الزيادة في الأجور والتعويضات العائلية للموظفين.. هكذا أنقذت الداخلية "الحوار الاجتماعي"
مع
على بعد أيام قليلة من حلول فاتح ماي، الموعد السنوي للاحتفال بالعيد العالمي للطبقة العاملة، وبعد سبع سنوات عجاف، بدأت تظهر بوادر توقيع اتفاق اجتماعي جديد بين الحكومة والنقابات، بعد قبول هذه الأخيرة للعرض الحكومي، الذي قدمه عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية، في اجتماعه الأخير مع زعماء المركزيات النقابية، بعد فشل رئاسة الحكومة ووزارة الشغل في نزع فتيل الاحتقان الاجتماعي، خاصة أن الملك محمد السادس دعا في الخطاب الذي ألقاه بمناسبة عيد العرش الحكومة إلى اعتماد الحوار الاجتماعي بشكل غير منقطع، بغض النظر عما يمكن أن يفرزه هذا الحوار من نتائج، فهل ستنجح الداخلية في تتويج هذا المسار التفاوضي في توقيع الاتفاق وتقديم هدية إلى الموظفين بمناسبة فاتح ماي؟
حظي الملف الاجتماعي باهتمام كبير في الخطاب الذي ألقاه الملك محمد السادس، بمناسبة عبد العرش، داعيا الحكومة وجميع الفاعلين المعنيين إلى القيام بإعادة هيكلة شاملة وعميقة للبرامج والسياسات الوطنية في مجال الدعم والحماية الاجتماعية، وكذا رفع اقتراحات بشأن تقييمها. كما دعا الملك الحكومة إلى اعتماد الحوار الاجتماعي «بشكل غير منقطع»، مؤكدا أن الشأن الاجتماعي يحظى عنده باهتمام وانشغال بالغين، كملك وكإنسان، وقال الملك في خطابه: «هنا أقول للحكومة بأن الحوار الاجتماعي واجب ولابد منه، وينبغي اعتماده بشكل غير منقطع، وعليها أن تجتمع بالنقابات، وتتواصل معها بانتظام، بغض النظر عما يمكن أن يفرزه هذا الحوار من نتائج»، وأكد «منذ أن توليت العرش، وأنا دائم الإصغاء لنبض المجتمع، وللانتظارات المشروعة للمواطنين، ودائم العمل والأمل من أجل تحسين ظروفهم»، مضيفا «إن الشأن الاجتماعي يحظى عندي باهتمام وانشغال بالغين، كملك وكإنسان»، وأشار إلى أنه «وإذا كان ما أنجزه المغرب وما تحقق للمغاربة، على مدى عقدين من الزمن يبعث على الارتياح والاعتزاز، فإنني في نفس الوقت، أحس أن شيئا ما ينقصنا، في المجال الاجتماعي». ورغم تأكيد الملك على أهمية الحوار الاجتماعي، ما زالت الحكومة تتعامل مع الموضوع بالوعود الشفوية، حيث لم تفرج عن أجندة جولات الحوار الاجتماعي، ما ينذر بمزيد من الاحتقان في ظل تصاعد موجة الاحتجاجات التي تعرفها العديد من القطاعات.
الداخلية تنقذ الحوار الاجتماعي
قدم عبد الوافي لفتيت عرضا جديدا لإجراءات اجتماعية همت الزيادة في الأجور بقيمة 500 درهم على دفعة واحدة، والرفع من الحد الأدنى للأجر في القطاع الفلاحي والصناعي والرفع من التعويضات العائلية للأبناء بقيمة 100 درهم على دفعة واحدة، وهو عرض أبانت النقابات عن قبول مبدئي به، وربطت التجاوب معه بقرارات أجهزتها المركزية التي تنتظر هدية تقدمها إلى الأجراء في فاتح ماي المقبل، بعد سبع سنوات عجاف. وفي اجتماع المجلس الحكومي المنعقد، يوم الخميس الماضي، أعلن سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، عن قرب صدور أخبار مفرحة في ملف الحوار الاجتماعي، مؤكدا على أهمية التوافق مع الفرقاء الاجتماعيين والاقتصاديين لما فيه مصلحة الشغيلة، سواء في القطاع العام أو الخاص، وأكد أنه يتابع مع وزير الداخلية التطورات، حيث إن هناك اتفاقا مبدئيا يتم تدقيقه من طرف مختلف الأطراف، متمنيا التوافق حوله والإعلان عنه في القريب، وأكد على أن الحكومة لديها خارطة طريق واضحة، وعددا من الإجراءات التي ستعمل على تنفيذها على أرض الواقع لمصلحة الاقتصاد الوطني.
ودخلت وزارة الداخلية على الخط، باستدعاء زعماء المركزيات النقابية للجلوس على طاولة الحوار، لامتصاص موجة الغضب التي بدأت تسود داخل جل قطاعات الوظيفة العمومية، وتجلت في عودة الإضرابات في الآونة الأخيرة، بعدما بدأت بوادر فشل الحوار الاجتماعي بين الحكومة والنقابات منذ السنة الماضية، بسبب غياب التوافق حول منهجية الحوار، ورفض العرض الذي قدمته الحكومة بخصوص الزيادة في الأجور والتعويضات العائلية، ومنذ سبع سنوات، لم تسفر جولات الحوار «المتعثر» عن أي اتفاق حول الملفات المطلبية العالقة، كما أن أغلب الجلسات التي عقدتها الحكومة مع «شيوخ» النقابات تتحول إلى جلسات شكلية هدفها امتصاص غضب الطبقة الشغيلة، واللعب على عامل الوقت، قبل تمرير القرارات التي تطبخها الحكومة على نار هادئة.
وكانت المركزيات النقابية قد وضعت مجموعة من الشروط لمواصلة الحوار الاجتماعي مع الحكومة، وذلك خلال اللقاء الذي عقده سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، مرفوقا بمحمد يتيم، وزير الشغل والإدماج المهني، مع ممثلي النقابات الأكثر تمثيلية، والذي خصص لتقديم عرض الحكومة حول منهجية الحوار، دون الخوض في مناقشة الملفات المطلبية والقضايا المجتمعية.
وعرضت الحكومة على المركزيات النقابية منهجية تقضي بفتح حوار ثلاثي الأطراف يفضي إلى اتفاق يمتد على ثلاث سنوات. وأوضح بلاغ لرئاسة الحكومة أن العثماني عرض على المركزيات النقابية الأكثر تمثيلية (الاتحاد المغربي للشغل، والكونفدرالية الديقراطية للشغل، والاتحاد العام للشغالين بالمغرب، والاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، على التوالي)، منهجية تقضي بفتح حوار ثلاثي الأطراف من خلال ثلاث لجان موضوعاتية، يفضي إلى اتفاق يمتد على ثلاث سنوات، على أن ينطلق التفاوض بشأنه في أقرب الآجال.
مطالب نقابية عالقة
ما زالت العديد من المطالب النقابية عالقة فوق مكتب سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، بعد رفض سلفه فتح حوار شامل مع هذه المركزيات النقابية حول الملف المطلبي في شموليته، وترمي مطالب النقابات إلى تحسين الوضعية الاجتماعية للأجراء والعمال في الشق المتعلق بدعوة الحكومة إلى إقرار الزيادة في الأجور، كواحد من المطالب الراسخة التي دأبت النقابات في كل مناسباتها الحوارية والنضالية على رفعه، فبعد تسطير المطالب المتعلقة بممارسة الحقوق النقابية وعدم المس بالحق في الإضراب. ووضعت النقابات مطلب الرفع من الأجور على رأس مطالبها الموجهة إلى الحكومة، فيما وضعت النقابات مأسسة الحوار الاجتماعي مع الحكومة في النقطة الثانية بعد مطلب الرفع من الأجور. كما طالبت الحكومة بإعطاء الاهتمام للجانب الاجتماعي للأجراء وتحسين وضعية المتقاعدين، مع التشديد على تجويد السياسة التسعيرة بما يستجيب والظرفية الاقتصادية. كما دعت النقابات في ذات مطالبها إلى ضمان التشريع الاجتماعي والعلاقات المهنية، فيما أكدت النقابات على احترام المطالب الفئوية بمن فيهم المهندسون والتقنيون والحريات العامة، إلى غير ذلك من المطالب التي تضمنتها المذكرة.
وتضمنت المذكرة المطلبية التي وجهتها المركزيات النقابية إلى الحكومة السابقة مجموعة من المطالب المتعلقة بالحرية النقابية، وعلى رأسها ضرورة احترام الحقوق النقابية كواحدة من المطالب الأساسية التي يجب الاتفاق حولها مع الحكومة، حيث أكدت النقابات على عدم التضييق على الحريات النقابية، وطرد واعتقال ومتابعة المسيرين النقابيين لمجرد ممارستهم أنشطتهم النقابية. وأشارت النقابات إلى إغلاق الوحدات الإنتاجية بدون سند قانوني، مما يعرض آلاف العاملات والعمال وعائلاتهم للتشريد والضياع والفقر والحرمان، وعدم الاستجابة لدعواتنا المتكررة المتعلقة بإيجاد الآليات الضرورية والملائمة لفض النزاعات الكبرى التي يعرفها عالم الشغل، بالإضافة إلى الخرق السافر لبنود ومقتضيات مدونة الشغل وباقي القوانين الاجتماعية والمواثيق الدولية الصادرة عن منظمة العمل الدولية وغيرها، وغض النظر عن الترهيب الاجتماعي الممارس أمام مرأى ومسمع السلطات العمومية، حسب النقابات صاحبة المذكرة.
وتطالب النقابات بالزيادة العامة في الأجور بما يتماشى وغلاء المعيشة، مشيرة إلى أن هذه الزيادة يجب أن تتم عبر الزيادة في الحد الأدنى للأجر، وتوحيده بما يضمن العيش الكريم للمأجورين بمختلف القطاعات الإنتاجية، وتفعيل السلم المتحرك للأجور والأسعار، وذلك حفاظا على القدرة الشرائية للطبقة العاملة وعموم المأجورين، بالإضافة إلى الزيادة في المعاشات بما يفي بحاجيات العيش الكريم للمتقاعدين، وهي الأمور التي اعتبرتها النقابات أولوية المطالب بعد احترام الحقوق النقابية، مطالبة بمراجعة منظومة الأجور في القطاع العام في اتجاه تحسين القيمة المادية للأرقام الاستدلالية، وتقليص الفوارق، وإعادة النظر بشكل جذري في منظومة الترقي والتعويضات في قطاعات الوظيفة العمومية والجماعات المحلية، وإقرار سياسة ضريبية عادلة، وذلك بتخفيض الضغط الضريبي على الأجراء عبر اعتماد مقاربة جديدة، تهدف إلى توسيع الوعاء الضريبي والتقليص من الفوارق الجبائية من خلال إعادة النظر في الضريبة على الدخل، عبر مراجعة النسب وخصم مصاريف تمدرس الأطفال، والتحمل العائلي من الأجر الخاضع للضريبة، والتقليص من الضريبة على القيمة المضافة المطبقة على الموارد الاستهلاكية الأساسية.
ويرى المتتبعون للشأن السياسي والنقابي المغربي أن كل عوامل الاحتقان الاجتماعي أصبحت متوفرة، بالنظر إلى الوضعية المالية والاقتصادية للطبقات الفقيرة والمتوسطة التي تزداد ترديا، بالإضافة إلى ما اتخذته الحكومة من «إجراءات لا شعبية» استهدفت المكتسبات الشعبية على قلتها، وهو ما يرشح الوضع لمزيد من التأزم. ويسود تخوف من تكرار ما شهده المغرب في بداية التسعينات، من خلال تهافت الحكومة للتخلص من العبء المالي لمجموعة من الملفات التي تثقل كاهل المالية العمومية، دون الأخذ بعين الاعتبار ما يمكن أن يكون لذلك من تداعيات خطيرة على السلم الاجتماعي، بالإضافة إلى الاختلالات المالية التي تحتاج إلى إصلاح شامل، لذلك حذرت أحزاب المعارضة من إعادة ارتكاب نفس الأخطاء التي جعلت المغرب يفرط في استقراره الاجتماعي، تلبية وإرضاء لطلبات المؤسسات المالية الدولية، المحكومة باعتبارات تقنية لا تدمج عوامل الاستقرار والتماسك الاجتماعي، والتي تشكل عمق المسؤولية السياسية لأي حكومة، وذلك عن طريق إجراء إصلاحات حقيقية بعيدا عن ما تقوم به من إجراءات ترقيعية سهلة على حساب القدرة الشرائية للمغاربة.
أين اختفى قانونا الإضراب والنقابات؟
ما زال مشروع القانون التنظيمي المتعلق بتنظيم الإضراب «محتجزا» داخل لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب، منذ حوالي ثلاث سنوات، كما أن النقابات عبرت عن رفضها لهذا القانون، ووجهت اتهامات للحكومة بإحالته على البرلمان بطريقة سرية، دون فتح استشارة مع الحركة النقابية، حيث استنكرت الأمانة الوطنية للاتحاد المغربي للشغل محاولة الحكومة تمرير مشروع القانون التنظيمي لحق الإضراب، الذي تعمل على تحويله من حق إنساني كوني إلى صك إدانة، من خلال ما أسمته «مشروع القانون التنظيمي/التكبيلي لحق دستوري»، واتهمت الحكومة «بإحالته على البرلمان سنة 2016 في سرية تامة، وفي مفارقة غريبة، دون أدنى استشارة مع الحركة النقابية». واعتبرت النقابة هذا المشروع بمثابة قانون جنائي، ويجعل ممارسة حق الإضراب مستحيلة ويتدخل في الشؤون النقابية للمنظمات النقابية.
ولم تفرج الحكومة عن القانون التنظيمي للمنظمات النقابية خلال الولاية الحالية، ولم يتم إدراج هذه النقطة ضمن جدول أعمال الحوار الاجتماعي. ولم تكشف الحكومة عن الأسباب الحقيقية لعدم إخراج القانون الثاني، الذي يهم تنظيم الحياة النقابية وتعزيز الحكامة التنظيمية داخل الجسم النقابي المغربي، وكذلك تعزيز الرقابة المالية من خلال فتح المجال أمام آليات الافتحاص المالي للمركزيات النقابية من طرف قضاة المجلس الأعلى للحسابات، على غرار الأحزاب السياسية التي تقدم حساباتها السنوية إلى المجلس، في حين أخرجت الحكومة القانون الأول تحت ضغط أرباب العمل «الباطرونا»، أمام صمت رهيب للنقابات التي كان غرضها هو عدم إخراج القانون الثاني.
وينص الفصل 8 من الدستور على وضع القانون المتعلق بالنقابات على غرار قانون الأحزاب، يحدد القواعد المتعلقة بتأسيس المنظمات النقابية وأنشطتها، وكذا معايير تخويلها الدعم المالي للدولة، وكيفيات مراقبة تمويلها، وأوضحت أن هذا الفصل بالإضافة إلى تأسيسه للخطوط العريضة للحرية والمطابقة والدمقرطة، يحيل كذلك على القانون الذي سينظم القواعد المنظمة لتأسيس المنظمات النقابية ومعايير تحويل الدعم المالي للدولة ومراقبة هذه النقابات، وبالتالي فإن دستور 2011 حدد الخطوط العريضة لهذا القانون، وبالتالي الحكومة ملزمة بتسريع إخراج قانون النقابات إلى حيز الوجود. إضافة إلى ذلك فإن الدستور تضمن مقتضيات ضمن الفصل 9، التي تحدد الضمانات القضائية المتعلقة بالحل أو التوقيف، وهذا الفصل جاء لإعطاء ضمانات للمنظمات النقابية لممارسة أنشطتها بطريقة سليمة، كما أن الفصل 29 من الدستور أسس لمجموعة من المبادئ المرتبطة بالانتماء النقابي.
ويطالب الاتحاد العام لمقاولات المغرب بالإسراع بإصدار القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب وكيفية ممارسته، لتنظيم هذا الحق الدستوري، وخلق نوع من التوازن بين الحق في الإضراب وحرية العمل، وإعطاء مجال أوسع للمفاوضات وإعمال آليات الوساطة والتحكيم والمصالحة بما يضمن حقوق الفئة العاملة، ومصالح المقاولة، ووتيرة التشغيل، ويساعد على منح الثقة الضرورية للفاعل الاقتصادي، وتكريس المغرب وجهة مفضلة للاستثمار. وكشف رئيس فريق «الباطرونا» بمجلس المستشارين في إحدى الجلسات الشهرية لمساءلة رئيس الحكومة، عجز الحكومة عن التنزيل الفعلي للفصل 29 من الدستور، عبر إخراج القانون التنظيمي للإضراب وقانون النقابات، محذرا من التكلفة المترتبة عن ترك ممارسة حق الإضراب بدون قانون ينظمه، وتتمثل هذه التكلفة في الانعكاسات السلبية على مناخ الأعمال وعلى وتيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وخاصة مع تزايد الإضرابات، وظهور تنسيقيات وجمعيات لا ترتكز على أية أهلية أو شرعية تمثيلية، أو منظور نقابي، تعرقل أو توقف العمل بمؤسسات حيوية، وتضرب التمثيلية الديمقراطية للنقابات، من خلال تزعم إضرابات غير مضبوطة ولا مسؤولة، وبدون أي إخطار.
تفاصيل العرض الحكومي الذي رفضته النقابات خلال السنة الماضية
أعلنت جميع المركزيات النقابية رفضها للعرض الذي قدمته حكومة العثماني، خلال السنة الماضية، ووصفته بالهزيل الذي لا يرقى إلى تحقيق أبسط المطالب المتضمنة في الملفات المطلبية لعموم المستخدمين بالقطاعين العام والخاص، قبل أن يدخل وزير الداخلية على الخط للتفاوض مع النقابات ويقدم لها عرضا جديدا.
وكشف محمد يتيم، وزير الشغل والإدماج المهني، عن تفاصيل العرض الحكومي الذي رفضته النقابات، وقال إنه سيكلف ميزانية الدولة حوالي ستة مليارات، مشيرا إلى أن الحكومة قررت الشروع في تفعيل الزيادة في التعويضات العائلية بزيادة 100 درهم عن كل طفل، وهو الإجراء الذي يهم حوالي 387.626 موظفا بالإدارة العمومية بتكلفة قدرها 981.062.400 درهم، و68210 موظفين بالجماعات الترابية بكلفة قدرها 142 مليون درهم تعني قرابة 163202 طفل(ة) و129.000 مستخدم بالمؤسسات العمومية بتكلفة قدرها 320 مليون درهم. وأكد يتيم أن الحكومة ستدعو المجلس الإداري للصندوق الوطني للضمان لاجتماعي للاجتماع، من أجل اتخاذ القرار المناسب لتفعيل هذا المقتضى بالنسبة إلى أجراء القطاع الخاص.
وبعدما أشار وزير الشغل والإدماج المهني إلى أن تنفيذ التزامات الدولة لمقتضيات 26 أبريل 2011 كلفها 13,2 مليار درهم خلال سنة 2012 و4 مليارات سنويا في السنوات المالية اللاحقة، أكد أن الحكومة التزمت بالعمل على ترصيد مكتسب مأسسة الحوار الاجتماعي وانتظام عقد دوراته، وتحسين الدخل، مبرزا أن الحكومة عبرت عن إرادتها الصادقة في التعاطي الإيجابي مع مطالب الشغيلة، من خلال اقتراح عدد من التدابير الهادفة الى تحسين ظروف الشغيلة، وخاصة الفئات الأكثر تضررا، حيث اقترحت الزيادة في أجور موظفي الإدارات العمومية والجماعات الترابية ومستخدمي المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري المرتبين في السلالم 6 و7 و8 و9 وفي الرتب من 1 إلى 5 من السلم العاشر، أي ما يعادل ذلك بمبلغ شهري صاف يقدر بـ300 درهم ابتداء من فاتح يناير 2019.
كما اقترحت الحكومة إحداث درجة جديدة للترقي بالنسبة إلى الموظفين المرتبين في سلمي الأجور 8 و9؛ والرفع من منحة الازدياد عن المولود من 150 درهما إلى 1000 درهم ابتداء من فاتح يوليوز 2018، وتحسين شروط الترقي بالنسبة إلى أساتذة التعليم الابتدائي وملحقي الاقتصاد والإدارة، وكذا الملحقين التربويين المرتبين جميعهم في الدرجة الثانية والذين تم توظيفهم لأول مرة في السلمين 7 و8، علما أن الحكومة سبق لها أن تفاعلت إيجابا مع مطالب بعض الفئات المتضررة، والتي تقتضي تعاملا استعجاليا مثل حالة الأطر شبه الطبية؛ والشروع في تفعيل التعويض عن العمل في المناطق النائية والبالغ قدره 700 درهم.
وفي ما يتعلق بالقطاع الخاص، وسعيا إلى دعم استقرار العلاقات بين أطراف العلاقة الشغلية، أوضح الوزير أنه تم التوافق بين الأطراف الثلاثة على النهوض بآليات المفاوضة الجماعية، وتعزيز آليات تسوية النزاعات الاجتماعية وتشجيع عقد الاتفاقيات الجماعية وتفعيل آلية التحكيم وتعزيز دورها في حل النزاعات الاجتماعية وتوفير الشروط المادية لاشتغالها؛ ومحاربة ظاهرة عدم التصريح بالعمال لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي؛ وإطلاق التشاور بين الأطراف الثلاثة من أجل العمل على مراجعة مدونة الشغل على ضوء خلاصات المناظرة الوطنية المنعقدة سنة 2014، وفق مقاربة تروم تحقيق التوازن بين حاجيات المقاولة ومساعدتها على مسايرة وتيرة التحولات الاقتصادية وإكراهات المنافسة الداخلية والخارجية، وبين محاربة الهشاشة والحفاظ على رصيد الشغل وعلى الحقوق المكتسبة للأجراء.
كما تم الاتفاق، يضيف الوزير، على تعزيز مبدأ المرونة المسؤولة اجتماعيا بالعمل على إخراج المرسوم المتعلق بتحديد القطاعات والحالات الاستثنائية التي يمكن فيها إبرام عقد شغل محدد المدة، وتقنين واعتماد عقد الشغل لبعض الوقت لمواكبة التطورات التي يعرفها عالم الشغل من جهة، وخدمة لمصالح طرفي العلاقة الشغيلة من جهة أخرى، ومراجعة المقتضيات المتعلقة بالتشغيل المؤقت بما يلبي حاجات المقاولة ويضمن الحقوق الأساسية للأجراء؛ ومواصلة الحوار مع الأطراف المعنية في موضوع الحد الأدنى للأجر في القطاع الصناعي والتجاري ونظيره في القطاع الفلاحي؛ وكذا تعزيز الحريات النقابية، حيث التزمت الحكومة بالتشاور مع المنظمات النقابية الأكثر تمثيلا حول مشروع القانون التنظيمي للإضراب بالموازاة مع مناقشته بالبرلمان والعمل على مراجعة الفصل 288 من القانون الجنائي، والعمل على إخراج القانون المنظم للنقابات المهنية، وفق المقتضيات الواردة في الفصل الثامن من الدستور.
وفي ما يرتبط بالقطاع العام، قال الوزير إن المراجعة الشاملة لمنظومة الوظيفة العمومية حظيت بالقسط الأوفر من التشاور والنقاش، حيث تم التوافق على مراجعة شاملة لمنظومة الوظيفة العمومية وأهدافها، والمتمثلة في ملاءمة الإطار التشريعي للمنظومة مع الدستور، ومع الوظائف والأدوار الاستراتيجية الجديدة للدولة، مع التأكيد على أن المراجعة يتعين أن تراعي مبادئ الدستور المرتبطة بالمرفق العمومي والحكامة الجيدة وإرساء الجهوية وتكريس الحقوق الجماعية والفردية؛ ومبدأ الشمولية في إصلاح المنظومة؛ ومبدأ الحفاظ على الحقوق المكتسبة للموظفين؛ ومبدأ التدرج في تنزيل مختلف الإصلاحات والأوراش المرتبطة بتفعيل ورش مراجعة منظومة الوظيفة العمومية.
النعمة ميارة: العرض الحكومي إيجابي ويجب مأسسة الحوار الاجتماعي بأجندة محددة
يرى النعمة ميارة، الكاتب الوطني للاتحاد العام للشغالين بالمغرب، أن العرض الحكومي الجديد الذي أبلغت به النقابات من طرف وزارة الداخلية خلال اللقاءات الأخيرة، أبان «عن تطور إيجابي في الموقف السابق للحكومة، وتحسن في الاستجابة لمطالب النقابات، وهو نسبيا ملائم ويمكن التفاوض حوله، بالإضافة إلى باقي الملفات المطلبية التي ما زالت عالقة والتي تتعلق بالحرية النقابية بصفة عامة». وأكد ميارة في تصريح لـ«تيلي ماروك» أن «الاتحاد العام للشغالين سيعقد لقاء آخر مع وزير الداخلية، من أجل تقديم سلة المقترحات والملفات المطلبية، التي نعتبر أنها جزء لا يتجزأ عن باقي المطالب المتعلقة بتحسين الأجور».
وأشار ميارة، الذي شدد على أن وزير الداخلية بعدما عقد لقاءات عديدة مع القيادات النقابية ومنها الاتحاد العام للشغالين وأبلغها بالعرض الجديد، (أشار) إلى أن الأخير «إيجابي» و«قابل للتفاوض حوله وحول عدد من النقاط الأخرى»، إذ تضمن زيادة عامة لجميع الموظفين العموميين قدرها 500 درهم للسلالم ما دون العاشر والرتبة 5، و400 درهم ابتداء من السلم العاشر مجزأة على ثلاث سنوات، بالإضافة إلى الرفع من التعويضات العائلية، والزيادة في الحد الأدنى للأجر بـ10 في المائة للقطاعين الفلاحي والصناعي، وهي القرارات التي وعدت الوزارة بمباشرة تنزيلها انطلاقا من ماي المقبل، إن تم الاتفاق بشأنها مع المركزيات النقابية، حسب ميارة، الذي أضاف أن الاتحاد العام للشغالين بالمغرب عرض على وزير الداخلية، في لقاء تلا لقاء تقديم العرض الحكومي الجديد «السلة الكاملة للنقاط المطلبية التي يرفعها الاتحاد، إضافة إلى النقاط التي تضمنها العرض الجديد».
من جانب آخر، أشار ميارة إلى أن «القرار النهائي تجاه العرض الحكومي الجديد سيتم الحسم فيه أثناء انعقاد المجلس العام للاتحاد العام للشغالين بمدينة فاس، والذي سيتم خلال إقرار قبول العرض الحكومي أو رفضه»، مبينا أن «النقابة تتفهم أنه لا يمكن تحقيق جميع المطالب دفعة وحدة، لكن نطالب بتسطير أجندة وبرنامج لتحقيق المطالب العاجلة، والتي نعتبر في الاتحاد العام للشغالين أنه لا يمكن التراجع عنها»، معتبرا أن «المأسسة الحقيقية للحوار الاجتماعي تقتضي عرضا شاملا يضم التجاوب مع جميع الملفات المطلبية للنقابات»، ومضيفا أن «الخطوة الحالية التي أقدمت عليها الحكومة بتقديم عرض جديد، خطوة ومؤشر إيجابي في طريق طي صفحة توقف الحوار الاجتماع ونحو بلوغ هدف مأسسته وتعزيزه، وتقوية وزرع الثقة في الوسطاء الاجتماعيين المتمثلين في النقابات».
ودعا ميارة إلى «تسطير أجندة للمفاوضات الاجتماعية، تتضمن البرمجة العامة للنقاط التي تتضمنها الملفات المطلبية للنقابات، على أن يتم تسطير مواعد محددة من أجل التفاوض على كل من هذه النقاط، كما يتم تحديد آجال معينة للتجاوب مع المطالب النقابية، في ما يرتبط بالملفات المهمة على رأسها تكريس احترام الحقوق النقابية والحقوق المرتبطة بالإضراب والقانون التنظيمي الخاص به»، بالإضافة إلى «تكريس الحقوق المادية للأجراء في ما يتعلق بالزيادة في الأجور، والرفع من الحد الأدنى للأجر وتكريس الحوارات القطاعية ومأسستها في إطار التجاوب مع الملفات المطلبية في عدد من القطاعات المهمة، دون إغفال القطاع الخاص والقطاعات الصناعية والفلاحية، بما يضمن تحقيق المزيد من المكتسبات للفئات العاملة».
كرونولوجيا الحوار الاجتماعي.. جفاء وقطيعة واتفاق في آخر دقيقة
اتفاق الدقائق الأخيرة ذلك الذي سيتم بين الحكومة والنقابات على بعد أيام من الاحتفالات الأممية بالعيد العمالي الذي يصادف فاتح ماي من كل سنة، بل إن العرف الذي بدأ يتكرس في إطار الحوار بين الحكومة والنقابات هو التشنج الذي يتواصل لشهور وينتهي باتفاق في أبريل قبيل احتفالات العمال وما يلبث أن يعود من جديد في إطار علاقة اتسمت بالقطيعة أكثر منها بالحوار بين القطبين الاجتماعيين وسط معادلة يغيب عنها الطرف الثالث الذي هو أرباب العمل، فمنذ ماي الماضي من سنة 2018، لم تنجح حكومة سعد الدين العثماني من جديد في إجلاس المركزيات النقابية إلى طاولة الحوار الاجتماعي المرضي للطرفين، وعلى الرغم من عقدهما لجلسات وصفت في ما بعد من قبل النقابات بأنها فولكلورية وليست تفاوضية، ما دفعها إلى أن تقرر الانسحاب من الحوار.
انسحاب النقابات من الحوار الاجتماعي والذي جاء مع نهاية سنة 2018، ليختم سنة وصفت بالتوتر الاجتماعي بين النقابات والحكومة، تمظهر في عدد من الاضرابات والمسيرات التي خاضتها المنظمات النقابية بأشكال مركزية أو قطاعية، ودفع حكومة سعد الدين العثماني إلى إعلان عرض حكومي هددت بتنزيله من طرف واحد دون الحصول على موافقة النقابات، وهو العرض الذي اعتبرته الحكومة هدية رأس السنة للطبقة العاملة مع مطلع 2019 وتضمن الزيادة في الأجور بقيمة 300 درهم في السلاليم الدنيا على ثلاث دفعات وزيادة في التعويضات العائلية على الأبناء بقيمة 100 درهم في حدود الأطفال الثلاث الأوائل على أن تكون على دفعتين بقيمة 50 درهما كل سنة، وقد أعلنت النقابات رفضها للعرض الحكومي المتعلق بالزيادة المشروطة في الأجور لفئات اجتماعية محددة، واعتبرت المركزيات النقابية أن جلسات الحوار الاجتماعي التي دعت إليها رئاسة الحكومة لم تتضمن أي جديد في العرض الحكومي ما دفع المركزيات النقابية إلى إعلان الانسحاب منها ومقاطعة الحوار.
النقابات كانت قد استجابت لدعوة رئاسة الحكومة في عدة مناسبات على اعتبار أنها ستقدم عرضا جديدا للحوار على أساسه، وهو الأمر الذي لم يحصل، وظل العرض الحكومي جامدا في المقترح الأول، وقد لاقى وضع القطيعة الاجتماعية بين الحكومة والنقابات انتقادات من أعلى سلطة في البلاد، حيث دعا الملك محمد السادس في خطاب سام النقابات والحكومة إلى الجلوس لطاولة الحوار مهما تمخض عنه من نتائج، تنبيه ملكي لم يجد صداه لدى الحكومة التي عادت لتدعو النقابات من جديد إلى المشاركة في جلسة للحوار الاجتماعي، ووعدتها بتقديم عرض جديد، وهو العرض الذي جعل النقابات تشارك في الجلسات متفائلة قبل أن تتفاجأ بأن الأمر لا يعدو أن يكون العرض السابق الذي كانت قد قدمته الحكومة من قبل.
استمرار القطيعة دفع حكومة العثماني إلى تخيير النقابات بين سيناريوهين أحلاهما مر، يتعلق الأول بالزيادة بقيمة مائة درهم بداية من سنة 2019 وآخرى سنة 2020 بالنسبة للسلاليم الدنيا فقط، أو تخصيص المبلغ الذي حددته الحكومة والذي لا يتجاوز 6 مليارات فقط لزيادة شاملة في الأجور لن تتعدى 100 درهم للموظف لواحد، محددة بذلك سقفا ماليا للإجراءات الاجتماعية ربطتها الحكومة بالظروف الحالية التي يتم فيها عقد جلسة الحوار وهي الظروف التي تجعل موازين القوى في غير صالح الأجراء والطبقة العاملة، في الوقت الذي طالبت النقابات بسلة من المطالب تتضمن تحسين الحقوق النقابية في المؤسسات الانتاجية، العمل سياسيا على إحقاق الحق ومأسسة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
واستمرت القطيعة النقابية للجلسات الحكومية للحوار، وقد أجمعت المركزيات النقابية الأكثر تمثيلية على رفض مقترحات الحكومة وعدم الجلوس إلى طاولة الحوار مالم تلين الأخيرة مواقفها ومقترحاتها بما يستجيب لمطالب النقابات، لتتسلم وزارة الداخلية دفة الحوار الاجتماعي مع النقابات وتوجه لها الدعوة في إطار منهجية جديدة اعتمدت على اللقاءات المنفردة مع الأمناء العامين للمركزيات، وقد اعتبرت المركزيات النقابية تولي وزارة الداخلية تدبير الملف مؤشرا على قرب الوصول إلى اتفاق وتوجها لدى الحكومة من أجل تقديم مقترح جديد، وكذلك كان، فبعد عشرات اللقاءات الماراثونية بين الوزارة والنقابات، قدم عبد الوافي لفتيت عرضا جديدا للإجراءات اجتماعية همت الزيادة في الأجور بقيمة 500 درهم على دفعة واحدة والرفع من الحد الأدنى للأجر في القطاع الفلاحي والصناعي والرفع من التعويضات العائلية للأبناء بقيمة 100 درهم على دفعة واحدة، وهو عرض أبانت النقابات على قبول مبدئي به، وربطت التجاوب معه بقرارات أجهزتها المركزية التي تنتظر هدية تقدمها للأجراء في فاتح ماي المقبل بعد سبع سنوات عجاف.