اختلاس وتبديد أموال بتعاضدية الموظفين والتحقيق يطال عبد المولى وأتباعه
مع تيلي ماروك
وضع المتصرفون المؤقتون المكلفون بتسيير التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية، شكاية لدى الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بالرباط، من أجل فتح تحقيق بشأن اختلاس مبالغ مالية من مداخيل بعض المرافق الاجتماعية التابعة للتعاضدية. وعلمت «تيلي ماروك»، من مصادر مطلعة، أن الوكيل العام أحال الملف على نائبه المكلف بجرائم الأموال، حيث شرعت فرقة الشرطة القضائية المكلفة بالجرائم المالية في إجراء الأبحاث الأولية.
شكاية لدى الوكيل العام
وضع محامي التعاضدية، بطلب من المتصرف المؤقت، رفيق إدريسي الأزمي، شكاية لدى الوكيل العام ضد مدير مركزي يسمى «ع.ب»، الذي يعمل بالشساعة المركزية للتعاضدية، باعتباره مسؤولا ماليا مكلفا بتدبير مداخيل التعاضدية منذ 13 سنة، ومكلفا بمهام تدبير المصاريف بالشساعة المركزية منذ 17 مارس 2014، وذلك بعد «ثبوت ارتكابه لجريمة خيانة الأمانة واختلاس وتبديد أموال عمومية»، حسب ما ورد في مراسلة تحمل توقيع المتصرف المؤقت. وأوضحت المصادر أن النيابة العامة توصلت بملف متكامل يتضمن كل الوثائق التي تثبت وجود شبهة اختلاس وتبديد أموال عمومية، ومن المنتظر أن يطيح هذا الملف برؤوس كبيرة كانت تتحمل المسؤولية على رأس الأجهزة المسيرة السابقة للتعاضدية، والتي تم حلها بقرار مشترك بين وزيري الشغل والمالية.
وتفجر ملف الاختلاس بعد زيارة تفقدية قام بها المتصرفون المؤقتون المكلفون بتسيير التعاضدية، يوم الجمعة 29 نونبر 2019، إلى المركب الصحي والاجتماعي مولاي عبد الله التابع لهذه التعاضدية بالرباط. وخلال تلك الزيارة، اكتشف المتصرف المؤقت المكلف بإجراء الانتخابات من خلال الأسئلة التي كان يطرحها على الشساعين المجمعين المكلفين باستخلاص واجبات الخدمات الصحية من منخرطي التعاضدية الوافدين على هذا المركب، أن رئيسهم المباشر «ع.ب» بصفته الشساعي المركزي (le régisseurcentral) يقوم منذ سنة 2014 بتحصيل المبالغ المالية التي يستخلصونها عند نهاية كل يوم، بدون توقيع محاضر تثبت استلامه لهذه الأموال منهم، خلافا لما هو منصوص عليه بمسطرة تدبير الشساعة.
وذكر الشساعي المركزي بأن مسطرة توقيعه على إشهاد (décharge) بتوصله بقائمة المستفيدين مرفوقة بتواصيل الأداء ومجموع الأموال المحصلة اليومية قد ألغاها رئيس المجلس الإداري المعزول، عبد المولى عبد المومني، وأصبح الاكتفاء فقط بتسليم الأموال المستخلصة للشساعي المركزي دون إشهاد، وهو ما كشف عن المؤامرة التي جمعت في الخفاء بين الرئيس والشساعي الذي لا يتوفر حتى على شهادة ابتدائية وأوكلت له مهام وتعويضات رئيس مصلحة، ومباشرة بعد ذلك، وبحضور الشساعي المركزي والمتصرفين المؤقتين للتعاضدية، قام المتصرف المؤقت المكلف بإجراء الانتخابات بتدقيق حسابات أيام 25، 26، 27 و28 نونبر 2019، وكانت المفاجأة وجود فارق يقدر مبلغه بـ 12 ألف درهم لم يتم وضعه في حساب التعاضدية المفتوح بالخزينة العامة للمملكة.
تدقيق الحسابات
إثر ذلك، تم تكليف مدققين من التعاضدية العامة بإجراء تدقيق لحسابات الشساعة المركزية برسم الفترة الممتدة من يناير إلى نونبر 2019، وكانت النتيجة أن الشساعي المركزي لم يكن يقوم بإيداع جميع الأموال المستخلصة لدى حساب التعاضدية العامة بالخزينة العامة للمملكة، بل إنه يتعمد الاحتفاظ بجزء من هذه الأموال، وبلغ مجموع هذه الأموال التي يجهل مصيرها ولم يتم إيداعها بحساب التعاضدية خلال الفترة الممتدة من يناير إلى نونبر من سنة 2019 ما مجموعه 60 مليون سنتيم، فيما لم يتم تدقيق الحسابات المتعلقة بالسنوات الممتدة من 2014 إلى 2018.
وأكدت المصادر أن الشساعي المركزي توارى عن الأنظار ولم يعد له أثر داخل التعاضدية منذ 11 دجنبر 2019، وبالنظر إلى أن نتائج تقرير المهمة الرقابية كشفت عن وجود أفعال تشكل جرائم خيانة الأمانة واختلاس وتبديد أموال عمومية، فإن الأمر اضطر متصرفي التعاضدية إلى وضع شكاية باختلاس وتبديد أموال التعاضدية لدى النيابة العامة، خلال شهر يناير الماضي.
وتشير المعطيات إلى أن الشساعي المركزي متورط إلى جانب مسؤولين بالمكتب المسير السابق في اختلاس المساهمات المالية للمنخرطين في الحملات الطبية غير القانونية والمنظمة رغم اعتراض وزارة الشغل والإدماج المهني، وتتجاوز هذه المداخيل 800 مليون سنتيم (بين 2013 إلى 2019) كما سبق لهيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي أن أثارت في تقريرها الخروقات والتجاوزات المالية الخطيرة التي عرفها تدبير الشساعة، خاصة مع الفنادق التي احتضنت لقاءات واجتماعات نظمتها التعاضدية العامة، وكان مسؤولون بالتعاضدية وموظفون تابعون لهم يحصلون على عمولات وأموال عبارة عن سيولة من الفنادق تحت مبرر صرفها كتعويضات عن التنقل للمناديب لتعاد تسويتها من خلال فواتير تحت مسميات أخرى.
وكشفت عملية التدقيق، أن الشساعي المركزي تلاعب بالمستخدمة (إ.ن) التي تشتغل بمصلحة المحاسبة، وذلك منذ مدة، بعد أن طلب منها إقحام هذه المداخيل ضمن حسابات التعاضدية العامة بطريقة غريبة حيث كان يمدها بجدول أسبوعي بدون وثائق ومستندات لإثبات المداخيل الحقيقية خال من أي معلومات دقيقة، حيث كان من المفروض أن تحمل هذه الجداول التواريخ اليومية وأسماء المستفيدين والمداخيل المطابقة لها مرفوقةبالإشهادات الأسبوعية ونظائر من التواصيل مؤشر عليها من طرف الشساعيين المجمعين، إضافة إلى توقيعه، وهو ما لم يحصل أبدا، من أجل تسهيل عملية تدمير المستندات وإتلافها، وتعود هذه العملية التحايلية لتسهيل قنوات الاختلاس إلى ست سنوات خلت دون أي مراقبة.
تجاوزات مالية خطيرة
أفادت المصادر بأن الرئيس السابق المعزول، عبد المولى عبد المومني، كان على علم بكل هذه التجاوزات الخطيرة وسبق أن تم إخباره بمجموعة من الاختلالات المالية الخطيرة في الشساعة من طرف المسؤولة عن مصلحة مراقبة التسيير السابقة (وداد) التي قدمت استقالتها بفعل غموض سلوك الرئيس المخلوع في التعامل مع النهب والمتحكمين فيه ولم يبال بذلك بل قام بترقيته من السلم 5 إلى السلم 6، بعد أن تفاهما وتعاهدا على عدم كشف المستور وهو ما دفع بعبد المولى لاستغلاله وابتزازه بأموال الشساعة لصرفها في تنظيم لقاءات ليلية بمطاعم فاخرة بالرباط ومراكش وغيرها، وإنفاق مصاريف شخصية أخرى على أشخاص لا علاقة لهم بالتعاضدية دون وجه حق، من قبيل إجراء فحوص طبية للكاتبة العامة للاتحاد الإفريقي للتعاضد وتحمل تكاليف تنقلها من وإلى كوت ديفوار، وأنشطة حزبية أخرى.
وحسب وثائق ونسخ شيكات بنكية تتوفر عليها «تيلي ماروك»، علاوة على علاقته المشبوهة مع عبد المولى، فقد كانت تربط الشساعي المركزي علاقة مشبوهة أخرى مع باقي أعضاء المكتب المسير للتعاضدية. وتثبت الوثائق تورط بعض أعضاء المكتب المسير المنحل في اختلاس أموال المنخرطين وتحويل مبالغ مالية عن طريق الشساعي المركزي الذي كان يقوم بتحصيل أموال محولة من حسابات التعاضدية العامة المفتوحة بالخزينة العامة للمملكة بواسطة شيكات موقعة، خاصة من طرف أمين المال (ز.ش) والنائب الأول للرئيس (ع.د)، ثم بعد ذلك تسلم هذه الأموال لهؤلاء مقابل التنازل للشساعي المركزي عن مبالغ قليلة تتراوح ما بين 200 درهم و500 درهم وغض الطرف عما هو فاعل بمداخيل المساهمات المالية للمنخرطين من أجل الاستفادة من خدمات المرافق الصحية، وتم ضبط شيكات كانت على وشك السحب يوم 7 أكتوبر 2019، غير أن الخزينة العامة للمملكة رفضت صرفها، وذلك بعد أن توصلت برسالة موقعة من وزير الشغل والإدماج المهني يخبر من خلالها بتطبيق الفصل 26 القاضي بحل الأجهزة المسيرة للتعاضدية، ويطلب فيها وقف صرف جميع الأوامر المالية.
وأكدت المصادر أن هناك العديد من مثل هذه الشيكات التي صرفت منذ تولي عبد المولى رئاسة التعاضدية العامة حيث يمكن لأي مسؤول من الرئاسة أو أمانة المال أن يسحبوا مبالغ مالية من حسابات التعاضدية العامة تحت أي مبرر واه في غياب مراقبة صارمة واحترام مساطر الصرف.