حصاد الجماعات المر.. هل حان موعد قطف رؤوس الرؤساء؟
مع
مرت أربع سنوات بالتمام والكمال على إجراء أول انتخابات جماعية في ظل دستور 2011، وتشكيل المجالس الترابية، التي أصبحت تتمتع باختصاصات وصلاحيات غير مسبوقة في ظل القوانين التنظيمية الجديدة. وبمرور هذه المدة، بدأت تظهر الكثير من الاختلالات في تدبير شؤون هذه المجالس، حيث توقفت فيه عجلة التنمية داخل العديد من المدن والجماعات، في حين ما زالت أغلب المجالس تتخبط في مشاكل التدبير والتسيير، دون الحديث عن تسجيل خروقات مالية وإدارية خطيرة، كانت موضوع تقارير سوداء أنجزتها المفتشية العامة للإدارة الترابية، وكذلك التقرير السنوي الذي أصدره المجلس الأعلى للحسابات قبل أسبوع.
يتضمن التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات برسم سنة 2018، في جزئه المخصص للمجالس الجهوية للحسابات 224 ملخصا للتقارير التي أنجزت في إطار المهمات الرقابية التي قامت بها هذه المجالس، والتي تتعلق بمراقبة تسيير الأجهزة العمومية والتدبير المفوض، وتتعلق هذه الملخصات
بـ 204 مهمات رقابية همت الجماعات و14 مهمة على مستوى الشركات الخاصة المعهود إليها التسيير المفوض للمرافق العمومية المحلية، ومهمتين بمجموعتين للجماعات، ومهمتين بشركتين عموميتين محليتين،ومهمتين لمراقبة استخدام الأموال العمومية من طرف جمعيتين.
ضعف التخطيط والبرمجة
على مستوى التدبير المفوض لمرفق النظافة، سجل تقرير المجلس الأعلى للحسابات، غياب مخطط جماعي لتدبير النفايات المنزلية، وخلصت عمليات المراقبة إلى أن تدبير النفايات المنزلية على مستوى العديد من الجماعات لا يندرج ضمن منهجية منبثقة من التوجهات الوطنية بهذا الخصوص، والتي نصت عليها مقتضيات القانون رقم 00.28 المتعلق بتدبير النفايات والتخلص منها، حيث لا تتوفر الجماعات المعنية على مخطط لتدبير النفايات المنزلية والنفايات المماثلة لها، والذي من شأنه أن يؤطر إجراءات ومراحل تدبير هذه النفايات، من حيث الإعداد والجمع والنقل والإيداع في المطرح والتخلص منها ومعالجتها وتثمينها وفرزها عند الاقتضاء.
ووقف المجلس على نقائص على مستوى مراقبة وتتبع تنفيذ عقود التدبير المفوض، حيث يعرف عمل أجهزة المراقبة على مستوى عدة جماعات، اختلالات متعددة تتعلق بالخصوص بعدم انتظام اجتماعات اللجنة الدائمة للمراقبة، وكذا عدم القيام بدراسة ومراقبة الوثائق والتقارير المقدمة من طرف المفوض له، من قبيل دراسة المعطيات والتقارير المالية وحسابات الاستغلال، وضبط السجلات المتعلقة بصيانة الآليات بالجماعات المعنية، هذا بالإضافة إلى محدودية مراقبة جودة الخدمات المقدمة، وعدم احترام الالتزامات التعاقدية وعدم تطبيق العقوبات ذات الصلة، حيث لوحظ عدم وفاء المفوض له في العديد من الحالات، بالتزاماته التعاقدية، وخاصة في ما يتعلق بتجديد بعض آليات جمع النفايات، أو إحداث بعض المعدات والتجهيزات المرتبطة بمطارح هذه النفايات، وكذا في ما يخص خدمة النظافة من كنس وتنظيف للشوارع والأزقة والساحات العمومية، وغسل للحاويات والقضاء على النقاط السوداء للنفايات المنزلية، وعدم الخلط بين النفايات المختلفة. وبالرغم من إخلال المفوض له بالتزاماته التعاقدية، لا تقوم السلطة المفوضة بتفعيل مقتضيات عقد التدبير المفوض، وذلك بتطبيق الغرامات المنصوص عليها.
أما بخصوص المجهود التنموي والتخطيط، فقد رصد المجلس في تقريره وجود ضعف في التخطيط والبرمجة، وتبين بخصوص عدة جماعات، أن المخططات الجماعية للتنمية (2015-2009) عرفت ضعفا في التخطيط، سيما في البرمجة الزمنية المناسبة لتنفيذها، وفي توفير الموارد المالية اللازمة، حيث لوحظ عدم اعتماد رؤية استراتيجية واضحة أثناء إعداد المخطط الجماعي للتنمية، تأخذ بعين الاعتبار إمكانيات الجماعات وحاجياتها. كما تم الوقوف على عدم تمكن الجماعات من تنفيذ جزء مهم من المشاريع المبرمجة في إطار المخططات الجماعية للتنمية، وكذا ضعف وتيرة إنجاز بعض هذه المشاريع. ومن جهة أخرى، في ما يتعلق ببرامج العمل (2021-2015) لوحظ أن عدة جماعات لم تعمل على إعدادها، فيما تأخرت جماعات أخرى في ذلك.
وسجل التقرير عدم إعداد الدراسات الضرورية قبل الشروع في إنجاز المشاريع، حيث لوحظ من خلال افتحاص العديد من ملفات المشاريع، عدم اللجوء إلى إنجاز الدراسات القبلية والتقارير المتعلقة بالمشاريع، وذلك من أجل حصر تكلفتها بالدقة اللازمة وتركيبة تمويلها وطرق تنفيذها، مما يؤدي في معظم الأحيان، إلى تعثر إنجاز هذه المشاريع وتأخر انطلاقها. هذا، بالإضافة إلى مشاكل على مستوى الاستغلال والتنسيق مع الجهات المعنية بالاستثمار، وعلى سبيل المثال، يرجع تعثر انطلاق هذه المشاريع بالأساس إلى تأخر الجماعة في إنجاز الأعمال الطبوغرافية وتسليم الرخص، ناهيك عن عدم إشراك أطراف أخرى في تمويل المشاريع المعنية.
كما سجل التقرير عدم إبرام اتفاقيات الشراكة، إذ بينت المراقبة على مستوى عدة جماعات، وجود نقص على مستوى المبادرة بإبرام اتفاقيات شراكة من أجل إنجاز المشاريع المبرمجة، حيث لوحظ أن الجماعات المعنية تقوم بإدراج، ضمن المخطط الجماعي للتنمية أو برنامج عمل الجماعة، مشاريع يرتبط إنجازها بمساهمة عدة شركاء، وذلك في غياب اتفاقيات تقيدهم بالإطار الزمني للتنفيذ وتؤطر التزاماتهم المالية، وهو ما يؤدي في معظم الحالات إلى عدم إنجاز تلك المشاريع أو تعثرها. كما أشار إلى عدم تسوية الوضعية القانونية للأراضي المقامة عليها المشاريع، حيث تقوم بعض الجماعات بمباشرة عمليات بناء المرافق العمومية دون تسوية الوضعية القانونية للوعاء العقاري المقامة عليه أو المخصصة لإنجازها، الأمر الذي يتسبب في منازعات مع مالكي الأراضي المعنية، وبالتالي قد يؤدي إلى تحميل ميزانية الجماعة عبء جبر الضرر الناجم عن ذلك.
سوء تدبير المداخيل
على مستوى تدبير المداخيل الجماعية، سجل المجلس غياب رؤية استراتيجية لتنمية وتدبير الموارد، وأوضح التقرير أن غالية الجماعات التي تمت مراقبتها لا تتوفر على رؤية استراتيجية واضحة لتدبير وتنمية مداخيلها، بحيث لا تبذل جهودا فعالة لمعرفة الإمكانات الحقيقية والممكنة من الموارد، وكذا لضبط الوعاء الضريبي وعدد الملزمين المعنيين. كما لا تعمل، في هذا الصدد، على وضع آليات للتنسيق بين مصلحة الجبايات والمصالح الأخرى ذات الصلة (الداخلية والخارجية)، من أجل تدبير ناجع لموارد الجماعة. بالإضافة إلى عدم توفير الموارد البشرية الضرورية والقادرة على السهر على عملية تحصيل الجبايات ذات الصلة وتتبعها ومراقبتها. كما رصد تقرير المجلس وجود قصور في عملية ضبط الملزمين والتحقق من إقراراتهم، حيث لا تحرص المصالح الجماعية على ضبط جميع عدد الملزمين المفترضين بخصوص معظم الرسوم والضرائب المستحقة، ولا تقوم كذلك بالتحقق من صحة المعطيات المتوفرة لديها حول الأشخاص والمؤسسات الخاضعة للرسوم المعنية، وكذا ضبط الوعاء الضريبي لضمان استخلاص أشمل للمداخيل المستحقة لفائدتها. فعلى سبيل المثال، لوحظ أن العديد من الجماعات لا تقوم بإحصاء سنوي للعقارات والعناصر الخاضعة للرسم المهني ورسم السكن ورسم الخدمات الاجتماعية والرسم على الأراضي الحضرية غير المبنية والرسم على شغل الأملاك الجماعية العامة مؤقتا والرسم على استخراج مواد المقالع...إلخ، كما تكتفي بعض الجماعات الترابية المعنية بالمراقبة بتلقي إقرارات الملزمين المصرح بها واستخلاص الرسوم والواجبات المستحقة عنها، دون إعمال حقها في مراقبة الإقرارات المدلى بها قصد التحقق من صحة المعطيات المضمنة بها، وتصحيح الأسس المطبقة لتصفية الضرائب والرسوم المستحقة عند الاقتضاء.
ومن بين الاختلالات، عدم فرض وتحصيل الرسوم والواجبات المستحقة. وأكد التقرير أن عدة جماعات تعاني من قصور في فرض واستخلاص رسوم وواجبات مستحقة لفائدتها، حيث تم الوقوف في العديد من الحالات، على عدم فرض استخلاص معظم الرسوم والواجبات المستحقة للجماعات، كالرسم على الإقامة بالمؤسسات السياحية، وواجبات التعويض عن الاحتلال غير القانوني للملك العمومي، والرسم على النقل العمومي للمسافرين، وكذا الجزاءات عن عدم التصريح بالتأسيس، والرسم على الأراضي الحضرية غير المبنية، والرسم المفروض على محال بيع المشروبات، والرسم على الذبح في المجازر والرسم على عمليات البناء، ...إلخ. كما لوحظ أن عددا كبيرا من مكتريي المحلات التجارية والدور السكنية الجماعية، لا يؤدون الواجبات المستحقة عليهم لفائدة الجماعات المعنية، وبالمقابل لم تقم هذه الأخيرة باتخاذ الإجراءات اللازمة في حق المتقاعسين من الملزمين من أجل استيفاء تلك المستحقات، ما ينتج عنه تقادم العديد من المداخيل الجماعية.
فوضى التعمير وتدبير الممتلكات
رصد تقرير المجلس الأعلى للحسابات اختلالات على مستوى تدبير الممتلكات والمرافق الجماعية، تتجلى في عدم اتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على الممتلكات العقارية الجماعية، حيث لوحظ بشكل عام عدم لجوء العديد من الجماعات الترابية إلى تصفية الوعاء العقاري الذي يضم المرافق الجماعية وبعض الأملاك الخاصة التابعة لها، كما تبين إدراج بعض الممتلكات الجماعية الخاصة بسجل الملك العام الجماعي، وكذا عدم شمولية محتويات سجل الأملاك العامة الجماعية وقصور في تدبير سجل جرد الممتلكات المنقولة، ذلك أنه رغم حيازة الجماعات الترابية أو تصرفها في عدة عقارات، فإن المصالح الجماعية المكلفة بتدبير الممتلكات لا تمسك الملفات التقنية والقانونية المتعلقة بجل هاته العقارات، ولم تعمد إلى اتخاذ الإجراءات القانونية لتحديدها وإدراجها في سجلات الممتلكات الجماعية، حتى يتسنى الحفاظ على حقوق الجماعات. كذلك، ودون مراعاة للمقتضيات القانونية ذات الصلة، لم تعمل الجماعات على إنجاز الدراسات الطبوغرافية اللازمة لتحديد وتحفيظ العقارات الجماعية، وتخصيص الاعتمادات المالية الضرورية لتسوية الوضعية القانونية لهذه العقارات. وهكذا، وعلى الرغم من الدور الذي تلعبه سندات الملكية في الحفاظ على الممتلكات العقارية وتثمينها، فإن مجموعة من الجماعات لا تتوفر على هذه السندات، ولا على أية وثائق قانونية تثبت ملكية العقارات التي تستغلها، وهو ما لا يراعي المقتضيات المعمول بها في هذا الصدد. وتضمن التقرير الإشارة إلى نقائص على مستوى تدبير الأسواق الأسبوعية والمجازر، ولا يحرص معظم مستغلي الأسواق الأسبوعية والمجازر على احترام التزاماتهم تجاه الجماعات، مما يفسر تردي وضعية الأسواق والمجازر، حيث لوحظ أن المجازر الموجودة بعدة جماعات توجد في وضعية غير ملائمة بالنظر إلى معايير السلامة الصحية والنظافة الواجب توفرها على مستوى هذه المرافق، حيث تنتشر بمحاذاتها الحشرات والنفايات المتراكمة، كما يتم تصريف المياه المستعملة أثناء الذبح وبقايا الذبيحات في الهواء الطلق، دون مراعاة للنتائج السلبية لهذا الوضع على المحيط البيئي. كما لا تولي الجماعات المعنية العناية اللازمة للمحافظة على نظافة مرفق السوق الأسبوعي، وهو ما من شأنه أن يؤثر بشكل مباشر على صحة المواطنين وكذا على الموارد المالية المتأتية منه.
وتطرق التقرير إلى الاختلالات التي تشوب قطاع التعمير وتدبير المجال، من خلال عدم التوفر على تصاميم التهيئة أو التأخر في إعدادها، حيث لوحظ في هذا الصدد، عدم توفر معظم الجماعات المراقبة على تصاميم تهيئة مصادق عليها أو التأخر في إخراجها إلى حيز الوجود من طرفها، وذلك بالرغم من أهمية هذه التصاميم في تأطير النمو العمراني للجماعات الترابية، باعتبارها وثائق تنظيمية تحدد حقوق استعمال الأراضي وكذا المقتضيات القانونية المطبقة، وهو ما يؤدي إلى إحداث فراغ على مستوى تغطية المجال الجماعي بالتجهيزات والمرافق العمومية الضرورية لتلبية حاجيات السكان بالموازاة مع التطور العمراني السريع، كما يتسبب في انتشار البناء العشوائي، وكذا التقسيم غير القانوني للأراضي. كما سجل التقرير مخالفة شروط إحداث التجزئات السكنية، وتبين من خلال فحص ملفات التجزئات المحدثة بعدة جماعات، أن هذه الأخيرة لا تتأكد من مدى ملاءمة الأشغال المنجزة للمعايير التقنية المعمول بها والوثائق التقنية ذات الصلة، فضلا عن عدم حرصها على إنجاز أصحابها لبعض التجهيزات الواردة في دفاتر التحملات أو عدم مخالفتهم للتصاميم المصادق عليها، كما هو الشأن بالنسبة لعدم استكمال المجزئين لأشغال الطرق والممرات والإنارة العمومية وقنوات الصرف الصحي، وتخصيص المناطق المعنية بإحداث المساحات الخضراء، ...إلخ.
كما لوحظ قيام بعض الجماعات بالتسلم المؤقت لأشغال التجزئات دون القيام بتحصيل الرصيد المتبقي عن الرسم المستحق، وكذا الترخيص بإحداث تجزئات سكنية قبل تسوية الوضعية العقارية للأراضي المعنية بها. ووقف قضاة المجلس الأعلى للحسابات على عدم احترام المقتضيات المتعلقة بمنح رخص البناء، وتبين من خلال المعاينات الميدانية المنجزة بتراب الجماعات المراقبة، وجود مجموعة من البنايات التي تم تشييدها أو شرع في تشييدها دون الحصول على الرخص اللازمة. كما قام رؤساء مجالس بعض الجماعات بمنح رخص للبناء بشكل انفرادي ودون أخذ رأي اللجنة الإقليمية المختصة. ولوحظ في السياق نفسه، عدم إلزام الإدارات العمومية بالحصول على الرخص قبل مباشرة عمليات البناء، وكذا منح رخص إصلاح المباني عوض رخص للبناء.
الجماعات الترابية.. فوضى التدبير المحلي
كشفت التقارير الأخيرة للمجالس الجهوية للحسابات عن تلاعبات واختلالات في التدبير والتسيير لمجمل الجماعات الترابية في المغرب، حيث شملت تقارير المجالس الجهوية الجهات الـ 12 للمغرب، وتطرقت إلى تدبير عدد من القطاعات منها المفوض تدبيرها لشركات عمومية أو خاصة أو التي تدبرها الجماعات المحلية بشكل مباشر، وقد كشفت التقارير عن تلاعبات مالية وتمرير صفقات عمومية دون مناقصات أو طلبات عروض، كما أبانت التقارير عن سوء تدبير في عدد من الجماعات الكبرى.
جانب من الفساد المالي الذي ينخر جسم الجماعات الترابية بالمغرب، كفتها التقارير الصادرة عن المجالس الجهوية للحسابات، حيث وقفت على حقائق تتعلق بطريقة تدبير الصفقات العمومية التي شابتها عدة اختلالات، وتبعا لذلك، فقد اتخذ وكلاء الملك لدى المجالس الجهوية للحسابات، في غضون سنة 2018 ، ثمان ملتمسات من أجل تطبيق الغرامة المنصوص عليها في المادة 29 من مدونة المحاكم المالية في حق مجموعة من المحاسبين الذين تأخروا في تقديم الحسابات أو المستندات المثبتة لها في الآجال المقررة إلى المجالس الجهوية المعنية بناء على وضعية الإدلاء بحسابات الأجهزة الخاضعة لاختصاص كل مجلس جهوي على حدة.
كما قام وكلاء الملك لدى المجالس الجهوية للحسابات، خلال سنة 2018، برفع ثلاث وأربعين قضية إلى تلك المجالس في مادة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية، مع وجود 29 قضية أخرى معروضة عليهم قيد الدراسة، كما أصدروا، بناء على الملتمسات المتخذة في هذا الصدد، اثنان وثمانين قرارا بمتابعة أشخاص وإحالتهم على المجالس المختصة قصد التحقيق في المخالفات المنسوبة إليهم، فيما تم حفظ عشرين قضية، بعدما تبين لممثلي النيابة العامة لدى المجالس الجهوية المعنية، من خلال دراسة التقارير المعروضة عليهم، عدم توفر الأدلة والإثباتات الكافية لرفع قضايا في هذا الميدان، كما أحال وكلاء الملك لدى بعض المجالس الجهوية للحسابات على الوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى للحسابات ثمان قضايا تتضمن أفعالا قد تستوجب عقوبة جنائية من أجل اتخاذ المتعين بشأنها.
وفي هذا الشأن، أشار المجلس الجهوي للحسابات لجهة الرباط سلا القنيطرة إلى أن عدد القضايا الرائجة أمام المجلس قد بلغ عشر قضايا تهم 44 ملفا، وقد أصدر المجلس الجهوي للحسابات خلال هذه السنة أربعة عشرة حكما تهم جماعتي القنيطرة والهرهورة، تم بموجبها الحكم بغرامات مالية إجمالية بلغت 356.200 درهم على تسعة متابعين وتبرئة خمسة متابعين بسبب عدم ثبوت أي مخالفة في حقهم، كما وصل مبلغ الخسارات المحكوم بإرجاعها إلى 75.975 درهما.
وكشف التقرير عن اختلالات في التدبير المفوض لقطاع النظافة في عدد من الجماعات المحلية التابعة لسلا، والأمر نفسه بخصوص جماعة تمارة، حيث أشار تقرير المجلس إلى أن الجماعة لا تولي الأهمية الواجبة لمرفق جمع النفايات والكنس عند إعداد وثائق التعمير، كما لاحظ بعد أربع سنوات من بداية التدبير المفوض لقطاع النظافة في جماعة تمارة تدني في مستوى الخدمة، أدى إلى تطبيق غرامات بمبلغ 797.000 درهم في سنة 2011 ، وبتاريخ 03 غشت 2012 قامت الشركة المفوض إليها بوقف الخدمة نهائيا قبل تاريخ انتهاء المدة التعاقدية مما حدا بالمفوض لتطبيق الفصل 79 من دفتر التحملات مع اعتماد نظام الوكالة المؤقتة لتدبير المرحلة الانتقالية وإجراء المنافسة لاختيار مفوض إليه جديد، كما كشف تقرير المجلس أن العديد من النقط السوداء للنفايات المنزلية لم يتم القضاء عليها نهائيا.
وكشف المجلس الجهوي للحسابات لجهة الدار البيضاء سطات، أن المجلس الجماعي لبوزنيقة لم يقم بوضع برنامج العمل المنصوص عليه في القانون التنظيمي 113.14 المتعلق بالجماعات، والذي كان يجب أن يُعد ويُعمل به منذ سنة 2016، كما سجل عدم اتخاذ المجلس الجماعي للقرارات الكفيلة بتحسين الخدمات الجماعية وتطوير الأداء الجماعي وذلك من قبيل ضابط البناء الجماعي والأنظمة الجماعية للوقاية الصحية والنظافة العمومية، ووضع استراتيجيات لتنمية الموارد الجماعية وتنظيم الإدارة الجماعية وتحديد اختصاصاتها.
ومن جانبه كشف المجلس الجهوي للحسابات لجهة العيون الساقية الحمراء أن جماعة بوجدور قامت، خلال الفترة 2013-2017، بصيانة وإصلاح أثاث وعتاد المكتب والعتاد المعلوماتي بميزانية تفوق أثمنة اقتناء هذه الأجهزة من السوق، وكمثال على ذلك، يورد التقرير الجهوي للحسابات، أن جماعة بوجدور صرفت ما مجموعه 212.292 درهم لصيانة مجموعة صالون من الجلد و83.040.00 درهم لثمان عمليات إصلاح لآلة النسخ من نوع Richo.
وكشف التقرير السنوي للمجلس الجهوي للحسابات عن وجود مجموعة من الاختلالات التي تشوب تسيير الشأن العام المحلي من طرف بعض الجماعات الترابية بجهة طنجة تطوان الحسيمة، فقد سجل التقرير، جملة من النواقص التي سجلها قضاة المجلس طيلة مراحل التدقيق التي شملتها هذه الجماعات في الشهور الماضية، وسجل التقرير تحمل الجماعة لمبالغ إضافية من نفقات عدادات مياه السقي بسبب احتساب إتاوات التطهير السائل، وإغفال مناقشة أوجه تدبير المساحات الخضراء خلال دورات المجلس الجماعي وقصور في التخطيط المتعلق بتدبير المجال الأخضر للجماعة إضافة إلى ضعف القوة الاقتراحية للنهوض بالمساحات الخضراء وغياب دراسات تقنية قبلية بشأن طبيعة التربة والمناخ بالمنطقة.
وبالنسبة لجماعة الحسيمة، فقد سجل المجلس، تنفيذ عدة صفقات مماثلة دون ربطها بمشروع واحد متكامل من خلال تحليل المعطيات المتعلقة بصفقات الأشغال التي أبرمتها الجماعة ما بين 2010 و2017، حيث لوحظ أنه يمكن تفريعها إلى عدة مجالات كبرى أهمها مجالي تهيئة وتأهيل الطرق من جهة، وتهيئة وتجديد وتوسيع شبكة التطهير السائل من جهة أخرى
تقارير سوداء لمفتشية الداخلية حول الجماعات
تقوم المفتشية العامة لوزارة الداخلية بإنجاز عدد من مهام التفتيش تتمحور حول مراقبة التسيير الإداري والمالي والتقني لبعض الجماعات المحلية والهيئات التابعة لها، والبحث والتحري في تصرفات منسوبة لبعض رجال السلطة، ومراقبة ميدان التعمير، ومهام البحث في شأن شكايات أو مواضيع مختلفة، والمهام المتعلقة بعمليات تسليم السلط. وذكرت الداخلية، أنه بعد الانتهاء من جميع الأبحاث والتحريات بالجماعات الترابية المعنية تقوم اللجن التابعة للمفتشية العامة للإدارة الترابية بإعداد تقارير التفتيش والمراقبة وفق المعايير المعمول بها في هذا الميدان، حيث يراعي الاحترام التام لحق الدفاع باعتباره من الحقوق الكونية، إذ تتم في إطار ما يصطلح عليه بالمسطرة التواجهية، إحالة النتائج المتوصل إليها، عقب الانتهاء من إعداد التقارير، على المنتخبين الجماعيين المعنيين حتى يتسنى لهم إبداء ملاحظاتهم وتقديم تعليلاتهم بخصوص مختلف التجاوزات والمخالفات المنسوبة إليهم. وتنجز هذه اللجن مهام تفتيش وتحري، تتعلق مواضيعها بالتسيير المالي والإداري للجماعات التربية ومراقبة التعمير وتسليم السلط والبحث في التصرفات المنسوبة لبعض رجال السلطة وأعوانهم وبعض الموظفين والتحقيق في الشكايات المرفوعة ضد المنتخبين أو بميادين أخرى.
وسبق لوزير الداخلية التأكيد في الجلسة الافتتاحية للقاء الوطني حول دعم الافتحاص الداخلي بالجماعات، الذي نظمته المديرية العامة للجماعات المحلية، على أهمية الافتحاص الداخلي للجماعات، واعتبره ورش تكريس الافتحاص الداخلي بالجماعات ويأتي في إطار تنزيل مقتضيات الدستور، كما يعد عنصرا مهما من عناصر تفعيل الحكامة الجيدة التي أفرد الدستور لها بابا خاصا، نص فيه على إخضاع المرافق العمومية للمراقبة والتقييم وربط المسؤولية بالمحاسبة. وأضاف الوزير أنه في إطار تعزيز المسار الديمقراطي للمغرب وجعل الجهوية رافعة محورية للتنمية الترابية، تم توسيع اختصاصات الجماعات الترابية وتخفيض مستويات الوصاية والرقابة القبلية عليها، لذلك أصبح من اللازم اعتماد آليات الرقابة الداخلية كالافتحاص الداخلي الذي يعد أداة لمساعدة القائمين على التدبير المحلي على تقييم مدى استجابة البرامج للخدمات المقدمة للمواطنين، كما أكد على أن وزارة الداخلية بكل مكوناتها، ستظل حريصة على مواكبة هذا الورش خاصة عبر التكوين ودعم القدرات.
وفي مداخلته، أشار الوالي المفتش العام للإدارة الترابية، إلى أن الافتحاص الداخلي آلية مهمة لتحصين عمل الجماعات الترابية من الانزلاقات. كما أكد على أن مهام المواكبة التي تقوم بها المفتشية العامة للإدارة الترابية أفضت إلى كون الاختلالات التي تعرفها الجماعات الترابية ليست نتيجة سوء نية، ولكنها تهم بالأساس منظومة التدبير لعدم الاضطلاع الكامل للجماعات الترابية بالمجالات القانونية التي تؤطر عملها، وفي إطار مصاحبة الجماعات الترابية للقيام بمهامها، فإن المفتشية العامة للإدارة الترابية، يضيف الوالي، هي بصدد إحداث وحدات خاصة للمواكبة كما أعدت برنامجا من أجل تكريس المراقبة الداخلية بالجماعات الترابية يتضمن، إجراء تشخيص تشاوري ودقيق يمكن من تحديد النقائص، وتحديد شروط ومفاتيح نجاح التجربة، ومواكبة وحدات الافتحاص الداخلي على المستوى التقني وفي مجال التكوين، بتعاون مع مديرية تكوين الأطر الإدارية والتقنية.