الداسوكين.. موت مكرر
مع Télé Maroc
بقدر ما أحزنني خبر وفاة الفنان الكوميدي مصطفى الداسوكين، بقدر ما حز في نفسي الوضع الصحي لرفيق دربه الفني مصطفى الزعري، لأن القدر حكم على هذا الثنائي الذي انتزع منا الابتسامة وحولنا إلى سكارى وما نحن بسكارى، بالإقامة الجبرية فوق سرير المرض.
الداسوكين الذي كان يوزع الابتسامة على المواطنين في زمن بالأبيض والأسود، تجرح المعاناة طفلا وكهلا.
عاش حياة اليتم مبكرا، حيث فقد والده عن سن السابعة من العمر، فتطوع خاله لسد الفراغ العاطفي والمادي، وطرق باب خيرية المشور بالدار البيضاء بمباركة من والدته المكلومة. رحب المدير "سي الوزاني" بالفتى اليقظ وألحقه بفضاء الرعاية الاجتماعية، ومكنه من زيارة والدته في درب كرلوطي في نهاية كل أسبوع.
برز الطفل مصطفى داخل "الخيرية" واشتهر بقدرته الخارقة على تقليد المطربين المغاربة والمصريين، مع إجادة العزف بـ "لارمونيك"، فأصبح عنصرا أساسيا في دار الرعاية.
قضى مصطفى ست سنوات في المرفق الخيري وعاد إلى درب كرلوطي لاستكمال الشطر الثاني من طفولته بعيدا عن صوت "الزواكة" والاصطفاف في الطوابير. لكن ما أن اشتد عوده حتى تلقى دعوة التجنيد الإجباري، وفي الثكنة العسكرية استكمل بناء شخصيته.
كان عبور مصطفى قصيرا في وظيفة بقطاع البريد، إذ سرعان ما انتفض ضد صرامة التوقيت الإداري، وعاد إلى "الخيرية" منشطا تربويا وهنا سيكون اللقاء مع مصطفى الزعري وسينسجان أولى خيوط علاقة ستدوم عقودا، في عين الشق سيضعان مشروع الثنائي الساخر وسيقرران خوض المغامرة خارج أسوار المؤسسة.
عاش مصطفى شبابه بين عين الشق ودرب كرلوطي، في معقل الرجاويين سيعلن تمرده على الأعراف وسيعتنق ملة الوداد. قضى فترة طويلة مع رفيق طفولته اللاعب الدولي مصطفى شكري، وظل يحثه على تغيير القميص الأخضر بالأحمر.
إذا كان الاختلاف في الألوان مبعث سجال يومي بين مصطفى الكوميديا ومصطفى الكرة، ، فإن انضمام بيتشو للوداد قد أطفأ لهيب الجدل، بالرغم من الغضب الساطع الذي انتاب الرجاويين الذين أجمعوا على أن الداسوكين كانت له يد في تغيير وجهة نجم كروي من معسكر الرجاء إلى قلعة الوداد.
شاءت الأقدار أن يعيش مصطفى الداسوكين تراجيديا الموت بكل تفاصيلها المرعبة، فقد فوجئ بالوفاة الغامضة لصديقه "بيتشو" حين كان محترفا في نادي الوحدة بمكة المكرمة، قبل أن يموت في حادث ما زال يلفه الغموض.
اعتزل الداسوكين السخرية بعد وفاة صديقه، وحين وصل الجثمان إلى الدار البيضاء انخرط فناننا في نوبة بكاء طفولي. منذ ذلك الحين قرر مقاطعة ملاعب الكرة حدادا على لاعب لا يخلف الميعاد مع سهرات الثنائي الداسوكين والزعري.
حين كان مصطفى لاعبا أساسيا في صفوف فريق الفنانين، كان يصر على محاكاة الراحل "بيتشو" رغم ضعف صبيب التعبئة من اللياقة البدنية، بل إن بعض أعماله لا تخلو من اسم فقيد الكرة المغربية، ولو من باب ذكر.
ظل الموت يتربص بالداسوكين، فقد شاءت الصدف مرة أخرى أن تموت والدة مصطفى إثر حادثة سير مما أثر في نفسيته وأدخله نفس الحداد المظلم، وهي التي كافحت من أجله حين تحالف عليهما الفقر واليتم.
كانت الفاجعة الثالثة ثابتة إذ تعرض ابنه الأكبر لحادثة سير مفجعة وهو على متن سيارة أجرة بمنطقة عين السبع بالدار البيضاء، حيث لقي حتفه في الحين نتيجة تهور سائق شاحنة.
مات الابن في حرب الطرقات حين كان والده بصدد إنجاز عمل تحسيسي حول الوقاية من حوادث السير، فصرف النظر عن التحسيس. وقبل أن يلتئم الجرح سترحل زوجته ويبقى الداسوكين في قبو الألم.
سألت مصطفى يوما عن الحال والأحوال، فقال بلغة لكوايرية: "أعيش الوقت الإضافي من مباراة العمر".