أدمغة مغربية مشتتة على طول الكرة الأرضية... يحكمون وكالات عالمية وإمبراطوريات مالية وصناعية
مع تيلي ماروك
توزعوا فوق الخريطة نقطا مضيئة. بعضهم تحولوا إلى مفخرة حقيقية للمدرسة العمومية المغربية التي كابدت خلال السنوات الأخيرة من أجل البقاء. بل ولجأ إليهم أساتذتهم القدامى كدليل على أن المدرسة العمومية «ولاّدة» لا تموت. منهم من هاجر لأن الأرض ضاقت به هنا ذات زمن، لكنه عاد موشحا بوسام ملكي يعترف له، أو لها، بالكفاءة والتميز. ومنهم من هاجر عن طيب خاطر لأن العالمية بالنسبة له، أو لها مرة أخرى، كانت أكبر من العمل في المغرب والاكتفاء به، مُغنيا عن العالم.
جلهم يشتركون في نقطة الانتماء إما إلى الهامش، أو إلى الأوساط الشعبية. جربوا الحلم والحاجة ومطاردة الأفكار ليلا، قبل أن ينجحوا من خلال تذكرة ذهاب وحيدة بدون تاريخ عودة محدد، في حفر أسمائهم في معقل الصراع العالمي حول التميز، وسط أناس تخرجوا من «هارفرد» و«كامبريدج». تجدهم، وتجدهن، اليوم في قلب مؤسسات دولية وتجمعات مالية وصناعية كبرى، كوكالات الفضاء والطاقة النووية والسيليكون فالي ومراكز الأبحاث والمختبرات المرموقة التي تتجه لها أنظار الشعوب كلها بحثا عن مخرج من أزمة فيروس كورونا المستجد.
أسماء بوجيبار.. ريفية بجينات «مقاومة» تخطف الأضواء بـ «ناسا»
لديها ماجستير في علم البراكين. وتخصصها هذا يعد أحد التخصصات المطلوبة في وكالة ناسا، خصوصا خلال اعتمادها سياسة في السنوات الأخيرة تركز على اكتشاف كوكب المريخ، وخصائص كواكب أخرى ومقارنتها بخصائص كوكب الأرض.
وشحها الملك محمد السادس بوسام العرش سنة 2015. أسماء بوجيبار، التي رأت النور بالدار البيضاء سنة 1984، هي في الحقيقة سليلة عائلة بوجيبار المقاومة في منطقة الريف، حيث نُفي أفرادها مع بوجبيار رفيق درب المجاهد عبد الكريم الخطابي وصهره أيضا، خلال نهاية عشرينيات القرن الماضي.
أصبحت أسماء بوجيبار أيقونة احتفلت بها القنوات العربية في الشرق واعتبرتها أول امرأة عربية تصل إلى ما وصلت إليه أسماء في وكالة ناسا الدولية. والحقيقة أن أسماء بوجيبار كانت تشتغل على نفسها بصمت داخل وكالة الفضاء الأمريكية وحققت قفزة أكاديمية لافتة عندما تفوقت في إنجاز اكتشاف جديد يتعلق بالنواة، حيث كان بحثها عن التوازن الكيميائي بين الغلاف والنواة في سياق تشكيل عينة من الكواكب. هذا البحث الذي تعمقت فيه وتخصصت في سن السابعة والعشرين، فتح لها أبواب التألق في وكالة ناسا لتصبح البروفايل الأكثر طلبا للوكالة في إطار توجهها لاستكشاف الكواكب المحيطة أو البعيدة عن الأرض.
الخمار.. مغربي يشرف على السلامة النووية بوكالة الطاقة الذرية
صورته المِهنية التي تحمل صفته بالوكالة الذرية تعكس خلفيته المغربية بشكل لا تُخطئه العين. هو مرابط الخمار الذي يحمل معه مغرب «أيام زمان» وذكريات شظف العيش وحلم الهجرة الذي انتشر بين أقرانه كالنار في الهشيم. كان يضع داخل رأسه الذي غزاه الشيب، سرّا يتمثل في الهجرة لكن بعكس أقرانه، بل للوصول إلى أعلى الدرجات العلمية التي تؤهل لولوج الوكالات الدولية والمؤسسات العالمية الكبرى، في مجال اهتمامه هو الطاقة النووية.
في فيينا، بسويسرا، سوف يُعرف مرابط الخمار أكثر عند وصوله إلى منصب مدير الأمن والسلامة النوويين بالوكالة الدولية للطاقة الذرية، حيث تناولت الأخبار العالمية اسمه في عدد من تقاريرها التي تهم برامج الوكالة في عدد من الدول النووية، أو أيضا في إطار نزع السلاح النووي لعدد من الدول.
هو ابن تاونات، التي يفتخر كثيرا بالانتماء لها، والتي لا يزال يحملها بين ضلوعه في عز تألقه المهني في فيينا.
عندما وشحه الملك محمد السادس سنة 2016، كانت الفرصة مواتية لكي يتم اقتراحه ككفاءة وطنية بخبرة دولية لكي يشرف على مشروع «أمسنور» بتنسيق مع الوكالة. وهكذا أشرف على مشاريع استفاد منها المغرب تتعلق أساسا بالمخاطر البيئية وحماية المواطنين من الإشعاعات الناتجة عن الإجراءات الصناعية ومخلفاتها. وهي نقط تدخل في عمق تخصصه بالوكالة الدولية.
عُرف مرابط أكثر من خلال برامج الوكالة للحد من التسابق النووي بين الدول وحماية وسلامة المواطنين من المخلفات الصناعية للطاقة النووية التي تستعمل في الصناعات المتطورة وتستغل طاقتها كبديل أكثر قوة من الطاقة العادية، وهو ما نتج عنه كوارث بيئية في عدد الدول. كان مرابط، طبيبا، يجول العالم ببذلته وقناعه، ممثلا للوكالة للحد من تلك الآفات. واحتفل به المغاربة، ليفتخر به أهل تاونات وقراها المحيطة على الخصوص، لأنه عاد كأي طائر مهاجر، لينخرط بكفاءته في الصالح العام بالمغرب، ثم العالم.
سلوى رشدان.. من مراكش إلى «ناسا»
ولجت سلوى رشدان عالم «ناسا» من خلال مختبر تابع للوكالة. تشكل هذه الفتاة التي أتمت دراستها الجامعية في الدار البيضاء، استثناء حقيقيا في البروفايلات التي اشتهرت بالعمل داخل الوكالة. إذ أن تكوينها منذ الابتدائي حتى الدكتوراه في تخصصها، حصلت عليها في الدار البيضاء، هنا في المغرب، ولم تغادر صوب وكالة الفضاء إلا بعد حصولها على الدكتوراه.
حتى أن اسمها راج بقوة خلال السنوات الأخيرة خلال معركة الدفاع عن المدرسة العمومية، وقدمت كدليل ونموذج قوي على جدوى المدرسة العمومية المغربية وقدرتها على صقل موهبة شابة بذهن متقد. كانت هذه الفتاة المراكشية، وهي تخطو أولى خطواتها في البحث العلمي بجامعة القاضي عياض بمراكش، قد حصلت على الإجازة سنة 2006، لتتجه نحو التخصص العلمي المعمق، وتفتح أبوابا لم يكن أعتى الأساتذة الذين أشرفوا عليها، قد فكروا في سبر أسراره. كان أساتذتها يُدركون جيدا أن ابنة القاضي عياض، أو حفيدته على الأصح، سيكون لها شأن كبير في المستقبل. وجاء فعلا هذا المستقبل على شكل فرصة في الولايات المتحدة الأمريكية، وبالضبط في مختبر من مختبرات وكالة ناسا الدولية، يركز على أبحاث لصالح وكالة الفضاء، هو نفسه تخصص الشابة سلوى رشدي، خصوصا وأنها حاصلة على الماجستير في المغرب عن بحث معمق في «البيئة وديناميكية التنوع البيولوجي». التغيرات المناخية والأنظمة الفلاحية كانت أيضا داخل مجال تخصصها المعمق، وهو ما أهلها للدخول في برنامج وكالة الفضاء الأمريكية الأقوى في العالم، لتنخرط في برنامج إجراء تجارب على عينات من كواكب أخرى واكتشاف حياة خارج الأرض.
منصف السلاوي.. نجم جديد يطل على «هواتف» المغاربة
رغم أن عمله في مجال علوم المناعة والفيروسات يعود إلى ثمانينيات القرن الماضي، إلا أن منصف السلاوي أصبح اليوم معروفا أكثر من أي وقت مضى، بل واحتل قلوب المغاربة. خصوصا بعد بروز اسمه في الإعلام الأمريكي هذه الأيام كأحد أبرز الوجوه التي حددتها الإدارة الأمريكية في البيت الأبيض للاعتكاف لإيجاد لقاح مناسب يقضي على «كوفيد 19».
بملامحه الهادئة، حاول منصف السلاوي منذ بدء أزمة كورونا العالمية، ومن «محبسه» حيث يلتزم حاليا بالحجر الصحي المنزلي الذي أوصت به منظمة الصحة العالمية.
في محيط مدينة أكادير، حيث أشجار الأركان النادرة، رأى منصف السلاوي النور سنة 1959. عندما اهتزت الأرض تحت أقدام أسرته في زلزال أكادير الشهير سنة 1960، كان هو بالكاد قد جاء إلى الحياة. ترعرع في جو إعادة إعمار المدينة. وبالتالي أصبح ينتمي بشكل تلقائي إلى جيل «الزلزال». بفضل مساره الدراسي المتميز، أحدث منصف السلاوي في نفسه زلزالا آخر، عندما تميّز أكثر من أقرانه في العلوم، وبدا واضحا أنه سيحظى بمسار استثنائي، سواء داخل المغرب أو خارجه. لكن مع من سوف يشارك هذا الطفل السوسي كل هذا الشغف؟ لذلك غادر، شأنه شأن عدد كبير من سكان الجنوب، نحو فرنسا، وهو بالكاد ابن الـ17 ربيعا.
هناك، بدأ مساره العلمي، وبدأت الطريق تتضح أمامه، حتى أنه لم يُمهل نفسه كثيرا في فرنسا، وربما ضاقت عليه بما رحبت، ليتجه صوب بلجيكا حيث زاد من التعمق في تخصص الفيروسات من بوابة البيولوجيا في الجامعة.
خلال مساره الأكاديمي الحافل، كان للقلب حظ وافر، حيث تزوج هناك بمن قاسمته شغف علم الأحياء، واتجه الزوجان إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي احتضنت طموحه الكبير. ليصبح منصف السلاوي عالما متخصصا في علم الأحياء والفيروسات والمخلوقات الدقيقة. وعكس ما يعتقد الكثيرون عن اشتغال منصف السلاوي لصالح الحكومة الأمريكية، فإنه عضو مجلس إدارة شركة لا علاقة لها نهائيا بالدولة، ولديه عضوية شرفية في عدد من الجامعات الدولية المرموقة. ولكي نكون أكثر دقة فإن «السلاوي» يشغل منصب عضو مجلس إدارة شركة التكنولوجيا الحيوية الأمريكية ويشرف على لجنة من الخبراء العالميين داخلها، مكلفا بلجنة البحث والتطوير التي تعد أهم لجان الشركة التي تعمل في مجال الدواء.
اتجهت الأنظار العالمية مؤخرا نحو منصف السلاوي نظرا لأهمية المنصب الذي يشغله داخل الشركة التي يعتبر أبرز المساهمين المعنويين فيها، وآمال الأمريكيين اليوم متجهة نحو فريقه في سياق السباق العالمي لإيجاد لقاح لقتل وباء فيروس كورونا المستجد.
التويجر.. طبيب يزرع الابتسامة بوجوه مرضى السرطان في أمريكا
في سنة 2018، سوف يُتوج الطبيب المغربي كريم التويجر، بجائزة أفضل طبيب في نيويورك. «طوب دكتور أواردس»، وهي الجائزة الفخرية التي تضم لائحة «الانتظار» فيها أبرز الأسماء العالمية في أرقى المصحات والمستشفيات الجامعية والمصحات الخاصة قادمين من كل أنحاء العالم لمعانقة «الحلم الأمريكي». إنها تشبه «نوبل» الطب تماما. أبرز معايير الجائزة، هو التفوق على الأطباء الآخرين وإظهار التميز في العلاج السريري للمرضى واحترام المعايير الطبية للرعاية والابتكار أيضا.
كريم التويجر، قصة نجاح حقيقية انطلقت من الدار البيضاء سنة 1993 عندما تخرج من كلية الحسن الثاني للطب والصيدلة. كانت أجواء تسعينيات القرن الماضي تشكل طفرة جيل الشباب الجديد الذي ملّ من النموذج الفرنسي. وبدل أن يحتفظ لنفسه بحلم صغير يتمثل في فتح عيادة صغيرة في شارع قصي في مدينة تعج بآلاف العيادات، اختار كريم التويجر أن يتجه صوب الولايات المتحدة الأمريكية التي فتحت له أبوابها، باعتباره واحدا من الأدمغة الذين آمنت السفارة الأمريكية في الرباط بملفاتهم، ومنحتهم «التأشيرة السحرية» لكي يلتحقوا بـ «العم سام». التحق فورا بجامعة كنساس التي تخرج منها «فطاحلة» الطب في الولايات المتحدة، حيث تعتبر الدراسة الجامعية إنجازا في حد ذاته.
على مدى 26 سنة، تُوج كريم التويجر بعدد من الجوائز الفخرية داخل الولايات المتحدة الأمريكية، كما احتل لنفسه صفحات محترمة في أرقى المجلات العلمية للطب في الولايات المتحدة، والتي يثق بها الأمريكيون اليوم أكثر من وصفات الدواء، نظرا لمهنيتها وحيادها في تناول ملفات الطب وتحديات الأمراض المستعصية، وأبرزها السرطان. إذ صنفت هذه المجلات العلمية المتخصصة طبيبنا المغربي كأبرز الأطباء في أمريكا، وأكثرهم تجاوبا مع المرضى بسرطان الكلي والمتانة والبروستات، وهي الأنواع الأكثر شيوعا في صفوف الرجال بأمريكا.
أما المسار الأكاديمي، فقد أصبح أكثر غنى عندما حفر كريم اسمه فوق أصلب لوحات الرخام الشرفية التي تعلق في قمة شعار مراكز البحث الجامعية، حيث أصبح طبيبا مقيما في الجامعة التي فتحت له أبوابها لأول مرة، ثم انتقل إلى الجامعة الأشهر «هارفرد» التي يعتبر دخولها لوحده إنجازا كبيرا، بالإضافة إلى جامعات أخرى، هذا دون إغفال مئات المقالات العلمية التي ساهمت كلها في تكريمه بأكبر مدينة في العالم، والتي يحج إليها كل باحث عن إثبات نفسه ويصعب فعلا حجز تذكرة التفوق بها، ولهذا استحق فعلا كريم التويجر أن يكون على رأس قائمة الكفاءات المغربية التي وصلت إلى العالمية.
توفيق الجمالي.. في صدارة مواهب «السيليكون فالي»
جيل السبعينيات في الدار البيضاء، وما أدراك ما بيضاء السبعينيات. كل هذا الزخم الذي راكمه توفيق الجمالي الذي رأى بها النور سنة 1974، وتربى في تلك الأجواء التي لا يخفي حنينه إليها، شأنه شأن الكثيرين من جيله ممن فتحوا أعينهم على سينما الأحياء الشعبية والعلاقات الإنسانية الدافئة بالعاصمة التي جمعت كل انتماءات المغرب وتلاوينه.. كل هذا الزخم ساهم في صناعة شخصية الشاب الذي سطّر لنفسه مستقبلا استثنائيا في مُحيط آخر هو «السيليكون فالي» عاصمة أدمغة العالم وكفاءات الصناعات والأرقام الخيالية الذي تحتضنه الولايات المتحدة.
حجز تذكرة بالسليكون فالي لم يكن سهلا، خصوصا وأن الشاب توفيق الجمالي، الذي درس في المغرب وحصل على باكالوريا مغربية في العلوم التجريبية خلال بداية تسعينيات القرن الماضي. اختار الهجرة، أو ربما هي التي اختارته، ليدرس تخصصا لم يكن متوفرا حينها ولم تكن له شعبية كبيرة في أوساط الشبان المغاربة. وهكذا اتجه صوب روسيا ليدرس هندسة الطيران. عاد إلى المغرب بعد تلك التجربة «الباردة»، ربما لأن الأجواء في روسيا التسعينيات لم تكن تناسب طموحه، خصوصا وأن انهيار الاتحاد السوفياتي كان له أثر كبير على الاقتصاد الروسي.
الغرابة في مسار هذا الشاب الطموح، تتجلى في أنه لم يغير فقط دفة القارب الذي مخر به عباب الصعاب في المغرب، بل غيّر القارب كله وترك خلفه تخصصه وكل شيء، وهاجر إلى كندا مع بداية الألفية الجديدة واختار التعمق في دراسة ما له علاقة بشبكة الانترنت، لـ «يطير» بين تقاطعاتها مدركا أنها بدون شك سوف تكون مستقبل العالم. وتخصص هناك، أي في مونتريال الكندية، في المعاملات الإلكترونية. كانت أمريكا على مرمى حجر منه. أسس رفقة زملاء كنديين شركة متخصصة في خدمات الشبكة سنة 2005، وبعد أن أوصلها إلى القائمة القصيرة لأشهر شركات الخدمة عبر الانترنت، في زمن قياسي غادرها بعد أن أصبح عدد موظفيها بالآلاف، وقرر أن يخوض تجربة أخرى، على الطريقة الأمريكية هذه المرة، ليأتي دور التجربة التي أوصلته الآن إلى العالمية وهي Viralininjas. هذه التجربة التي تقول مؤشرات سوق التعاملات في أمريكا إنها من أبرز المنصات التي يلجأ إليها الباحثون عن الخدمات في السوق الحر، استطاعت ترسيخ بصمتها في مساعدة المستثمرين في الويب على الوصول إلى أكبر عدد من طالبي تلك الخدمات. كان هاجس توفيق على الأمن المعلوماتي وتأمين بيانات مستخدميه، وهي المعركة التي خاضها بنجاح، تُوج بأن أصبح اسمه أحد أشهر الأسماء في الـ «سيليكون فالي»، أو «وادي السيليكون»، بعد أن وصلت الشركة إلى أرقام معاملات بملايين الدولارات.
الدكتورة بلالي.. أنامل مغربية بأول مختبر عالمي أعلن إمكانية إيجاد علاج لكورونا
رغم أن فريق العالم الفرنسي المشهور في علم الأحياء والفيروسات، «ديديي راوول» الذي تحدث عنه العالم أجمع عندما صرح أن علاج فيروس كورونا ممكن وألف كتابا في الموضوع، كانوا جميعا يرتدون كمامات أخفت ملامحهم وهم يلقون التحية على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلا أن «حجابها» كان واضحا لا تخطئه العين في عدد من الصور التي تم تداولها لتلك الزيارة التاريخية. رئيس الدولة أتى بنفسه إلى مختبر البروفيسور الأكثر إثارة للجدل في العالم، بسبب تأليفه كتابا صنف فيه فيروس كورونا كأحد الأوبئة والفيروسات التاجية التي يمكن مواجهتها بعيدا عن الجدل الكبير الذي ذهب فيه علماء آخرون. واستدل بأنه راكم خبرة كبيرة في محاربة الفيروسات منذ ثمانينيات القرن الماضي.
كيف إذن استطاعت الشابة سارة بلالي الالتحاق بفريق الأحلام الذي يشرف عليه واحد من أشهر العلماء في العالم الآن؟
عمرها 27 سنة فقط، لكن تميزها الأكاديمي، أهّلها لكي تكون سيرتها الذاتية مقنعة للبروفيسور راوول. حصلت على ماستر دولي في علوم الصحة من كلية بنمسيك في الدار البيضاء. ولأنها كانت على رأس قائمة الخريجين، فقد تم اختيارها رفقة بعد زملائها، لكي تستفيد من منحة على شكل تدريب في مارسيليا. وهكذا استطاعت الالتحاق بفريق ديديي راوول متدربة في البداية، ثم وضعت أوراقها لمتابعة الدكتوراه بإشراف البروفيسور الأكثر إثارة للجدل في العالم، وهو ما تم فعلا.
وصلت صور سارة بلالي إلى العالم من خلال المقاطع التي تناولتها الوكالات الدولية حول العالم والتي وثقت زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون إلى مختبر «راوول» للوقوف على سير الأبحاث التي تسابق الزمن. وبدا الرئيس الفرنسي متفاجئا وهو يسمع جنسيات الفريق الذي ينحدر أغلب أفراده، من القارة الافريقية، حتى أن الجنسية الفرنسية لم تُسمع بين أعضاء الفريق الذين صاحوا بأسماء بلدانهم إلا مرة واحدة. سوف تدخل سارة بلالي إلى العالمية بدون شك، في حالة ما إذا صحت مزاعم البروفيسور ديديي راوول حول نجاعة نوع محدد من الدواء الموجود سلفا للقضاء نهائيا على فيروس كورونا المستجد. بالنسبة لسارة بلالي فإنها دخلت التاريخ فعلا لكونها استطاعت بنجاح أن تحجز لنفسها تذكرة في الصف الأول لفريق علمي يعتبر من بين أفضل الفرق حتى الآن، ليس في فرنسا وأروبا فقط، لكن في العالم أجمع.
الودغيري.. عالم فضاء أشرف على نزول أول مركبة على المريخ
سُلطت الأضواء على المغربي في وكالة «ناسا» الأمريكية، كمال الودغيري، عندما كان من المشرفين في الوكالة على عملية إنزال أول مركبة في المريخ. تناقلت كبريات الوكالات العالمية والمجلات العلمية المتخصصة اسمه، باعتباره أحد الذين هندسوا لذلك الهبوط الناجح الذي دخل التاريخ.
«الحلم الأمريكي»، كان يعني للسيد كمال الودغيري، وكالة الفضاء الأمريكية. وليس بطاقات الائتمان والسيارة الفارهة كما هو شأن مغاربة كثر هاجروا إلى بلاد العم سام في ثمانينيات القرن الماضي.
لوس أنجلوس، كانت هي وجهته الأولى، ولا شك أن شساعة أرضها وشمسها الحارقة، كانتا تذكرانه كثيرا بأصوله المغربية. لم يكن سهلا ولوج وكالة الفضاء الدولية. ففي سنة 1993، استطاع بعد منافسة شرسة جدا مع عدد كبير من الشبان أمثاله من العالم، الوصول إلى قائمة لا تتجاوز ستة أفراد فقط، من أصل 5000 مرشح مثلوا نخبة الشبان المتألقين في مجال البحث العلمي والهندسة وعلوم الفضاء.
كان الأمر يتعلق بمختبر مشروعه الأساس هو صناعة دفع نفاث للصواريخ التي تعتمدها «ناسا». أي أن المختبر كان تابعا لوكالة الفضاء الدولية التي حلم الودغيري بدخولها وارتداء البذلة التي تحمل شعار الوكالة الأكثر إغراء في العالم.
«صفوة الصفوة»، هي الترجمة الأدق للعبارة الأمريكية الشهيرة التي تصف بلتخيص مميزات الشبان الذين تختارهم وكالة الفضاء الأمريكية عبر فروعها في عموم الولايات المتحدة، للانضمام إلى فرقها المتخصصة في صناعة الصواريخ والمحركات النفاثة التي تزود بها المركبات الفضائية وهندسة طريقة هبوطها على الكواكب والأقمار، لإنجاز الأبحاث العلمية في مجال الفضاء.
تدرج الشاب الودغيري كثيرا ليصل إلى عضوية اللجنة المصغرة التي بثت في التخطيط لإنزال أول مركبة على سطح المريخ. إذ كانت مهمته الأشهر هي الإشراف على متابعة الإشارات التي يبثها «روفر كوريوسيتي» خلال عملية نزوله على سطح المريخ، وهي المهمة التي تنافس عليها عدد كبير من خيرة مهندسي الوكالة نظرا لأهميتها العلمية والتاريخية، ليحصدها في الأخير الشاب «الهادئ» الذي أوصله طموحه إلى «ناسا» ودخل التاريخ مع قائمة من الأسماء التي كانت وراء نجاح أبرز حدث كوني خلال القرن الحادي والعشرين، وهو إنزال مركبة فضائية بنجاح فوق سطح كوكب المريخ، الذي كان اسمه دائما كناية عن «البُعد» الشاسع عن الأرض. معلومة أخيرة عن كمال كما أوردتها عنه صحيفة إل إي توداي» أنه خجول ويبتعد ما أمكن عن الأضواء والصور.
أشرف دحماني.. من آسفي إلى «السيليكون فالي»
بدا واضحا أن سكان مدينة آسفي الأصليين يعرفون ابنها جيدا. من خلال استطلاع قصير أجراه مدون من أبناء المدينة، اكتشف من خلاله أن جل العائلات في آسفي تعتبر المهندس أشرف الدحماني، قصة نجاح تحث أبناءها على تقليد مساره الذي أوصله إلى أحد المواقع الأكثر شهرة، والذي يوجد مقره بالسيليكون فالي، معقل ريادة الأعمال في الولايات المتحدة الأمريكية والعالم.
وصل أشرف دحماني إلى مراكز مشرفة في السباق على ريادة عالم الأعمال في الشبكة العنكبوتية وهو بالكاد لم يكمل عقده الثاني. تحت سماء آسفي، سنة 1993 تمشى أشرف على مهل مستكشفا الحياة حوله، والتي بدأت بالأحرى كولادة ثانية له عندما تعرف لأول مرة على جهاز الكومبيوتر. ولأن عالم الحواسيب والأنترنت كان طفرة حقيقية في المغرب لم تتفجر في أوساط الشباب في الألفية الجديدة، إلا أن هندسة البرمجيات سطت على كيانه بالكامل، ليقرر متابعة دراسته العليا بعد حصوله على الباكلوريا في المغرب سنة 2011، كأحد أمثلة فخر المدرسة العمومية المغربية، ويلتحق بفرنسا في نفس السنة لدراسة الهندسة المعلوماتية الصناعية.
بدأ تأسيس مستقبله بإطلاق محاولات، منذ أن كان في آسفي، لهندسة تطبيقات ذكية متخصصة، سهلت له ولوج سوق الشغل في ما بعدُ، حتى أن شركات عملاقة في المجال تواصلت معه بخصوص بعض التطبيقات الذكية التي استطاع تطويرها خصوصا منها التي تتعلق بخدمات الأجهزة الالكترونية والتحكم فيها عن طريق الشبكة.
هذا النجاح تعزز أكثر بوصوله إلى موقع Verbling، إحدى أبرز الشركات العالمية على الإطلاق في مجال خدمات الشبكة، والتي تستحوذ لوحدها على ملايير الدولارات في عاصمة ريادة الأعمال عبر العالم، والتي تستقطب خيرة المهندسين الشباب من دول العالم أجمع، ليكون أشرف أحد هؤلاء بطبيعة الحال.
رشيد اليزمي.. مخترع بطارية الليثيوم الذي مكّن العالمَ من حمل الهواتف الذكية
وصل رشيد اليزمي، ابن نواحي مدينة فاس إلى العالمية عندما تمكن من تطوير مكونات البطاريات، وتوصل إلى اختراع بطارية الليثيوم التي تستعمل اليوم في كل الأجهزة الذكية بدءا من الهواتف الذكية وصولا إلى الحواسيب اللوحية والجيل الجديد من آخر صيحات الحواسيب والساعات الذكية وثورة أجهزة التطبيقات القابلة للتحديث، والتي تعمل كلها ببطارية «اليزمي» القابلة طبعا لإعادة الشحن.
فكما هو معروف، فإن البطاريات التقليدية التي كانت تستعمل في الأجهزة الإلكترونية والهواتف القديمة، رغم أنها كانت أيضا قابلة للشحن، إلا أنها لم تكن تواكب مميزات الهواتف الحديثة والأجهزة المتطورة مثل ما تقدمه بطارية الليثيوم التي طورها اليزمي.
لولا رشيد اليزمي لما كان كل هذا ممكنا. فبراءة الاختراع التي يتوفر عليها تسجل بطارية الليثيوم باسمه، ليستحق فعلا أن يُخلد اسمه في التاريخ.
في سنة 2014 فاز بجائزة تشارلز درابر التي تمنحها الأكاديمية الوطنية للهندسة في واشنطن، وهي حلم كل عالم في مجال علم المواد.
لكن اسم اليزمي أصبح معروفا أكثر عندما أثير اسمه عالميا بعد تتويج ثلاثة من زملائه شاركوا معه في تطوير بطارية الليثيوم لكن تم إقصاؤه هو رغم أنه كان مشرفا على العملية وتمت بتوجيه منه. وتحدثت أوساط عربية عن إقصاء عنصري للعالم المغربي الذي بدأ مساره بكفاح منقطع النظير من المغرب أوصله بداية إلى فرنسا التي استكمل فيها دراسته العليا، ومنها انطلق إلى العالمية. وفي سنة 2014 فقط، تم تعيينه كعضو شرفي في أكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتكنولوجيا بعد توشيحه بوسام ملكي اعترافا بمجهوداته، ووسام سام في فرنسا أيضا.
عدنان رمّال.. رجل مختبرات انتزع أكثر الجوائز العلمية رقيا من يد الأوربيين
ينتمي هذا المخترع المعروف في الأوساط العلمية بفرنسا وأوربا والولايات المتحدة، إلى جيل الاستقلال. فقد رأى النور في نواحي فاس سنة 1962. ويمكن اعتباره مكافحا من الدرجة الأولى، إذ رغم الصعوبات التي كانت تعرفها البلاد في فترة السبعينيات وبداية الثمانينيات، إلا أنه استطاع بشهادة الدكتوراه التي حازها في المغرب من جامعة فاس، ويعمل لفترة أستاذا جامعيا في جامعة فاس للعلوم، أن يُنافس بها في الخارج ويكمل تخصصه العلمي في أوساط أكثر تعقيدا، بل وينافس علماء وجامعيين جاؤوا من جامعات مرموقة دولية.
عمل على مشروع البيوتكنولوجيا وأسس مختبرا يضم جنسيات مختلفة، ولم يكن سهلا أن يكتمل المشروع وتجتمع كلمة مخترعين وعلماء بالإجماع على تسليمه دفة القيادة، لولا كفاءته التي برزت عاليا سنة 2017 بفوزه بجائزة «المخترع» الأوربي التي تتنافس عليها تمثيليات علمية من كل الدول الأوربية ببراءة اختراعات يصل عددها إلى مئات المواضيع البالغة الأهمية في مجالات العلوم. فاز عدنان رمال بهذه الجائزة المرموقة باختراعه لعقار معزز بمضادات حيوية اعتمادا على زيوت طبيعية.
بقيت فاس، والمغرب عموما، يسكنان عدنان، فقد صرح للصحافة بعد فوزه بالجائزة إن البحث العلمي الذي ينطلق من حاجات الشعوب واحتياجاتها هو الحل الوحيد لكل مشاكل التنمية.
ظل أيضا مسكونا بالمختبرات، فبعد بداية حلمه بتأسيس مختبر علمي بجامعة فاس التي انطلق منها نحو العالمية بتعاونه مع مختبرات عالمية مرموقة جدا، لم يتخل عن فكرة دعم المختبر الأول الذي انطلق منه، ولا يزال على اتصال بعدد من الجامعيين المغاربة الذين احتك بهم في بداية مساره، أو الحاليين الذين يريدون الاقتداء به.