بايدن يحتفل بعيد ميلاده بمراكش وترامب يلتقي الحسن الثاني حول مائدة كسكس.. قصص لقاءات ملوك المغرب مع رؤساء أمريكا
مع تيلي ماروك
يعد المغرب أول دولة في العالم اعترفت باستقلال أمريكا منذ أزيد من قرنين ونصف قرن، حيث اعترف السلطان سيدي محمد بن عبد الله بالولايات المتحدة الأمريكية ووقع معاهدة تجارية بحضور توماس باردي، القنصل الأمريكي في فرنسا. لكن مياها كثيرة مرت تحت جسر العلاقات بين البلدين، وعلى إيقاع المد والجزر عاشت دبلوماسية البلدين تارة تزدهر وتارة تخفت، حسب المناخ السياسي السائد وألوان وتوجهات الزعماء الأمريكيين، وانسجاما أيضا مع القولة الشهيرة للبريطاني وينستون تشرشل: «في السياسة ليس هناك عدو دائم أو صديق دائم، هناك مصلحة دائمة»، فإن للمد والجزر السياسي ما يبررهما.
اليوم يتطلع المغاربة إلى عودة الدفء للعلاقات المغربية الأمريكية، بعد أن تسرب إليها الصقيع من جميع جوانبها، خاصة في عهد دونالد ترامب، الذي أغلق شرفة واشنطن على الدول التي لا تبدي استعدادا لأداء ضريبة القرب من أمريكا.
مرة سئل صامويل كابلام، سفير الولايات المتحدة الأمريكية، بعد انقضاء رصيده من التعبئة الدبلوماسية، عن سبب قلة تردد رؤساء أمريكا على المغرب، فقال في تصريح لقناة «الجزيرة» إن رؤساء أمريكا لا يزورون إلا الدول التي تعيش حالة توتر، لهذا قد نجد مبررا لزيارات قام بها رؤساء بعد تقاعدهم إلى المملكة الشريفة.
وعلى الرغم من ضعف الدفء في شرايين العلاقات بين البلدين في عهد ترامب، فإنه من اللازم الاعتراف بدور هذا الأخير في دعم القضية الوطنية وملف الصحراء على الخصوص، كما أن الاستقرار ميز العلاقات بين الرباط وواشنطن، بينما عرفت حقبة باراك أوباما أول زيارة رسمية لبايدن إلى المغرب.
في هذا الملف الأسبوعي نكتشف من جديد تضاريس العلاقات المغربية الأمريكية، ونتوقف عند اللحظات القوية والمؤثرة والذكريات الراسخة في علاقة هي الأقدم سياسيا.
هكذا قضى جو بايدن أيامه بين فاس ومراكش حيث احتفل بعيد ميلاده
في عهد باراك أوباما قدر للرئيس الأمريكي المنتخب حديثا، جو بايدن، أن يقضي في المغرب أسبوعا كاملا، كان يشغل حينها منصب نائب للرئيس أوباما. حل الرجل بمراكش للمشاركة في القمة العالمية لريادة الأعمال بالمدينة سنة 2014، وألقى خطابا هاما أمام المؤتمرين في الجلسة الافتتاحية، ركز فيه على عمق العلاقات بين البلدين: «ما لا يفهمه كثير من الناس أن المغرب له مكانة خاصة في قلب الأمريكيين. المغرب أول دولة في العالم اعترفت باستقلال أمريكا منذ 270 سنة، في دجنبر 1777، جئت لكي أشكركم على هذا الاعتراف». وتحت عاصفة من التصفيقات أثنى موفد أوباما على جهود المغرب لحل نزاع الصحراء، مشيدا بجدية وواقعية ومصداقية مقترح الحكم الذاتي.
حظي نائب الرئيس الأمريكي باستقبال من طرف الملك محمد السادس في مدينة فاس، وكانت قضية الصحراء حاضرة بقوة، وخاصة مقاربة الحكم الذاتي التي نادى بها العاهل المغربي. رافق جو في هذه الزيارة كل من دوايت بوش، سفير الولايات المتحدة الأمريكية بالرباط، وآن بيترون، مساعدة كاتب الدولة في شؤون الشرق الأوسط، وإريك بيلوفوسكي، المدير الرئيسي لشمال إفريقيا، ودانييل بنيم، مستشار لدى مجلس الأمن القومي.
فضل بايدن الإقامة في فندق بالحي الشتوي، تحت حراسة مشددة لفرقة أمنية من واشنطن معززة بكلاب مدربة، وفي مداخلاته بالمؤتمر حرص الرجل على بعث رسائل مشفرة تارة وواضحة تارة أخرى، مركزا فيها على أهمية حرية التعبير محذرا من معيقات التنمية كالفساد والبيروقراطية، داعيا إلى مواجهة التطرف والهشاشة بتوفير فرص الشغل.
يذكر الحاضرون في مؤتمر مراكش، ليلة 20 نونبر 2014، حين فوجئ بايدن بالفرقة الموسيقية للقوات الملكية الجوية وهي تعزف مقطوعة تحمل معزوفة بمناسبة عيد ميلاد الضيف الأمريكي، شارك في الحفل كل المؤتمرين، بينما صودرت في دواخل الرجل عبارات الشكر من شدة سعادته بالمفاجأة السعيدة.
دونالد ترامب يلتقي الحسن الثاني حول مائدة كسكس
ظل الملك الحسن الثاني حريصا على توطيد علاقاته برجال المال والأعمال الأمريكيين، سيما وأن الثري مالكولم فوربس اعتاد على استضافة كبار المستثمرين الأجانب، والاحتفال بعيد ميلاده في قصره بمدينة طنجة، في جو صيفي يختلط فيه رجال المال بأهل الفن والسياسة.
في 18 غشت سنة 1989، كان اللقاء تاريخيا حين اجتمع عدد من الأثرياء والسياسيين والفنانين العالميين بطنجة للاحتفال بعيد ميلاد صديقهم، مالكولم فوربس، في قصره الخاص بحي مرشان. هذه المرة كان الحسن الثاني، ملك المغرب، ضيفا استثنائيا على الحفل، وكانت التعزيزات الأمنية جد مكثفة.
ولأنه لم يكن يحتل منصبا سياسيا قياديا، فإن دونالد ترامب لم يلفت الأنظار على غرار باقي كبار الضيوف أمثال هنري كيسنجر وزوجته، وإمبراطور الإعلام روبرت مردوخ، وجيمس غولد سميث، والفنان خوليو إغليسياس، ومشاهير لهم علاقة بمنظم الحفل.
حضرت رياضة الغولف في برنامج الحفل، بعد أن دعا الملك الحاضرين لقضاء ساعات في ملعب مدينة طنجة داخل النادي العريق، الذي كان الوجهة المفضلة لمشاهير عالميين توافدوا على مدينة طنجة نظير، «باربارا هوتون» عن مجموعة «جب» الأمريكية ووريثة سلسلة متاجر «وولوورث»، وأقام فيه الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله سنة 1987 مأدبة غداء على شرف الحاضرين عبارة عن وجبة كسكس مغربي. على الرغم من كون الثري الأمريكي فوربس هو الراعي الرسمي للحفل، إلا أن الحسن الثاني أصر على أن تكون للأمسية بصمتها المغربية، ودعا أحد كبار مموني الحفلات إلى المساهمة في جعل المطبخ المغربي حاضرا بين الوجبات الأمريكية.
لم يكن ترامب مقربا من محيط الملك في تلك الليلة، رغم أنه كان حينها من أشهر رجال الأعمال في الولايات المتحدة٬ وفي سنة 1992 تجدد اللقاء بين الحسن الثاني وترامب، بمدينة نيويورك، حين أقام ملك المغرب في الفندق، الذي يملكه دونالد الذي كان برفقة زوجته السابقة مارلا مابلز، وأصرا على التقاط صورة للذكرى مع العاهل المغربي.
ذكر دونالد ترامب الملك بكونه صاحب الفندق الذي أقام فيه الحسن الثاني بمدينة نيويورك في الفترة التي حضر فيها قمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وأعاد إلى الأذهان ما دار بينهما وكشف عن صورة جمعتهما في مدخل الفندق.
في كتابه «طنجة.. مدينة الحلم»، يروي الكاتب «لين فينليسن» بعض تفاصيل هذا الاحتفال الباذخ، وقال إن ضيوف الثري الأمريكي قضوا أمسية من ليالي ألف ليلة وليلة، حيث كان منظم الحفل حريصا على جعل البذخ عنوانا لسهرة تاريخية.
غضب الحسن الثاني من كارتر لرفضه بيع مقاتلات للمغرب
ظل الملك الراحل الحسن الثاني دائم التنقل خارج أرض الوطن، في إطار دبلوماسية متنقلة جابت أرجاء العالم. حيث كان يحظى بتقدير خاص من لدن الرؤساء والملوك والزعماء. أما زياراته إلى أمريكا فقد كان يرافقها اهتمام خاص مع جل الرؤساء، الذين تعاقبوا على البيت الأبيض.
غير أن هذا الود الذي ظل يجمع المغرب برؤساء أمريكا، لم يكن يترجم دوما على أرض الواقع، حينما يتعلق الأمر بمصالح أمريكا. ومن ذلك ما سبق أن كشفت عنه بعض الوثائق التي رفعت عنها السرية، والتي تقول إحداها إنه في أواخر السبعينات أرسل الملك الحسن الثاني عددا من الدبلوماسيين المغاربة إلى واشنطن، من أجل إقناع الرئيس الأمريكي جيمي كارتر ببيع طائرات ومروحيات «كوبرا» إلى القوات المسلحة الملكية المغربية، ورغم الجهود والمحاولات المغربية لإقناع الطرف الأمريكي بالصفقة، إلا أن جيمي كارتر رفض الطلب المغربي.
وتضيف الوثائق نفسها التي كشفت عنها وزارة الخارجية الأمريكية، أن تاريخ العلاقات الدبلوماسية بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية لم يكن على ما يرام دائما، وخاصة خلال الفترة الممتدة بين سنتي 1977 و1981، وعلى الرغم من الرفض الأمريكي، فقد حاول دبلوماسيون مغاربة في مناسبات عدة إقناع صناع القرار في البيت الأبيض بالعدول عن قرارهم، مقدمين العديد من الحجج، كمواجهة توسع الاتحاد السوفياتي في شمال إفريقيا، والمساعدة في الحفاظ على السلم في شمال إفريقيا. وهكذا تناوب كل من أحمد بوستة، وزير الخارجية المغربي وقتها، وعلي بن جلون، السفير المغربي لدى واشنطن، على محاولة إقناع الأمريكيين بإبرام الصفقة مع المغرب. كما سمح لوزير الخارجية المغربي بلقاء «والتر مونديل»، نائب الرئيس الأمريكي، لمدة 30 دقيقة، لكنه فشل في إقناعه.
وخلال لقاءاتهم مع المسؤولين المغاربة، أصر الأمريكيون على التزامهم باحترام اتفاق التعاون العسكري المبرم مع المملكة في سنة 1960 بشكل صارم، وهو الاتفاق الذي لا يسري على منطقة الصحراء المغربية.
يؤكد الحسن الثاني أنه قام بزيارة رسمية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، قبل انطلاق مفاوضات كامب ديفيد بأيام قليلة. وبعد تناول العشاء بالبيت الأبيض مع كارتر، تطرقا إلى القضية الفلسطينية الإسرائيلية. يقول الملك: «قال لي الرئيس كارتر، وكنت مقتنعا أنه سيفي بوعده «لو سلمتموني غدا اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بالقرارين 242 و383، فإنني لن أترككم تغادرون الولايات المتحدة، قبل أن أستقبل عند مدخل البيت الأبيض القادة الفلسطينيين، غير أنه كان يتعين الانتظار بضع سنين لكي يعترف الفلسطينيون بالقرارين».
معاهدة الحسن الثاني والقذافي تغضب ريغان
بعد أسبوع من مغادرة جيمي كارتر للبيت الأبيض في 20 يناير 1981، أذن خلفه رونالد ريغان بتسليم شحنة أسلحة إلى المغرب، حيث أصر وزير خارجيته «ألكسندر هيغ»، خلال جلسة استماع بمجلس الشيوخ الأمريكي، على ضرورة تسوية نزاع الصحراء المغربية الذي يسبب مشاكل كبيرة في المغرب.
عن الرئيس رونالد ريغان، يقول الحسن الثاني: «عندما قرر قصف ليبيا سنة 1986 لم يطلعني على ذلك. وأنا سعيد لهذا، لأنني كنت دخلت مسلسل الاتحاد مع ليبيا، وكنت سأجد نفسي مضطرا إلى أن أنبه العقيد القذافي إلى ذلك. وكان الرئيس ريغان يعرف ذلك وربما لهذا السبب لم يخبرني. والشيء نفسه كان سيحصل لو أن القذافي قال لي«سأضرب هدفا أمريكيا، لكنت أجبته»، «لم يكن يستحسن أن تخبرني لأنه سيتعين علي إخبار أصدقائي». لقد رصدت راداراتنا بعض التحركات، ولكننا لم نعرف إلا في اليوم الموالي أن الطائرات الأمريكية قصفت منزل الرئيس الليبي».
لم تكن العلاقة مع ريغان طيبة، بل كان التوتر يطبعها، لكنها ستعود إلى طبيعتها بعد ذلك. وتضيف بعض الوثائق أنه من 1984 إلى 1986، عرفت واشنطن على عهد ريغان كيف تضغط عسكريا واقتصاديا، وكان من الطبيعي أن تتدخل فرنسا، وحسب «بروتوكول 1987»، أعطت باريس 61 مليون دولار من أجل دفع خدمة ديون المملكة التي بلغت 15 مليار دولار، وخصصت 130 مليون دولار أخرى للدعم، لكن فرنسا لم تبع طائرات «الميراج 2000»، إلا بعد أن ضمنت استثماراتها في المملكة، وتخوف الحسن الثاني من هذه الهيمنة وعاد إلى الولايات المتحدة، بعد أن أوقف اتفاقه مع القذافي، وتمكن من 70 مليون دولار مساعدات عسكرية.
ويظهر من خلال هذه المعطيات أن الرئيس الأمريكي رولاند ريغان كان إلى جانب الملف المغربي في صراعه حول الصحراء المغربية، حينما قبل بيع السلاح إلى المغرب في عز الحرب الباردة. هذا على الرغم من أنه، ومنذ اندلاع نزاع الصحراء، لم يسبق لأي رئيس أمريكي أن تبنى موقفا يميل بشكل واضح للمغرب، لأسباب متعددة، منها عدم وجود مقترح الحكم الذاتي في الماضي في أجندة الحلول المطروحة.
ومر ملف الصحراء المغربية على طاولة ستة رؤساء أمريكيين، وهم جيمي كارتر الديمقراطي، ورونالد ريغان الجمهوري، وجورج بوش الأب الجمهوري، وبيل كلينتون الديمقراطي، وجورج بوش الابن الجمهوري، ثم باراك أوباما الديمقراطي، قبل أن يصل إلى دونالد ترامب.
البصري يستغرب لوجود حرس أردني حول كلينتون في جنازة الحسن الثاني
رزئ المغاربة في وفاة الملك الحسن الثاني يوم 23 يوليوز 1999، أي بعد شهرين عن رحيل صديقه الملك حسين. يروي السفير الأردني تفاصيل الجنازة: «حضرت التشييع في الرباط مع الوفد الأردني، الذي كان برئاسة الملك عبد الله الثاني. وحضر التشييع المهيب ملوك وزعماء دول العالم. حضر الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، ومعه وفد من رؤساء أمريكا السابقين. وأثناء التشييع، الذي شهد حضورا كثيفا من كل الأمم، التفت الرئيس كلينتون خلفه، فلم يجد أحدا من حرسه، لكن وزير الداخلية المغربي إدريس البصري كان يلاحظ المشهد ويستعد للتدخل، بعدما أبدى استغرابه لخفر أجنبي لضيف في يوم جنائزي.
تقدم نحو كلينتون ضابط شاب كان على بعد ثلاث خطوات منه وقال له: «سيدي فخامة الرئيس اطمئن، أنت في حماية الحرس الملكي الأردني»، وأرسل كلينتون إلى الملك عبد الله إيماءة تحية وسط الزحام الشديد، وواصل سيره مطمئنا. كان الرئيس كلينتون يسير قريبا من الوفد الأردني في موكب التشييع، فانتبه الملك إلى انفصال حرسه عنه، فأرسل ضابطين من الحرس الملكي لحمايته». لكن السلطات الأمنية المغربية حلت بسرعة، وقامت بما يفرضه الأمر.
يضيف السفير الأردني: «لما صافحت الرئيس بيل كلينتون في ردهات القصر الملكي بالرباط، قلت له بحضور الرؤساء السابقين الأربعة: أنت أعظم رئيس أمريكي. لم أجامله فقد كان صديقا حميما لبلدي ولملكي، كما كان صديقا حميما للعاهل المغربي».
الحسن الثاني يزور كينيدي قبل أشهر عن اغتياله وجاكلين تزور المغرب سرا
شاءت الصدف أن يزور الملك الحسن الثاني الولايات المتحدة الأمريكية في مارس سنة 1963، ويلتقي الرئيس الأمريكي جون كينيدي وزوجته جاكلين، قبل ثمانية أشهر عن اغتيال الرئيس الأمريكي، وتحديدا في 22 نونبر من العام نفسه.
زار الرئيس الأمريكي وزوجته ملك المغرب في مقر إقامته بواشنطن، وكان مرفوقا بسفير المغرب في الولايات المتحدة والمبعوث الدائم للمملكة في مقر الأمم المتحدة وسفير أمريكا في المغرب. قال كينيدي للحسن الثاني إنه «على الرغم من المحيط الواسع الذي يفصل دولتينا، إنهما مرتبطتان معا على طول التاريخ». وعبر ملك المغرب عن امتنانه لحفاوة الاستقبال، وتمنى أن تجمع البلدين علاقة تعاون حقيقية غير أنانية.
ضحك كينيدي كثيرا حين سمع هذه العبارة وطالب بتوضيحات أكثر، قبل أن يرد الملك ردا دبلوماسيا: «قصدي تعاون لأجل مصلحة قضايا الحرية والسلام والكرامة الإنسانية في جميع أنحاء العالم»، وذكر الحسن الثاني نظيره الأمريكي بحكاية الاعتراف المبكر للمغرب بالولايات المتحدة الأمريكية. «المغرب هو أقدم صديق لأمريكا، ولا يزال إلى اليوم أقوى حلفائنا في المنطقة»، جاء رد كينيدي دبلوماسيا أيضا: «نحن نعلم أن زيارتك ستعود بالنفع على بلدينا وشعبينا».
أشارت جاكلين كينيدي في مذكراتها إلى هذه الزيارة دون أن تذكر اسم الحسن الثاني، وقالت: «عندما يأتينا رئيس من دولة إفريقية يجلس إليه جون كينيدي، وبعد المقابلة البروتوكولية يدفع الرئيس الإفريقي بورقة مطالب للرئيس الأمريكي، وبعدها يتم النقاش مباشرة في كيفية تلبية تلك المطالب، ولكن الأمر مختلف مع ملوك إفريقيا لم يتم تقديم مطالب مكتوبة وحين يئس كينيدي وجه سؤالا مباشرا، وقال: «أليس لديك مطالب، فأجابه بالنفي»».
زارت جاكلين المغرب بعد وفاة زوجها، وقضت أسبوعا في مدينة مراكش رفقة رجل الأعمال اليوناني أرسطو أوناسيس سرا، وتلا ذلك زواجها من أوناسيس عام 1968، واستمر ذلك الزواج إلى وفاته عام 1975.
كيسنجر موفد نيكسون يطلب نصيحة الحسن الثاني
يقول الكاتب السياسي المصري سعيد الشحات: «ذات يوم 6 نونبر 1973، طلب هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، نصيحة من الحسن الثاني في شأن التعامل مع الرئيس المصري أنور السادات».
تقول الرواية إن كيسنجر، موفد ريتشارد نيكسون، قطع المحيط بطائرته من واشنطن متوجها إلى الشرق الأوسط، وتوقف في الرباط حيث التقى بملك المغرب. وحسب محمد حسنين هيكل في كتابه «أكتوبر 73 - السلاح والسياسة»: «توقف هنري في عاصمة المغرب، أولا لمقابلة تمهيدية مع الملك الحسن الثاني، الذي التقاه من قبل عدة مرات، وأنشأ علاقات وثيقة معه من خلال منصبه كمستشار للأمن القومي الأمريكي، قبل أن يكون وزيرا للخارجية».
طلب كيسنجر من الملك بتواضع شديد، أن يعطيه درسا في السياسة: كيف يستطيع أن يزيل شكوك العرب في كونه يهوديا، خاصة الإعلام المصري الذي نبش في سيرة هنري وشجرة أنسابه، وهو المكلف بحل صراعهم مع إسرائيل؟ وكيف يقنعهم بحسن نواياه؟ وكيف يتفاوض معهم بدون عقد؟ ثم كيف يتعامل مع الرئيس أنور السادات، وهو أول من يتفاوض معه من الزعماء العرب، فضلا عن أنه رئيس أكبر دولة عربية، كما أنه الطرف الأكبر في الحرب التي كانت دائرة بين العرب وإسرائيل؟
أعطى الحسن الثاني لضيفه الأمريكي، خلال توقف قصير بالرباط، درسا في السياسة العربية، وقال إن الضرورة تفرض التعامل بمنطق «اللي فات مات»، وهو ما يؤكده الكاتب المصري هيكل: «تلقى كيسنجر درسه الأول المباشر في السياسة العربية، وبعده طلب من الملك الحسن أن يتصل بالسادات بسرعة، ليوصيه خيرا بزائره «اليهودي»، وأخيرا وصل إلى القاهرة منتصف ليل 6 نونبر عام 1973». ووفقا للمصدر فإن كيسنجر أحس بحرارة الاستقبال من اللحظة الأولى، وقد استطاع تحفيظ نفسه جملة باللغة العربية قالها لممثلي وسائل الإعلام المصري فور نزوله، إذ ردد: «اللى فات مات»، وقد قصد بذلك التعبير عن رغبته في بداية صفحة جديدة.
وحسب الصحفي الراحل رمزي صوفيا، الذي شهد مقابلة مع وزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر، الذي لعب دورا كبيرا في القضية الفلسطينية، فإن الدبلوماسي الأمريكي قال إن عدة ملوك ورؤساء كانوا يستشيرون الحسن الثاني.
الحسن الثاني يكشف لحفيدة روزفيلت سر عدم إقامة جدها بالفندق
زار الرئيس الأمريكي الأمريكي فرانكلين روزفلت مدينة الدار البيضاء في 12 يناير 1943، حيث استقر في «فيلا» لا تبعد كثيرا عن فندق أنفا، الذي احتضن في اليوم الموالي مؤتمر أنفا بحضور الرئيس الأمريكي، والرئيس الفرنسي الجنرال شارل دوغول، ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل، والجنرال الفرنسي هنري جيرو، ثم السلطان محمد الخامس وولي عهده مولاي الحسن، إلى جانب القاضي محمد بن إدريس العلوي.
كان موضوع الاجتماع الطارئ، هو التنسيق بين الحلفاء في السنوات الأخيرة من الحرب العالمية الثانية، التي ستنتهي بعد مؤتمر أنفا بعامين، كما كان اللقاء فرصة لطرح موضوع استقلال المغرب، الذي ساهم في انتصارات الحلفاء بانتداب جيش من المغاربة حاربوا في صفوف الفرنسيين، وبالنسبة إلى الحلفاء، فقد كان المؤتمر مناسبة لتحديد الإجراءات العسكرية التي يتعين اتخاذها ضد الجيوش الألمانية.
في 14 يناير 1993، زارت لورا المغرب، واستقبلها الملك الحسن الثاني الذي كان شاهدا على العصر، وحكى لها تفاصيل تسمعها لأول مرة عن سفر جدها إلى المغرب، حيث أوضح لها بأن اللجنة المنظمة للمؤتمر ارتأت أن يقيم في «فيلا»، لأنه كان مقعدا ويعتمد على كرسي متحرك، في زمن لم يكن فيه بفندق أنفا ولوجيات للأشخاص في وضعية إعاقة.
سألت لورا، حفيدة روزفلت، الحسن الثاني، عما إذا كان بإمكانها زيارة فندق أنفا؟ لكن الملك كان يعرف جيدا أنها على علم باختفاء هذه المعلمة ومسحها خطأ من خريطة مدينة الدار البيضاء، رغم أنها تعد معلمة تاريخية، فرد عليها قائلا:
«ما يهمك أكثر بصفتك حفيدة الرئيس روزفلت، هو رؤية البيت الذي أقام فيه جدك»، مضيفا بأن كل الترتيبات قد اتخذت لتنظيم زيارة إلى هذا المكان التاريخي.
تحدث الحسن الثاني إلى لورا حول مؤتمر أنفا، وكيف أن جدها أكد لوالده محمد الخامس، على مشروعية مطالب الحركة الوطنية، ليتمكن بذلك من انتزاع اعتراف منه بحق المغرب في نيل استقلاله والحصول على حريته كاملة، كما أشار إلى أن فرانكلين زار مدينة مراكش، مباشرة بعد انتهاء أشغال المؤتمر وقضى فيها يومين رفقة ونستون تشرشل، حيث أصر هذا الأخير على رسم صورة لفرانكلين على سفح الجبل.
أصغت لورا باهتمام كبير لدروس التاريخ التي قدمها الملك، خاصة حين حدثها عن موقف والده محمد الخامس، الذي رفض طلبا تقدمت به حكومة فيشي الفرنسية يقضي بتقديم المغاربة اليهود لفرنسا، لكن السلطان أجاب بأنه «لا يوجد يهود هنا، فقط مواطنون مغاربة».
قالت لورا إنها اكتشفت خلال لقائها مع الحسن الثاني، بأنه يعرف أدق تفاصيل شخصية الرئيس روزفلت، سيما حين تحدث لها عن هوسه بالقراءة والكتابة، «من المحتمل ألا يصل أي رئيس أمريكي إلى مستوى روزفلت، حيث كان يتصفح الكثير من الكتب في يوم واحد، وكتب أكثر من اثني عشر مؤلفا محترما».
بعد مرور 76 سنة عن مؤتمر أنفا، عادت لورا إلى المغرب، لإحياء الحدث بدعوة من السفير الأمريكي في الرباط، لكنها كانت تتأبط كتابا عن جدها يروي رحلته إلى المغرب.
القواعد العسكرية وحديقة «ديزني لاند» في أجندة محمد الخامس بأمريكا
بعد عودته من المنفى، اختار الملك محمد الخامس القيام بزيارة رسمية إلى الولايات المتحدة سنة 1957، استغل هذه الزيارة للقيام بجولة في حديقة «ديزني لاند»، التي كانت قيد الاستكمال. قادت الرحلة ملك البلاد إلى كل من ويليامزبرغ، ودالاس ولوس أنجلوس وسان فرانسيسكو، وأوماها، وشلالات نياغرا، ونيويورك قبل عودته إلى المغرب.
زار محمد الخامس الولايات المتحدة الأمريكية بدعوة من الرئيس إيزنهاور، وعرفت مناقشات سياسية في شأن الوجود العسكري الأمريكي في المغرب، وخصوصا في القنيطرة، على امتداد زيارة العاهل المغربي إلى هذا البلد، حرص على الظهور بزيه التقليدي «جِلابة وطربوش»، كما لازمه خلال زيارته إلى الفضاء الترفيهي والت ديزني، رجل الأعمال الأمريكي وصانع الرسوم المتحركة والممثل الصوتي ومنتج الأفلام، حيث جلسا سويا أمام قلعة سليبين بيوتي، التي بنيت في منتجع ديزني لاند في أنهايم بكاليفورنيا، وافتتحت في 17 يوليوز 1955.
كشف والت ديزني لضيفه المغربي عن سر تألقه، وكيف حول هواياته في الرسم والتلوين وبيع الصور لجيرانه وأصدقاء عائلته إلى مهنة، «عشقت القطارات وعملت في مراهقتي في وظيفة صيفية في السكك الحديدية، وكانت مهمتي بيع الوجبات الخفيفة والجرائد إلى المسافرين. بدأت مشواري الفني كرسام في الجرائد، ثم التقيت بأب أيوركس وأسست معه شركته الخاصة».
ظهر الملك محمد الخامس مع والت ديزني مبتسما بجانب بلوتو، الشخصية الكارتونية التي تم انشاؤها سنة 1930 في شركة «والت ديزني للإنتاج». لم تكن قلعة سليبين بيوتي الجزء الوحيد من الحديقة الذي زاره الملك، فقد ركب الملك محمد الخامس وديزني وعدد من الشخصيات الأخرى قارب ديزني لاند، الذي كان في طريقه لدخول نفق سحري. كما تم رصد الملك بجوار مضيفه والت على شاحنة، وهما مستمتعان بالجولة.
رافقت الأميرة لالة أمينة الملك محمد الخامس، وكانت تمسك يد والدها، وتحمل كيس رقائق البطاطس باليد الأخرى. استمتع الملك ومرافقوه بهذه الزيارة، لدرجة أنه قرر العودة مرة أخرى. وفقا لكتاب «المملكة السحرية: والت ديزني وأسلوب الحياة الأمريكي»، للكاتب ستيفن واتس، فإن «الملك محمد الخامس كان مسحورا للغاية بزيارته الرسمية إلى ديزني لاند، لدرجة أنه تسلل من الفندق في اليوم التالي متخفيا لإعادة الزيارة».
قال الكاتب بوب توماس في «سيرة والت ديزني»: «يبدو أن ملك المغرب محمد الخامس واجه مشكلة في التمييز بين الحقيقي والمصطنع، خلال جولته مع والت»، وأضاف أنه عندما مر قارب نهر الغابة تحت الشلال، علق والت: «يبدو تقريبا مثل الماء الحقيقي أليس كذلك؟».
كانت تلك الرحلة الرسمية الأولى والأخيرة التي قام بها الملك محمد الخامس إلى الولايات المتحدة، قبل وفاته بعد ثلاث سنوات، أما والت فقد توفي بعده بست سنوات.
بايدن يحتفل بعيد ميلاده بمراكش وترامب يلتقي الحسن الثاني حول مائدة كسكس.. قصص لقاءات ملوك المغرب مع رؤساء أمريكا
يعد المغرب أول دولة في العالم اعترفت باستقلال أمريكا منذ أزيد من قرنين ونصف قرن، حيث اعترف السلطان سيدي محمد بن عبد الله بالولايات المتحدة الأمريكية ووقع معاهدة تجارية بحضور توماس باردي، القنصل الأمريكي في فرنسا. لكن مياها كثيرة مرت تحت جسر العلاقات بين البلدين، وعلى إيقاع المد والجزر عاشت دبلوماسية البلدين تارة تزدهر وتارة تخفت، حسب المناخ السياسي السائد وألوان وتوجهات الزعماء الأمريكيين، وانسجاما أيضا مع القولة الشهيرة للبريطاني وينستون تشرشل: «في السياسة ليس هناك عدو دائم أو صديق دائم، هناك مصلحة دائمة»، فإن للمد والجزر السياسي ما يبررهما.
اليوم يتطلع المغاربة إلى عودة الدفء للعلاقات المغربية الأمريكية، بعد أن تسرب إليها الصقيع من جميع جوانبها، خاصة في عهد دونالد ترامب، الذي أغلق شرفة واشنطن على الدول التي لا تبدي استعدادا لأداء ضريبة القرب من أمريكا.
مرة سئل صامويل كابلام، سفير الولايات المتحدة الأمريكية، بعد انقضاء رصيده من التعبئة الدبلوماسية، عن سبب قلة تردد رؤساء أمريكا على المغرب، فقال في تصريح لقناة «الجزيرة» إن رؤساء أمريكا لا يزورون إلا الدول التي تعيش حالة توتر، لهذا قد نجد مبررا لزيارات قام بها رؤساء بعد تقاعدهم إلى المملكة الشريفة.
وعلى الرغم من ضعف الدفء في شرايين العلاقات بين البلدين في عهد ترامب، فإنه من اللازم الاعتراف بدور هذا الأخير في دعم القضية الوطنية وملف الصحراء على الخصوص، كما أن الاستقرار ميز العلاقات بين الرباط وواشنطن، بينما عرفت حقبة باراك أوباما أول زيارة رسمية لبايدن إلى المغرب.
في هذا الملف الأسبوعي نكتشف من جديد تضاريس العلاقات المغربية الأمريكية، ونتوقف عند اللحظات القوية والمؤثرة والذكريات الراسخة في علاقة هي الأقدم سياسيا.
هكذا قضى جو بايدن أيامه بين فاس ومراكش حيث احتفل بعيد ميلاده
في عهد باراك أوباما قدر للرئيس الأمريكي المنتخب حديثا، جو بايدن، أن يقضي في المغرب أسبوعا كاملا، كان يشغل حينها منصب نائب للرئيس أوباما. حل الرجل بمراكش للمشاركة في القمة العالمية لريادة الأعمال بالمدينة سنة 2014، وألقى خطابا هاما أمام المؤتمرين في الجلسة الافتتاحية، ركز فيه على عمق العلاقات بين البلدين: «ما لا يفهمه كثير من الناس أن المغرب له مكانة خاصة في قلب الأمريكيين. المغرب أول دولة في العالم اعترفت باستقلال أمريكا منذ 270 سنة، في دجنبر 1777، جئت لكي أشكركم على هذا الاعتراف». وتحت عاصفة من التصفيقات أثنى موفد أوباما على جهود المغرب لحل نزاع الصحراء، مشيدا بجدية وواقعية ومصداقية مقترح الحكم الذاتي.
حظي نائب الرئيس الأمريكي باستقبال من طرف الملك محمد السادس في مدينة فاس، وكانت قضية الصحراء حاضرة بقوة، وخاصة مقاربة الحكم الذاتي التي نادى بها العاهل المغربي. رافق جو في هذه الزيارة كل من دوايت بوش، سفير الولايات المتحدة الأمريكية بالرباط، وآن بيترون، مساعدة كاتب الدولة في شؤون الشرق الأوسط، وإريك بيلوفوسكي، المدير الرئيسي لشمال إفريقيا، ودانييل بنيم، مستشار لدى مجلس الأمن القومي.
فضل بايدن الإقامة في فندق بالحي الشتوي، تحت حراسة مشددة لفرقة أمنية من واشنطن معززة بكلاب مدربة، وفي مداخلاته بالمؤتمر حرص الرجل على بعث رسائل مشفرة تارة وواضحة تارة أخرى، مركزا فيها على أهمية حرية التعبير محذرا من معيقات التنمية كالفساد والبيروقراطية، داعيا إلى مواجهة التطرف والهشاشة بتوفير فرص الشغل.
يذكر الحاضرون في مؤتمر مراكش، ليلة 20 نونبر 2014، حين فوجئ بايدن بالفرقة الموسيقية للقوات الملكية الجوية وهي تعزف مقطوعة تحمل معزوفة بمناسبة عيد ميلاد الضيف الأمريكي، شارك في الحفل كل المؤتمرين، بينما صودرت في دواخل الرجل عبارات الشكر من شدة سعادته بالمفاجأة السعيدة.
دونالد ترامب يلتقي الحسن الثاني حول مائدة كسكس
ظل الملك الحسن الثاني حريصا على توطيد علاقاته برجال المال والأعمال الأمريكيين، سيما وأن الثري مالكولم فوربس اعتاد على استضافة كبار المستثمرين الأجانب، والاحتفال بعيد ميلاده في قصره بمدينة طنجة، في جو صيفي يختلط فيه رجال المال بأهل الفن والسياسة.
في 18 غشت سنة 1989، كان اللقاء تاريخيا حين اجتمع عدد من الأثرياء والسياسيين والفنانين العالميين بطنجة للاحتفال بعيد ميلاد صديقهم، مالكولم فوربس، في قصره الخاص بحي مرشان. هذه المرة كان الحسن الثاني، ملك المغرب، ضيفا استثنائيا على الحفل، وكانت التعزيزات الأمنية جد مكثفة.
ولأنه لم يكن يحتل منصبا سياسيا قياديا، فإن دونالد ترامب لم يلفت الأنظار على غرار باقي كبار الضيوف أمثال هنري كيسنجر وزوجته، وإمبراطور الإعلام روبرت مردوخ، وجيمس غولد سميث، والفنان خوليو إغليسياس، ومشاهير لهم علاقة بمنظم الحفل.
حضرت رياضة الغولف في برنامج الحفل، بعد أن دعا الملك الحاضرين لقضاء ساعات في ملعب مدينة طنجة داخل النادي العريق، الذي كان الوجهة المفضلة لمشاهير عالميين توافدوا على مدينة طنجة نظير، «باربارا هوتون» عن مجموعة «جب» الأمريكية ووريثة سلسلة متاجر «وولوورث»، وأقام فيه الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله سنة 1987 مأدبة غداء على شرف الحاضرين عبارة عن وجبة كسكس مغربي. على الرغم من كون الثري الأمريكي فوربس هو الراعي الرسمي للحفل، إلا أن الحسن الثاني أصر على أن تكون للأمسية بصمتها المغربية، ودعا أحد كبار مموني الحفلات إلى المساهمة في جعل المطبخ المغربي حاضرا بين الوجبات الأمريكية.
لم يكن ترامب مقربا من محيط الملك في تلك الليلة، رغم أنه كان حينها من أشهر رجال الأعمال في الولايات المتحدة٬ وفي سنة 1992 تجدد اللقاء بين الحسن الثاني وترامب، بمدينة نيويورك، حين أقام ملك المغرب في الفندق، الذي يملكه دونالد الذي كان برفقة زوجته السابقة مارلا مابلز، وأصرا على التقاط صورة للذكرى مع العاهل المغربي.
ذكر دونالد ترامب الملك بكونه صاحب الفندق الذي أقام فيه الحسن الثاني بمدينة نيويورك في الفترة التي حضر فيها قمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وأعاد إلى الأذهان ما دار بينهما وكشف عن صورة جمعتهما في مدخل الفندق.
في كتابه «طنجة.. مدينة الحلم»، يروي الكاتب «لين فينليسن» بعض تفاصيل هذا الاحتفال الباذخ، وقال إن ضيوف الثري الأمريكي قضوا أمسية من ليالي ألف ليلة وليلة، حيث كان منظم الحفل حريصا على جعل البذخ عنوانا لسهرة تاريخية.
غضب الحسن الثاني من كارتر لرفضه بيع مقاتلات للمغرب
ظل الملك الراحل الحسن الثاني دائم التنقل خارج أرض الوطن، في إطار دبلوماسية متنقلة جابت أرجاء العالم. حيث كان يحظى بتقدير خاص من لدن الرؤساء والملوك والزعماء. أما زياراته إلى أمريكا فقد كان يرافقها اهتمام خاص مع جل الرؤساء، الذين تعاقبوا على البيت الأبيض.
غير أن هذا الود الذي ظل يجمع المغرب برؤساء أمريكا، لم يكن يترجم دوما على أرض الواقع، حينما يتعلق الأمر بمصالح أمريكا. ومن ذلك ما سبق أن كشفت عنه بعض الوثائق التي رفعت عنها السرية، والتي تقول إحداها إنه في أواخر السبعينات أرسل الملك الحسن الثاني عددا من الدبلوماسيين المغاربة إلى واشنطن، من أجل إقناع الرئيس الأمريكي جيمي كارتر ببيع طائرات ومروحيات «كوبرا» إلى القوات المسلحة الملكية المغربية، ورغم الجهود والمحاولات المغربية لإقناع الطرف الأمريكي بالصفقة، إلا أن جيمي كارتر رفض الطلب المغربي.
وتضيف الوثائق نفسها التي كشفت عنها وزارة الخارجية الأمريكية، أن تاريخ العلاقات الدبلوماسية بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية لم يكن على ما يرام دائما، وخاصة خلال الفترة الممتدة بين سنتي 1977 و1981، وعلى الرغم من الرفض الأمريكي، فقد حاول دبلوماسيون مغاربة في مناسبات عدة إقناع صناع القرار في البيت الأبيض بالعدول عن قرارهم، مقدمين العديد من الحجج، كمواجهة توسع الاتحاد السوفياتي في شمال إفريقيا، والمساعدة في الحفاظ على السلم في شمال إفريقيا. وهكذا تناوب كل من أحمد بوستة، وزير الخارجية المغربي وقتها، وعلي بن جلون، السفير المغربي لدى واشنطن، على محاولة إقناع الأمريكيين بإبرام الصفقة مع المغرب. كما سمح لوزير الخارجية المغربي بلقاء «والتر مونديل»، نائب الرئيس الأمريكي، لمدة 30 دقيقة، لكنه فشل في إقناعه.
وخلال لقاءاتهم مع المسؤولين المغاربة، أصر الأمريكيون على التزامهم باحترام اتفاق التعاون العسكري المبرم مع المملكة في سنة 1960 بشكل صارم، وهو الاتفاق الذي لا يسري على منطقة الصحراء المغربية.
يؤكد الحسن الثاني أنه قام بزيارة رسمية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، قبل انطلاق مفاوضات كامب ديفيد بأيام قليلة. وبعد تناول العشاء بالبيت الأبيض مع كارتر، تطرقا إلى القضية الفلسطينية الإسرائيلية. يقول الملك: «قال لي الرئيس كارتر، وكنت مقتنعا أنه سيفي بوعده «لو سلمتموني غدا اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بالقرارين 242 و383، فإنني لن أترككم تغادرون الولايات المتحدة، قبل أن أستقبل عند مدخل البيت الأبيض القادة الفلسطينيين، غير أنه كان يتعين الانتظار بضع سنين لكي يعترف الفلسطينيون بالقرارين».
معاهدة الحسن الثاني والقذافي تغضب ريغان
بعد أسبوع من مغادرة جيمي كارتر للبيت الأبيض في 20 يناير 1981، أذن خلفه رونالد ريغان بتسليم شحنة أسلحة إلى المغرب، حيث أصر وزير خارجيته «ألكسندر هيغ»، خلال جلسة استماع بمجلس الشيوخ الأمريكي، على ضرورة تسوية نزاع الصحراء المغربية الذي يسبب مشاكل كبيرة في المغرب.
عن الرئيس رونالد ريغان، يقول الحسن الثاني: «عندما قرر قصف ليبيا سنة 1986 لم يطلعني على ذلك. وأنا سعيد لهذا، لأنني كنت دخلت مسلسل الاتحاد مع ليبيا، وكنت سأجد نفسي مضطرا إلى أن أنبه العقيد القذافي إلى ذلك. وكان الرئيس ريغان يعرف ذلك وربما لهذا السبب لم يخبرني. والشيء نفسه كان سيحصل لو أن القذافي قال لي«سأضرب هدفا أمريكيا، لكنت أجبته»، «لم يكن يستحسن أن تخبرني لأنه سيتعين علي إخبار أصدقائي». لقد رصدت راداراتنا بعض التحركات، ولكننا لم نعرف إلا في اليوم الموالي أن الطائرات الأمريكية قصفت منزل الرئيس الليبي».
لم تكن العلاقة مع ريغان طيبة، بل كان التوتر يطبعها، لكنها ستعود إلى طبيعتها بعد ذلك. وتضيف بعض الوثائق أنه من 1984 إلى 1986، عرفت واشنطن على عهد ريغان كيف تضغط عسكريا واقتصاديا، وكان من الطبيعي أن تتدخل فرنسا، وحسب «بروتوكول 1987»، أعطت باريس 61 مليون دولار من أجل دفع خدمة ديون المملكة التي بلغت 15 مليار دولار، وخصصت 130 مليون دولار أخرى للدعم، لكن فرنسا لم تبع طائرات «الميراج 2000»، إلا بعد أن ضمنت استثماراتها في المملكة، وتخوف الحسن الثاني من هذه الهيمنة وعاد إلى الولايات المتحدة، بعد أن أوقف اتفاقه مع القذافي، وتمكن من 70 مليون دولار مساعدات عسكرية.
ويظهر من خلال هذه المعطيات أن الرئيس الأمريكي رولاند ريغان كان إلى جانب الملف المغربي في صراعه حول الصحراء المغربية، حينما قبل بيع السلاح إلى المغرب في عز الحرب الباردة. هذا على الرغم من أنه، ومنذ اندلاع نزاع الصحراء، لم يسبق لأي رئيس أمريكي أن تبنى موقفا يميل بشكل واضح للمغرب، لأسباب متعددة، منها عدم وجود مقترح الحكم الذاتي في الماضي في أجندة الحلول المطروحة.
ومر ملف الصحراء المغربية على طاولة ستة رؤساء أمريكيين، وهم جيمي كارتر الديمقراطي، ورونالد ريغان الجمهوري، وجورج بوش الأب الجمهوري، وبيل كلينتون الديمقراطي، وجورج بوش الابن الجمهوري، ثم باراك أوباما الديمقراطي، قبل أن يصل إلى دونالد ترامب.
البصري يستغرب لوجود حرس أردني حول كلينتون في جنازة الحسن الثاني
رزئ المغاربة في وفاة الملك الحسن الثاني يوم 23 يوليوز 1999، أي بعد شهرين عن رحيل صديقه الملك حسين. يروي السفير الأردني تفاصيل الجنازة: «حضرت التشييع في الرباط مع الوفد الأردني، الذي كان برئاسة الملك عبد الله الثاني. وحضر التشييع المهيب ملوك وزعماء دول العالم. حضر الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، ومعه وفد من رؤساء أمريكا السابقين. وأثناء التشييع، الذي شهد حضورا كثيفا من كل الأمم، التفت الرئيس كلينتون خلفه، فلم يجد أحدا من حرسه، لكن وزير الداخلية المغربي إدريس البصري كان يلاحظ المشهد ويستعد للتدخل، بعدما أبدى استغرابه لخفر أجنبي لضيف في يوم جنائزي.
تقدم نحو كلينتون ضابط شاب كان على بعد ثلاث خطوات منه وقال له: «سيدي فخامة الرئيس اطمئن، أنت في حماية الحرس الملكي الأردني»، وأرسل كلينتون إلى الملك عبد الله إيماءة تحية وسط الزحام الشديد، وواصل سيره مطمئنا. كان الرئيس كلينتون يسير قريبا من الوفد الأردني في موكب التشييع، فانتبه الملك إلى انفصال حرسه عنه، فأرسل ضابطين من الحرس الملكي لحمايته». لكن السلطات الأمنية المغربية حلت بسرعة، وقامت بما يفرضه الأمر.
يضيف السفير الأردني: «لما صافحت الرئيس بيل كلينتون في ردهات القصر الملكي بالرباط، قلت له بحضور الرؤساء السابقين الأربعة: أنت أعظم رئيس أمريكي. لم أجامله فقد كان صديقا حميما لبلدي ولملكي، كما كان صديقا حميما للعاهل المغربي».
الحسن الثاني يزور كينيدي قبل أشهر عن اغتياله وجاكلين تزور المغرب سرا
شاءت الصدف أن يزور الملك الحسن الثاني الولايات المتحدة الأمريكية في مارس سنة 1963، ويلتقي الرئيس الأمريكي جون كينيدي وزوجته جاكلين، قبل ثمانية أشهر عن اغتيال الرئيس الأمريكي، وتحديدا في 22 نونبر من العام نفسه.
زار الرئيس الأمريكي وزوجته ملك المغرب في مقر إقامته بواشنطن، وكان مرفوقا بسفير المغرب في الولايات المتحدة والمبعوث الدائم للمملكة في مقر الأمم المتحدة وسفير أمريكا في المغرب. قال كينيدي للحسن الثاني إنه «على الرغم من المحيط الواسع الذي يفصل دولتينا، إنهما مرتبطتان معا على طول التاريخ». وعبر ملك المغرب عن امتنانه لحفاوة الاستقبال، وتمنى أن تجمع البلدين علاقة تعاون حقيقية غير أنانية.
ضحك كينيدي كثيرا حين سمع هذه العبارة وطالب بتوضيحات أكثر، قبل أن يرد الملك ردا دبلوماسيا: «قصدي تعاون لأجل مصلحة قضايا الحرية والسلام والكرامة الإنسانية في جميع أنحاء العالم»، وذكر الحسن الثاني نظيره الأمريكي بحكاية الاعتراف المبكر للمغرب بالولايات المتحدة الأمريكية. «المغرب هو أقدم صديق لأمريكا، ولا يزال إلى اليوم أقوى حلفائنا في المنطقة»، جاء رد كينيدي دبلوماسيا أيضا: «نحن نعلم أن زيارتك ستعود بالنفع على بلدينا وشعبينا».
أشارت جاكلين كينيدي في مذكراتها إلى هذه الزيارة دون أن تذكر اسم الحسن الثاني، وقالت: «عندما يأتينا رئيس من دولة إفريقية يجلس إليه جون كينيدي، وبعد المقابلة البروتوكولية يدفع الرئيس الإفريقي بورقة مطالب للرئيس الأمريكي، وبعدها يتم النقاش مباشرة في كيفية تلبية تلك المطالب، ولكن الأمر مختلف مع ملوك إفريقيا لم يتم تقديم مطالب مكتوبة وحين يئس كينيدي وجه سؤالا مباشرا، وقال: «أليس لديك مطالب، فأجابه بالنفي»».
زارت جاكلين المغرب بعد وفاة زوجها، وقضت أسبوعا في مدينة مراكش رفقة رجل الأعمال اليوناني أرسطو أوناسيس سرا، وتلا ذلك زواجها من أوناسيس عام 1968، واستمر ذلك الزواج إلى وفاته عام 1975.
كيسنجر موفد نيكسون يطلب نصيحة الحسن الثاني
يقول الكاتب السياسي المصري سعيد الشحات: «ذات يوم 6 نونبر 1973، طلب هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، نصيحة من الحسن الثاني في شأن التعامل مع الرئيس المصري أنور السادات».
تقول الرواية إن كيسنجر، موفد ريتشارد نيكسون، قطع المحيط بطائرته من واشنطن متوجها إلى الشرق الأوسط، وتوقف في الرباط حيث التقى بملك المغرب. وحسب محمد حسنين هيكل في كتابه «أكتوبر 73 - السلاح والسياسة»: «توقف هنري في عاصمة المغرب، أولا لمقابلة تمهيدية مع الملك الحسن الثاني، الذي التقاه من قبل عدة مرات، وأنشأ علاقات وثيقة معه من خلال منصبه كمستشار للأمن القومي الأمريكي، قبل أن يكون وزيرا للخارجية».
طلب كيسنجر من الملك بتواضع شديد، أن يعطيه درسا في السياسة: كيف يستطيع أن يزيل شكوك العرب في كونه يهوديا، خاصة الإعلام المصري الذي نبش في سيرة هنري وشجرة أنسابه، وهو المكلف بحل صراعهم مع إسرائيل؟ وكيف يقنعهم بحسن نواياه؟ وكيف يتفاوض معهم بدون عقد؟ ثم كيف يتعامل مع الرئيس أنور السادات، وهو أول من يتفاوض معه من الزعماء العرب، فضلا عن أنه رئيس أكبر دولة عربية، كما أنه الطرف الأكبر في الحرب التي كانت دائرة بين العرب وإسرائيل؟
أعطى الحسن الثاني لضيفه الأمريكي، خلال توقف قصير بالرباط، درسا في السياسة العربية، وقال إن الضرورة تفرض التعامل بمنطق «اللي فات مات»، وهو ما يؤكده الكاتب المصري هيكل: «تلقى كيسنجر درسه الأول المباشر في السياسة العربية، وبعده طلب من الملك الحسن أن يتصل بالسادات بسرعة، ليوصيه خيرا بزائره «اليهودي»، وأخيرا وصل إلى القاهرة منتصف ليل 6 نونبر عام 1973». ووفقا للمصدر فإن كيسنجر أحس بحرارة الاستقبال من اللحظة الأولى، وقد استطاع تحفيظ نفسه جملة باللغة العربية قالها لممثلي وسائل الإعلام المصري فور نزوله، إذ ردد: «اللى فات مات»، وقد قصد بذلك التعبير عن رغبته في بداية صفحة جديدة.
وحسب الصحفي الراحل رمزي صوفيا، الذي شهد مقابلة مع وزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر، الذي لعب دورا كبيرا في القضية الفلسطينية، فإن الدبلوماسي الأمريكي قال إن عدة ملوك ورؤساء كانوا يستشيرون الحسن الثاني.