هكذا أشعلت سياسات حكومة العثماني نيران الاحتجاجات
مع
عادت ظاهرة الاحتجاجات والإضرابات بقوة إلى مختلف القطاعات الاجتماعية، خلال الفترة الأخيرة، بعد توقف الحوار الاجتماعي في نقطة انطلاقته، ما ينذر بتزايد حدة الاحتقان الاجتماعي. هذا الأمر دفع وزارة الداخلية إلى الدخول على الخط، لدعوة زعماء المركزيات النقابية للجلوس إلى طاولة الحوار، بعد فشل رئاسة الحكومة ووزارة الشغل في نزع فتيل الاحتقان، خاصة أن الملك محمد السادس دعا الحكومة، في الخطاب الذي ألقاه بمناسبة عيد العرش، إلى اعتماد الحوار الاجتماعي بشكل غير منقطع، بغض النظر عما يمكن أن يفرزه هذا الحوار من نتائج.
الداخلية تتدخل لنزع فتيل الاحتقان الاجتماعي
دخلت وزارة الداخلية على الخط، باستدعاء زعماء المركزيات النقابية للجلوس إلى طاولة الحوار، خلال الأسبوع الجاري. ويأتي تدخل الوزارة لامتصاص موجة الغضب التي بدأت تسود داخل جل قطاعات الوظيفة العمومية، وتجلت في عودة الإضرابات في الآونة الأخيرة، بعدما بدت بوادر فشل الحوار الاجتماعي بين الحكومة والنقابات منذ السنة الماضية، بسبب غياب التوافق حول منهجية الحوار، ورفض العرض الذي قدمته الحكومة بخصوص الزيادة في الأجور والتعويضات العائلية.
ومنذ سبع سنوات، لم تسفر جولات الحوار «المتعثر» عن أي اتفاق بشأن الملفات المطلبية العالقة، فضلا عن أن أغلب الجلسات التي عقدتها الحكومة مع «شيوخ» النقابات، تتحول إلى جلسات شكلية هدفها امتصاص غضب الطبقة الشغيلة، واللعب على عامل الوقت، قبل تمرير القرارات التي تطبخها الحكومة على نار هادئة.
فشل الحوار الاجتماعي
وضعت المركزيات النقابية مجموعة من الشروط لمواصلة الحوار الاجتماعي مع الحكومة، وذلك خلال اللقاء الذي عقده سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، مرفوقا بوزير الشغل والإدماج المهني، محمد يتيم، مع ممثلي النقابات الأكثر تمثيلية، والذي خصص لتقديم عرض الحكومة حول منهجية الحوار، دون الخوض في مناقشة الملفات المطلبية والقضايا المجتمعية.
وعرضت الحكومة على المركزيات النقابية، منهجية تقضي بفتح حوار ثلاثي الأطراف يفضي إلى اتفاق يمتد على ثلاث سنوات. وأوضح بلاغ لرئاسة الحكومة، أن العثماني عرض على المركزيات النقابية الأكثر تمثيلية، (الاتحاد المغربي للشغل، والكونفدرالية الديمقراطية للشغل، والاتحاد العام للشغالين بالمغرب والاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، على التوالي)، منهجية تقضي بفتح حوار ثلاثي الأطراف من خلال ثلاث لجان موضوعاتية، يفضي إلى اتفاق يمتد على ثلاث سنوات، في أفق اعتماده خلال شهر أبريل المقبل، على أن ينطلق التفاوض بشأنه في أقرب الآجال.
وبالمقابل، مازالت العديد من المطالب النقابية عالقة فوق مكتب رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، بعد رفض سلفه فتح حوار شامل مع هذه المركزيات النقابية بشأن الملف المطلبي في شموليته.
وترمي مطالب النقابات إلى تحسين الوضعية الاجتماعية للأجراء والعمال في الشق المتعلق بدعوة الحكومة إلى إقرار الزيادة في الأجور، كواحد من المطالب الراسخة التي دأبت النقابات، في كل مناسباتها الحوارية والنضالية، على رفعه، بعد تسطير المطالب المتعلقة بممارسة الحقوق النقابية وعدم المس بالحق في الإضراب.
ووضعت النقابات مطلب الرفع من الأجور على رأس مطالبها الموجهة للحكومة، فيما وضعت مأسسة الحوار الاجتماعي مع الحكومة في النقطة الثانية بعد مطلب الرفع من الأجور، وطالبت الحكومة بإعطاء الاهتمام للجانب الاجتماعي للأجراء وتحسين وضعية المتقاعدين، مع التشديد على تجويد سياسة التسعيرة بما يستجيب والظرفية الاقتصادية.
ودعت النقابات، في المطالب ذاتها، إلى ضمان التشريع الاجتماعي والعلاقات المهنية، فيما أكدت على احترام المطالب الفئوية، بما فيها مطالب المهندسين والتقنيين والحريات العامة، إلى غير ذلك من المطالب التي تضمنتها المذكرة.
وتضمنت المذكرة المطلبية التي وجهتها المركزيات النقابية إلى الحكومة السابقة، مجموعة من المطالب المتعلقة بالحرية النقابية، وعلى رأسها ضرورة احترام الحقوق النقابية كواحد من المطالب الأساسية التي يجب الاتفاق حولها مع الحكومة، حيث أكدت النقابات على عدم التضييق على الحريات النقابية، وطرد واعتقال ومتابعة المسيرين النقابيين لمجرد ممارستهم أنشطتهم النقابية. وأشارت إلى إغلاق الوحدات الإنتاجية بدون سند قانوني، مما يعرض آلاف العاملات والعمال وعائلاتهم للتشريد والضياع والفقر والحرمان، وعدم الاستجابة لدعواتها المتكررة المتعلقة بإيجاد الآليات الضرورية والملائمة لفض النزاعات الكبرى التي يعرفها عالم الشغل، بالإضافة إلى الخرق السافر لبنود ومقتضيات مدونة الشغل، وباقي القوانين الاجتماعية والمواثيق الدولية الصادرة عن منظمة العمل الدولية وغيرها، وغض النظر عن الترهيب الاجتماعي الممارس أمام مرأى ومسمع السلطات العمومية، حسب النقابات صاحبة المذكرة.
ولم تفوت النقابات الفرصة لتوجيه انتقادها إلى عزم الحكومة إصدار القانون التنظيمي الخاص بالإضراب، وأكدت أنها ترفض المحاولات الملتوية للتشريع في ميادين تهم بالدرجة الأولى الحركة النقابة: نموذج القانون التكبيلي لممارسة حق الإضراب الذي أعدته الحكومة في سرية كاملة، مشيرة إلى الزيادات المتتالية في الأسعار، وتجميد الأجور والتعويضات والترقيات، والتراجع عن القرار الانفرادي للحكومة المتعلق بالاقتطاع من معاشات المتقاعدين، والانفراد بالقرارات المتعلقة بصناديق التقاعد، والمقاصة وغيرها..، وهي الأمور التي قالت النقابات إنها تستنكرها كما تستنكر تغييب المفاوضات الجماعية، والتنكر للالتزامات السابقة.
هذا وتطالب النقابات بالزيادة العامة في الأجور بما يتماشى وغلاء المعيشة، مشيرة إلى أن هذه الزيادة يجب أن تتم عبر الزيادة في الحد الأدنى للأجر، وتوحيده بما يضمن العيش الكريم للمأجورين بمختلف القطاعات الإنتاجية، وتفعيل السلم المتحرك للأجور والأسعار، وذلك حفاظا على القدرة الشرائية للطبقة العاملة وعموم المأجورين، بالإضافة إلى الزيادة في المعاشات بما يفي بحاجيات العيش الكريم للمتقاعدين، وهي الأمور التي اعتبرتها النقابات أولوية المطالب بعد احترام الحقوق النقابية، مطالبة بمراجعة منظومة الأجور في القطاع العام في اتجاه تحسين القيمة المادية للأرقام الاستدلالية، وتقليص الفوارق، وإعادة النظر بشكل جذري في منظومة الترقي والتعويضات في قطاعات الوظيفة العمومية والجماعات المحلية، إلى جانب إقرار سياسة ضريبية عادلة، وذلك بتخفيض الضغط الضريبي عن الأجراء عبر اعتماد مقاربة جديدة، تهدف إلى توسيع الوعاء الضريبي والتقليص من الفوارق الجبائية من خلال إعادة النظر في الضريبة على الدخل، عبر مراجعة النسب وخصم مصاريف تمدرس الأطفال، والتحمل العائلي من الأجر الخاضع للضريبة، والتقليص من الضريبة على القيمة المضافة المطبقة على الموارد الاستهلاكية الأساسية.
غياب الوساطة الاجتماعية
كشفت الاحتجاجات التي عرفتها العديد من المدن والمناطق بالمغرب، فشل الحكومة في نزع فتائل القنابل الاجتماعية القابلة للانفجار في أية لحظة، من خلال وضع حلول واقعية للمشاكل التي تعرفها بعض هذه المناطق، عوض تقديم الوعود الشفوية والمقترحات الترقيعية، فضلا عن استمرار تعطيل الحور الاجتماعي، ما يزيد من حدة الاحتقان داخل المجتمع. وكشف بروز الحركات الاحتجاجية غير المنظمة، عجز الأحزاب السياسية والمركزيات النقابية عن القيام بدورها الدستوري في تأطير المواطنين، ولعب دور الوساطة بين الدولة والمجتمع، دون الحديث عن غياب شبه تام لمؤسسة البرلمان.
إلى ذلك، سبق للمجلس الاقتصادي والاجتماعي أن وجه انتقادات حادة للحكومة، بسبب تجميد الحوار الاجتماعي الثلاثي الأطراف بينها والمشغلين والنقابات، فيما أشاد بفتح حوار مباشر بين الشركاء الاجتماعيين «الباطرونا» والمركزيات النقابية، أسفر، على الخصوص، عن وضع اتفاق- إطار بين المشغلين وبعض النقابات، ينظم الوساطة الاجتماعية في حال حدوث نزاعات شغل. ويرمي هذا الإطار التعاقدي إلى وضع مسلسل للوقاية من النزاعات المهنية وفضها في الوسط المهني، مما يتيح إرساء مناخ من الثقة، وضمان استمرارية المقاولة، مع الحفاظ على حقوق الأجراء.
ويقترح المجلس إحداث لجنة للوساطة الاجتماعية تتمثل مهمتها في معالجة وفض النزاعات الاجتماعية، تفاديا لكل انزلاق إلى وضعيات غير محمودة. وأتاح ذلك الاتفاق الموقع بين الاتحاد العام لمقاولات المغرب والمنظمات النقابية، يقول التقرير، تحقيق خطوات على ثلاثة محاور، هي الحوار الاجتماعي، وتشجيع المجال التوافقي، والتلاؤم الاجتماعي لعلاقات وظروف الشغل، وإنعاش الشغل والتنافسية. وذكر التقرير أن الأمر يتعلق بدينامية ينبغي تشجيعها من أجل دعم الثقة بين الشركاء الاجتماعيين، وتوفير شروط مستدامة للعقود الاجتماعية الكبرى التي تحفز على التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وأكد أن العلاقات بين الشركاء الاجتماعيين ينبغي لها في المستقبل أن تندرج في إطار نموذج اجتماعي يقوم على بلورة تعاقدات اجتماعية كبرى بين كل مكونات المجتمع المغربي.
وفي هذا الإطار، يقترح المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي تنظيم ملتقى في موضوع «الحوار الوطني حول التعاقدات الاجتماعية الكبرى»، بغاية العمل على تمكين الحكومة والمنظمات النقابية والاتحاد العام لمقاولات المغرب من إطار مؤسسي دستوري لبناء شروط تقارب وطني حول الإصلاحات الكبرى المرتبطة بأربعة أبعاد رئيسية، هي، على الخصوص، الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين وتنافسية المقاولات، والحماية الاجتماعية، والوقاية من نزاعات الشغل الجماعية وفضها سلميا.
تزايد حدة الاحتقان الاجتماعي
حظي الملف الاجتماعي باهتمام كبير في الخطاب الذي ألقاه الملك محمد السادس، بمناسبة عيد العرش، داعيا الحكومة وجميع الفاعلين المعنيين إلى القيام بإعادة هيكلة شاملة وعميقة للبرامج والسياسات الوطنية في مجال الدعم والحماية الاجتماعية، وكذا رفع اقتراحات بشأن تقييمها. داعيا الحكومة إلى اعتماد الحوار الاجتماعي «بشكل غير منقطع»، ومؤكدا أن الشأن الاجتماعي يحظى عنده باهتمام وانشغال بالغين، كملك وكإنسان.
وقال الملك، في خطابه، «هنا أقول للحكومة بأن الحوار الاجتماعي واجب ولابد منه، وينبغي اعتماده بشكل غير منقطع، وعليها أن تجتمع بالنقابات، وتتواصل معها بانتظام، بغض النظر عما يمكن أن يفرزه هذا الحوار من نتائج»، مؤكدا «منذ أن توليت العرش، وأنا دائم الإصغاء لنبض المجتمع، وللانتظارات المشروعة للمواطنين، ودائم العمل والأمل، من أجل تحسين ظروفهم»، مضيفا «إن الشأن الاجتماعي يحظى عندي باهتمام وانشغال بالغين، كملك وكإنسان». وأشار الملك إلى أنه، «وإذا كان ما أنجزه المغرب وما تحقق للمغاربة، على مدى عقدين من الزمن، يبعث على الارتياح والاعتزاز، فإنني في نفس الوقت، أحس أن شيئا ما ينقصنا، في المجال الاجتماعي». ورغم تأكيد الملك على أهمية الحوار الاجتماعي، مازالت الحكومة تتعامل مع الموضوع بالوعود الشفوية، حيث لم تفرج عن أجندة جولات الحوار الاجتماعي، ما ينذر بمزيد من الاحتقان في ظل تصاعد موجة الاحتجاجات التي تعرفها العديد من القطاعات.
ويرى المتتبعون للشأن السياسي والنقابي المغربي، أن كل عوامل الاحتقان الاجتماعي أصبحت متوفرة بالنظر إلى الوضعية المالية والاقتصادية للطبقات الفقيرة والمتوسطة التي تزداد ترديا، بالإضافة لما اتخذته الحكومة من «إجراءات لا شعبية» ستمس بالمكتسبات الشعبية على قلتها، وهو ما يرشح الوضع لمزيد من التأزم. ويسود تخوف من تكرار ما شهده المغرب في بداية التسعينات، من خلال تهافت الحكومة للتخلص من العبء المالي لمجموعة من الملفات التي تثقل كاهل المالية العمومية، دون الأخذ بعين الاعتبار ما يمكن أن يكون لذلك من تداعيات خطيرة على السلم الاجتماعي، بالإضافة إلى الاختلالات المالية التي تحتاج لإصلاح شامل. لذلك حذرت أحزاب المعارضة من إعادة ارتكاب الأخطاء نفسها التي جعلت المغرب يفرط في استقراره الاجتماعي تلبية وإرضاء لطلبات المؤسسات المالية الدولية المحكومة باعتبارات تقنية لا تدمج عوامل الاستقرار والتماسك الاجتماعي، والتي تشكل عمق المسؤولية السياسية لأية حكومة، وذلك عن طريق إجراء إصلاحات حقيقية بعيدا عما تقوم به من إجراءات ترقيعية سهلة على حساب القدرة الشرائية للمغاربة.
وحذرت العديد من الأحزاب والنقابات من مغبة الرهان باستقرار المغرب من أجل استمرار حزب العدالة والتنمية في الحكومة، ولجوئه المفرط إلى خلق التوازنات الاقتصادية على حساب التوازنات الاجتماعية، كما توجه أصابع الاتهام إلى رئيس الحكومة بصب المزيد من الزيت على نار الاحتجاجات المندلعة في كل مكان، من خلال القرارات «الارتجالية» التي يتخذها لحل المشاكل المالية والاقتصادية التي تتخبط فيها حكومته التي تفتقد إلى رؤية واضحة للإجابة عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي يمر منها المغرب، انضافت إليها الحرب التي أعلنتها الحكومة على العمل النقابي ومحاصرتها للحق في الإضراب، من خلال اتخاذ قرار الاقتطاع من أجور المضربين، وهو القرار الذي تعتبر الحكومة أنه «إنجاز غير مسبوق».
"الباطرونا " تشتكي من تزايد الإضرابات العشوائية
عبر الفريق البرلماني للاتحاد العام لمقاولات المغرب بمجلس المستشارين، عن تخوف «الباطرونا» من تزايد حدة الاحتقان الاجتماعي، وارتفاع عدد الإضرابات بالقطاعات الإنتاجية. وأكد عبد الإله حفظي، رئيس الفريق، أثناء مناقشة قانون المالية، أن مناخ الأعمال مازالت تعتريه صعوبات وإشكاليات يتطلب تذليلها انخراط الجميع، ومن جملتها إشكالية الإضرابات، التي تؤدي، في الغالب، نظرا لغياب شروط وكيفية ممارستها، إلى الإضرار بمصالح المقاولة والعمالة على السواء، كما تضر بالمصلحة العامة للبلاد، بالنظر إلى وقعها السلبي على وتيرة التنمية والاستثمار ومناصب الشغل.
وحذر رئيس فريق «الباطرونا» بمجلس المستشارين، خلال جلسة شهرية لمساءلة رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، حول موضوع «نجاعة سیاسات التشغیل ومحاربة الفقر وحماية القدرة الشرائیة للمواطنین»، من النتائج والضغوطات الكارثیة التي تتعرض لها المقاولات، خاصة مع تفشي الإضرابات العشوائیة غیر المسؤولة، مشيرا إلى تسجيل حوالي 218 إضرابا على مستوى 176 مقاولة، خلال السنة الماضية، بما یعادل 500 ألف یوم عمل ضائع، مع ما لذلك من تكلفة اقتصادیة ومالیة انعكست سلبا على مناخ الأعمال، وساھمت، إلى جانب أسباب أخرى، في انكماش الاستثمار، وفي إفلاس آلاف المقاولات، حیث تم تسجیل إفلاس 6420 مقاولة، الشيء الذي يجعل السنة الماضية سنة قياسية في أيام العمل الضائعة، مؤكدا أن ضياع أيام العمل يعني ضياعا مباشرا في الناتج الداخلي الخام، مع ما لذلك من وقع سلبي على وتيرة النمو، وعلى مناصب الشغل، لأن كل نقطة من نسبة النمو تعادل خلق ما يناهز 25 ألف منصب شغل جديد.
وتطالب «الباطرونا» بالإسراع بإصدار القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب وكيفية ممارسته، لتنظيم هذا الحق الدستوري، وخلق نوع من التوازن بين الحق في الإضراب وحرية العمل، وإعطاء مجال أوسع للمفاوضات وإعمال آليات الوساطة والتحكيم والمصالحة، بما يضمن حقوق الفئة العاملة، ومصالح المقاولة ووتيرة التشغيل، ويساعد على منح الثقة الضرورية للفاعل الاقتصادي، وتكريس المغرب وجهة مفضلة للاستثمار.
وكشف رئيس فريق «الباطرونا» عجز الحكومة عن التنزيل الفعلي للفصل 29 من الدستور، عبر إخراج القانون التنظيمي للإضراب وقانون النقابات، محذرا من التكلفة المترتبة عن ترك ممارسة حق الإضراب بدون قانون ينظمه، وتتمثل هذه التكلفة في الانعكاسات السلبية على مناخ الأعمال وعلى وتيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وخاصة مع تزايد الإضرابات، وظهور تنسيقيات وجمعيات لا ترتكز على أية أهلية أو شرعية تمثيلية، أو منظور نقابي، تعرقل أو توقف العمل بمؤسسات حيوية، وتضرب التمثيلية الديمقراطية للنقابات، من خلال تزعم إضرابات غير مضبوطة ولا مسؤولة، وبدون أي إخطار.
وكان الفريق البرلماني للاتحاد العام لمقاولات المغرب، طالب، أثناء مناقشة البرنامج الحكومي، بتسريع إقرار هذا القانون الذي طال انتظاره في خرق سافر للفصل 86 من الدستور. وسبق للفريق أن قدم، بتاريخ 26 يناير من السنة الماضية، مقترح قانون تنظيمي يحدد شروط وكيفيات ممارسة هذا الحق، تطبيقا لأحكام الفقرة الأخيرة من الفصل 29 من الدستور، لضمان وتحديد شروط ممارسة الحق في الإضراب بالنسبة للأجير، وحرية العمل بالنسبة لغير المضربين، مع تأمين سلامة المؤسسات وممتلكاتها. كما طالب الفريق ذاته بمراجعة مدونة الشغل، وبرر الفريق ذلك بأن نموذج الحماية الاجتماعية المعتمد أثبت محدوديته من خلال ارتفاع نسبة البطالة، ونسبة التسريح، وإفلاس المقاولات، وكذلك لملاءمة مقتضيات المدونة مع السياق الاقتصادي والاجتماعي الجديد، وكذا التنصيص على إعمال مرونة مسؤولة في العلاقة التعاقدية بما يضمن أمن وسلامة وجودة التشغيل.
هذا ومازال مشروع القانون التنظيمي المتعلق بتنظيم الإضراب «محتجزا» داخل لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب، منذ حوالي ثلاث سنوات، فضلا عن أن النقابات عبرت عن رفضها لهذا القانون، ووجهت اتهامات للحكومة بإحالته على البرلمان بطريقة سرية، دون فتح استشارة مع الحركة النقابية، حيث استنكرت الأمانة الوطنية للاتحاد المغربي للشغل محاولة الحكومة تمرير مشروع القانون التنظيمي لحق الإضراب الذي تعمل على تحويله من حق إنساني كوني إلى صك إدانة، من خلال ما أسمته «مشروع القانون التنظيمي/التكبيلي لحق دستوري»، واتهمت الحكومة «بإحالته على البرلمان سنة 2016 في سرية تامة، وفي مفارقة غريبة، دون أدنى استشارة مع الحركة النقابية». واعتبرت النقابة هذا المشروع بمثابة قانون جنائي، ويجعل ممارسة حق الإضراب مستحيلة ويتدخل في الشؤون النقابية للمنظمات النقابية.
إضراب الصيادلة يشل قطاع الدواء
شل الإضراب الذي خاضه صيادلة القطاع الخاص، سوق الدواء، نهاية شهر دجنبر الماضي، حيث تفاجأ آلاف المواطنين بإغلاق الصيدليات أبوابها طيلة اليوم، استجابة لدعوة الفيدرالية الوطنية لنقابات الصيادلة في القطاع الخاص، إلى إضراب وطني إنذاري. وتطالب نقابات الصيادلة برفع الحيف الضريبي عن الصيادلة لتحسين الولوجية الشاملة والعادلة للأدوية، وإيجاد حل لإشكالية تطبيق المرسوم المتعلق بشروط وكيفية تحديد سعر بيع الأدوية المصنـعة محليا أو المستوردة للعموم. مع المطالبة بمحاربة الخروقات فيما يتعلق بعدم احترام المسلك القانوني للدواء ذي الاستعمال البشري والبيطري، وتحيين وإصدار النصوص القانونية المنظمة للقطاع، فضلا عن إجراءات مختلفة لممارسة المهنة.
في المقابل، قال مصطفى الخلفي، الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، الناطق الرسمي باسم الحكومة، إن «الحوار هو الخيار الوحيد لحل مشاكل الصيادلة»، مضيفا، في الندوة الصحافية التي أعقبت الاجتماع الأسبوعي للحكومة، الخميس، «نهجنا خيار الحوار، الذي هو المدخل الأساسي لحل الإشكاليات، التي يعرفها قطاع الصيدلة». وقال الخلفي إن الحكومة استجابت لمطلب للصيادلة طرح منذ سنوات، ويتعلق الأمر بالضريبة على القيمة المضافة للأدوية، وأضاف أنه «برسم قانون المالية، الذي دخل حيز التنفيذ، ستعفى الأدوية، التي تفوق قيمتها 588 درهما من الضريبة على القيمة المضافة»، مشددا على أن «انتظارات القطاع لا يمكن أن تعالج إلا في إطار الحوار، الذي اختارته الوزارة، والجولات المقبلة قد تعطي نتائج إيجابية».
وكان اجتماع لوزير الصحة، أنس الدكالي، فشل في امتصاص غضب الصيادلة الذين كانوا أعلنوا عزمهم خوض إضراب وطني. وأكدت مصادر نقابية من داخل الفيدرالية الوطنية لنقابات صيادلة المغرب، أن الصيادلة قرروا خوض الإضراب الوطني لمدة 24 ساعة كخطوة إنذارية، بعد فشل الاجتماع الذي ضم ممثلين من الفيدرالية ووزارة الصحة والمديرية العامة للضرائب، لم تصل فيه الأطراف الثلاثة إلى اتفاق حول الوضعية العامة لصيادلة الصيدليات، وبالخصوص الشق الضريبي، ووصف خلاله رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة الوضعية المادية للصيادلة بـ«الصعبة» التي يعيشها القطاع الصيدلي، وخصوصا صيادلة الصيدليات.
الاتحاد المغربي للشغل يدشن 2019 بشهر من الاحتجاجات
وجه الاتحاد المغربي للشغل، من جديد، سهام النقد للحكومة، واتهمت الأمانة الوطنية للاتحاد الحكومة بـ«الإجهاز على حقوق ومكتسبات الطبقة العاملة في القطاع الخاص وفي قطاع الوظيفة العمومية، واستهداف القدرة الشرائية للأجراء وتجميد الأجور وتعطيل آلية الحوار الاجتماعي»، معلنة عن شهر من الاحتجاجات الوطنية.
وحمل رفاق مخاريق حكومة العثماني مسؤولية «استهتارها بالطبقة العاملة المغربية وحركتها النقابية، من خلال محاولة فرض مشروع القانون التنظيمي/ التكبيلي لحق الإضراب».
وفي السياق ذاته، اتهم نقابيو مخاريق حكومة سعد الدين العثماني بـ«السير على نفس نهج سابقتها في ترسيخ العداء للطبقة العاملة بسن قوانين، وممارسة إجراءات تروم حرمانها من حقوقها»، معلنين أنهم سيرفعون «مذكرة حول محنة الحريات النقابية بمختلف القطاعات المهنية ومختلف جهات البلاد إلى رئيس الحكومة وإلى الدوائر المسؤولة»، بالإضافة إلى «تخصيص شهر كامل من الاحتجاجات والنضالات في كل القطاعات المهنية والجهات لمواجهة الاعتداءات التي تطال الحريات النقابية عبر الاتحادات الجهوية والمحلية والجامعات والنقابات الوطنية».
وكان الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل، الميلودي مخاريق، انتقد بشدة حكومة سعد الدين العثماني، وقال إن «الحكومة لم تتخذ أية خطوات ملموسة لتفعيل الحوار الاجتماعي»، موضحا أن نقابته قدمت للحكومة مقترحا يتضمن منهجية عملية تهم ثلاثة محاور رئيسية للخروج بميثاق اجتماعي، وذلك عوض عقد «لقاءات شكلية» لم تفض إلى أية نتائج، وأن النقابات لم تتوقف عن المطالبة بالحوار والتفاوض الجدي، بخصوص القضايا الجوهرية التي تعني الشغيلة المغربية، ومنها الرفع من الأجور، واتخاذ تدابير للحفاظ على القدرة الشرائية للأجراء.
نقابات وتنسيقيات التعليم تقلب الطاولة على الحكومة بإضراب شامل
دخلت النقابات والتنسيقيات التعليمية موجة تصعيد حاد في وجه وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي بخوض إضراب وطني شامل دعت إليه ست نقابات تعليمية ومثلها من التنسيقيات يوم الخميس 3 يناير الجاري، وهي الخطوة الاحتجاجية التي تأتي بعد تأجيل لقاء كان مرتقبا تنظيمه مع وزير التربية الوطنية، سعيد أمزازي يوم الجمعة 28 دجنبر 2018، حيث شددت النقابات في بلاغاتها على حزمة من المطالب الموجهة لوزارة التربية الوطنية والحكومة، أبرزها تنفيذ ما تبقى من اتفاق 26 أبريل 2011، وإخراج نظام أساسي جديد "منصف يسد ثغرات ونقائص النظام الحالي، وإلغاء التعاقد، وإنصاف عدة فئات متضررة أبرزها ضحايا النظامين، الإدارة التربوية، أساتذة الزنزانة9، ملحقو الإدارة والاقتصاد، أطر التوجيه، المفتشون، والدرجة الجديدة للفئات المحرومة منها (أساتذة التعليم الابتدائي والإعدادي)".
في هذا السياق، قال يوسف علاكوش، الكاتب الوطني للجامعة الحرة للتعليم، التابعة للاتحاد العام للشغالين بالمغرب، إن الإضراب العام الذي ستشارك فيه 6 نقابات وتنسيقيات يأتي "ردا على تضارب المواقف والآراء لدى الحكومة بين وزارة الوظيفة العمومية والتربية الوطنية والاقتصاد والمالية، ففي الوقت الذي ترفض وزارة الاقتصاد مطالبنا بدعوى عدم توفر الاعتمادات المالية، وتحفظ وزارة الوظيفة العمومية على بعض المطالب، وموافقة وزارة التربية الوطنية على نفسها، وهو ما يترجم عدم وضوح الرؤية لدى الحكومة تجاه اختلالات ومطالب مهني القطاع"، يضيف علاكوش، مشيرا في اتصال هاتفي أن الإضراب "رسالة قوية بعودة التنسيق النقابي في القطاع ورد على تجميد الوزارة الوصية للحوار بشكل مركزي، وتعبير من مهني القطاع على رفض أن تبقى مطالبهم وملفاتهم رهن الرفوف".
من جانبه، قال عبد الرزاق الادريسي، الكاتب الوطني للجامعة الوطنية للتعليم، التابعة للتوجه الديمقراطي، إن "الجامعة ستخوض إضرابها الوطني في قطاع التعليم والإدارة بالنسبة لقطاع التعليم العالي"، مضيفا في اتصال هاتفي أن الإضراب الموحد الذي قررته النقابات والتنسيقيات "هو سابقة في القطاع ونتيجة لتعنت الحكومة في النهوض بأوضاع العاملين في القطاع، ورسالة للحكومة والوزارة الوصية بضرورة التسريع بالأجوبة عن المشاكل المطروحة والتي ضلت حبيسة الرفوف منذ عهد الوزير الوفا على رأس القطاع"، معتبرا أن "الحكومة لا تتوفر على الإرادة السياسية لحل مشاكل القطاع ولا تريد رصد ميزانية خاصة لهذا الغرض، بل تريد حلها بصفر درهم وتكرار التجارب الفاشلة في قطاع حساس".