبناء المولى الحسن الأول الذين عايشوا فرض الحماية على المغرب، ونفي السلطان محمد بن يوسف إلى مدغشقر؟

 

 

من يكون آخر أبناء الحسن الأول الذين شهدوا القرن العشرين؟

هو عم الملك الراحل محمد الخامس، وكان بمثابة والده، خصوصا بعد الوفاة المبكرة والمفاجئة للسلطان يوسف بن الحسن. إذ إن هذا الرحيل المبكر لوالد الملك محمد الخامس سنة 1927، ترك فراغا كبيرا في حياة السلطان الشاب.

كان على الملك الراحل محمد الخامس أن يأتي إلى قصر مدينة الرباط، لكي يتم تنصيبه سلطانا للمغرب. ولم يكن هذا الأمير الشاب قد تآلف بعد مع القصر الملكي في الرباط، حيث كان قد قضى أفضل أيامه في قصري فاس ومكناس، رفقة أبناء عمومته، ورفقة وجوه كثيرة من العائلة الملكية. وبقي ذلك الحنين لدى الملك محمد الخامس إلى آخر أيام حياته الحافلة بالأحداث.

كان العم مولاي عثمان بمثابة أب ثان للملك الراحل محمد الخامس، حيث سانده في السنوات الأولى لوصوله إلى الحكم، ولعب دور مستشار ملكي ساعد كثيرا على مواجهة التغول الاستعماري، الذي فرضته الإدارة الفرنسية في الرباط على الجالس الجديد على العرش.

بالنسبة لمولاي عثمان، فقد مر خلال حياته الحافلة بعدد من الامتحانات العسيرة، حيث شهد وفاة والده الحسن الأول وهو في قمة انشغاله بإعادة الأمن إلى أقاليم متفرقة في المغرب، كانت تعيش على إيقاع التمردات والانفلات الأمني سنة 1894، وشهد أيضا الحروب التي تلت تنصيب إخوته على العرش والمشاكل السياسية التي مرت بها البلاد سنتي 1904 و1907، وصولا إلى فرض الحماية سنة 1912.

كان مولاي عثمان أيضا عارفا بالرجال الذين كانوا يشكلون خطرا على المخزن، أو الذين كانت لديهم نوايا انقلابية، وحتى الذين أصبحوا موالين لفرنسا، وعمل على مواجهتهم.

بالإضافة إلى أن مولاي عثمان لعب دورا كبيرا في إبعاد رجال السلطة القدامى الذين كانوا رفقة المولى يوسف، عن دائرة الموظفين الجدد الذين اختارهم المولى محمد بن يوسف لكي يكونوا إلى جانبه. كما لعب أيضا دورا أكبر في خلق رابط بين موظفي المولى يوسف الموثوقين، وبين محمد بن يوسف السلطان الشاب. ومن هؤلاء نجد الوزير محمد المعمري والحاج المقري. وقد كان مولاي عثمان قد لعب دورا كبيرا، بحكم الصداقة والتقدير الذي كان يكنه له هؤلاء، في إحلال التفاهم بينهم وبين السلطان الجديد مولاي محمد بن يوسف.

وهكذا اختار السلطان الشاب أن يُعين عمه خليفة سلطانيا بفاس. وهذا المنصب، أي الخليفة السلطاني، لم يكن يمنح اعتباطا أو امتحانا لولاء الأشخاص، بقدر ما كان أمانة تخول لصاحبها تمثيل السلطان والحلول مكانه، وتمثيل سلطته الرمزية والإدارية أيضا في الجهة التي تعين فيها.

مولاي عثمان حتى قبل أن يعين خليفة للسلطان بفاس، كان أقوى من كل مستشاري القصر الذين ورثهم محمد بن يوسف عن والده سنة 1927. إذ إنه كان يعرف السلطان محمد بن يوسف منذ طفولته في فاس ومكناس، وكان أقرب أعمامه إليه، وآخر من بقي منهم على قيد الحياة. وهكذا فإن التقدير الذي كان يكنه له السلطان محمد بن يوسف، ازداد عندما أصبح مولاي عثمان آخر أبناء الحسن الأول الذين بقوا على قيد الحياة، وكان استمرارا لوجود المولى يوسف في حياة ابنه السلطان.

وهكذا فعندما كان مولاي عثمان خليفة للسلطان بفاس، فإن دوره كان يتعدى تمثيل السلطان في الأعياد الدينية إلى تمثيل دور رمز للعائلة الملكية بفاس ومكناس، حيث كان يجمع حوله أبناء إخوانه وبناتهم، وأبناء عمومة الملك الراحل محمد الخامس، باعتبار أنه آخر من تبقى من الأبناء المباشرين للمولى الحسن الأول على قيد الحياة. ورغم أنه كان خليفة للسلطان، إلا أن الملك محمد الخامس كان يجلس عنده ويظهر في حضرته احتراما كبيرا، كما حكى المؤرخ عبد الرحمن بن زيدان في وصف احتفالات الأسرة الملكية، داخل القصر الملكي، وأجواء الطقوس المخزنية.

 

 

 

إشاعات دعمها الاستعمار استهدفت أبناء الحسن الأول

في السنة التي توفي فيها المولى الحسن الأول، أي 1894، لم يكن كتمان الأسرار الملكية سهلا. وقد أكدت وثائق من أرشيف الخارجية الفرنسية أن بعض الدبلوماسيين الأجانب، خصوصا البريطانيين، علموا بوفاة المولى الحسن الأول قبل أبنائه. إذ بحكم أنه قد توفي خارج فاس، فإن وزيره القوي ومحل ثقته المطلقة، الصدر الأعظم باحماد، قرر ألا يذاع خبر وفاة السلطان بين الجنود، الذين كانوا يرافقونه في موكب عظيم في طريق عودته إلى فاس. ونقل جثمان السلطان المتوفى، في وقت كان الجميع يعتقدون أنه يرتاح في مقصورته على ظهر الخيل. لكن البريطانيين علموا بخبر الوفاة، وأرسلوا برقية إلى لندن في الموضوع، وصلت إلى وجهتها قبل أن يصل الصدر الأعظم إلى فاس. ومن تلك اللحظة، أصبح تنصيب سلطان جديد مهمة غير سهلة بالمرة.

أبناء المولى الحسن الأول الذكور وعددهم 27 ابنا لم يكونوا في موقع يحسدون عليه، إذ سرعان ما بدأ التوتر بين المرشحين لخلافة الوالد، رغم أن باحماد أكد أن المولى الحسن الأول أشار إليه وهو على فراش الموت بتنصيب أصغر أبنائه، عبد العزيز، محله.

وقد نقلت صحيفة «التايمز»، على لسان لاورنس هاريس، مراسلها من فاس، معلومات مهمة عن دعم بعض علماء القرويين لمولاي محمد، وهو من أبناء المولى الحسن الأول المرشحين لخلافة والده بقوة، بحكم أنه أكثرهم علما، وبحكم العلاقات الوطيدة التي ربطها في عهد والده مع علماء القرويين. وجاء في ما نشرته «التايمز» في شتاء سنة 1907، ما نقله الصحافي لاورنس هاريس على لسان أحد علماء القرويين، واسمه محمد، وكان من أعوان الأمير مولاي محمد، حيث تعرف عليه في جامع القرويين، وروى الأحداث كما عاشها ليلة الصراع على تنصيب ثاني أبناء المولى الحسن الأول على العرش، دون منح مولاي محمد أحقية خلافة والده: «بينما كان السلطان مولاي الحسن مسافرا، كان ابنه الأكبر مولاي محمد يحكم مكان أبيه باعتبار أنه «خليفة»، وهو ما يجعله وريثا للعرش بعد أبيه. عبد الله الفاسي حينها كان مرافقي في جامعة القرويين، وكان أيضا مقربا من الأمير سيدي محمد، لكنه تخلى عن كل شيء، وأصبح كاتبا وواعظا لدى المولى عبد العزيز، وتخلى عنه ليعمل في وزارة «الشؤون البرانية»، رفقة المولى عبد الحفيظ. أنا لم أتخل عن سيدي محمد، وأعتقد أنه الأحق بالحكم، لأنه أكبر أبناء السلطان، وبالتالي فإنه الوريث الشرعي للعرش.

بقي سيدي محمد حبيسا في السجن طيلة سنوات، لكن الأحداث الأخيرة التي وقعت في البلاد، جعلته يفر من السجن ويعلن نفسه سلطانا في الرباط، وقمت بكتابة رسائل أحث فيها على مبايعته سلطانا شرعيا للبلاد، لأنه أحق بالحكم من إخوته. لكن بالأمس، في المسجد تم اعتقالي واقتيادي إلى السجن. غدا سوف تراني أعاقب أمام الملأ، وأنا الآن أوكل رأسي في سبيل الله. قدري مكتوب في الكتاب. قسمة!».

هذه الرواية التي أوردتها «التايمز» لم تكن بريئة أبدا، بل كانت تعكس وجهة نظر البريطانيين الذين كانوا يتابعون الوقائع من بعيد. وبدا واضحا أن بعض الأطراف من العائلات المخزنية لم تكن تريد للأمير مولاي محمد أن يخلف والده، ودعمت المولى عبد العزيز في البداية بحكم أنه محمي جيدا من الصدر الأعظم باحماد، ولم يقو أحد من المخزنيين على مخالفته أو معارضته. وفي المرة الثانية دُعم المولى عبد الحفيظ من قبائل مراكش، وهي القبائل الأقوى في المغرب وقتها، ولم يكن ممكنا للعائلات المخزنية أن تخوض حربا في فاس مع قوات المدني الكلاوي، القادم من مراكش. أما مولاي محمد فلم تكن لديه أي قوة من هذا النوع. وحدهم كبار علماء القرويين كانوا في صفه، وهؤلاء لم تكن لديهم أي قوة عسكرية أو سياسية على الأرض، لتنفيذ قرار تنصيبه مكان والده. وقد استغل الأجانب هذه الأحداث للتوغل أكثر في المغرب، حيث بدؤوا فعليا في عز هذا الصراع في توزيع الأموال والامتيازات، ومنها جوازات سفر أجنبية على موظفي المخزن، الذين لم يكونوا يحسون بأي استقرار، لكي يعملوا لصالح الأوروبيين في المغرب.

الأمير مولاي عثمان لم يكن وقتها صغير السن، بل كان قد بلغ العشرين، لكنه كان بعيدا عن الحياة السياسية بحكم أن إخوته الآخرين كانوا يكبرونه سنا، لذلك لم يكن اسمه متداولا في ذلك السباق، لكنه اكتسب مناعة كبيرة عندما نشأ في هذه الأجواء. وحتى عندما نُصب أخوه الأصغر على العرش، لم يكن الفارق بينهما سوى سنوات قليلة، ولم يكن يملك وقتها أي تيار يدافع عنه، لا من العلماء ولا من موظفي المخزن.

 

ذكريات من زمن قصر مكناس

احتفظ المولى عثمان بذكريات كثيرة داخل القصر الملكي. فعندما كان عمره 20 سنة، أي سنة 1873، كان والده المولى الحسن الأول قد نصب سلطانا على المغرب. وعاش في كنف والده تلك الفترة الانتقالية في الحكم، حيث كان الوالد دائم الترحال لزيارة القبائل وضمان استقرار الأقاليم، بعد موجة من الانفلات التي عاشتها البلاد، بسبب الجفاف وتمردات القبائل.

من بين الذين تعرفوا على مولاي عثمان عن قرب نجد عبد الرحمن بن زيدان، العالم المغربي الكبير ومؤرخ المملكة، حيث كبر هذا الأخير في مكناس، وبحكم أنه من أبناء عمومة العائلة الملكية، فإنه تعرف على مولاي عثمان في سنوات شبابه، وربط معه صداقة كان يتم إحياؤها كلما زار القصر الملكي بمكناس، حيث كان والد مولاي عثمان رفقة أغلب إخوته، يعيشون خلف أسوار القصر الذي بناه المولى إسماعيل، ونُسجت حوله الكثير من الحكايات.

في هذه الأجواء «المخزنية» نشأ مولاي عثمان، إذ شهد ولادة مولاي محمد بن يوسف (الملك محمد الخامس)، وكبر بالقرب من أعمامه، خصوصا مولاي يوسف، ومولاي عرفة (والد محمد بن عرفة)، حيث كان القصر الملكي بمكناس شاهدا على عدد مهم من الأحداث العائلية، سيما عندما انتقلت السلطة سنة 1912 إلى المولى يوسف. فرغم أنه انتقل إلى الرباط، إلا أن زياراته إلى مكناس لم تتوقف أبدا. بل إن أبناءه، خصوصا سيدي محمد بن يوسف بقوا في العاصمة الإسماعيلية، ولم يكونوا يزورون الرباط إلا في الاحتفالات الرسمية أو المناسبات، لكي يكونوا بجانب والدهم.

وهكذا نشأ أبناء المولى يوسف مع عمهم مولاي عثمان، وكانت النتيجة أن علاقة صداقة متينة جدا جمعت بين سيدي محمد وعمه، وظهرت بوضوح سنة 1927 عندما توفي المولى يوسف، وتم تنصيب ابنه محمد بن يوسف سلطانا على عرش المملكة المغربية، حيث بادر السلطان الشاب إلى تعيين عمه مولاي عثمان، الذي عاش تجارب مهمة جدا في حياته بين أروقة القصور الملكية، خليفة سلطانيا له على فاس، ومستشاره الخاص بصفة غير رسمية. حيث أشيع وقتها في الرباط أن مولاي عثمان ساعد ابن أخيه الشاب كثيرا في بداية حكمه على التخلص من بعض الأشخاص، الذين كانوا يشكلون خطرا على المصلحة العامة، والذين تقووا كثيرا في ظل والده مولاي يوسف، ويتعلق الأمر بالمنتاكي ومحمد اعبابو. هذا الأخير الذي كان مستشارا للمولى يوسف وراكم ثروة طائلة جدا بعد وفاته، وقام السلطان محمد بن يوسف في أربعينيات القرن الماضي بمصادرة ممتلكاته وعقابه، وتدخلت الإدارة الفرنسية لطلب العفو عنه من القصر، وترحيله إلى فرنسا.

كان مولاي عثمان يعرف جيدا أصدقاء إخوته وأعداءهم أيضا، لذلك كان دوره الاستشاري من فاس غاية في الأهمية، خصوصا وأن فاس ما بين سنتي 1912 و1953 كانت معقل الأسر والشخصيات التي أثرت في الحياة العامة المغربية، وكان من الضروري تعيين شخصية تفهم جيدا وقائع الأمور لتتعامل مع الجميع.

 

الحسن الثاني قدّر كثيرا عم والده وعلاقتهما كانت مميزة

كان مولاي عثمان بمثابة جد الملك الراحل الحسن الثاني. فجده الحقيقي مولاي يوسف الذي توفي عامين قبل ولادته، ترك فراغا كبيرا في حياة السلطان محمد بن يوسف، بحكم أنه كان أكثر أبناء المولى يوسف تعلقا به.

لكنه وجد في عمه مولاي عثمان سندا كبيرا، رغم أن أعمامه كان عددهم يتجاوز العشرين في ذلك التاريخ، وكان أغلبهم لا يزالون على قيد الحياة، بالإضافة إلى العمات أيضا.

لكن العلاقة القوية التي جمعته بمولاي عثمان منذ طفولته بالقصر الملكي بمكناس، جعلت هذا الأخير يصبح بمثابة أب للسلطان الشاب، وأصبح الأمير مولاي الحسن منذ طفولته يعتبر مولاي عثمان بمثابة جده.

عاش الأمير مولاي الحسن طفولة مميزة بعيدا عن عدسات المصورين الفرنسيين، الذين كانوا يلاحقون الأمير بفضول لنقل يومياته إلى الصحافة الفرنسية. إذ إن والده كان يفضل أن يتلقى تعليما عصريا يواكب المرحلة، خلال أربعينيات القرن الماضي، دون أن ينسلخ عن التقاليد المخزنية القديمة. وعهد بمهمة تدريس الأمير إلى عدد من الأسماء التي تجمع بين التخرج من المدارس الفرنسية العصرية أمثال المهدي بن بركة، والمدارس المغربية العتيقة نظير جامع القرويين أمثال عبد الهادي بوطالب.

بينما ترك مهمة تلقين الأمير أصول التقاليد المخزنية، إلى عمه مولاي عثمان.

وقد كان الأمير مولاي الحسن كثير الزيارات إلى القصر الملكي بفاس، حيث صرح في حوارات صحافية وهو ولي للعهد بعد الاستقلال، خصوصا الحوار الذي منحه لمجلة «لايف» سنة 1957، أن علاقة وطيدة تجمعه بأروقة القصر الملكي في فاس، ويذكره بأفراد من العائلة الملكية الذين تعلم على أيديهم أصول التقاليد المغربية العريقة في الأكل واللباس، وحفظ منهم الأشعار والعادات الملكية. ولم يكن يقصد سوى عمه مولاي عثمان، الذي لعب دورا كبيرا في صناعة معرفة الأمير مولاي الحسن بعمق التاريخ المغربي. إذ إن مولاي عثمان عاش أحداثا مفصلية في تاريخ المغرب، وشهد مع والده المولى الحسن الأول الكثير من المحطات، كما أنه تعرف على عدد من الشخصيات ورجال الدولة الذين تركوا بصمة كبيرة في عالم خُدام المخزن، مثل عبد الله الفاسي وعبد الكريم بنسليمان، والخليفة الكباص، وأبناء بركاش والصبيحي، وغيرهم من الأسر التي كان أربابها في خدمة الدولة العلوية.

 

 

هكذا عاشت الأسرة الملكية فواجع وفيات خلال مرحلة المنفى

كان الملك الراحل محمد الخامس، منذ جلوسه على العرش سنة 1927، يمر بلحظات عصيبة جدا كلما تعلق الأمر بوفاة أحد أعمامه. فباستثناء المولى عبد العزيز والمولى عبد الحفيظ، اللذين كانا يعيشان في فرنسا، كان جل أبناء المولى الحسن الأول الباقين على قيد الحياة يعيشون بين فاس ومكناس. وكان الملك محمد الخامس، خصوصا في احتفالات عيد المولد النبوي يصر على زيارة فاس ومكناس، مباشرة بعد انتهاء المراسيم الرسمية في القصر الملكي، ليبقى قريبا من العائلة التي تربى معها، سيما في العاصمة الإسماعيلية، حيث كانت عماته وأعمامه يعيشون هناك.

في هذه الأجواء، كان تعلق أبناء المولى الحسن الأول بفاس كبيرا، حيث إن جل أبنائه، أمثال مولاي عرفة ومولاي الزين، أوصوا بدفنهم في مقابر الشرفاء، الموجودة على مقربة من الإقامات التي كانت مخصصة للعائلة الملكية قرب القصر الملكي بالعاصمة العلمية.

وكان أبناء المولى الحسن الأول الذين عايشهم الملك الحسن الثاني في شبابه، قد أوصوا بدفنهم في مقابر العائلة. وعندما نُفي الملك الراحل محمد الخامس سنة 1953، وصله خبر وفاة والدته وهو في المنفى، حيث توفيت وهي في قمة حزنها على فراق ابنها السلطان المنفي. ولم يكن هذا الخبر الحزين الامتحان الوحيد للسلطان في منفاه، بل وصلته أخبار وفاة بعض أبناء عمومته وأفراد الأسرة الملكية المنحدرين من اسم المولى الحسن الأول. لكن خبر صمود عمه مولاي عثمان في وجه الإدارة الفرنسية، كان بمثابة العزاء الوحيد الذي تلقاه في خضم تلك الأخبار المحزنة.

إذ كان مولاي عثمان رافضا لتعيين محمد بن عرفة، وجمع كلمة أفراد العائلة الملكية الذين قاطعوا ابن أخيهم عرفة، عقابا له على قبوله لعرض السلطات الاستعمارية.

ومن الأمور التي جعلت اسم مولاي عثمان يدخل التاريخ، أنه أشرف على جنائز أفراد العائلة الملكية، بصفته خليفة للسلطان في فاس، حيث أصر أن يبقى وفيا للمنصب الذي وضعه فيه السلطان محمد بن يوسف، ولم يعتزل الحياة العامة بعد نفي ملك المغرب، بل واصل القيام بدوره العائلي، حيث كان يزور آخر بنات المولى الحسن الأول.

وبحكم أن مولاي عثمان كان قد عاش أياما عصيبة جدا، قبل أن تفرض فرنسا الحماية على المغرب سنة 1912، فقد كانت لديه مناعة كبيرة سياسيا. إذ إنه عاش تفاصيل محاولة تنصيب أخيه مولاي الزين سنة 1911 في قصر فاس، عندما كان المولى عبد الحفيظ قادما من مراكش. كما أنه عاش عددا من الانقلابات في صفوف رجال المخزن الكبار، وكان يعرف جيدا كيف يتصرف في تلك المواقف. لذلك سجل موقفه للتاريخ، عندما نفي السلطان محمد بن يوسف إلى مدغشقر، وظل يعتبره السلطان الشرعي إلى آخر أيام حياته. ورغم أنه لا توجد معلومة مؤكدة بشأن التاريخ الحقيقي لوفاته، إلا أن المرجح أنه توفي بعد عودة الملك الراحل محمد الخامس من المنفى، حيث كان مولاي عثمان وقتها قد تجاوز الثمانين من عمره.