نكبات "كارد كورات" الملوك.. من رايمون ساسيا إلى المديوري
مع
يلف الغموض عالم الحراس الشخصيين للملوك، وتتربص الدسائس بمهنة تجعل صاحبها الأقرب إلى مربع الوجاهة ويحظى بالشهرة والمكانة الاعتبارية الخاصة في سلم السلطة. صحيح أن هذه الفئة تخضع لمنظومة أمنية دقيقة يضيق فيها هامش الخطأ، إلا أنه كلما أصبح الخطأ ممنوعا إلا وارتفع مؤشر الضغط وأضحت أنصاف الهفوات أخطاء مهنية تستحق التوقيف وبالتالي الاختفاء بعيدا عن ضوء التحركات الملكية.
يعتبر الحارس الشخصي أول مرتبة أمنية في تحركات الملك، والحاصلون على هذه الحظوة يفترض توفرهم على أعلى درجات اليقظة، فضلا عن معايير أخرى تتعلق بالبنية الجسمية والقدرة الخارقة على تنظيم التحركات ناهيك عن الرؤية السديدة والرماية الجيدة ورد الفعل السريع وأشياء أخرى منها ما هو مهاري وما قد يكتسب في الدورات التأهيلية بالمعهد الملكي للشرطة. فلا يتدخل أحد في مهمته، ويتقاضى مرتباً عالياً.
إن مهمة حماية الزعماء أمر في غاية التعقيد، لأن الحارس الشخصي يتحول إلى ظل للملك، وينال شعبية واسعة وتسلط عليه أضواء الإعلام التي تترصد تحركاته وتحولها إلى مادة خبرية مثيرة، خاصة في تعامله مع المواقف التي يتعرض لها.
ولأنهم الأقرب إلى المحيط الملكي، فإن ظهورهم أو غيابهم عن المناسبات الرسمية بجانب أفراد الأسرة الملكية الموكولين بمرافقتهم، يكفي للنبش في أسباب الغياب وربطها بهفوات تمخضت عنها غضبات ملكية، إلا أن المتأمل في قصص «كارد كورات» الملوك الثلاثة سيقف عند ألغاز الإعفاءات وأسرار الصعود والنزول في سلم الشهرة.
في ملفها الأسبوعي نتوقف عند حراس الملوك لتعيد ترتيب مسارهم المهني من بدايته إلى نهايته، والتوقف عند مجموعة ألغاز طبعت مسارهم المهني.
جمعة الرعب تعيد حارس الحسن الثاني إلى الواجهة
شغل محمد المديوري وسائل الإعلام بعد نجاته مما وصفها في شكايته لدى مصالح الأمن بـ «محاولة اغتيال» أثناء توجهه لأداء صلاة الجمعة قبل أسبوع، وهي الواقعة التي أعادت الحارس الشخصي للملك الحسن الثاني إلى الواجهة بعد سنوات قضاها بعيدا عن الأضواء.
ولد محمد المديوري في 8 أبريل 1938 بمراكش، وتدرج في سلك الأمن الوطني من حارس أمن إلى أن انتهى به المسار المهني رئيسا للأمن الخاص للملك الحسن الثاني لما يفوق ربع قرن من الزمن وكان لا يفارق الراحل في حله وترحاله.
اشتغل في بداية حياته المهنية شرطيا في مراكش وآزمور قبل أن يركب سلم الوجاهة ويتحول إلى مسؤول عن أمن الملك الحسن الثاني، كما تقلد عدة مسؤوليات رياضية، حيث عين رئيسا للجامعة الملكية المغربية لألعاب القوى، ورئيسا للمكتب المديري للكوكب المراكشي لكرة القدم.
على امتداد مساره المهني، اعتمد الرجل على الحاج تمام رئيس جامعة التيكواندو في صناعة جيل من حراس الأسرة الملكية، وحين غادر منصبه بعد وفاة الحسن الثاني، خلف حراس أمن واعدين اعتمدهم الملك الحالي محمد السادس في تأمين سلامته، وعلى رأسهم رباعي المربع الأمني مقتبل وفكري والجعايدي.
يبلغ المديوري من الكبر عتيا، فقد تجاوز الثمانين من العمر، لكنه ظل يستمتع بجلسات مع قدماء الكوكب المراكشي كلما حل بمسقط رأسه، قبل أن تسلط الأضواء عليه في حادثة صنفت في خانة الألغاز.
تعرض محمد المديوري، مرفوقا بسائقه، لمحاولة اغتيال بواسطة سلاح ناري، ظهر يوم الجمعة 17 ماي 2019 بالقرب من مسجد الأنوار بشارع علال الفاسي بمراكش، من طرف سبعة أشخاص كانوا راكبين سيارتين، ثلاثة منهم كانوا يحملون أسلحة نارية، حسب ما أوردته مصادر إعلامية.
وحسب المصادر ذاتها، فأثناء نزول المسؤول الأمني السابق من سيارته قاصدا المسجد، قام أحد المعتدين بتصويب مسدس على عنقه، ولولا أن المديوري لديه خبرة في التعامل مع هذه المواقف للقي حتفه، تضيف المصادر ذاتها التي أكدت أن المعني بالأمر نجا من موت محقق.
وعند محاولة سائقه التدخل، تلقى ضربات أسفرت عن جروح بالغة من طرف المعتدين قبل أن يلوذوا بالفرار، ويفتح تحقيق من طرف السلطات الأمنية من أجل التعرف على هوية المجرمين وتحديد أسباب الهجوم وسط تكتم أمني شديد.
والد حسن الشراط يؤم الملك محمد السادس في أمسية دينية
في رحلة الملك محمد السادس إلى إحدى الدول الإفريقية، لاحظ المتتبعون للجولة وجود وجه جديد ضمن طاقم الحراسة المرافق للملك محمد السادس، بعد استبدال الحارس السابق عزيز الجعايدي بحارس شخصي آخر جديد يدعى حسن الشراط. وأوضحت التحريات الأولى أن العنصر الجديد طنجاوي الانتماء حيث شغل منصب عميد إقليمي للشرطة. الحارس الشخصي للملك ينحدر من أسرة عريقة بمدينة طنجة، حيث إن والده أحمد الشراط يعد من كبار علماء عاصمة البوغاز والشمال، وسبق أن اشتغل في ميدان التعليم كأستاذ في مؤسسة أبي العباس السبتي، بالإضافة إلى اشتغاله إلى حين وفاته كخطيب بالمسجد الأعظم بمدينة طنجة.
ومن المفارقات الغريبة في حياة الشراط أن والده سبق أن ألقى سلسلة من الخطب والدروس بين يدي الملك محمد السادس خلال وجوده بمدينة طنجة، بالإضافة إلى ختمه لصحيح البخاري في ليلة القدر التي أحياها الملك بنفس المدينة قبل سبع سنوات.
لكن دخول دائرة الحماية الشخصية للملك بها مخاطرها، فقد توارى الشراط عن الأنظار، بعد أن صعد في سلم الوجاهة وأصبح يحتل منصب مراقب عام للأمن حصل عليها في إطار ترقية استثنائية، بسبب هفوة مهنية كلفته غاليا، بعد ارتكابه خطأ في البروتوكول الملكي أثناء مرافقته للملك في زيارته للإمارات العربية المتحدة.
مباشرة بعد اختفاء اسم الحارس الشخصي الشراط عن الأنظار، تسربت بعد الأخبار تفيد بأن الرجل المعروف بتكتمه الشديد، قد أحيل على مديرية الموارد البشرية بالإدارة العامة للأمن، وظل يحضر باستمرار إلى مصالح المديرية لممارسة مهام أخرى.
الجعايدي.. من لاعب كرة سلة إلى «كاردكور» للملك
نشأ عزيز الجعايدي في حي شعبي بمراكش من بين أكثر الأحياء فقرا هو حي سيدي يوسف بن على، وكان والده موظفا في إدارة المياه والغابات. وتلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي ثم الثانوي في الحي نفسه، قبل أن ينضم إلى جمعية لفنون الحرب، لكن رفاق دربه نصحوه بممارسة كرة السلة، نظرا لقامته الطويلة التي تمكنه من التألق في هذا النوع الرياضي، لذا استبدل فنون الحرب بالتوقيع لفريق كرة السلة بنادي الكوكب المراكشي، ومن المصادفات الغريبة أن يكون رئيس المكتب المديري للكوكب محمد المديوري هو رئيس الأمن الخاص للحسن الثاني.
لم يفرط الجعايدي في مساره الدراسي وحاول التوفيق بين الدراسة والرياضة، وحين نال شهادة الباكالوريا شعبة العلوم التجريبية بميزة، اختار استكمال تعليمه العالي في كلية العلوم شعبة الجيولوجيا والبيولوجيا. وبعد قضائه سنتين بالكلية، اجتاز مباراة لضباط الشرطة، ليجد نفسه يغير مدرجات جامعته ومناهج تعليمه بمناهج مختلفة وتعليم مختلف بالمعهد الملكي للشرطة بالقنيطرة. وعند اقتراب نهاية تدريبه بالمعهد نودي عليه من قبل مديره، ليتم إشعاره بأنه سينضم إلى مديرية أمن القصور الملكية.
انضم الجعايدي إلى طاقم حراس الملك الراحل الحسن الثاني، لكن وبعد اقترافه لأخطاء تحول إلى حراسة ولي العهد، وبعد وفاة الحسن الثاني، سيجد نفسه حارسا شخصيا للملك محمد السادس ابتداء من صيف 1999.
ظلت أخبار الهفوات تتعقب الجعايدي، حيث تتداول بين الفينة والأخرى تعرضه لعقوبات تأديبية، وصلت حد إعادته إلى المعهد للخضوع لتدريب إضافي. وتحدثت مصادر عديدة عن خطأ جسيم ارتكبه الجعايدي أثناء زيارة للملك محمد السادس لمدينة العيون، مضيفة أنه لم يتم الإفصاح عن نوعية هذا الخطأ الذي أثار غضب الملك، قبل أن تؤكد أخبار أخرى أن الجعايدي في إجازة مرضية فاقت كل التوقعات، مشيرة إلى ظهوره وهو يتكئ على عكاز طبي بعد إصابته على مستوى أطرافه السفلى.
خالد فكري.. ابن رئيس الخفر الملكي يصبح حارسا للملك
لم يكن خالد فكري يظن في يوم من الأيام أنه سيتقلد منصب الحارس الشخصي للملك محمد السادس، غير أن مدير الأمن السابق محمد المديوري كان له الفضل في ولوج هذا الأخير بوابة القصر الملكي، وقد تم إخضاع خالد فكري لتدريب أمني صارم بمدرسة الشرطة بسلا، حيث قضى شهورا عديدة هناك دون أن يعلم أن الحاج المديوري كان قد قرر إدماجه رفقة الحارس عزيز الجعايدي في جهاز الحرس الشخصي لولي العهد بعد أن أظهر قدرات ومهارات كبيرة، قبل أن ينتقل إلى مصلحة الأمن الخاص بدار السلام بالرباط للخضوع إلى تداريب خاصة.
لم يكن خالد غريبا عن محيط القصر، فوالده الكولونيل صالح فكري، كان يرأس فرقة للخفر الملكي قبل حصوله على التقاعد، وهو ما جعل ابنه عارفا بأدق تفاصيل مهمة ترتبط بالملك
حين التحق خالد بأمن القصور، ظل يحظى بثقة الملك محمد السادس منذ أن كان وليا للعهد، وأشرف على خلية جمع المعلومات والمعطيات التي تعمل بتنسيق مع المسؤولين الأمنيين للحصول على كل المعلومات الدقيقة حول المدينة التي سيحل بها الملك.
ظل هاجس تنمية قدراته الفكرية يشغله، إلى أن حصل على المرتبة الأولى في الدفعة الأولى لماستر في شعبة العلوم الأمنية وتدبير المخاطر بجامعة سطات، وهي الشهادة التي أعادته إلى الأضواء لتزامنها مع إبعاد زميله عزيز الجعايدي من محيط حراسة الملك، بعد تكاثر الهفوات.
على غرار زملائه لم ينج فكري من العقاب، حيث تم إرساله لقضاء 15 يوما في إعادة التدريب بالمعهد الملكي للشرطة بالقنيطرة بعد أن ضبط يتحدث في هاتفه النقال بباحة القصر الملكي بمدينة فاس أثناء حفل الولاء، لكن رسالة استعطاف رفعها فكري إلى الملك والمحيط الملكي أعادته إلى مزاولة مهامه.
وأبعد الملك محمد السادس مرة أخرى حارسه الشخصي خالد فكري بسبب خطأ ارتكبه خلال درس رمضاني ترأسه الملك، حتى قيل إن شهر رمضان ظل مرتبطا بنكبات فكري.
مدير القصور يدخل السجن في رمضان ويغادره في عيد المولد النبوي
دخل مدير القصور الملكية عبد العزيز إيزو، السجن في الأيام الأخيرة من شهر رمضان بعد إدانته بتهمة بالاتجار في المخدرات، وفي الشهر الكريم بعدما سقطت في طريقه الكثير من الأسماء سنوات على تولي الملك محمد السادس الحكم.
عاش الرجل مفارقات غريبة وهو في السجن، حيث قدر له أن يقضي أعياده حزينا رافضا زيارة المقربين، للمركب السجني عكاشة، الذي ظل معتقلا به من رمضان سنة 2006، إلى عيد المولد النبوي سنة 2008، حيث غادر إيزو السجن عقب صدور قرار قضائي يقضي بإدانته بعقوبة مدتها سنة ونصف سجنا وبستة أشهر موقوفة التنفيذ. وخلفت الأحكام الصادرة في حق المتابعين في ملف الشريف بين الويدان، المتهم بالاتجار الدولي في المخدرات، والذي جرت تصريحاته مدير أمن القصور إلى المساءلة والاعتقال.
وكان اعتقال عبد العزيز إيزو، مدير أمن القصور والإقامات الملكية السابق، ووالي أمن طنجة سابقا، المشتبه في تورطه في قضية الاتجار الدولي في المخدرات إلى جانب الشريف بين الويدان ومسؤولين في الدرك والأمن والقوات المساعدة.
الحارس الشخصي لضيوف الملك يموت رميا بالرصاص
نجا عبد الله السعيدي من الموت مرارا، خاصة حين كان يمارس مهنة الحراسة الشخصية لكبار الزعماء، إذ تعرض لأكثر من محنة صنفت في خانة مخاطر المهنة، خاصة حين كان يعمل حارسا شخصيا لأبرز الشخصيات السياسية العالمية، من قبيل خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله، والرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك أثناء زياراتهم الخاصة للمغرب.
لكن سر مقتل أحد الحراس الشخصيين للملك محمد السادس ظل لغزا محيرا، فالموت لم يداهم عميد الأمن الممتاز عبد الله سليم السعيدي، بل أنهى حياة رجل يعيش في المحيط الملكي، وكان مقبلا على الحياة حيث ظل يجالس الفنانين في مقهى قبالة مسرح محمد الخامس.
في شهر يوليوز 2011، تعرض الرجل لاعتداء داخل شقته من طرف شخصين، ونقل على الفور إلى قسم المستعجلات بين الحياة والموت إثر إصابته بطلقات نارية في بطنه. وظهر من خلال البحث الأولي أن الهدف من المداهمة هو السرقة، قبل أن يستبعد المحققون هذه الفرضية، بل ترددت في كواليس المستشفى إشاعة تفيد بأن السعيدي أطلق الرصاص على نفسه، فيما تتساءل مصادر أخرى عن سبب فشل الأجهزة الأمنية في الوصول بسرعة إلى مكان المعتدي الثاني الذي فر نحو وجهة غير معلومة، علما أنه على بعد أمتار قليلة من جناح الإنعاش الذي كان يرقد فيه الراحل السعيدي، كان يوجد سرير الشخص المتهم بـإطلاق النار عليه، ويتعلق الأمر بشاب ينحدر من حي العكاري، وهو من أصحاب السوابق الإجرامية.
لفظ الرجل أنفاسه ذات صباح وشيعت جنازته في موكب كبير حضرته شخصيات أمنية بارزة، فضلاً عن أفراد أسرة الراحل والعديد من المشيعين، بل سجل حضور بعض أعضاء السفارة السعودية الذين كان وجها مألوفا لديهم.
مات السعيدي وعمره يزيد عن 48 سنة، مات عازبا وهو الذين كان يرد على سؤال إنهاء العزوبية بالقول: «سأتزوج حين أستقر»، لذا تبين أنه نسي حياته الخاصة وأعلن تفرغه لخفر الشخصيات لما تتطلبه مهنته من تضحيات جسيمة في الجهد والوقت.
ذهبت بعض الفرضيات خلال التحقيق الأمني إلى وجود ثأر قديم ناتج عن محاولة تصفية حساب قديم بين الحارس الشخصي وبين تاجر مخدرات، كان السعيدي السبب في اعتقاله وسجنه لعشر سنوات قضاها وراء القضبان، حين كان يعمل في سلك الأمن بإحدى المدن شمال البلاد.
كبير الرماة رايمون ساسيا.. هدية فرنسا للحسن الثاني بعد انقلاب الصخيرات
في مذكراته، يخصص رايمون ساسيا، أحد أقطاب الحرس الخاص للحسن الثاني، جزءا من صفحاتها لمهامه الأمنية في المغرب، «في خدمة صاحب الجلالة»، حيث رصد بعض الجوانب الخفية لعمله ضمن حرس الملك في فترة عصيبة من تاريخ المغرب، بعد أن ظل هذا المخبر، الذي قضى ثمانية وعشرين سنة في خدمة الملك الراحل الحسن الثاني، خصص لها أربعين صفحة في كتابه.
حل هذا الرجل بالمغرب بتوصية من الرئيس الفرنسي، الذي اختار للحسن الثاني عسكريا من الأمن الاستخباراتي محنكا في الرماية خبيرا في تنظيم حراسة الرؤساء والملوك، وصل إلى الدار البيضاء في 11 يوليوز 1971 بعيد المحاولة الفاشلة لانقلاب الصخيرات وغادر الرباط في 23 يوليوز 1999 بعد انتهاء مراسيم جنازة الحسن الثاني.
بعد مرور يومين على المحاولة الانقلابية للصخيرات، تلقى رايمون مكالمة هاتفية تدعوه للحضور على وجه السرعة إلى أحد فنادق باريس، هناك التقى جاك شابان ديلماس الوزير الأول الفرنسي الذي أخبره بمهمته الجديدة كحارس للحسن الثاني.
كانت مهمته هي حراسة الملك وتعليم الخفر الملكي فن الرماية، اعتبر الرجل هدية من فرنسا للحسن الثاني، وظل على امتداد مساره المهني مرافقا للملك، رغم وجود أوفقير والدليمي والمديوري، وعاش رعب الهجوم على طائرة الملك في السماء سنة 1972، وحين وضع سيناريو هروب الملك من مطار سلا على متن سيارة صغيرة ونجح في نجاته من كمين الانقلابيين حصل على هدية من الحسن الثاني عبارة عن سيارة فارهة، بعد أن عرض حياته للخطر.
بعد شفائه استقبله الملك بحرارة وقال له: «هربنا في السيارة الصغيرة ولكنني أفضل منذ الآن أن تنتقل في سيارة أكثر راحة، سأخصص لك سيارة «بي إم دبليو» بسائق لنقاهتك وتنقلاتك في المملكة كما أنني أود أن تستقر هنا بالمغرب».
بعد المحاولة الانقلابية، توصل المسؤول الأمني بهدية أخرى، فقد أبلغه المدير العام للشرطة الفرنسية، قرار تعيينه عميدا ممتازا بصفة استثنائية تقديرا للتصرف الشجاع في مهمته وفي المغرب كانت له صفة والي أمن.
نزوة التمرد تنتاب المذبوح كبير حراس الحسن الثاني
لم يكن الجنرال محمد المذبوح مجرد رئيس القطب الدفاعي للملك، بل كان أكثر الضباط قربا من الحسن الثاني الذي فتح له أبواب الجاه إلا أنه لم يكن يسعى إلى ذلك، إذ كشفت زوجته زوليخة أمزيان أن المذبوح ظل يرفض «إكراميات» الملك. وحسب شهادة أوردها عبد الحق التازي، فإن «الحسن الثاني كان يعطي المذبوح في كل مناسبة أغلفة مالية مهمة. ولاحقا، عرفت أن المذبوح لم يكن يفتح تلك الأظرفة بل كان يضعها في خزنة حديدية في بيته، وقد تم العثور عليها مغلقة بعد مقتله، وهو ما يعني أن المذبوح لم يكن راضيا بتلك الإكراميات».
كان الرجل يعبر لزوجته عن عدم رضاه على الفساد المستشري في دواليب السلطة، وحين عينه الحسن الثاني وزيرا للبريد والتلغراف والتيلفون، غضب أشد الغضب واعتقد أن وضعه في منصب مدني هو إجراء تأديبي، أبعده عن محيط الملك، طلب الجنرال إجازة لمدة شهرين بدعوى المرض وانزوى في بيته، «وهكذا تسللت فكرة الانقلاب إلى ذهنه».
في 9 يوليوز 1971، بلغ إلى مسامع زوليخة تورط زوجها في انقلاب الصخيرات، لم تتقبل الخبر الصادم وانهارت لتدخل في غيبوبة، قتل زوجها برصاص صديقه امحمد عبابو لاختلافهما حول «تكتيك» الاستيلاء على السلطة، حتى لو نجا بجلده، ولم يقتل على يد شريكه في التخطيط للانقلاب.
دعيت أرملته لتقديم شهادتها أمام المحكمة، في قضية الانقلاب، لكنها فاجأت هيئة القضاء والدفاع، حين صرحت أن مؤامرة الانقلاب كانت مدبرة قبل ذلك اليوم وتحديدا في 14 ماي بمدينة الحاجب، لكن سوء أحوال الطقس جعل المذبوح يأمر اعبابو بتأجيل الأمر إلى مرة لاحقة.
قال الحسن الثاني في حوار عقب الانقلاب، وهو يتحدث عن المذبوح: «أدركت أنه متورط في المحاولة عندما شرع التلاميذ الضباط في إطلاق النار، توجهت إلى جانب آخر بالقصر صحبة بعض المقربين. وهناك أخذ المذبوح بيدي قائلا: تعال معي، يجب أن أنقذكم، لذا يتعين أن نذهب لرؤية اعبابو. فأجبته قائلا: لا، لن أتفاوض مع ضابط تحت إمرتي، فابعث إلى اعبابو ليأتي إذا أردت، أما أنا فلن أخرج من هنا». هنا انتهت قصة هذا الجنرال الذي كان والده قائدا قبل أن يذبح من طرف أهل الريف بعد أن كان على علاقة مع الإسبان ومن تم التصق به هذا الاسم.
أوفقير.. نهاية درامية للحارس على أمن المل
في لحظة ضعف مثيرة سيقول الحسن الثاني للرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران، دون تردد: «لقد كنت أغمض عيني عارفا أن عيني أوفقير مفتوحتان.. وكنت أنام الليل مطمئنا إلى أنه سهران.. ثم تآمر علي أوفقير ثلاث مرات على الأقل وكاد يقتلني لولا أن حماني الله».
لقد حضر الحسن الثاني عملية إعدام أوفقير بنفسه، ورغم أن المسؤولية اضطلع بها بعده الدليمي، إلا أن مصيره لم يختلف عن مصير رئيسه، الذي توفي في حادثة سير ظلت غامضة.
ظل الجنرال محمد أوفقير رجل ثقة الحسن الثاني. بل إنه لعب أكثر من دور سياسي، لذلك سيضطر الحسن الثاني ليتخلى عن كثير سلطاته ويضعها بيد جنراله الدموي أوفقير مباشرة بعد انقلاب الصخيرات صيف 1971 بالصخيرات، قبل أن يكتشف أن أوفقير هو واحد ممن رسموا الخطوط العريضة لهذا الانقلاب، ولانقلابات أخرى.
وقد ظل الحسن الثاني يعتقد، حد الجزم، أن الانقلاب الذي قاده محمد أوفقير وزير داخليته في الصخيرات، كان بتخطيط مصري ومشاركة ضمنية من جمال عبد الناصر، وبعض المقربين منه، لذلك كتب الملك الراحل في «ذاكرة ملك» أن محمد حسنين هيكل، أحد الصحافيين المقربين جدا من الرئيس المصري، ساند انقلاب أوفقير وذلك من خلال علمه المسبق بتدبيره. ومن الأدلة التي قدمها الحسن الثاني في كتابه، مذكراته، هي تلك الطريقة التي غطت بها جريدة الأهرام المصرية الحدث، حيث كان هيكل يرأس تحريرها.
وأضاف الملك، في محاولة لتثبيت التهمة على عبد الناصر والمقربين منه، أن أحد المتآمرين في انقلاب الصخيرات اعترف بأن أوفقير كان ينوي بعد نجاح انقلابه أن يبعث إلى هيكل بدعوة لكي يأتي للكتابة عنه، تماما كما كتب عن انقلاب القذافي في ليبيا.
شاء قدر فاطمة أوفقير أن تكون حاضرة بقوة في المحاولة الانقلابية للإطاحة بالحسن الثاني في 16 غشت 1972. كانت في منتجع صيفي في تطوان برفقة صديقات لها، قبل أن تتوصل بمكالمة من زوجها تدعوها إلى العودة إلى الرباط، حينها علمت أن زوجها متهم في قصف الطائرة الملكية، والمشاركة في المحاولة الانقلابية الثانية. وكانت خطة أوفقير ترمي في غضون ذلك إلى استمالة قادة المعارضة الرئيسية، فشرع في إبداء خطوات انفتاح عليها بهدف تغيير صورة الرجل المتورط في اختفاء المعارض المهدي بن بركة، قبل أن ينتهي به الأمر جثة هامدة. وقد نفت الزوجة واقعة انتحاره، وقالت إن أوفقير تعرض للقتل وليس الانتحار، حمل نعشه إلى فيلا السويسي، وأصـر بعض أفراد العائلة على رؤيته، وروى بعضهم أن جسده كان مسجى بكامل ملابسه العسكرية فيما وضعت قبعته العسكرية على صدره إلى جانب نظارته التي تكسر زجاج إحداها بفعل طلقات الرصاص.
بوشعيب.. مقاوم اختاره الحسن الثاني ليحرس والده
كان من بين مشاهير المقاومة في الدار البيضاء. انقطعت أخباره خلال سنوات السبعينات ولم يظهر له أثر، خوفا على حياته، إلا في الثمانينات عندما عاد ليطرق الأبواب في محاولة أولى للعودة إلى المركز الذي كان يشغله حارسا شخصيا للملك الراحل الحسن الثاني.
كان عدد من الوزراء يعرفونه لأنه لم يكن يفارق الملك الراحل محمد الخامس، ثم عرفه كل من رضا اكديرة ومولاي حفيظ العلوي بالإضافة إلى عبد الرحيم بوعبيد، عندما كان بوشعيب الحياوي حارسا شخصيا للحسن الثاني منذ كان وليا للعهد، بالإضافة إلى مرافقة الملك الراحل محمد الخامس في تنقلاته خارج القصر الملكي، حيث يجلس وراء مقود سيارته «بويك».
بدأ بوشعيب الحياوي حياته في الدار البيضاء مباشرة بعد عودته من الفييتنام عندما شارك رفقة الجيش الفرنسي في الحرب العالمية الثانية، وبدل أن يجدد العقد الذي يربطه بفرنسا فضل أن يبقى في الدار البيضاء ويستثمر تجربته العسكرية في مقاومة فرنسا تماما كما رأى الفيتناميين يدافعون عن بلدهم ضد التحركات العسكرية لفرنسا داخله.
كان في الصفوف الأمامية عندما حصل المغرب على الاستقلال سنة 1956، وكان من الذين دخلوا للقاء الملك الراحل محمد الخامس بعد أن توسط لهم امبارك البكاي للحصول على موعد معه لتدارس تسهيل عملية جمع أسلحة المقاومين وتسليمها للجيش، ويتأسس بذلك الجيش الملكي.
كان وقتها الملك الراحل الحسن الثاني، وليا للعهد، يشرف شخصيا على عملية جمع السلاح في الدار البيضاء ونواحيها، ولمح بوشعيب وهو يتنقل بنشاط أمامه لتسهيل مروره بين الأزقة، فاختاره بإشارة من يده لكي يرافقه إلى سيارته التي كان مركونة أمام الساحة التي كانت تجمع فيها الأسلحة. وهكذا كان اللقاء الأول بينهما.
بعد وفاة محمد الخامس سنة 1961، أصبح بوشعيب الحياوي حارسا شخصيا للملك الحسن الثاني، يرافقه في خرجاته كما كان يفعل مع والده الراحل، بالإضافة إلى حراسة إقامته الخاصة في الرباط.
كان بوشعيب من ضحايا مؤامرة 1970 التي وجهت فيها أصابع الاتهام إلى بعض قدماء المقاومة ومنخرطين في حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وهكذا انقلبت حياته بعد أن اعتقل خطأ ولم يقدم للمحاكمة الشهيرة، لكنه فقد أوراقه الثبوتية أثناء الاعتقال، لينتهي مساره في الأمن الخاص للملك الراحل، لكنه ظل يحتفظ بصور وذكريات كثيرة جمعته بملكين، وعاش معهما لحظات خاصة.