أسلوب ملك
مع Télé Maroc
فند نشاط ملكي واحد بمناسبة إحياء الملك محمد السادس ذكرى المولد النبوي، كل الإشاعات المغرضة وحملات التضليل والاستهداف التي ظل يروج لها طوال أشهر أعداء الوطن وأبواقهم بالداخل والخارج بخصوص الوضعية الصحية والدستورية لرئيس الدولة المغربية. فظهور ملك البلاد بصحة جيدة والابتسامة تعلو محياه ما هو إلا رسالة واضحة وبليغة موجهة إلى أبواق أعداء الوطن الذين ينبحون ليل نهار مرددين أسطوانة مشروخة ومتسائلين بخبث أين الملك مروجين هرطقات لا يصدقها حتى الحمقى.
وما لا يفهمه هؤلاء المعتوهون أن المؤسسة الملكية، بميراثها التاريخي وتقاليدها المرعية ووظائفها الدينية والدستورية، لا تتحرك بناء على الأمزجة والأهواء، بل على أجندة دستورية تفرضها ضرورات وطنية ودينية. فالملكية، بثقلها الدستوري والديني، ليست مؤسسة للتدبير اليومي الذي يبقى من اختصاص الحكومة والبرلمان وباقي المؤسسات الدستورية، هي مؤسسة محورية واستراتيجية تتدخل حينما يطالبها الدستور بذلك، وحينما تستوجب شؤون الدولة والمصالح الاستراتيجية للبلاد ذلك.
لذلك، فالجميع يعلم أن أبواق أعداء الوطن في الداخل والخارج، الذين يسألون أين الملك لا يهمهم الغياب أو الحضور في حد ذاتهما، بل ما يهمهم أن يجعلوا من الإشاعات المقرفة عملة للتداول السياسي.
ثم إن هذا السؤال الذي يفترض غياب الملكية لا يُحدّد له زمان ولا شكل، أي أنه لا يذكر أين تم رصد غياب الملك ولا عمّا تغيب ومتى كان تدخل الملكية مطلوبا ولم تتدخل. فهل تغيبت عن الممارسة الدستورية، أم وظيفتها الدينية؟ أم قصرت في حقلها الديبلوماسي المحفوظ؟
كان لسؤال أين الملك أن يكون له معنى لو أن المؤسسة الملكية قصرت في اختصاصاتها، والحال أن السنة التي نودعها عرفت استنفاد جلالة الملك لكل المهام الدستورية والدينية المكفولة له، فقد ترأس كل المجالس الوزارية المطلوبة للتداول بشأن السياسة العامة للدولة والتعيين في المناصب السامية المدنية والعسكرية، ووجه خطاباته الرسمية في موعدها بمناسبة ذكرى العرش وثورة الملك والشعب والمسيرة الخضراء، ومارس اختصاصاته الدينية حيث أحيا ليلة القدر وصلاة عيد الفطر وأدى كأمير للمؤمنين عن باقي المسلمين ذبيحة عيد الأضحى وأحيا ذكرى المولد النبوي، أما آثار الملكية في المجال الديبلوماسي فلا تحتاج إلى إثبات فنتائجها تحمل بصمة ملكية لا تخطئها العين.
إذن الملكية حاضرة في كل مجالات النشاط الدستوري والديني والديبلوماسي، كما أنها حاضرة في الأنشطة الرمزية، وأكثر من ذلك فهي حاضرة في الأنشطة المصاحبة للسياسات العمومية تتدخل حينما يظهر لها تقصير في أداء الحكومة كما هو الشأن بالنسبة لتخصيص دعم للفلاحين والاهتمام بالمرأة والجالية والاستثمار.
من هنا نستخلص أن السؤال لا يبحث عن الجواب بل يستهدف ضرب شرعية رمز البلاد، وخلق البلبلة والابتزاز والمس بالاستقرار، وحتى إذا افترضنا حسن النية في السؤال فهو يبتغي حضوراً من نوع آخر للملكية، ألا وهو الحضور اليومي والظهور الإعلامي، وهذا ليس الحضور الذي يتماشى مع مكانة الملكية ودورها كساهر على احترام الدستور والحكم بين المؤسسات وإمارة المؤمنين.
الخلاصة، من كل ما سبق، أن الملكية دائمة الحضور في المشهد العام بشكل مباشر أو غير مباشر، تقدم التوجيهات فيُنصت لها، وتترأس المجالس الدستورية فتصدر تعليماتها، وتشرف على الحقل الديني والأمني والديبلوماسي فيرى أثرها، فهي، كمؤسسة استراتيجية ارتبط بها المغرب وارتبطت به، تعمل بشكل يتعالى على الضجيج والبوز والظهور الإعلامي.