هكذا دعم المغرب الثورة الجزائرية وساندها في مواجهة الاستعمار الفرنسي
مع تيلي ماروك
حتى أكثر المناوئين لا ينكرون دعم المملكة الشريفة للمقاومة الجزائرية، والدور الفعال للمغرب في مواجهة الجارة الشرقية للاستعمار الفرنسي، حيث تحولت وجدة وبركان والناظور وفكيك ومراكز الشريط الحدودي إلى قواعد خلفية لجأ إليها الثوار الجزائريون ومنها استكملوا معركتهم ضد المستعمر الفرنسي.
اتخذ قادة المقاومة من وجدة ونواحيها قاعدة وبها خططوا لمهاجمة الفرنسيين، بدعم من المغاربة الذين عبدوا لهم الطريق ووفروا لهم الحماية الكافية كي يضعوا الحروف الأولى لثورة عن بعد، وتكوين نواة لحكومة حملت اسم «مجموعة وجدة»، وهي النواة الصلبة للحكم بعد استقلال الجزائر والتي درس أغلب أفرادها في المغرب وتعلموا أولى دروس الثورة في مدنه.
ظل المغرب وفيا لمبادئ حسن الجوار ودعم المقاومة الجزائرية في ظرفية صعبة ووفر لها شروط النجاح، ليس فقط على المستوى اللوجستيكي أو الدعم البشري والدبلوماسي فحسب، بل إن جهود المساندة وصلت حدود جعل التراب المغربي بقعة لأول محطة إذاعية موجهة للجزائريين.
يعرف حكام الجزائر أن سلاطين المغرب حكموا جزءا من التراب الجزائري وكانت مدن عديدة تحت لواء الدولة العلوية وبسبب الدعم اللامشروط للجزائر تعرضت المملكة للاستعمار الفرنسي عبر البوابة الشرقية. لكن ما أن نالت «مجموعة وجدة» ما كانت تطمح إليه وجلست على كراسي الزعامة حتى وجهت فوهة الضغينة نحو المغرب. فقد ظهرت أولى نوايا الصراع في مؤتمر تسطير الحدود ودخول معركة ضد أشقاء الأمس، ووصل الأمر إلى حد طرد المغاربة من الجزائر ومساندة انفصاليي البوليساريو وقس على ذلك من المواقف التي جعلت حلم بناء صرح المغرب العربي يموت فور ولادته.
عندما كانت الجزائر تابعة للسلطان المغربي
تجمع الكتابات التاريخية على أن سبب اندلاع معركة «إيسلي» غير المتكافئة، والتي وقعت على بعد كيلومترات من مدينة وجدة «إيسلي»، يرجع إلى موقف تضامني حين وقفت الدولة المغربية إلى جانب جيرانها ودعمت المقاومة الجزائرية، حيث كان السلطان مولاي عبد الرحمان قد قرر منح اللجوء للأمير عبد القادر الجزائري، وتزويده بقوات عسكرية، ما مثل عائقا كبيرا في وجه الجيش الفرنسي لتنفيذ عملياته في الجزائر.
ضاق الخناق حول المملكة بعد احتلال الجزائر من طرف الفرنسيين عام 1830، وما تلاه من «تحرش عسكري» بالمغرب من خلال معركة «إيسلي» عام 1870 والتي شهدت خسارة للجيش المغربي في أول اختبار بري. وتبين أن مواجهة المد الفرنسي لا تحتاج فقط لتقوية الجبهة الداخلية بل أيضا لتعزيز الحضور العسكري والاستعانة بكفاءات أجنبية لها اطلاع ومعرفة بالمغرب.
وحسب الباحث والمحافظ الأركيولوجي أبو القاسم الشبري، فإن المغرب قد أدى غاليا دعمه لجزائر الأمير عبد القادر، «فدكت فرنسا عساكره في إيسلي 1844 وأهانته إسبانيا في تطوان 1859-1860، وفي غضون ذلك قضمت فرنسا من التراب المغربي الأزلي واحات كورارا وتوات وتِغازى وتندوف وضمتها إلى «دوزيام فرنسيس»، فبقيت تندوف وبشار وأخواتهما تحت سيطرة إخواننا الجزائريين الذين خانوا العهد ويكذبون اليوم على أنفسهم. وبقيت أجزاء من الصحراء الجنوبية تحت سيطرة إسبانيا إلى أن حررها المغرب سنة 1975 واستكملها في 1979».
لم يكن أمير المؤمنين، في مراكش يعتبر نفسه مغربيا يحكم القيروان وقسنطينة وتلمسان وطليطلة وغرناطة وسيلفش بالحديد والنار أو جزائريا استولى على مراكش مثل حالة عبد المومن بن علي الكومي (مؤسس الإمبراطورية الموحدية مع زعيمه محمد بن تومرت) والذي كان أصله من الولاية الموحدية المغاربية المسماة اليوم الجزائر. لقد كان أمير المؤمنين أميرا لكل المؤمنين.
هذه هي الإمبراطورية التي سيرثها القطر المغربي بشكل منفرد يوم سقطت الأندلس وبسطت الإمبراطورية العثمانية سيطرتها على العالم الإسلامي وأوقف السعديون زحفها على حدود مغنية ومشارف الساورة وعين صالح وإقليم توات شرق كولومب بشار وتامنتيت، إلى تِغازى جنوب شرق تندوف.
يضيف الباحث الشبري: «يجب على المغرب المطالبة باسترجاع تندوف وبشار وسبتة، على قدم المساواة. يجب التوقف عن ترديد التعبير الخاطئ الذي يقول «تندوف فوق التراب الجزائري» وعلينا أن نشيع جميعا عبارات «تندوف السليـبة»، «تندوف المسروقة»، «تندوف المحتلة».
السلطان المغربي يكلف سفيره بإطلاق سراح جزائريين في السجون الإسبانية
يعرف سكان مكناس الأقدمون اسم السفير ابن عثمان، يتوقفون عند بيت عائلته بحي حمام قرب المسجد الأعظم، فيطلقون زفيرا من الأعماق حسرة على رجل كان سفيرا فوق العادة وانتهى به المطاف أسير فراش المرض بعد أن فتك به مرض الطاعون.
حسب المؤرخ والسفير عبد الهادي التازي، فإن «سفارة ابن عثمان كانت واحدة من أهم سفارات السلطان سيدي محمد بن عبد الله إلى الدول الأوروبية٬ إلى جانب الطاهر فنيش لفرنسا وابن عبد الملك للنمسا»، فقد حمل ابن عثمان رسائل إلى ملوك أوروبا تتضمن الدعوة إلى القضاء على الرق٬ والانضمام إلى مضمون تصريح صدر عن ملك المغرب عام 1777 حول القضاء على الرق في العالم».
لم يكن ابن عثمان يقتصر على دوره الدبلوماسي، بل كان يملك حس المؤرخ ويعشق كتابة أدب الرحلات، فلا تمر رحلة دون أن يكتب عنها واصفا أحوالها ومصاعبها ومباهجها، فينتقل من كتابة تقارير رسمية إلى السلطان إلى نقل وقائع المهمة الرسمية والجانب السياحي المتمثل في العادات والمعالم التاريخية.
وحسب السفير الباحث محمد الخطابي، فإن ابن عثمان المكناسي، ومن خلال مخطوطه «الإكسير في فكاك الأسير» يروي تفاصيل رحلته إلى السجون الإسبانية في القرن 18 لتسريح أسرى جزائريين: «ولما رأيت حالة الأسارى، وما هم فيه من الضيق والمحنة وانقطاع رجائهم من صاحب الجزائر، ولم ينتظروا إلا ما يأتيهم من فرج الله على يد سيدنا أمير المؤمنين أيده الله، كاتبت الوزير وقلت له إن الملك قد فعل معنا من البرور والإكرام ما علمت، وإنني قدمت إلى شقوبية وقرطاجنة ففرقت الصدقة على الأسارى، فاسترحموا جميعا بجانب سيدنا نصره الله بمرأى ومسمع الجميع».
ويضيف بأن جميع الأسرى جزائريون، ومع ذلك لم يغفل عنهم السلطان فقد أخرج منهم زهاء الألفين فى دفعات. «في نهاية القرن الثامن عشر أوفد السلطان محمّد بن عبد الله السفير المغربي ابن عثمان المكناسي في سفارة لدى العاهل الإسباني كارلوس الثالث لإطلاق سراح الأسرى الجزائريين الذين كانوا في سجون مدينتي شقوبية وقرطاجنة الإسبانيتين».
نجاحه في المهمة دفع السلطان العلوي ليكلفه بمهمة ديبلوماسية أخرى إلى كل من جزيرة مالطة، ومملكة الصقيليتين، وكانت عاصمتها نابولي، أسفرت عن تحرير أكثر من 600 أسير تركي من الأولى، وإبرام اتفاقية انضمام الثانية إلى المعاهدة المغربية الاسبانية، وطبعا لم تمر المهمة دون كتابتها.
حسب الباحث محمد بوكبوط، فإنه من المفارقات المثيرة للتساؤل، في مصادر تاريخ القرنين الثامن عشر والتاسع عشر المغربية أنها بخلت على الباحثين بترجمة وافية وضافية لشخصية كانت لها أدوار مهمة في مغرب ذلك العهد، وخلفت للخزانة الأدبية والتاريخية المغربية ثلاث رحلات رائعة، يتعلق الأمر بمحمد بن عثمان المكناسي.
عتاد حربي لفائدة المقاومين الجزائريين بسواحل الناظور
لم يكتف المغرب بفتح حدوده الشرقية في وجه قيادة المقاومة الجزائرية، بل حول ترابه إلى مخازن للسلاح الموجه للثوار الجزائريين، فقد رست باخرة دينا الحملة بالسلاح في الخمسينات بسواحل مدينة الناظور، في عملية تسليح غير مسبوقة.
لعب المغاربة دورا كبيرا في دعم كفاح الشعب الجزائري ضد فرنسا منذ سنة 1830 إلى غاية القرن التاسع عشر، بل إن قيادات سياسية مغربية ساهمت في عملية التسليح من خلال تخطيط دقيق لم تكن الغاية منه إمداد المقاومين الجزائريين بالعتاد الحربي في عز الثورة فقط، بل خصص جزء من العتاد للمقاومين المغاربة الذين كانوا قد وصلوا إلى الخط المستقيم من المواجهة ضد المستعمر المشترك.
«رحلة الباخرة الملكية دينا التي كانت محملة بالأسلحة كانت هي الحدث الأبرز في عمليات التسليح اللوجستيكي للثورة الجزائرية بالحدود المغربية الجزائرية. قصة الباخرة الأردنية بدأت من ميناء الإسكندرية بالقاهرة المصرية محملة بشحنة كبيرة من الأسلحة يفوق وزنها 21 طنا متوجهة إلى سواحل الناظور على تراب المملكة المغربية ومنها إلى المنطقة الغربية بالولاية الخامسة تكمن في قوة التحدي الكبير الذي رفعه زعماء الجبهة في وجه العدو حيث كانوا يدركون حيوية السلاح الذي كان له دور كبير في حسم المعركة ضد الفرنسيين»، يقول الدكتور عبد الكريم الخطيب في مذكراته، علما أنه أشرف على توزيع الحمولة بين المقاومين.
انطلقت مغامرة اليخت الملكي التي استغرقت 30 يوما بتاريخ 28 فبراير 1955 من ميناء الإسكندرية بمصر نحو سواحل المغرب محملا بشحنة من الأسلحة، وصلت إلى ساحل الناظور في الـ29 مارس من نفس السنة حيث كان متواجدا على متنها 13 مقاوما من بينهم جزائريون ومغاربة، كان يضم أربعة أشخاص ضمن الطاقم بينهم ربان يوغسلافي يدعى جون وآخر سوداني يدعى سي ابراهيم وهما من أبطال المغامرة الذين صنعوا ملحمة اليخت وأبحروا على متن مركبة طولها 11 مترا مزودة بمحركين يشتغلان بـ»الديازال» وغير موصولة بجهاز إرسال، لا تصل قدرة الدفع للمحركين ستة عقد بحرية ولم تكن الباخرة تتحمل أكثر من 22 طنا من الحمولة باعتبارها في الأصل مركب إنقاذ استعمل للنزهة.
حسب مذكرات ندير بوزار المقاوم الجزائري، فقد نجت الحمولة من الغرق قبالة السواحل الليبية بسبب ثقل الحمولة، إذ إن وزن صندوق السلاح كان يتراوح ما بين 50 و75 كلغ. وحسب المعلومات فإن الصناديق كانت معبأة بأصناف مختلفة من الأسلحة والمتفجرات والقنابل اليدوية وذخيرة متنوعة وكانت الرحلة الشاقة بفعل رداءة الأحوال الجوية التي صعبت من المأمورية ولحقت بالمركبة أعطاب تقنية تسببت في ركونها لفترة في ميناء طرابلس بليبيا ولعدم قدرة اليخت على تحمل الحمولة تسربت المياه إلى داخله مما أجبر الطاقم على إرساء السفينة بساحل بنغازي لتفريغها من المياه وإعادة ترتيب صناديق الأسلحة. ويضيف ندير الذي شارك في الرحلة إن الباخرة «دينا» نجت من الغرق في تلك الليلة التي عصفت فيها عاصفة هوجاء تسببت في غرق باخرتين بليبيا، وكان من المفروض شحن كمية إضافية من السلاح في ليبيا لكن هذه القضية تسببت في مغادرة ثلاثة رجال السفينة وهم سي علي والطالبين الشابين ثم واصلت الباخرة مسارها إلى أن وصلت إلى ساحل مليلية دون أن ينكشف أمر الشحنة المخبأة «وبعد التزود بالوقود استمر اليخت في الإبحار إلى غاية وصوله بالقرب من الناظور في الفترة الليلة». وعن مصير الباخرة بعد ذلك تضاربت الأقاويل حيث تحدثت جهات عن إغراقها في نفس السنة وبعض المقاومين ذكروا أنها بيعت للأمريكان من طرف السلطات الإسبانية التي حجزتها وهي فارغة من السلاح.
محمد الخامس يرفض صفقة بيترولية ويدافع عن الجزائر في المحافل الأممية
بعد حصول المغرب على استقلاله، استبشرت جبهة التحرير الوطني الجزائرية خيرا، إذ كسب الجزائر حليفا سياسيا له حق الدفاع عن القضية الجزائرية ودعم ثورة الشعب الجزائري ماديا ومعنويا، وفعلا كانت البداية الحقيقة على يد الملك محمد الخامس.
بتاريخ 15 شتنبر 1956، ألقى العاهل المغربي محمد الخامس خطابا بمدينة وجدة الحدودية، تناول فيه معاناة شعوب المغرب العربي من السياسية الاستعمارية الفرنسية، مركزا في خطابه على معاناة الشعب الجزائري، وأكد على ضرورة إيجاد حل سلمي وعادل للقضية الجزائرية، وأن مستقبل الجزائر يدخل ضمن إطار وحدة المغرب العربي.
يقول المؤرخ السياسي الليبي علي الصلابي: «كان دعم الملك محمد الخامس للقضية الجزائري بتلك الصورة العلنية صفعة قوية للفرنسيين، سيما أنها كانت تتوقع وقوف المغرب إلى جانبها في مطلبها الرامي إلى كون الجزائر جزءا لا يتجزأ من ترابها، لذا كان ردها سريعا، ففي 23 أكتوبر 1956 قامت باختطاف الطائرة التي كانت تقل قادة الثورة الجزائرية من جبهة التحرير الوطني الذين نزلوا ضيوفا على الملك محمد الخامس. كان موقف الملك محمد الخامس من تلك القرصنة العلنية واضحا، وفي اليوم التالي لعملية الاختطاف، أوقفت فرنسا مفاوضاتها مع الحكومة المغربية، معتبرة التصريحات المغربية دعما علنيا للثورة الجزائرية، وهي في نظرها مساس بسيادتها لأنها تعتبر الجزائر جزءا من أراضيها».
استنكرت الحكومة المغربية عملية القرصنة الفرنسية بحق الوفد الجزائري، واعتبرها الملك محمد الخامس كارثة مصرحا في صحيفة فرانس تيرور، بأن عملية القرصنة هذه هي طعنة أكثر خطورة بالنسبة لشرفه من حادثة تنحيته عن العرش، على اعتبار أن الوفد اختطف في بلاده. كما فشلت فرنسا في خنق القضية الجزائرية من خلال عرض الصفقات التجارية المربحة، فبعد فشلها الذريع في جلب كل من ليبيا وتونس إلى صفها، فشلت في إغراء الحكومة المغربية بعد رفض الملك محمد الخامس صفقة نفطية داخل الجزائر عام 1957، واعتبرها مساسا بكرامة وقضية الشعب الجزائري الشقيق، الذي هو بأمس الحاجة للمساندة من جيرانه.
بادر الطلبة المغاربة إلى احتضان الثورة الجزائرية من خلال تقديم الدعم الضروري لها لرفع الغبن الذي يعاني منه الشعب الجزائري، وتجلى موقفهم البطولي في دعوة اتحاد الطلبة المسلمين الجزائريين لحضور المؤتمر الطلابي المنعقد بالمغرب الأقصى، والذي ضم إلى جانب الطلبة الجزائريين كلا من الاتحاد الوطني لطلبة المغرب والاتحاد العام للطلبة التونسيين، وقد وجه المؤتمرون مطالب أساسية لكل من الحكومتين المغربية والتونسية لدعم ثورة الإخوة في الجزائر.
في احتفالات المغرب سنة 1957 بذكرى العيد العالمي للشغل، ألقى محمد الخامس كلمة تطرق فيها إلى التأييد المغربي لكفاح الشعب الجزائري وقضيته العادلة، كما أصدر نداء إلى أحرار العالم طالبهم فيه بدعم قضية الشعب ومساندته لنيل الاستقلال.
إطلاق إذاعة خاصة بثوار الجزائر من زغانغان
بدعم من المغرب تأسست في 16 دجنبر 1956 نواة الإذاعة الجزائرية، وكانت تبث برامجها وبيانتها سرا من التراب المغربي في زغنغان ضواحي الناظور. أشرف على وضع اللبنات الأولى لهذه الإذاعة جزائري درس في المغرب وهو عبد الحفيظ بوصوف، هذا الأخير اعتمد على الصحافي الجزائري عيسى مسعودي وتقني إرسال في إيصال صوت الإذاعة إلى الجزائريين بدرجة أولى والتونسيين والمغاربة بدرجة أقل.
رغم ولادته في وهران، إلا أن عيسى ظل يتردد على تونس والمغرب ويصر على كونه صحافي المغرب العربي. بل إنه قضى جزءا من شبابه في وجدة، وتونس أيضا وكلما اشتد عليه الخناق هرب إلى المغرب الذي كان يأوي مئات المناضلين الجزائريين قبيل الاستقلال الجزائري.
قال عنه هواري بومدين، الرئيس الجزائري السابق إن عيسى يمثل نصف الثورة التحريرية، مؤكدا أن الثورة انتصرت بفضل الثنائي: جيش التحرير الوطني وعيسى مسعودي، هذا الأخير أوصل صوت الثورة الجزائرية إلى أبعد نقاط العالم من خلال برنامجه الذي كان يبث انطلاقا من المغرب، ثم بدءاً من سنة 1957 عن طريق إذاعات مختلف العواصم العربية، قبل أن ينضم إليه الشاعر مفدي زكرياء ليعزز مكانة الإذاعة السرية التي تبرع بعقارها مغربي متعاطف مع القضية الجزائرية.
كان محمد عيسى مسعودي، أول منشط جزائري بدأ عمله من إذاعات تبث من مصر وتونس والمغرب، مقدما برنامج «صوت الجزائر العربية»، ثم التحق بجهاز اللاسلكي في جيش التحرير وساهم في تأسيس الإذاعة السرية قرب الحدود المغربية ليصبح رئيس تحريرها. وعرف عنه كونه متعدد الاختصاصات، فقد كان يقود الشاحنة التي تحمل بعض أجهزة الإرسال وهي تتحرك باستمرار على طول الحدود الجزائرية المغربية، حتى تتمكن من تضليل استخبارات الاستعمار الفرنسي، وكانت برامجها تبث بنفس التوقيت على إذاعات عربية وأفريقية من بغداد ودمشق والخرطوم والأردن وطرابلس والرباط والقاهرة وأكرا.
ومع تأسيس الإذاعة الجزائرية تم توظيف مفدي زكرياء كمقدم برنامج صباحي، مقابل راتب هزيل، مما دفع بشاعر الثورة إلى الثورة على الوضع والرحيل إلى تونس، حيث أهداه بورقيبة سينما المونديال بالعاصمة التونسية وكانت في ملكية أحد المعمرين الفرنسيين، بوصفه شاعر المغرب العربي.
«هنا إذاعة الجزائر الحرة المكافحة. صوت جيش التحرير وجبهة التحرير الوطني»، بهذه العبارات ظل مفدي يخاطب الجزائريين والمغاربة، بإمكانيات ضعيفة لا توفر البث بطريقة سليمة، بل إنه ظل يعمل بالمجان دون راتب وتتكفل الأسر المغربية المجاورة بتوفير الغذاء للتقنيين وهم من العساكر ومقدمي البيانات وشعراء المحطة.
مصحات متنقلة في وجدة لعلاج ضحايا المقاومة الجزائرية
ساهم الدعم الاستراتيجي من العاهل المغربي، في تنشيط قيادة الثورة الجزائرية، وبأمر من ملك المغرب محمد الخامس، تم السماح بمرور المعدات العسكرية وحتى المتطوعين الأجانب إلى الجزائر، كما سمحت السلطات المغربية للشعب بالتظاهر دعما لقضية الجزائر للوصول إلى الحرية والاستقلال. وكذلك شكل المغرب زمن الملك محمد الخامس أماكن طبية آمنة للمصابين من ثوار الجزائر لتلقي علاجهم في مراحل اشتداد الخناق على الولايات الحدودية. أمام هذا الدعم للثورة والتسهيلات المقدمة لرجالها؛ قدمت فرنسا شكاوى رسمية لمجلس الأمن الدولي، كما زرعت الألغام والأسلاك المكهربة على طول الحدود، وكثفت من دوريات الحراسة طوال الليل والنهار، إلا أن ذلك لم يمنع المجاهدين من الاستمرار في عملياتهم انطلاقًا من قواعدهم الخلفية في المغرب.
في ندوة حول ملامح الحركة الثقافية بوجدة عاصمة الثقافة العربية لسنة 2018، أوضح الباحث بدر المقري، الأستاذ بجامعة محمد الأول بوجدة، أن الموقع الجغرافي للمدينة جعلها متعددة الهويات والأبعاد حسب المارشال ليوطي، الذي احتلها في 9 مارس 1907. وأشار الباحث، في المداخلة نفسها، إلى اسم فرانز فانون، حيث قال: «كانت وجدة قاعدة خلفية لقادة الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي وملاذا لنخبتها السياسية والعسكرية، وإلى الزيارات التي قام بها إليها عدد من قادة حركات التحرير العالمية، من قبيل فرانز فانون وأميلكار كابرال وأغوستينو نيتو، وكان فرانتز قد خطط مع وطنيين مغاربة لفكرة العالم الثالث خلال إقامته بوجدة سنة 1960».
الحسن الثاني يهدي 23 سيارة لحكومة بن بلة
في أول زيارة للملك الحسن الثاني إلى الجزائر عقب حصولها على الاستقلال، وتحديدا في مارس 1963، تم تأويل مساعدة المغرب للبلد الحديث الاستقلال، على نحو آخر. روى عبد الهادي بوطالب في حوارات «نصف قرن تحت مجهر السياسة» خص بها صحيفة «الشرق الأوسط» قبل رحيله، تفاصيل الاجتماع والأجواء الباردة التي ميزته وانقباض الرئيس بن بلة، رغم أن هذا الأخير هو من وجه الدعوة إلى الملك الذي كان قد أعلن عن زيارة وشيكة إلى الولايات المتحدة تلبية لدعوة الرئيس الأمريكي، لكنه أخرها وأعطى الأسبقية لزيارة الجزائر.
يقول بوطالب: «رافقته بوصفي وزير الإعلام والشباب والرياضة. وأتاحت لي هذه المرافقة أن أتعرف على الجزائر لأول مرة. أعد الملك الحسن الثاني كل ما يلزم لتعكس زيارته مشاعر المودة والأخوة والتعاطف المتأصلة بين شعبي المغرب والجزائر، وحرص على أن يحس القادة الجزائريون بدفء حرارة العواطف المخلصة التي يكنها لهم ملك المغرب، ففجر منها شحنات دافقة بالعطف، وأطلق للإعراب عنها يده سخية مِعطاءة حيث حمل معه متنوع الهدايا، وكان من بينها 23 سيارة مرسيدس من النوع الكبير جاءت من مصانعها بألمانيا إلى المغرب ليلة الزيارة، فوضعها في خدمة الوزراء الجزائريين الثلاثة والعشرين الذين كانوا يشكلون حكومة بن بلة.
تقبل الرئيس الجزائري الهدية على مضض، «لم يضحك بنبلة قط ولا ابتسم، إلا مرة واحدة خلال لقاء لم يحضره الملك الحسن الثاني تحلَق فيه حوله الوفد المغربي والوفد الجزائري في جلسة استراحة واسترخاء، حين بادر عبد الكريم الخطيب وزير الدولة في الشؤون الأفريقية، الذي رافق الملك إلى ارتجال نكتة حين قال: «ألا تفكرون فخامة الرئيس في إدخال تعديل على حكومتكم أعتبره منطقيا، إذ به تضعون الرجل الصالح في المكان الصالح، فتسندون وزارة تربية المواشي إلى الوزير بومعزة، ووزارة التموين إلى الوزير بوخبزة، وتضعون الوزير بومنجل في وزارة الفلاحة، والوزير بوتفليقة على رأس الأمن. وكانوا جميعهم على رأس وزارات أخرى. فتوزعت مشاعر الرئيس، بين كبح الغضب وفهم بلاغة النكتة، فاحمر وجهه، وتزحزحت شفتاه في مشروع ابتسامة لم تقو على شق طريقها».
شيخ زاوية جزائرية يطالب الملك بمقاضاة الجزائر لدى محكمة العدل الدولية
كتب جورج سالفي، الصحفي السابق في جريدة لوموند الفرنسية، مقالا تحدث فيه عن علاقة المملكة المغربية ببعض المناطق التي أصبحت اليوم تحت نفوذ الجزائر، وقال إن مدينتي كلومب بشار وتندوف هما مدينتان مغربيتان تاريخيا، مؤكدا أنه إلى حدود سنة 1960، كانت أجور الجيش بتندوف تؤدى بالعملة المغربية. عندما اضطرت فرنسا الاستعمارية لمغادرة الجزائر بفضل ثورة مليون شهيد الجزائرية المدعمة والمساندة من طرف المغرب، شعبا وحكومة وملكا.
استند الملك الحسن الثاني في لقائه مع هواري بومدين، وأكد له أن الظرفية السياسية لم تكن تسمح بإرجاع الأراضي المغربية التي ألحقتها فرنسا بالجزائر وخاصة الصحراء الشرقية، حيث سلم جزء من المغرب إلى الجزائريين سنة 1962 قبل انسحاب فرنسا من الجزائر، وذلك رغم كل الوثائق التاريخية، التي كانت بحوزتها، والموجودة حاليا ضمن الأرشيف الفرنسي.
حسب هذه الوثائق، فإن ملوك المغرب ظلوا يتحكمون في تلك المنطقة، المسلمة للجزائر، منذ عهد السلطان الحسن الأول، إذ سبق في غضون شهر أبريل من عام 1957 أن استقبل الملك الراحل محمد الخامس وفدا يمثل سكان الصحراء الشرقية، ترأسه آنذاك محمد الطاهر شيخ الزاوية القندوسية، الذي كان مرفوقا بزعيم حزب الاستقلال، علال الفاسي.
تقول كتابات من أدبيات الزاوية الشرقية، إنه وبعد عرض القضية على الملك (المطالبة باسترجاع الصحراء الشرقية المغربية)، «طلب محمد الخامس من سكان المنطقة ألا يهتموا بالأمر، وسوف يتولى هو بنفسه القضية، أي تحرير الصحراء الشرقية من قبضة الاستعمار الفرنسي آنذاك، إلا أنه توفى قبل أن يتحقق المراد».
بعد مرور خمس سنوات زار نفس الوفد الملك الراحل الحسن الثاني بمدينة فاس، وأكد لهم، هو كذلك حرصه على استرجاع الصحراء الشرقية إلى حظيرة الوطن، واستأذنه سكان الصحراء الشرقية باللجوء إلى المحكمة الدولية، لكنه طلب منهم التريث.
بعد أيام تم إشعار الملك بفحوى الرسالة التي وجهها القنادسة، إلى الأمين العام للأمم المتحدة في الموضوع وكذلك رئيس الجمهورية الفرنسية، إلا أنه لم يسبق لأية حكومة مغربية أن حركت ساكنا بهذا الخصوص، بما فيها حكومة عباس الفاسي، رئيس حزب الاستقلال، الذي ظل منفردا عن باقي الأحزاب السياسية باستمرار مطالبته باسترجاع الصحراء الشرقية إلى حظيرة الوطن.
وحسب مصادر إعلامية فإن بن بريك القندوسي، رئيس الهيأة الوطنية للمناطق الشرقية المغربية المغتصبة، قد طرح الموضوع على أنظار محكمة العدل الدولية، إلا أنها رفضت الطلب استنادا إلى قانونها الداخلي. إذ أكد مدير القسم القانوني بمنظمة الأمم المتحدة، «سيرجي تراسينكو»، جوابا على طلب الهيأة الوطنية للمناطق الشرقية المغربية المغتصبة، أن الفصل 34 من ذلك القانون الداخلي ينص على أن الدول هي وحدها المخول لها رفع قضايا من هذا القبيل أمام محكمة العدل الدولية.