صحافة التنجيم الإلكتروني
مع
في الدول الديمقراطية التي يحترم فيها دور الإعلام، هناك تعايش ما بين الصحافة المدافعة عن الحزب الذي يقود الحكومة، بحيث تتطوع هذه الصحافة لتعداد منجزات الحكومة والدفاع عن وزراء الحزب الحاكم، لكن، في الوقت نفسه، تقبل بوجود صحافة مستقلة تراقب عثرات ونفاق وتناقضات وأكاذيب الحزب الذي يقود الحكومة.
عندنا في المغرب تريد هذه الصحافة المطبلة لمنجزات الحزب الحاكم والمدافعة عن أسطوانة مظلوميته واستهدافه، أن تبقى لوحدها في الساحة وأن تتصدى لكل الأصوات المستقلة التي تنتقد الحزب الحاكم وتطالب بمحاسبته.
وهكذا، فقد استنفر الحزب الحاكم كل ما يتوفر عليه من إمكانيات إعلامية ومواقع و"منجمين" إلكترونيين، اختاروا، خوفا أو طمعا، الدفاع عن تناقضات العدالة والتنمية، وتبييض وجهه وتلميع سمعته، من أجل تحويل الأنظار عن حادثة الصورة المنسوبة للبرلمانية ماء العينين، والتخفيف من تأثيرها السياسي والأخلاقي على حزب يدعي التعالي الأخلاقي، بينما تظهر فضائح برلمانييه ووزرائه أنهم أبعد ما يكونون عن الالتزام بالمبادئ التي يعلنونها للعموم ويجعلونها مصدرا للتكسب السياسي والانتخابي.
فالممارسات المتناقضة، مثل تلك التي قامت بها برلمانية تنتمي لحزب إسلامي، لو وقعت في أحزاب تحترم نفسها، لتحرك سيف المحاسبة ولجوبهت بالامتعاض الشديد للرأي العام. فلا يعقل، مثلا، أن يقبل حزب الجبهة الوطنية المحافظ الذي تقوده لوبن، بصور لأحد رموزها تضع الحجاب وترتاد علنا المسجد الكبير بباريس. ولا نظن أن الرأي العام في ألمانيا سيتقبل مشاركة برلماني من الحزب المسيحي الديمقراطي في مسيرة للمثلية أو الإجهاض، أو برلمانيا من أحزاب الخضر ينشر صورة له تسيء للبيئة وخيرات الطبيعة.
فالوضع الطبيعي أن ضبط السياسيين يمارسون عكس ما يدعون من أفكار وإيديولوجيات ينهي مسارهم السياسي قبل الأوان، وقد يمتد تأثير ذلك بشكل سلبي إلى شعبية الحزب الذي لا يبحث لأفراده عن أعذار بهلوانية أو يتهم الإعلام «المخدوم» الجهات «الخفية» بأنها تستهدفه.
فهو يدرك أن الرأي العام يرفض الادعاء المزيف والنفاق السياسي، الذي يجعل برلمانية ترتدي الحجاب في الوطن وتنزعه خارج الوطن، وكأنه أدوات شغل تفرضها ضوابط المهنة السياسية وأوقات العمل.
لذلك، فإن واقعة «الطاحونة الحمراء» ليست ممارسة لحرية شخصية أو تجسيدا لحياة خاصة لمواطنة عادية رغبت في إظهار «مفاتنها» والرقص أمام العموم، بل هي تعبير عن ثقافة سياسية خطيرة ومتناقضة لشخصية عمومية تشغل منصبا دستوريا مرموقا كنائبة لرئيس مجلس النواب، والتي تحتم عليها نوعا من الصدق والأمانة في تجسيد المبادئ والمعتقدات الحزبية التي نالت بسببها كعكة البرلمان والمجلس الأعلى للتربية والتكوين، ونيابة رئيس جهة سوسء ماسة ونيابة رئاسة المؤسسة التشريعية.
ولعل قبول الحزب الحاكم بالممارسات المتناقضة والمتكررة لرموزه دون محاسبتهم واستفسارهم، بل ومباركة ذلك وتبريره والدفاع عنه، كما صنع بنكيران، يضعنا أمام حالة فريدة من الانتهازية الفجة والتيه السياسي في صحراء السياسة الوعرة، بعدما أفقدت ملذات السلطة حزب العدالة والتنمية ذاكرته الخلفية والمنطلق الإسلاموي دون الاعتراف بالقواعد المؤطرة للحداثة السياسية التي يحتمي وراءها خلال عملية ضبط لا أخلاقي.
تنشر بالاتفاق مع جريدة "الأخبار" الورقية