روبرت فيسك صحافي بريطاني وحاليا هو المراسل الخاص لمنطقة الشرق الأوسط لصحيفة «الإندبندنت» البريطانية، وهو يعيش حاليا في بيروت، لبنان. ويعتبر فيسك أشهر مراسل غربي خلال ثلاثين سنة من تغطيته لأبرز الأحداث، منها الحرب الأهلية اللبنانية، وكان شاهدا على مذبحة صبرا وشاتيلا والثورة الإيرانية والحرب العراقية- الإيرانية ومجزرة حماة وحرب الخليج الأولى وغزو العراق 2003 ومذبحة قطاع غزة 2008/2009. ويعتبر من المراسلين الغربيين القلائل الذين أجروا مقابلة مع أسامة بن لادن. ويعتبر فيسك من المعارضين لسياسة بريطانيا وأمريكا أو ما أسماها «الأنغلو ساكسونيون» وله كتاب بعنوان «الحرب الكبرى تحت ذريعة الحضارة.. السيطرة على الشرق الأوسط».
فاز روبرت فيسك بالعديد من جوائز الصحافة للأعمال التي قام بها، بما في ذلك ترشيحه لنيل جائزة الصحافي البريطاني الدولي للعام على مدار سبع سنوات، وتسلمه جائزة منظمة العفو الدولية في المملكة المتحدة مرتين. عاش فيسك في منطقة الشرق الأوسط لما يزيد عن 30 عاماً، وأعد تقريراً عن الثورة الإيرانية عام 1979، والغزو الإسرائيلي للبنان ومجزرة صبرا وشاتيلا عام 1982، وحرب الخليج عام 1991، وغزو العراق والحرب على أفغانستان عام 2003. ويعد فيسك من الصحافيين الغربيين القلائل الذين قابلوا أسامة بن لادن، حيث التقاه ثلاث مرات. كما أنه مؤلف كتب تعد الأكثر مبيعاً، بما يشمل: «الحرب العظمى للحضارة.. الفتح من منطقة الشرق الأوسط» و«الشفقة على الأمة.. لبنان خلال الحرب». يحمل روبرت فيسك شهادة الدكتوراه في السياسة من كلية ترينيتي في دبلن، فضلاً عن 12 درجة فخرية من جامعات أخرى.
حكام الغرب يدفعون أثمنة أخطاء حكم العرب
موقف روبرت فيسك من استبداد الحكام العرب غير خفي، وفهمه الجيد لما يجري في الساحة العربية من خلال عمله الصحافي وكذا من خلال بحثه الأكاديمي في الثقافة السياسية الغربية جعله ذا نظرة خاصة ومتميزة للشأنين العربي والغربي، ومرجعا لا غنى عنه لفهم العلاقة بين الغرب والعرب.
لذلك يعتقد فيسك أن حكام الشرق الأوسط «المستبدين» دائما ما ينتهي بهم المطاف بإسقاط حلفائهم الغربيين، وهم الآن ألقوا حبالهم حول البيت الأبيض الأمريكي.
وتكهن فيسك بأن سقوط نظام الرئيس دونالد ترامب لن يكون بسبب علاقاته بالروس أو فساده أو تحريه الكذب على شعبه أو بغضه النساء أو عنصريته تجاه المهاجرين، ولا حتى اضطراباته العقلية..» زاعما أن الشرق الأوسط هو الذي سيقرر مصيره. وقال الكاتب إن الشرق الأوسط بدأ ينصب حباله بالفعل حول البيت الأبيض.
يعتقد فيسك أيضا أن الرئيس الأمريكي تبنى سياسة إسرائيل الخارجية وكأنها تخصه هو شخصيا، ودعم «بكل أريحية احتلالها غير الشرعي للأراضي الفلسطينية العربية، ومزق اتفاقية مستوفية الشروط القانونية مع إيران».
لكن، في المقابل، يشن الصحافي البريطاني هجوما لاذعا على بعض الحكام العرب الذين وصفهم بالطغاة الذين يتملكهم هاجس السلطة وما يكتنفها من مخاطر، وحبهم للتملك وكنز ثروات لا حصر لها، بحسب وصفه، قائلا: «هؤلاء الحكام يعتبرون بلدانهم بتاريخها ملكا خاصا لهم يتصرفون به كيف يشاؤون. فهم يستطيعون زج عشرات الآلاف من معارضيهم بالسجون أو إلقاء براميل متفجرة على رؤوسهم».
لا يلقي فيسك اللوم كله على شعوب الشرق الأوسط، فهو يرى أنه ما كان للطغاة أن يستمروا في غيهم لولا دعم من الحكومات الغربية. وخص الكاتب ترامب بهجوم شخصي حين قال إن الرئيس الأمريكي –تماما مثل حلفائه «الخطرين» بالشرق الأوسط- يريد العيش في فردوس ومولع بمتع الزعامة ويعشق المخاطرة. وترامب -برأي فيسك- لا يؤمن بالتاريخ أو الأخلاق، ويثق بنفسه فقط «ولهذا فإن كثيرا من الطغاة العرب» يحبونه ذلك لأن لديهم كثيرا من الصفات المشتركة معه. ويفهم الطغاةُ العرب الغربَ وأكاذيبه وشغفه ببيع السلاح إلى الشرق الأوسط، وتهافته على النفط، غير أن الغرب ببساطة – يقول الكاتب- لا يفهم الشرق الأوسط.
فالعرب، حسب فيسك، يدركون أن مواضيع مثل الخوف من «الإرهاب الإسلامي» والاستقرار السياسي وأسعار النفط المنخفضة والأموال التي يغدقونها على الدول الغربية مقابل الدعم السياسي والقوة العسكرية، كلها قضايا تروق للغربيين شعوبا وحكاما، وأن العرب والمسلمين الذين يعيشون في منطقة الشرق الأوسط هم من سيقرر مستقبل ترامب الذي يعتقد بدوره أنه هو من يستطيع تقرير مستقبلهم.
العرب والغرب.. سوء الفهم الكبير
يؤمن روبرت فيسك بأن نظرة إنسان الشرق الأوسط إلى العدل تختلف كثيرا عن نظرة أبناء الغرب. كما يعتريه غضب لدى سماع غربيين يعلنون أن الحياة رخيصة في الشرق الأوسط، مشددا على خطأ هذا التصور؛ فالحياة غالية. وأن الموت هو الرخيص في الشرق في الأوسط والداني؛ بفضل الحروب والاحتلال والقمع، حتى صار العدل والموت والصفقات القاسية -حتى مع الشيطان- جزءا دائم الحضور في السرد اليومي لأبناء هذه البقعة (الأتعس) من العالم، قائلا إنه كمراسل صحافي في الشرق الأوسط يواجه دائما خطر الموت في صراعاتها الدامية، وأنه لا يضيع وقتا في التساؤل عن أشياء ومعانٍ من قبيل «قيمة العدل في الأرض» على النحو المهووس به أبناء هذه المنطقة، على حد تعبيره.
واتهم فيسك الغرب بالإسهام في تعزيز حضور سردية الموت في الشرق الأوسط، لا سيما بنشوء الدواعش الذين هم من بين توابع الاجتياح البربري للعراق سنة 2003، وأشار إلى بيع الغرب أسلحة لأنظمة قمعية في الشرق الأوسط، موضحا «إن منطقة الشرق الأوسط وطن للنفوس المغدورة.. للعدل المنشود أبدا دون جدوى.. للوحشية في أبشع صورها.. ونحن أبناء الغرب مَن نصنع هذا وذاك في أبناء هذه المنطقة ممن لا يستحقون هذا، ولم يقترفوا ما يستحقون به هذا المصير المريع».
وما يثير الدهشة، حسب فيسك، هو إصرار أبناء هذه المنطقة على «نشدان العدل ومواجهة الكثير منهم للموت بلا خوف، في نوع من الشجاعة – أو فلنقل الإيمان، نفتقر إليه نحن أبناء الغرب».
بدأ فيسك بالإشارة إلى أنه تلقى اتصالات عدة في 11 شتنبر 2001 من العديد من وكالات الأنباء الذين سألوه مراراً «من الذي فعلها؟»، وقال إن هذا يوضح حالة الصحافة الغربية التي لم تطرح السؤال الأهم «لماذا حدث هذا؟»، يقول فيسك: «عندما تكون لديك جريمة عادية في الشارع، فإن أول ما يبحث عنه رجال الشرطة هو الدافع. لكن عندما واجهنا جريمة دولية ضد الإنسانية في نيويورك، وواشنطن، وبينسلفانيا، فإن الشيء الوحيد الذي لم يكن من المفترض للصحافيين فعله هو البحث عن الدافع».
العرب في الصحافة الغربية
يقول فيسك، في إحدى محاضراته، إنه تلقى اتصالات عدة في 11 شتنبر 2001 من العديد من وكالات الأنباء الذين سألوه مراراً «من الذي فعلها؟» وقال إن هذا يوضح حالة الصحافة الغربية التي لم تطرح السؤال الأهم «لماذا حدث هذا؟» يقول فيسك: «عندما يكون لديك جريمة عادية في الشارع، فإن أول ما يبحث عنه رجال الشرطة هو الدافع. لكن عندما واجهنا جريمة دولية ضد الإنسانية في نيويورك، وواشنطن، وبينسلفانيا، فإن الشيء الوحيد الذي لم يكن من المفترض للصحفيين فعله هو البحث عن الدافع».
يقول فيسك، في الأحداث المحرضة على الإرهاب اليوم، يعتبر الغوص في الأسباب التاريخية التي تقف خلف حدوث مثل هذه الهجمات مرادفاً للاعتذار عن النشاط الإرهابي. ما يعتبر تحدياً كبيراً لأنه قد يطرح خطاباً إشكالياً يشكك في العلاقة بين الولايات المتحدة والعالم العربي وإسرائيل.
«ما كنا نواجهه في الصحافة الغربية، وخاصة في الولايات المتحدة، هو العلاقة الطفيلية التناضحية بين الصحافيين والسلطة»، لأن الإدارة الأمريكية تشير إلى «الأراضي المحتلة» من قبل إسرائيل بعبارة «الأراضي المتنازع عليها»، وإلى «الجدار» الإسرائيلي بـ «الحاجز الأمني»، وتم اختيار هذه اللغة من قبل الصحافة الشعبية وأصبحت اللغة المعقمة للصحافة. يضيف فيسك «أدى الفشل في استخدام الكلمات الحقيقية إلى نزع دلالات معنى الصراع، وأدى جبننا الصحافي ببساطة إلى تحويل أولئك الذين يعانون إلى معتدين، وتحويل المحتلين إلى ضحايا». وأصبح الصحافيون متواطئين في الصراعات عندما اشتركوا في هذا النوع من التقارير.
أسوأ مثال على إبراء هذا الصراع هو التلفزيون، حيث لن يسمح المنتجون بعرض مشاهد الموت أو العنف، وبذلك يخفون حقيقة الحرب عن الجمهور. لا يمنح مشاهدو التلفزيون في الغرب الفرصة ليروا بأنفسهم تأثير الحروب. يقول فيسك إنه «لا يمتلك قادتنا جميعهم في هذه اللحظة خبرة الحرب الحقيقية نهائياً – في حين يمتلك الصحافيون الخبرة، أما القادة في الغرب فلا يمتلكونها - هم قادرون على تقديم الحرب على أنها حفرة رمل خالية من الدماء، وبأنها أمر يتعلق أساساً بالنصر والهزيمة بدلاً من الموت».
لفت فيسك إلى وجود جدار من الحصون التي تقسم العالم إلى الغرب والشرق. فهناك بريطانيا والولايات المتحدة والمواقع العسكرية الأوروبية الغربية في أفغانستان والعراق وطاجكستان وتركيا والأردن ومصر والجزائر واليمن وقطر والبحرين والمملكة العربية السعودية، وكذلك في مجموعة أخرى متنوعة من المناطق الاستراتيجية. وأضاف: «إنه نوع من الستار الحديدي في الشرق الأوسط».
يرى فيسك أن الحكومات الغربية تدعي بأنها تريد تصدير الديمقراطية، لكن الأصوات على الجانب الآخر تقول بأنهم لا يريدون شيئاً سوى العدالة. حالياً أعداء العالم الغربي في الغالب هم إسلاميون. وأضاف: «نحن لا نفكر كثيراً بما أظن أنه أحد الإحباطات الأساسية الموجودة في المنطقة: وهي أن المسلمين قاموا بالحفاظ على إيمانهم في حين لم نفعل نحن ذلك». وتابع قائلاً: «ما حدث هو أن الناس الذين حافظوا على إيمانهم تمت السيطرة عليهم بشكل كبير اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، من قبل الناس الذين فقدوا إيمانهم. كيف تفسرون هذا لأنفسكم؟».
اختتم فيسك حديثه قائلاً: «أعتقد أنه يتوجب تشجيع الغرب دوماً لإرسال ما لديه من معلمين مربين وبنائين ومهندسين وبنائي جسور وعلماء إلى العالم الإسلامي، ليتعلموا ويساعدوا ويعلموا في الوقت نفسه.. لكن لا شأن لنا بالتواجد العسكري في العالم الإسلامي».