تعتبر جائزة نوبل للآداب من الجوائز المرموقة في العالم، وهي جائزة يحلم بها معظم الكتاب والروائيين، إذ يشارك في التنافس لنيلها نخبة من الأدباء ويفوز بها القلائل ليعيشوا ما يوصف بالنعيم الأدبي. لكن بقدر ما هناك الكثيرون يتسابقون لأجل الظفر بهذا التتويج الرفيع، هناك بعض الأدباء الذين حظوا باستحقاق الجائزة فقدمت لهم لكنهم رفضوها عن اقتناع ولأسبابهم الخاصة، في حين تعرض آخرون لانتقادات كثيرة بسبب نيل الجائزة التي في نظر المنتقدين لا يستحقونها.
قام ألفريد نوبل بإنشاء خمس جوائز عالمية تقدم لكل من له مساهمات وإنجازات مشرفة ومهمة في الكيمياء والفيزياء والأدب والسلام والطب أو علم وظائف الأعضاء. إلا أن الرجال أخذوا نصيب الأسد فيما يخص جائزة نوبل للآداب منذ سنة 1901 حيث حصل عليها 100 رجل مقابل 14 من النساء فقط.
جائزة 2018 ـ 2019
تأخرت الأكاديمية السويدية عن إعلان الفائزين بجائزة نوبل لسنة 2018 وأعلنتها هذه السنة، وذلك بسبب فضيحة أخلاقية أجبرت الأكاديمية على عدم منح الجائزة في دورة العام الماضي. فراحت الجائزة إلى الأديبة البولندية أولغا توكاركوك حيث منحت جائزة نوبل للآداب عن عام 2018. وفاز الروائي والكاتب المسرحي النمساوي الذي يكتب بالألمانية بيتر هاندكه بجائزة نوبل لعام 2019 عن مجمل أعماله. وقالت اللجنة إن خيال توكاركوك السردي مع شغفها بالعاطفة يتجاوز الحدود، بينما أثنت على أدب هاندكه الذي وصفته بالبراعة اللغوية والقدرة على استكشاف محيط وخصوصية تجربة الإنسان.
وقد أتت الهيئة الأدبية العريقة العام الماضي لاستعادة صورتها عالميا وفي السويد إثر تبادل أعضاء الأكاديمية انتقادات لاذعة في وسائل الإعلام، واستقال سبعة من الأعضاء الـ18. ولأول مرة منذ سبعين عاما تم تأجيل جائزة 2018، حيث وجدت المؤسسة نفسها دون النصاب القانوني لاتخاذ القرارات الرئيسة.
وكانت هذه هي المرة الأولى في تاريخ الجائزة البالغ 118 عاما التي تُمنح فيها جائزتان للأدب في عام واحد.
جان بول سارتر يرفض الجائزة
في مفارقة عجيبة، تخلى الفيلسوف الفرنسي الشهير جان بول سارتر عن كتابة الأدب في الأعوام الأخيرة من حياته، معتبرًا أن «الأدب بمثابة النهاية البرجوازية للالتزام الحقيقي في العالم». لكن المفارقة تمثلت في أنه حصل على جائزة نوبل للآداب في أكتوبر من العام نفسه، وقال إنه لم يكن يعرف قواعد الجائزة، وظن أنه بإرساله خطاب اعتذار للأكاديمية عندما أشيعت أخبار تداول اسمه كمرشح لنيل الجائزة، سيتوقف الأمر.
لكن فيلسوف الوجودية الشهير أدرك لاحقا أن منح الجائزة يكون دون الرجوع إلى رأي المستلم، ووفقا لملفات الأكاديمية السويدية التي أفرج عنها بعد 50 عاما، أرسل سارتر حينها قائلا إنه «لا يرغب في إدراجه في قائمة الفائزين بالجائزة، لا في العام 1964 ولا في المستقبل، وإنه لن يكون قادرا على قبول هذه الجائزة».
وقال سارتر إن أسباب رفضه الجائزة لا تخص الأكاديمية السويدية ولا جائزة نوبل في حد ذاتها، ولكنه اعتاد على رفض الأوسمة الرسمية والتكريم بما في ذلك «جوقة الشرف» عام 1945 بعد الحرب العالمية الثانية. كما يرى أن الكاتب يجب أن يتبنى مواقف سياسية أو اجتماعية أو أدبية فقط بالوسائل الخاصة به أي الكلمة المكتوبة، مضيفا أن التكريم يعرض أفكاره لضغط لا يريده.
استبعاد تولستوي
تم ترشيح الروائي الروسي الشهير ليو تولستوي لجائزة نوبل في الأدب كل عام بدءا من 1902 إلى عام 1906 لكنه لم يفز، وفي السنة الأولى من عام 1901 لم يتم ترشيحه، مما أدى إلى جدل كبير وانتقادات تعرضت لها الأكاديمية السويدية، وفي السنة الأولى ذهبت الجائزة إلى الشاعر الفرنسي سولي برودوم، وفي العام التالي للمؤرخ الألماني ثيودور مومسن.
وتشير التقارير إلى أن تولستوي لم يحصل على الجائزة بسبب تحفظات هيئة الأكاديمية السويدية على مواقفه السياسية والدينية، وكذلك على خلفية علاقة السويد المتوترة مع روسيا في ذلك الوقت.
وفي العام 1901 كتب 42 كاتبا وأديبا سويديا -بينهم أوغست ستريندبرغ- خطابا إلى تولستوي، معربين عن استيائهم من القرار.
روسي خاف من قبول الجائزة
منحت جائزة نوبل للآداب عام 1970 للأديب والمعارض السوفياتي ألكسندر سولجينتسين الذي لم يحضر الاحتفال في ستوكهولم خشية أن يمنع الاتحاد السوفياتي(سابقا) عودته، وجرى تهريب روايته التي لم تنشر بشكل علني في موطنه لتصبح متداولة في أوروبا.
لكن القصة لم تنتهِ عند هذا الحد، إذ رغم أن الأكاديمية السويدية اختارته فائزا بالجائزة، فقد رفضت الحكومة السويدية عقد حفل توزيع الجوائز ومحاضرة استلام الجائزة في سفارتها بموسكو كما طلب الأديب السوفياتي، وعليه رفض سولجينتسين الجائزة بالكامل، وعلّق على أن الشروط التي وضعها السويديون الذين فضّلوا إقامة حفل خاص كانت «إهانة لجائزة نوبل نفسها».
لكن سولجينتسين عاد وتراجع عن موقفه وقبل الجائزة يوم 10 دجنبر 1974 بعدما نفاه الاتحاد السوفياتي. ويشير بعض النقاد إلى أنه حصل على الجائزة بسبب موقفه السياسي، وليس على خلفية القيمة الأدبية لأعماله.
المغني بوب ديلان يقبلها
في نهاية أكتوبر 2016 أبلغ المغني والشاعر الأمريكي بوب ديلان الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم أنه سيقبل جائزة نوبل للآداب التي منحته إياها، ليصبح أول مغن ينال الجائزة.
واشتهر ديلان وهو مغن وكاتب كلمات أمريكي مع انطلاقته الفنية بداية ستينيات القرن الماضي، حيث صارت بعض أغانيه رموزا للحركات الاحتجاجية وسط الشباب. وقد أصدر ألبومات كثيرة جلها ناجح، وازداد نجمه سطوعا بعد ارتباط أغانيه بالحركات الاحتجاجية التي ظهرت بداية ستينيات القرن الماضي، فبات حديث الناس.
ومع حلول العام 1964 أصبح المغني الشهير يحيي أكثر من مئتي حفل في العام الواحد، وعبّرت أغانيه مثل «بلوين إن ذا ويند» و«ماسترز أوف وور» وغيرهما عن روح التمرد والمعارضة والاستقلال.
وقالت الأكاديمية السويدية وهي تعلن عن منح ديلان الجائزة التي تبلغ قيمتها ثمانية ملايين كرونة (نحو 930 ألف دولار)، إن «ديلان يمثل رمزا تأثيره عميق في الموسيقى المعاصرة». وقال عضو الأكاديمية السويدية بير واستبرغ «هو في الأغلب أعظم شاعر على قيد الحياة»، بينما ذكرت الأمينة العامة الدائمة لأكاديمية نوبل سارة دانيوس في مؤتمر صحفي أنه كان هناك «توافق رائع» في قرار اللجنة لمنح ديلان الجائزة.
انتقاد شتاينبك بشدة
في العام 1962، حصل المؤلف الأمريكي جون شتاينبك على جائزة نوبل للآداب عن كتاباته الواقعية والخيالية التي «جمعت بين روح الدعابة والتعاطف الاجتماعي»، بحسب اللجنة المانحة للجائزة، لكن الاختيار انتقد بشدة ووصف بأنه «واحد من أكبر أخطاء الأكاديمية السويدية». وتساءلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن سبب منح لجنة نوبل الجائزة للمؤلف الذي «تصنف موهبته المحدودة -في أفضل كتبه- في المرتبة العاشرة».
وأجاب شتاينبك نفسه عندما سئل إن كان يستحق جائزة نوبل في يوم الإعلان، فقال «بصراحة، لا». وفي العام 2012 (بعد 50 عاما من ذلك التاريخ حسب قواعد الجائزة)، افتتحت جائزة نوبل أرشيفها وجرى الكشف أن شتاينبك كان «خيارا توفيقيا» من بين قائمة مختصرة تضم شتاينبك والمؤلفين البريطانيين روبرت غريفز ولورنس دوريل، والمسرحي الفرنسي جان أنويله، والمؤلف الدانماركي كارين بليكسن.
وأظهرت الوثائق التي رفعت عنها السرية أنه تم اختياره كأفضل الخيارات السيئة، وكتب حينها عضو الأكاديمية السويدية هنري أولسون «لا يوجد أي مرشح واضح لجائزة نوبل، ولجنة الجائزة في وضع لا يحسد عليه».