هكذا يشتغل البرلمان المغربي في زمن كورونا
مع تيلي ماروك
بعد استئناف العمل البرلماني في ظل الظروف الاستثنائية التي فرضتها حالة الطوارئ الصحية، باتخاذ تدابير وقائية، من خلال تقليص حضور البرلمانيين، بالاقتصار على ثلاثة أعضاء من كل فريق، أثارت مسطرة التصويت على النصوص القانونية جدلا دستوريا وصل صداه إلى المحكمة الدستورية، حيث اعتمد مجلس النواب طريقة التصويت بالوكالة، فيما اعتمد مجلس المستشارين طريقة التصويت عن بعد، في ظل الفراغ القانوني الذي ينظم الجلسات خلال فترة الأزمات، ما يفرض على البرلمان تدارك مثل هذه الثغرات بتعديل النظام الداخلي للمجلسين.
يعقد مجلسا البرلمان جلساتهما التشريعية والرقابية للحكومة في ظل ظروف استثنائية غير مسبوقة تعيشها البلاد فرضتها حالة الطوارئ الصحية للوقاية من جائحة فيروس كورونا، وتم اتخاذ إجراءات بتقليص حضور البرلمانيين لضمان استمرارية عمل المؤسسة التشريعية، رغم ما تطرحه من إشكالات بسبب وجود فراغات قانونية ودستورية تؤطر عمل البرلمان في مثل هذه الحالات، حيث تفرض الضرورة عدم تعطيل هذه المؤسسة لتمرير قوانين استعجالية. وفي هذا الصدد اتخذ مكتبا المجلسين عدة تدابير للوقاية من فيروس كورونا أثناء انعقاد الجلسات الأسبوعية والشهرية، ويقتصر حضور هذه الجلسات على ثلاثة أعضاء من كل فريق برلماني في جلسات مراقبة الحكومة وكذلك جلسات التصويت على النصوص التشريعية، ما أثار الكثير من الجدل حول مدى دستورية هذه الجلسات، وصل صداها إلى المحكمة الدستورية بتقديم طعن من طرف فريق الأصالة والمعاصرة.
تدابير استثنائية لعقد الجلسات
اتخذ مكتبا مجلسي النواب والمستشارين تدابير استثنائية لتنظيم جلسات مساءلة الحكومة، وكذلك الجلسات التشريعية التي تخصص للمصادقة على النصوص القانونية، حيث يقتصر الحضور فقط على رئيس الفريق ورئيسة المجموعة النيابية أو من ينوب عنهما بالإضافة إلى عضوين عن كل فريق ومجموعة. وتم تخصيص جلسات الأسئلة الشفوية الأسبوعية للقطاعات الحكومية المعنية بتدبير جائحة فيروس كورونا، ويتعلق الأمر بقطاعات الصحة، والداخلية، والاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، والصناعة والتجارة والاقتصاد الأخضر والرقمي، والتربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، والشغل والإدماج المهني، والفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات.
وأكدت مذكرة رئيس المجلس، أنه بالنسبة لأعمال اللجن الرقابية التي تكتسي أهمية خاصة في التتبع اليومي والمواكبة المستمرة، فستعمل بنفس المقتضيات الشكلية المتعلقة بالحضور. وأوضحت المذكرة أنه، بخصوص أنشطة المجلس الخاصة بالتقييم السنوي للسياسات العمومية ومناقشة تقارير المؤسسات الدستورية والمهام الاستطلاعية، ستحدد مواعدها في إطار أجهزة المجلس التقريرية حسب الحالة، أما بالنسبة للجلسات التشريعية فسيتم إعطاء الأولوية، باتفاق مع مكونات المجلس والحكومة، للتشريع المرتبط بإكراهات المرحلة ومتطلباتها الخاصة بإقرار القوانين، دون إغفال المبادرات النيابية التي من شأنها إغناء المادة التشريعية ذات الصلة. كما أوصت مذكرة الرئيس باتخاذ تدابير عملية أخرى للوقاية في الفيروس، من خلال احترام المسافة المطلوبة في الجلوس، ووضع المطهرات وأدوات التعقيم في مداخل قاعة الجلسات، وإيقاف الزيارات إلى مقر المجلس، وكذلك إيقاف تنظيم الأيام الدراسية والتواصلية، وتعقيم قاعة الجلسة العامة وقاعات اللجن الدائمة.
وبخصوص تدبير الجلسات في ظل حالة الطوارئ الصحية، وما تفرضه من تدابير وإجراءات وقائية، تم الاتفاق على تقليص تمثيلية الفرق البرلمانية، بالاكتفاء بحضور رئيس الفريق أو من ينوب عنه، بالإضافة إلى نائب أو نائبين عن كل فريق، ما يعني أن الجلسة ستكون بحضور 20 برلمانيا كأقصى عدد من أصل 395 برلمانيا يتكون منهم المجلس، وبالنسبة للحكومة يحضر وزير أو وزيران فقط للرد على الأسئلة المبرمجة في الجلسة، وهذه الأسئلة تكون كلها حول نفس الموضوع، يعني طرح سؤال من جميع الفرق يليه رد الوزير المعني على الأسئلة دفعة واحدة، ثم التعقيب، ولا تتجاوز مدة عقد كل جلسة ساعة ونصف الساعة.
التصويت بالوكالة والتصويت عن بعد
خلافا لمجلس النواب الذي يعتمد طريقة التصويت بالوكالة لرؤساء الفرق، وفي سابقة من نوعها، قرر مكتب مجلس المستشارين اتخاذ كل التدابير اللازمة من أجل اعتماد آلية التصويت الإلكتروني بالجلسات العامة، مع تعميمها على اللجان الدائمة. وجاء في بلاغ لمجلس المستشارين، إنه «إعمالا لمقتضيات الفصل 60 من الدستور في فقرته الأولى، والتي تنص على أن حق تصويت الأعضاء حق شخصي لا يمكن تفويضه، والمادة 175 من النظام الداخلي للمجلس التي تنص على أن التصويت يكون علنيا برفع اليد أو بواسطة الجهاز الإلكتروني المعد لذلك، فقد قرر المكتب اتخاذ كل التدابير اللازمة من أجل اعتماد آلية التصويت الإلكتروني بالجلسات العامة، مع تعميمها على اللجان الدائمة، انطلاقا من الأسبوع المقبل». وأضاف المصدر ذاته، أن رئيس المجلس وأعضاء المكتب أكدوا على أهمية توفير كافة الوسائل الفنية واللوجستيكية للاشتغال عن بعد، بما يضمن مشاركة كافة المستشارين في أشغال المجلس.
وفيما قرر مجلس المستشارين اعتماد تقنية التصويت عن بعد في الجلسات التشريعية التي يعقدها للتصويت على النصوص القانونية، يعتمد مجلس النواب طريقة التصويت بالوكالة، حيث يتم احتساب صوت رئيس الفريق بأعداد البرلمانيين الذين يتشكل منهم الفريق، رغم عدم حضورهم الفعلي لأشغال الجلسات، بسبب التدابير الاحترازية التي اتخذها مكتب المجلس، حيث يتم الاقتصار على حضور ثلاثة أعضاء من كل فريق، بينهم رئيس الفريق أو من ينوب عنه، وأثارت هذه الطريقة جدلا حول مدى مطابقتها للدستور والقانون، لأن التصويت حق شخصي لا يمكن تفويضه.
ولم يستبعد الأستاذ الجامعي، عمر الشرقاوي، وقوع بعض الإشكالات الدستورية المرتبطة بالتصويت، باعتباره حقا شخصيا لا يمكن تفويضه وفق منطوق الفصل 60 من الدستور، مبرزا أنه لا يمكن حرمان أي برلماني من هذا الحق تحت ذريعة مطالبته بعدم الحضور لأسباب صحية التزاما بمقتضيات مرسوم قانون الطوارئ، وقال:«فمن العبث احترام قاعدة قانونية وانتهاك قاعدة دستورية تسموها مكانة وقيمة، وهذا الأمر هو ما يحتم إبداع تدابير لتجاوز مغامرة مصادرة حق التصويت أو تفويضه بشكل غير مباشر خصوصا تجاه القوانين التنظيمية التي تتطلب نصابا محددا أثناء التصويت عليها». ويقترح الشرقاوي التعطيل الجزئي للوظيفة التشريعية في زمن الوباء ينبغي أن يطالها خصوصا على مستوى المصادقة داخل الجلسات العامة التي تعد أعمالها تقريرية مع استمرار النشاط التشريعي داخل اللجان التي تبقى أعمالها بمثابة أشغال تحضيرية وفق قرار سابق للمجلس الدستوري.
جدل التشريع عن بعد
يرى الباحث والمحلل السياسي، إدريس بنيعقوب، أن التمثيلية النيابية في المبدأ العام لا تنظر إلى النائب أو ممثل الناخبين من منظور مادي جسدي أو كـ«فم» للخطابة والمناقشة الشفهية، وإنما ترى فيه مؤسسة تؤدي عمل التمثيلية والرقابة حسب السياقات مع إبقاء المجال مفتوحا لإبداع طرق ومساطر ومنهجيات للعمل، من هنا تتعدد وتختلف إلى حد ما الأنظمة الداخلية لسير المؤسسات النيابية عبر العالم، وتتعدد قواعد القانون البرلماني الذي يتطور حسب الظروف. وأوضح بنيعقوب أن القاعدة العامة هي حضور النواب للتداول التشريعي في مؤسسة البرلمان، وأيضا في مساءلة الحكومة وفي التصويت على مختلف المبادرات التشريعية، لكن تبقى هذه القاعدة مرتبطة بالظروف العادية، مشيرا إلى أنه في السياقات الاستثنائية هناك اجتهادات في القضاء والفقه المقارن رسخت ما يسمى بنظرية الظروف الاستثنائية التي من شأنها أن تعطل جزئيا الإرادة العامة وتجعلها في حالة تشبه الشلل إزاء الفعل العمومي، ثم هناك نظرية القوة القاهرة غير المتوقعة التي تؤثر على الإرادة وتشل التعاقدات المدنية والاجتماعية، وبالتالي تدفع الأطراف إلى تغيير بنود الاتفاقات والالتزامات، بتجميع هذه العناصر في ظل سياق خطير على الصحة العمومية للجماعة المغربية وللأفراد، فإنه ينبغي التعامل مع الاستثناء بقاعدة استثنائية وليس القاعدة العادية.
وأوضح بنيعقوب أن حضور النواب كلهم للبرلمان قد يكون عنصرا خطيرا إن على صحتهم أو على ذويهم ومقربيهم وعلى مخالطيهم في حال انتقال عدوى الوباء، لذلك، يضيف المتحدث،«ينبغي التغاضي عن مساطر التداول الشفهي الحضوري لفائدة المساطر الكتابية من مناقشات ودفوعات وتعقيبات وردود إلكترونية آنية ولم لا عقد جلسات تداول ومناقشة عبر وسائل التواصل التكنولوجية، بعد التوافق بين جميع مكونات البرلمان بواسطة محضر أو تعاقد استثنائي لهذه الغاية».
وبخصوص دستورية هذه المسطرة، أبرز بنيعقوب أن الدستور نفسه يتوقع تعطيل مؤسسات في حالة أزمات كالحروب وحالة الاستثناء، ومن هنا يمكن القياس على هذه الحالات في تدبير المؤسسات السياسية أثناء الأزمات، مشيرا إلى أن الدستور روحا ومنطوقا أولا جاء لحماية المواطن وصيانة حقوقه، وعندما تتعرض هذه الحقوق التي تعتبر أولوياته لمخاطر حقيقية، فإنه يفترض إيقاف جزئي لبعض المقتضيات لأن الأهم والمقدس بالنسبة للدستور هو الإنسان وليس المؤسسة في حد ذاتها، ومع ذلك، يضيف بنيعقوب، يمكن استشارة البرلمان للمحكمة الدستورية لتعزيز وتوسيع المشاركة في اتخاذ القرار الدستوري المناسب أو عند الاقتضاء طلب تحكيم ملكي باعتبار الملك الممثل الأسمى للدولة والحكم بين المؤسسات وضامن استمرارية الدولة، وخلص إلى أن القواعد العادية في التواصل والتشاور والتداول قد اعترضتها أزمة الوباء ويتعين توفر المرونة الكافية والتكيف مع الظروف الاستثنائية التي قد تطول لإقرار قواعد جديدة للتداول والرقابة، وحتى يصبح هذا النقاش حول هذا الموضوع وكأنه مفتاح الخلاص من الوباء، يجب الإسراع في خلق آليات وأدوات عمل برلماني جديد وألا يتحول النقاش من المساهمة لإيجاد حلول للأزمات المتفرعة عنها اجتماعيا واقتصاديا بدل الدخول في نقاش غير متوافق مع حالة الطوارئ والاستعجال.
الهشومي: استئناف عمل البرلمان في حالة الطوارئ إجراء دستوري سليم شكلا ومضمونا
أكد كمال الهشومي، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري، أنه رغم الظرف الاستثنائي الذي فرضته حالة الطوارئ الصحية، فإن البرلمان وجب عليه اعتماد أجندته العادية ولكن بشروط وآليات استثنائية، باتخاذ مجموعة من الإجراءات الاحترازية تنفيذا لدوره الدستوري بطريقة وقائية تجنب أعضاءه مخاطر تنقل المرض فيما بينهم إعمالا لإجراءات الحجر الصحي، وبشكل توافقي لا يمس نهائيا الصلاحيات الدستورية للنائب البرلماني.
واعتبر الهشومي استئناف عمل البرلمان في هذا الظرف الاستثنائي إجراء دستوريا سليما شكلا ومضمونا، أما بخصوص طريقة العمل والإجراءات المتخذة في هذا الشأن فيمكن مناقشتها على ضوء الدستور والنظامين الداخليين للمجلسين، ثم على سبيل الدراسة المقارنة لبعض برلمانات العالم والتي اتخذت كلها وبدون استثناء إجراءات تتماشى مع طبيعة الوضعية الاستثنائية، وأساسا في ما يخص عملية التشريع، وبالضبط التصويت على القوانين وحضور الجلسات .
حرج النص الدستوري
في هذا الصدد، يطرح العديد من المختصين حرج النص الدستوري الذي يعتبر أن التصويت حق شخصي لا يمكن تفويضه، وأن عضو البرلمان هو ممثل بكامل الشرعية عن دائرته الانتخابية لا يجب منعه من حضور الجلسات العمومية أو حضور وتتبع أشغال اللجن، خاصة الأعضاء كاملي العضوية باللجنة، وأضاف «وهنا نتقدم بالدفع بعيدا عن المدرسة الكلاسيكية أو التاريخية في التأويل والتفسير التي تتشبث بحرفية النص إلى غيرها مما يدفع بروح النص وبعدم جمود القاعدة القانونية»، مشيرا إلى أن الوضعية تتميز بظروف استثنائية تفرض إجراءات وترتيبات استثنائية، ومن الناحية القانونية الشكلية، عقد كل مجلس اجتماعا لأجهزته وأساسا مكتب المجلس واجتماع رؤساء الفرق والمجموعات النيابية، وتم الاتفاق على اتخاذ هذه الإجراءات الاستثنائية بالإجماع التوافقي لمكونات كل مجلس على حدة (بالنسبة لمجلس النواب: 30مارس 2020 اجتماع مكتب المجلس ثم اجتماع مع رؤساء الفرق والمجموعة النيابية، بالنسبة لمجلس المستشارين: 6 أبريل 2020 اجتماع مكتب المجلس).
هذه الإجراءات المتخذة ممثلة أساسا في حضور ثلاثة نواب عن كل فريق ومجموعة خلال الجلسات العامة (تم توسيعها من بعد بإضافة 10 نواب مقسمة وفق قاعدة التمثيل النسبي بالنسبة لمجلس النواب ابتداء من جلسة 18 ماي 2020) وبحضور رؤساء الفرق أو من ينوب عنهم في اجتماعات اللجن (مع ضمان النقل المباشر وضمان إمكانية المناقشة عن بعد من طرف أعضاء اللجن) ، بالإضافة إلى توقيت زمني متساو بين كل الفرق والمجموعات النيابية (مع إضافة 15 دقيقة مقسمة حسب التمثيل النسبي ابتداء من جلسة 11 ماي 2020). وهو إجراء يتوخى من خلاله البرلمان تقليص مدة المناقشة لضمان سلامة الحاضرين.
ومن الناحية الموضوعية، يضيف الهشومي، فإن الظرف الحالي الذي يعيشه المغرب، كما دول العالم، يفرض العمل بالحد الأدنى الذي يضمن تدبير حالة الطوارئ الصحية بما يضمن إجراءات السلامة، لأن هذه الأخيرة هي الأولوية حالياً، وهو ما يفرض هكذا إجراءات لتجنيب البرلمان كارثة فيروسية قد تعصف بأعضائه ولمن عاشروهم أو اختلطوا بهم من أسرهم أو دائرتهم في تعاملاتهم النيابية أساسا، يكون معها لزوما حجرا انفراديا عن أية حركة ولا قدر الله إغلاق البرلمان، وبالتالي تعطيل ممارسة المهام النيابية باسم الأمة حسب صريح النص الدستوري، وهو شيء ليس من أهداف أي قانون الذي يعتبر مرجعه أساسا في حفظ مصلحة المجتمع أفرادا وجماعات، ثم كان بالإمكان أن تطرح هذه الإجراءات إشكالات عميقة في حالات التجاذبات السياسية وعدم اتفاق الفرق النيابية الممثلة للتوجهات السياسية لأحزابها، والتي أبانت عن توافق بالإجماع المطلق لاتخاذ كل هذه الإجراءات، إذ اعتبرت كل الفرق والمجموعات النيابية أن الظرفية تتطلب الالتحام وتضافر الجهود ولا فرق بين أغلبية ومعارضة حسب بلاغ لمجلس النواب بمناسبة اجتماع رئيس المجلس مع رؤساء الفرق والمجموعة النيابية، كما أن هناك بيانات مشتركة بين مجموعة من الأحزاب باختلاف تموقعها السياسي بالبرلمان تعبر عن رضاها ودعمها لكل الإجراءات المتخذة من طرف الحكومة.
القوة الاقتراحية والرقابة
أشار الهشومي، بخصوص حضور الجلسات العامة، إلى أنهتم الانضباط التام لعدد وشكلية الحضور، وهو أمر لا يطرح أي إشكال من الناحية القانونية أو الدستورية، وبخصوص عملية التشريع والتي تعتبر مسألة مهمة، خاصة أن البرلمان بغرفتيه مطالب بالتصويت على بعض مشاريع القوانين، حيث تطرح مسألة النصاب والحضور وعدد المصوتين، أكد هشومي أنه رغم أن الدستور يتكلم عن مبدأ أساسي يتمثل في كون التصويت حقا شخصيا لا يمكن تفويضه (الفقرة 1 من الفصل 60 - المادة 156 من النظام الداخلي لمجلس النواب، المادة 157 من النظام الداخلي لمجلس المستشارين)، فان ذلك مرتبط بعدد الحضور أي عدد المصوتين، إذ أن انعقاد الجلسات العامة بما فيه الجلسات الافتتاحية للدورتين لم يشترط لا الدستور ولا القانون عددا معينا أو محددا من الحضور، وكذلك الأمر بالنسبة لعملية التصويت على القوانين العادية، فباستثناء مشاريع أو مقترحات القوانين التنظيمية التي تخص مجلس المستشارين أو الجماعات الترابية فإن التصويت يكون وجوبا بأغلبية أعضاء مجلس النواب (الفقرة الأخيرة من الفصل 85 من الدستور)، وبالإضافة إلى بعض التعيينات في بعض المؤسسات الدستورية من طرف مجلسي البرلمان والتي تشترط عددا محددا من المصوتين (ثلتي أعضاء كل مجلس على مرشحه لعضوية المحكمة الدستورية على سبيل المثال) ثم باستثناء هذه القوانين التنظيمية لا يشترط أي عدد للمصوتين لاعتماد تشريع قانوني بالمجلسين، بحيث تتبع قاعدة أصوات أغلبية الحاضرين.
وقالالهشوميإن عبرة التشريع تروم القوة الاقتراحية والرقابة على عدم الإضرار بمصالح المجتمع عامة بالنقاش وتبادل الأفكار كل حسب موقعه السياسي، ولئن اعتبرت أشغال اللجن أشغالا تحضيرية تستهلك فيها من الناحية المبدئية كل النقاشات التفصيلية، بالتدقيق في مختلف مواد المشاريع والقوانين المعروضة، واعتبر التصويت دائما بالجلسات العامة هو تصويت سياسي بعد استنفاذ النقاشات والتعديلات والاقتراحات عبر اللجن، يترجم قناعات واختيارات وتموقع الفريق أو المجموعة، وخلص إلى أن التصويت داخل الجلسات العمومية يعتبر تصويتا يمثل الفريق أو المجموعة برمتها، وبالتالي باستثناء ما نص عليه الفصل 185 من الدستور فإن انتداب عدد محدود من أجل التصويت بالجلسة العامة لا يعد إشكالا دستوريا أو قانونيا.
ثلاثة أسئلة
عبد الحفيظ ادمينو أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس بالرباط
1- ما مدى أهمية النقاش المثار حول التصويت عن بعد على القوانين في مجلسي البرلمان؟
من القضايا المرتبطة بهذا النقاش الذي بات مطروحا بقوة خلال هذه الفترة المرتبطة بأزمة انتشار وباء كورونا، تفعيل مقتضيات النظام الداخلي للبرلمان، كما هي في الظروف العادية، المرتبطة بحضور النواب، وتحقق الأغلبية المطلوبة للتصويت على القوانين، والموافقة على النصوص القانونية المعروضة أمام غرفتي البرلمان، سواء مجلس المستشارين، أو مجلس النواب. وفي هذا الصدد، فقد اهتدى مجلس النواب إلى أنه من الضروري العمل على تقليص حضور النواب، والاعتماد على تمثيلية من كل فريق من الفرق البرلمانية، وذلك من أجل حماية البرلمانيين، وتجنب إصابتهم بالوباء، لكن الممارسة أثبتت أن هناك العديد من الأسئلة التي لم يجب عنها النظام الداخلي، ومنها ما يتعلق بالتصويت، سواء من حيث الحوامل التي يتم على أساسها التصويت، هل هو تصويت حضوري، يتطلب حضور النائب، من خلال رفع اليد للتصويت بنعم، أو الضغط على الزر في المكان المخصص لكل نائب. وهذه الأسئلة كلها مطروحة، خاصة أن الدستورفي الفصل 60، جاء واضحا جدا، بجعل التصويت حقا شخصيا ولا يمكن تفويضه، على خلاف بعض الأنظمة الدستورية، كما هو الشأن في فرنسا، التي منحت الإمكانية لتفويض التصويت، سواء في الدستور، أو النظام الداخلي للجمعية العامة بفرنسا، والتي، وإن أقرت إمكانية التصويت فقد قيدته ببعض الشروط، منها أنه يكون التفويض لنائب باسمه، ولا يمكن أن يتجاوز ثمانية أيام.
وفي النظام الداخلي لمجلس النواب، نجد أن المادة 56 تقول إن الاقتراع يعتبر صحيحا بغض النظر عن عدد الحاضرين، باستثناء الحالات التي يوجب فيها الدستور أغلبية معينة، مثل التصويت على القوانين التنظيمية، وبالتالي فإن هذه المادة صالحة لتدبير المرحلة التالية، ما دام أن التصويت مطلوب فيه فقط الأغلبية النسبية، وبطبيعة الحال، فهذه المادة لا تمنع من أن يفكر مكتب مجلس النواب في أساليب جديدة، على اعتبار أن المشرع لم يحسم بضرورة الحضور، وإن كان قد أحال على رفع الأيدي، أو ضغط الزر، غير أن هذا الزر الذي يجب أن يضغط عليه النائب البرلماني من أجل التصويت، قد يمكن اعتباره جزافا، في التطبيق الإلكتروني لدى هذا النائب، وبالتالي فهذا لا يمنع من أن تدخل هذه الوسيلة الجديدة في النظام الداخلي للمجلس.
2- ماذا عن الدور الرقابي للمؤسسة التشريعية؟
حتى في حالة الطوارئ الصحية، من المنتظر أن تستمر جلسات البرلمان، فالمرسوم الذي عرض على البرلمان ليصادق عليه ويصبح قانونا، وهو المتعلق بحالة الطوارئ الصحية، يمنح سلطات أوسع للسلطة التنفيذية الممثلة في الحكومة، بمعنى أنه يمنح للحكومة صلاحية اتخاذ القرارات والمراسيم والمناشير وبلاغات يكون الهدف منها هو محاصرة هذا الوباء، وبالتالي تعطى للسلطة التنفيذية صلاحيات قد تقيد الحريات، وهو ما لاحظناه في منع التنقل بين المدن، وتقييد حريات التجول والتنقل والتجمع، وهذه كلها حريات تم الحد منها بموجب قرارات صادرة عن السلطات الإدارية، ولكن الأهم في هذه القرارات أنها استندت على القانون، حيث تم الاعتماد على المرسوم الوزاري وهو الذي أخذ المسلك التشريعي ليصبح قانونا بعد مصادقة البرلمان، وبالتالي فالبرلمان في هذه المرحلة لديه مهمة تشريعية وأخرى رقابية، يجب أن يكون مناطا بها، وهذه الوظيفة لا ترتبط بالفترة الحالية، بل هي صلب اختصاصاته، وهو ما حددته المواد الدستورية 70 و71، وبالإضافة إلى ذلك، فإن هذه الصلاحيات التي منحت للسلطة التنفيذية، لابد من أن تراقب، إذ لا يعقل أن يمنح مرسوم وزاري أو منشور السلطات المطلقة للسلطة التنفيذية، دون أي رقابة من البرلمان، ولهذا، وبالرجوع إلى الأجندة الرقابية للبرلمان خلال الأشهر المقبلة، نجد أنها سطرت القطاعات المعنية بهذه الظرفية، منها وزارات الصحة والداخلية والفلاحة والمالية والتجارة والصناعة، وكذلك التربية الوطنية، وبالتالي، فإن هذه القطاعات يجب أن تبقى تحت رقابة البرلمان، سواء في ما يتعلق باحترام قانون الطوارئ، أو سن إجراءات جديدة في تلك القطاعات من شأنها التضييق أكثر على الحريات العامة، كما أن من المهام المنتظرة من البرلمان أيضامواكبة التشريع لما بعد فترة الحجر الصحي، والآثار التي سيخلفها على عدد من القطاعات.
3- هل آن الأوان لمراجعة القانون الداخلي لمجلسي النواب والمستشارين؟
لعل من حسنات هذه الجائحة، إن كانت لها حسنات، أنها تغير من منطق إعداد التشريعات، لأن المنطق في التشريع هو تنظيم علاقات قائمة بين الأفراد، وهذه الجائحة دفعت إلى إدخال منطق تدبير المخاطر في صياغة القاعدة التشريعية، بمعنى أنه كانت هناك عدد من القرارات التي اتخذت بشكل استباقي، كما هو الشأن بالنسبة للتدريس عن بعد، وعدد من المجالات التي لا تهم البرلمان فقط، بل حتى مجال الاشتغال الحكومي، ومجلس الحكومة، إذ نجد أن القانون المنظم لأشغال الحكومة، 13-65، لا يشير إلى الاجراءات الجديدة لعقد المجلس الحكومي عن بعد، ويكتفي بالإشارة إلى أن رئيس الحكومة يرأس أعمال مجلس الحكومة، لكن لا يحدد هل هو من الضروري حضور الوزراء بشكل فعلي، وهو الأمر الذي أتاح للحكومة إمكانية التماشي مع تطورات الأوضاع من خلال عقد جلسات الحكومة بالاعتماد على تقنية التواصل عن بعد. وعلى هذا المنحى من الاجتهاد، سار كذلك مكتب مجلسي النواب والمستشارين، بالاعتماد على تقنية التواصل والتصويت عن بعد، واعتبر أنه إذا ما تم مستقبلا طرح النظام الداخلي للمجلس من أجل التعديل، فإنه من اللازم مراعاة هذه التغيرات وضرورة المرونة مع التطورات الحاصلة.
أهم القوانين التي صادق عليها البرلمان في حالة الطوارئ الصحية
صادق البرلمان خلال فترة الحجر الصحي على مجموعة من النصوص القانونية التي تكتسي طابعا استعجاليا، ومن أبرزها استكمال المسطرة التشريعية بالمصادقة على القانون المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها من أجل الحد من تفشي جائحة فيروس «كوفي 19»، الذي تقدم به وزير الداخلية.
الطوارئ الصحية
يندرج القانون المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية في إطار التدابير الوقائية الاستعجالية التي تتخذها السلطات العمومية من أجل الحد من تفشي جائحة فيروس «كوفيد 19»، ويشكل المشروع السند القانوني للسلطات العمومية من أجل اتخاذ كافة التدابير المناسبة والملائمة وكذا الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية بأي جهة أو عمالة أو إقليم أو جماعة أو أكثر، أو بمجموع أرجاء التراب الوطني عند الاقتضاء، كلما كانت حياة الأشخاص وسلامتهم مهددة من جراء انتشار أمراض معدية أو وبائية، واقتضت الضرورة اتخاذ تدابير استعجالية لحمايتهم من هذه الأمراض، والحد من انتشارها، تفاديا للأخطار التي يمكن أن تنتج عنها.
ونظرا لما تقتضيه حالة الطوارئ الصحية، فإن هذا القانون نص على عقوبات زجرية في حق كل شخص يوجد في منطقة من المناطق التي أعلنت فيها حالة الطوارئ الصحية، ولا يتقيد بالأوامر والقرارات الصادرة عن السلطات العمومية، بحيث إنه يعاقب بالحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر وبغرامة تتراوح بين 300 و1300 درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين، وذلك دون الإخلال بالعقوبة الجنائية الأشد، كما يعاقب بنفس العقوبة كل من عرقل تنفيذ قرارات السلطات العمومية المتخذة في هذا الإطار باستعمال العنف أو التهديد أو التدليس أو الإكراه.
سقف التمويلات الخارجية
رخص البرلمان بغرفتيه، لوزير الاقتصاد والمالية بتجاوز سقف الاقتراض الخارجي، وذلك بعد المصادقة على قانون يسمح بتجاوز سقف التمويلات الخارجية، ويندرج في إطار التدابير الرامية إلى الحد من الآثار السلبية لجائحة فيروس كورونا على الاقتصاد الوطني والمالية العمومية بشكل أساسي، وأكدت وزارة الاقتصاد والمالية في المذكرة التقديمية للمشروع، أن التوقف المؤقت لنشاط مجموعة من القطاعات الاقتصادية الحيوية كالسياحة والنسيج وصناعة السيارات سيؤدي إلى تراجع موارد الضريبة على الشركات والضريبة على الدخل، في حين سيؤدي تراجع الطلب الخارجي الموجه للمغرب إلى انخفاض في العائدات الجمركية وموارد الضريبة على القيمة المضافة.
ومن جهة أخرى، تضيف المذكرة، ستؤدي هذه العوامل مجتمعة بالإضافة إلى الانخفاض المتوقع لتحويلات المغاربة المقيمين بالخارج والاستثمارات الأجنبية المباشرة، إلى تراجع احتياطي العملة الصعبة، ونظرًا لذلك، ولتمكين البلاد من توفير حاجياتها من العملة الصعبة، وخاصة عبر اللجوء إلى الأسواق الدولية للاقتراض، ومن توجيه المجهود المالي للدولة والمؤسسات العمومية لمواجهة جائحة كورونا عبر توفير الإمكانيات المالية الضرورية لقطاعات الصحة والأمن، والحد من تداعياتها على المستوى الاجتماعي والاقتصادي في هذه الظرفية الدقيقة التي تمر بها البلاد، ويهدف القانون إلى الترخيص لوزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة بتجاوز سقف المبلغ المتعلق بإصدار اقتراضات وكل أداة مالية أخرى من الخارج التي حددها قانون المالية الحالي في 31 مليار درهم.
تدابير استثنائية لفائدة المشغلين
صادق البرلمان بغرفتيه على قانون يتعلق بسن تدابير استثنائية لفائدة المشغلين المنخرطين بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والعاملين لديهم المصرح بهم، المتضررين من تداعيات تفشي جائحة فيروس كورونا «كوفيد 19»، الذي جاء بعد اكتشاف تحايل عدد من الشركات على القانون للاستفادة من تعويضات صندوق تدبير جائحة كورونا.
ويحدد هذا القانون، الشروط والمعايير لاعتبار مشغل في وضعية صعبة جراء تأثر نشاطه بفعل تفشي جائحة فيروس كورونا، وتتمثل هذه الشروط في أن يكون المشغل قد توقف مؤقتا عن مزاولة نشاطه بموجب قرار إداري اتخذ عملا بمقتضيات المرسوم المتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية سائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا، وأن يكون رقم أعماله المصرح به قد انخفض بنسبة لا تقل عن 50 في المائة برسم كل شهر من أشهر أبريل وماي ويونيو 2020، مقارنة برقم الأعمال المصرح به خلال نفس الشهر من سنة 2019، على ألا يتعدى مجموع عدد الأجراء والمتدربين قصد التكوين من أجل الإدماج، المصرح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي برسم شهر فبراير 2020، والمتوقفين مؤقتا عن عملهم بسبب هذه الجائحة 500 فرد.
وإذا تعدى عدد العاملين 500 فرد، أو إذا انخفض رقم الأعمال المصرح به بنسبة تتراوح بين 25% وأقل من 50%، فإن طلب المشغل المعني يعرض على لجنة تحدث لهذه الغاية وتتألف من ممثلين عن السلطتين الحكوميتين المكلفتين بالمالية وبالشكل والسلطة أو السلطات الحكومية التي تشرف على القطاع المعني والاتحاد العام لمقاولات المغرب.
عقود الأسفار والمقامات السياحية والنقل الجوي
صادق مجلس النواب على مشروع قانون بسن أحكام خاصة تتعلق بعقود الأسفار والمقامات السياحية وعقود النقل الجوي للمسافرين، ويهدف مشروع هذا القانون، الذي تقدمت به نادية فتاح علوي، وزيرة السياحة والصناعة التقليدية والنقل الجوي والاقتصاد الاجتماعي، إلى ضمان حقوق الزبناء، الذين كانت لديهم حجوزات، وكذلك حماية المقاولات السياحية من شبح الإفلاس، ستسمح مقتضيات مشروع القانونهذا لمقدمي الخدمات بتعويض المبالغ المستحقة لزبنائهم بوصل بالدين على شكل اقتراح خدمة مماثلة أو معادلة، دون أي زيادة في السعر، ويكون وصل الدين صالحا لمدة 15 شهرا ابتداء من تاريخ تقديم الاقتراح إلى الزبون، غير أنه بالنسبة لخدمات الأسفار المرتبطة بالعمرة، فإن مدة صلاحية وصل الدين تحدد في تسعة أشهر، وتشير المذكرة إلى أنه عندما يتم اقتراح وصل بالدين، لا يمكن للزبناءاسترجاع المبالغ التي تم تأديتها وذلك طيلةمدة صلاحية وصل الدين .
وينص القانون على أنه إذا تعذر إبرام العقد المتعلق بالخدمة الجديدة قبل نهاية مدة صلاحية وصل الدين وحفاظا على حقوق المستهلكين، يقوم مقدم الخدمة فورا بإرجاع مجموع المبالغ المؤداة من طرف الزبون، وتشير المذكرة إلى مقتضيات مشروع القانون هذا محددة لفترة زمنية دقيقة وبشروط مبينة وتخص عقود الأسفار والمقامات السياحية وعقود النقل الجوي للمسافرين المبرمجة في الفترة ما بين فاتح مارس 2020 وإلى غاية 30 شتنبر 2020 والتي تم إلغاؤها نتيجة تفشي جائحة فيروس كورونا بصفته طارئ يصعب التنبؤ به وتجاوزه.