هكذا تسبب النقص في القهوة في أزمة عالمية
مع Télé Maroc
يعرف سوق القهوة نقصا حادا في قهوة «أرابيكا»، أحسن وأجود أنواع القهوة. ويعتبر هذا النوع صاحب أحلى طعم ونكهة، ويشكل إنتاجه حوالي 60 في المائة من الإنتاج العالمي.
وشهد العالم عددا من العوامل التي أثرت بشكل مباشر على الإمدادات العالمية للقهوة. ووسط التوقعات باستمرار ظاهرة «لا نينا» المناخية حتى أوائل عام 2022، من المتوقع أن يلحق المزيد من الضرر بالمحاصيل، فقد يستغرق تعافي السوق سنوات.
وقالت كونا هاك، رئيسة قسم الأبحاث في «F Man&ED» لتجارة السلع في لندن: «هذه ليست مجرد مشكلة قصيرة الأجل.. إنها في الواقع مشكلة سنضعها في الاعتبار، خلال العامين المقبلين». وتابعت هاك: «يجب أن تقرر شركات تحميص البن وتجار التجزئة الآن، ما إذا كانوا سيرفعون أسعارهم، لكن خيارا آخر أيضا لديهم، يتمثل في حبوب «روبوستا»، الأكثر قسوة من «أرابيكا»». وأضافت: «يستخدم البعض بالفعل المزيد من الأنواع الأرخص ثمنا، والتي تُشرب عادة في فناجين سريعة التحضير، وتحتوي على المزيد من الكافيين الذي يمنحها نكهة لاذعة».
وأسعار «أرابيكا» آخذة في الارتفاع لتعكس الأزمة المتصاعدة، حيث ارتفعت أسعارها بنحو 80 في المائة هذا العام، في حين أن اختناق الشحن عالميا يجعل من الصعب الحصول على حبوب البن، حيث تشتد الحاجة إليها.
وفي بداية شهر يونيو الماضي، سجل مؤشر العقود الآجلة في نيويورك لبن «أرابيكا»، أعلى مستوى له في أربعة أعوام ونصف العام، عند حوالي 1.70 دولار للرطل، بزيادة تقارب 70 في المائة عن العام السابق. وانخفضت الأسعار منذ ذلك الحين إلى حوالي 1.50 دولار للرطل، وهي ما زالت زيادة ملحوظة عن عام 2020.
وارتفع سعر «أرابيكا» و«روبوستا» إلى أعلى مستوياته منذ عدة سنوات، لكن من غير المحتمل أن يلاحظ المستهلكون أي زيادة فورية في تكلفة فنجان القهوة، لأن معظم الموردين لديهم عقود وقعت منذ مدة ستة أشهر. والأشهر القليلة المقبلة ستكون الأكثر أهمية.
أسباب بيئية في البرازيل
يرجع المحللون ارتفاع أسعار قهوة «أرابيكا» إلى سلسلة من الأحداث البيئية في البرازيل، والتي تعد إلى حد كبير المنتج الرائد للبن في العالم.
فالبرازيل تنتج وحدها نحو 35 في المائة من المحصول العالمي للقهوة، وحجم الإنتاج يتقلب فيها من فترة إلى أخرى، لكن هذا لم يكن يؤثر في الأسعار بشكل كبير، لأن المنتجين يخففون من الضغط الناجم عن تقلبات عملية الإنتاج عبر إدارة المخزون، إضافة إلى أسعار التحوط باستخدام سوق للعقود الآجلة للبن.
لكن التغيرات البيئية التي شهدتها مزارع البن بالبرازيل، خلال الفترة الماضية كانت غير مسبوقة، فموجة من الجفاف الشديد، تلتها موجة من الصقيع العنيف، ما أدى إلى الإضرار بالمحصول بصورة غير معتادة. وتتوقع السلطات البرازيلية أقل محصول «أرابيكا» منذ 12 عاما، وهذا الانخفاض الشديد لم تفلح شركات إنتاج القهوة في التعامل معه بالأساليب التقليدية، ما تسبب في ارتفاع الأسعار.
وتلك الأضرار التي أصابت مزارع البن في البرازيل، التي يقدر البعض أنها أسفرت عن إصابة ثلثي الأشجار، لن يقف تأثيرها عند رفع الأسعار في موسم واحد، فأشجار البن تحتاج إلى ما يقرب من خمسة أعوام لتنضج، ومن ثم سيكون هناك حاجة إلى عدة مواسم قبل أن يتم التغلب على نتائج الأضرار البيئية التي أصابت مزارع البن بالبرازيل، وهذا يعني أن الإمدادات العالمية من البن ستنخفض لعدة أعوام، لتدفع الأسعار في اتجاهات صعودية حادة.
كورونا في فيتنام
تعد فيتنام أحد المنتجين الرئيسيين لحبوب «روبوستا»، وهي نوع من القهوة ذات المذاق المر وتستخدم غالبا في خلطات القهوة سريعة التحضير، حيث واجهت ظروفا غير معتادة نتيجة الارتفاع غير المتوقع في أعداد المصابين بفيروس كورونا في فيتنام، وتبني الدولة تدابير صارمة للإغلاق، خاصة في مدينة هو تشي مينه، مركز التصدير الرئيسي الذي يتعامل مع معظم عمليات الشحن العالمية، عبر شبكة دولية تمتد من الصين إلى أوروبا.
وأسفرت تدابير الإغلاق التي تبنتها فيتنام عن نقص كبير في القهوة على مستوى العالم، يضاف إلى ذلك المشكلات اللوجستية التي تظهر خلال نقل الحبوب إلى موانئ الشحن، بسبب النقص الحاد في حاويات الشحن وارتفاع التكاليف.
وتمثل صادرات فيتنام من القهوة أكثر من 20 في المائة من واردات الاتحاد الأوروبي من البن في عام 2019، ووصف المحللون هذه الأزمة بأنها كالعاصفة في سوق البن العالمية.
ارتفاع الطلب
شهدت صناعة القهوة نموا كبيرا خلال السنوات الأخيرة، بعدما أصبح مشروب القهوة متوفرا في المقاهي والمطاعم ومتاجر الحلوى، إضافة إلى تنافس الشركات الكبرى لتقديم عبوات قهوة سريعة التحضير بمذاقات مختلفة، لجذب المزيد من محبي هذا المشروب.
وبعدما كانت الأسواق الرئيسية لاستهلاك القهوة تقع في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية فقط، وآسيا تتميز بثقافة تقليدية للشاي، حققت القهوة اختراقات ملحوظة في تلك الأسواق كذلك، وذلك خلال فترة تفشي وباء كورونا وما رافقها من تدابير التباعد الاجتماعي والإغلاق، تركت بصمات سلبية كبيرة على المقاهي والمطاعم وغيرها من منافذ البيع التقليدية، لكن هذا تم تعويضه عبر التسوق عبر الإنترنت للاستهلاك المنزلي، ومن ثم بات على الشركات المنتجة وتجارة التجزئة التكيف مع الواقع الاستهلاكي الجديد، الذي يتوقع أن يزيد من استهلاك القهوة حول العالم.
وقد بلغت قيمة صناعة تصدير حبوب القهوة نحو 20 مليار دولار في عام 2011، لتكون بذلك القهوة ثاني أكثر السلع تصديرا في العالم بعد النفط. إلا أنه مع الأضرار التي يعرفها إنتاج القهوة، انخفضت مخزونات القهوة إلى أدنى مستوى في ستة أعوام بالولايات المتحدة، رغم المحصول القياسي في البرازيل، ومن المتوقع أن يؤدي هبوط الإنتاج بعد الجفاف في الدولة الواقعة بأمريكا الجنوبية، إلى عجز في المعروض العالمي في الأشهر المقبلة، في الوقت الذي ينتعش فيه الطلب.
وأظهرت بيانات القطاع تراجع مخزون حبوب القهوة الخضراء غير المحمصة في فبراير المنصرم بنسبة 8.3 في المائة على أساس سنوي، وهو أقل مستوى منذ عام 2015. ويقدر العجز العالمي للقهوة بـ10.7 ملايين عبوة في 2021/2022، مقارنة بتوقعات سابقة البالغة 8 ملايين عبوة، وهذا يرجع أيضا إلى تراجع ناتج القهوة العربي، بعدما تسببت الأحوال المناخية الصعبة في تدمير المحاصيل.
إثيوبيا المستفيد الأكبر
بسبب كل الأضرار التي لحقت بمحاصيل القهوة والأسباب البيئية والاجتماعية، أصبحت إثيوبيا هي المستفيد الأكبر، لكونها صاحبة أجود حبات قهوة «أرابيكا» بعد البرازيل. حيث قال عمر حسين، وزير الزراعة الإثيوبي، إن إثيوبيا صدرت 248 ألف طن من القهوة، وحققت إيرادات قدرها 907 ملايين دولار، واصفا إياها بأعلى قيمة حصلت عليها إثيوبيا من القهوة.
وأوضح عمر حسين أن إيرادات صادرات البن بلغت بالموازنة المالية الماضية نحو 907 ملايين دولار، لافتا إلى أن بلاده تخطط لزيادتها إلى 1.2 مليار دولار خلال الموازنة المالية المقبلة.
وتشتهر إثيوبيا بأصل قهوة «أرابيكا»، المعروفة في جميع أنحاء العالم بجودتها ونكهتها الغنية، ما يجعلها من أفضل أنواع القهوة عالميا.
وقال أدوغنا دبيلا، مدير عام هيئة القهوة والشاي الإثيوبية، حول أزمة القهوة العابرة للقارات بسبب الطقس البارد، بعد أن ضربت موجتان من الصقيع في أقل من شهر البرازيل -أكبر مصدر للبن، إن هذه الأزمة سترفع أسعار القهوة العالمية، وإثيوبيا ستستفيد من ارتفاع الأسعار، سيما وأن القهوة الإثيوبية مشابهة لقهوة البرازيل، لكنها بنكهة مختلفة تماما. وأضاف دبيلا أن البرازيل تقدم للسوق العالمية أكثر من 66 مليون جوال من بن «أرابيكا»، بينما تقدم إثيوبيا نحو 4 ملايين جوال فقط، على الرغم من الجودة العالية للبن الإثيوبي التي تفوق البن البرازيلي.
وتابع دبيلا: «زاد سعر القهوة 100 في المائة، ووصل سعر كيلوغرام من القهوة الذي كان دولارا واحدا إلى نحو دولارين، وهذه فرصة لإثيوبيا سنقوم بزيادة منتجاتنا وجودتها وعرضها للسوق العالمية، للاستفادة من هذه الفرصة التي خلقتها الطبيعة».
وذكر دبيلا أن سعر البن الإثيوبي للطن الواحد في المتوسط يصل إلى 3700 دولار، قائلا: «تخطط إثيوبيا في العام الإثيوبي المقبل لتصدير 280 ألف طن من البن الإثيوبي، لزيادة العائدات إلى 1.2 مليار دولار أمريكي».
وأشار إلى أن إثيوبيا حققت، في شهر يوليوز الماضي، إيرادات من صادرات البن بنحو 115 مليون دولار أمريكي. وأضاف أن بلاده سعت في غشت المنصرم إلى تصدير 28 ألف طن من البن، يتوقع أن تجلب عائدات مالية تصل إلى 80 مليون دولار أمريكي. وأشار دبيلا إلى أن عدد الدول المستوردة للبن الإثيوبي وصلت إلى 72 دولة، من بينها المملكة العربية السعودية، ألمانيا، أمريكا، كوريا الجنوبية واليابان، لافتا إلى سعي بلاده إلى رفع جودة القهوة الإثيوبية، والعمل على زيادة قيمتها المضافة للاقتصاد.