كل ما يجب معرفته حول الآثار النفسية السلبية للحجر الصحي
مع تيلي ماروك
في مواجهة كوفيد-19، لم يعد كبار السن أو ضعيفو المناعة هم الضحايا الوحيدون لهذا القاتل غير المرئي. إذا كان الالتزام بالحجر الصحي له غاية جديرة بالثناء تتمثل في إبطاء انتشار الفيروس، فإنه لا يخلو من إحداث عواقب نفسية على السكان بشكل عام سيما على الأشخاص الذين يعانون من القلق أو الاكتئاب.
إذا استمرت لفترة طويلة جدا، فقد تؤدي العزلة الصحية إلى تعزيز ظهور الاختلالات النفسية التي تتم ملاحظتها بشكل عام في الأشخاص ذوي اضطراب الشخصية الحدي.
الخوف من الموت والهجر أولا
«هل سينجو أحبائي من الفيروس، كم من الوقت سيستغرق الأمر قبل أن أستطيع رؤية أصدقائي وعائلتي مرة أخرى؟» إنه هذا الخوف من الموت، من دون شك، هو أصل مشاهد التهافت التي نلاحظها في أروقة السوبر ماركت.
ولكن قبل كل شيء، يتم تفعيل الشعور بعدم الأمان: «متى سوف نتمكن من ملاقاة عملائنا وزملائنا في العمل ... وهل سوف نجدهم على قيد الحياة؟» ... «هل سوف أحافظ على وظيفتي؟ إذا كنت عاطلا عن العمل، فهل يمكنني أن أعثر على عمل في سياق اقتصادي تنهار مكوناته الأساسية واحدة تلو الأخرى في ظرف أيام قليلة».
في غضون أيام، الاختلاط، واستحالة عزل الذات لبضع لحظات من أجل «إزالة الضغط» سيؤدي بالتأكيد إلى ردود فعل عدوانية تجاه الذات أو الغير. كيف يمكن التخلص من التوتر عندما يستعصي الذهاب للتمدد في نادي الألعاب الرياضية. يتوقع بعض المختصين زيادة في النزاعات العائلية ولكن أيضا ارتفاعا في معدل العنف المنزلي.
تتحدد الخرجات في بعض أمتار خارج المنزل، ولا تعد هذه المسافة كافية لملء مخزون الأندورفين لمدمني الرياضة. لم يعد بإمكاننا الذهاب حتى «لتناول مشروب مع الأصدقاء»، أو أقل من ذلك حضور حفلة موسيقية أو الذهاب إلى السينما أو المسرح أو المطعم، فكل هذه الأماكن أصبحت مغلقة.
لا تزال متاجر للتبغ مفتوحة تبيع السجائر التي ستسمح لبعض الوقت بالتخفيف من حدة الشعور بالتوتر و«المتاجر الصغيرة» حيث يمكن اقتناء أشياء للشرب أو بعض المأكولات لسد الشهية، من أجل تهدئة أزمة مفاجئة من الشره المرضي.
كما أن الأشخاص الوحيدين، ليسوا معفيين من واجب العزلة الصحية. فغالبا ما يعيشون في شقة صغيرة، وبالتالي فإن شعورهم بالوحدة يزداد سوءا. بعد بضعة أيام عندما تقدر أنك لم تعد مضطرا للذهاب إلى العمل، يمكن أن يؤدي الملل والشعور بالعزلة إلى سلوك إدماني.
بعض النصائح من المنطق السليم
في ما يلي بعض النصائح المنطقية لحماية صحتك العقلية من العزلة الصحية.
-أولا، المحاولة قدر المستطاع ألا تكون قلقا بشأن الشعور بالقلق
-التقليل من الوقت الذي تقضيه في تصفح الإنترنت، من موقع إلى آخر، بحثا عن المستجدات والأخبار
-عندما تكون في العزلة، فإن أول رد فعل اليوم هو تصفح الإنترنت: يمكن أن تكون المعلومات المثيرة للقلق التي تنتشر على الويب أكثر خطورة من الفيروس نفسه للأشخاص الذين يعانون بالفعل من الضعف النفسي.
أهمية حماية الصحة الجسدية والعقلية
معظمنا يفهم جيدا معنى العزلة الصحية والتدابير الاحترازية المتخذة لحماية صحتنا. ولكن هناك إجحاف كبير يتم الكشف عنه في تصريحات السلطات المعنية في بلادنا: نحن نحتفظ فقط «بالأنشطة التي تعتبر ضرورية» لبقاء البشر ونفرض العزلة الصحية لتجنب انتشار فيروس كورونا. تم تقليص حياة المواطنين الفرنسيين في صحتهم الجسدية! لماذا نسينا الصحة النفسية للرجال الفرنسيين والنساء الفرنسيات؟ ماذا يمكن أن نفعل في الوحدة التي تخلقها العزلة الصحية؟
وجهة نظر جان بنيامين ستورا، محلل وطبيب نفسي.
إن تدابير الحجر الصحي مفهومة تماما لحماية صحتنا، لكن السلطات نسيت أن تأخذ بعين الاعتبار البعد النفسي في توصياتها. كيف، نحن البشر، سوف نعيش لمدة أسبوعين أو أكثر في العزلة الصحية في المنزل، محرومين من جميع الاحتياجات التي أعتبرها ضرورية لكن السلطات العامة لا تأخذها بعين الاعتبار؟ أتحدث هنا عن جميع الاحتياجات الأساسية بغض النظر عن الاحتياجات الضرورية لضمان البقاء على قيد الحياة: الأنشطة الثقافية والروحية والرياضية وغيرها. الثقافة ضرورية كالطعام للتعامل مع العزلة. أسأل مرضاي دائما هذا السؤال: «ما هي الموارد التي ستسمح لك بمواجهة مرضك؟» « لا أحد يفكر على المستوى الحكومي في عزل البشر في مساحات محدودة. ماذا سيفعلون؟ كيف سيقضون يوما كاملا؟ ماذا نفعل مع الصراعات بين الأفراد؟ ماذا نفعل في الأعراض التي سوف تغزو تدريجيا المجال النفسي لمواطنينا الذي يعانون من: الاكتئاب والقلق، وما إلى ذلك. نعلم أن استهلاك مضادات الاكتئاب ومزيلات القلق مرتفع جدا في بلدنا. كيف نخوض حربا ضد عدو غير مرئي؟ حان الوقت لطرح التساؤل حول الرفاه وصحتنا النفسية. بالنسبة لي هي وسيلة بقائنا في هذه الأوقات الصعبة.
النقطة العمياء من العزلة الصحية
كطبيب نفسي، يبدو لي أن العزلة الصحية لا يمكن أن يكون الرد الوحيد للسلطات العامة على الأزمة الصحية التي نواجهها. يبدو أن اللجنة العلمية لم تضم أي ممثل عن البعد النفسي للبشر. كان من الأجدر، أن يكون إلى جانب زملائنا الأطباء، «مقدمي الرعاية العقلية»، وهم الأطباء النفسيون والمحللون النفسيون وعلماء النفس السريريون وغيرهم من مقدمي الرعاية النفسية. لماذا تم نسيان هذا البعد بتفضيل الجسد؟ في علم النفس الجسدي، قمت بتطوير النموذج التالي منذ سنوات عديدة: الإنسان هو وحدة نفسية جسدية. لقد كنت شاهدا لسنوات عديدة في المستشفى على جهل علاقة العقل والجسد التي تحزنني بشدة.
مرة أخرى في مواجهتها لعدو غير مرئي، تواصل السلطات تفضيل الجسد من خلال نسيان قدرات المقاومة العقلية التي لا تقل أهمية عن قدرات مقاومة الجهاز المناعي. ننسى أن النظام النفسي والجهاز المناعي مترابطان ارتباطا وثيقا.
لقد حان الوقت لإصلاح هذا النسيان، وأن تقترح السلطات العامة حلولا للمواطنين حتى يتمكنوا من عبور هذه الفترة العصيبة من تاريخنا، بكل شجاعة وهدوء ودون قلق.
مواجهة المرض والعزلة.. تحدي العقل والجسم
ماذا يتعين علينا القيام به من أجل العيش والتعايش مع اختبار العزلة الصحية؟ نعود إلى مشكلة مرضاي في المستشفى الذين أطرح عليهم أسئلة لتقييم قدرتهم الدفاعية: «ما هي مواردك في المحنة التي تمر بها؟ يجب أن نفهم أنه في مواجهة المرض، يتم تعبئة الطاقة الجسدية والطاقة النفسية للدفاع عن الجسد والعقل. من خلال سؤال مرضاي عن مواردهم، نقوم بتقييم إمكانيات تحويل هذه الطاقة من العضو أو الوظيفة المرضية لاستخدامها في أغراض أخرى. في علم النفس الجسدي، نحن دائما من جانب الحياة، ونشجع مرضانا على البقاء على قيد الحياة.
في المحنة التي نمر بها بشكل جماعي، نحن سكان أصحاء، باستثناء بضعة آلاف من حالات مواطنينا الذين يعانون من فيروس كورونا، والذين، في معظم الأحيان، أفضل القول إن الغالبية العظمى سوف يتم علاجها. إننا لسنا مثل أسلافنا من الماضي البعيد الذين أصيبوا بوباء الكوليرا أو وباء الطاعون مع معدل وفيات مرتفع. لكننا نعاني من محنة العيش بمفردنا مع أنفسنا ومع عائلاتنا خلال فترة لا نعرف مدتها. ثم نواجه الاكتئاب والقلق وآثار جسدية محتملة. كيف يمكننا التأقلم؟ وما هي مواردنا؟
أعتقد جديا أنك تعرف هذه الموارد، إذ أن الإنترنت يوفر، على سبيل المثال، عددا كبيرا من الاحتمالات: ألعاب الفيديو وألعاب المجموعات عبر الإنترنت... لا يوجد نقص في العروض في هذا المجال. كما أنه من المسموح أيضا مطالعة الكتب التي تختارها، ومشاهدة التلفاز دون الوقوع في الإغراق المعلوماتي، أو ممارسة الأنشطة الروحية والتي أشجعها بشدة لأنها يمكن أن تعيد لك الهدوء، والأمن والشعور العميق بالأمان. إن النشاط الروحي يرفع مستوى الدفاعات العقلية. يمكننا أن نضيف جميع التقنيات لاستعادة الهدوء: التأمل، السيوفولوجيا، إلخ. ويعتبر مهما كذلك لأنه سيوفر لنا الكثير من الطاقة الحيوية الجسدية والنفسية لاستخدامها، ولأن الأنشطة المذكورة أعلاه ليست كافية لإفراز مقدار عال من الإثارة. ومن أجل تحقيق، فإن القيام بالنشاط البدني أمر ضروري، ويوصى جدا بالمشي ولو في مساحة صغيرة. يسمح التفريغ في الأنشطة البدنية للجسم بإطلاق جميع التوترات التي لا يستطيع النظام النفسي التعامل معها.
في حال كنت تعاني من وضع صعب، فمن الأفضل اللجوء إلى المساعدة العلاجية التي ستكون قادرة على دعمك لتجاوز هذه التجربة المؤلمة. تقريبا جميع الزملاء وجميع الزميلات والأطباء والأخصائيين النفسيين وعلماء النفس وغيرهم، غيروا من ممارساتهم ويمكنهم التواصل معك عبر الهاتف أو عبر «سكايب». من المهم ألا تغرق في الاكتئاب الذي يمكن أن يفتح الطريق أمام ظهور أعراض جسمانية.
هذا هو الطريق الذي يجب اتخاذه للتغلب على هذه التجربة الصعبة ضد عدو غير مرئي. وفي هذا الصدد، حتى اليوم، لم نفكر بما يكفي في وسائل الدفاع. لقد اقترحت أعلاه عدة طرق لتقليل الضغط في ظل العزلة الصحية وإشراك طاقتك الحيوية في عدد من الاحتمالات. اتبع الطريق، حظا سعيدا.