فمك لحسو كلب – 2
مع
الحقيقة أنه إذا لم يحن بنكيران وأبناؤه إلى الربيع العربي فمن سيحن إليه؟
فبنكيران جامع المعاشات هو من استغل موجة الربيع للوصول إلى رئاسة الحكومة سنة 2011، وضمن لنفسه معاشا استثنائيا مدى الحياة بمبلغ 7 ملايين سنتيم شهريا معفاة من الضرائب والاقتطاعات لم يدفع فيها ولو سنتيما واحدا، فيما أصبح قادة حزبه يملكون “الفيلات” والسيارات الفارهة، بعدما أوهموا المغاربة بشعار “إسقاط الفساد والاستبداد”، قبل استبداله بشعار “صوتك فرصتك للإصلاح في ظل الاستقرار”، وأصبح الإصلاح في ظل الاستقرار بمثابة “كريمة” لتحصيل المنافع والأموال والامتيازات، كما يستعمله الحزب للتخويف والابتزاز للحصول على المزيد منها لفائدة أعضائه.
وقد ظهر بما لا يدع مجالا للشك أن بنكيران أناني يعمل بشعار أنا وبعدي الطوفان، ولذلك يشهر دائما ورقة الربيع العربي للتهديد والابتزاز، فقد قال سابقا إن “الربيع العربي جاءنا هائجا فليناه وطوعناه حتى أوصلنا إلى رئاسة الحكومة”، وخلال الحملة الانتخابية التشريعية الأخيرة، هدد بعودة الربيع العربي وبالنزول إلى الشارع في حالة عدم فوز حزبه في الانتخابات، والآن ابنه أسامة، الذي يملك مكتبا للمحاسبة في حي الرياض أرقى حي بالرباط، ويعمل كذلك أستاذا زائرا بكلية الحقوق بالدار البيضاء لتدريس مادة الاقتصاد الإسلامي، يتمنى حدوث ربيع عربي جديد لعودة والده وحوارييه إلى الواجهة السياسة، وذلك بالموازاة مع الحملة التي يقودها هذا الأخير من صالون “فيلا” زوجته بحي الليمون وسط العاصمة الرباط، عبر “لايفات” يبثها عبر هاتف سائقه الخاص.
وليست هذه المرة الأولى التي يشهر فيها بنكيران ورقة الربيع العربي في إطار ممارسة ابتزاز الدولة لتحصيل منافع سياسية أو انتخابية، وبالعودة إلى خطاباته عندما كان رئيسا للحكومة، دائما كان يلعب بورقة الاستقرار والشارع، وبالمقابل لا يتوانى في إشعال فتيل التوتر مع بعض الفئات الاجتماعية لإثارة الاحتجاجات والفتن ثم الركوب عليها، لتقديم نفسه كمنقذ من تهديدات الشارع، ولاحظنا كيف يعيش بنكيران وحزبه على وهم ضمان الاستقرار للمغرب منذ خروج مسيرات حركة 20 فبراير سنة 2011، التي ركب على مطالبها للوصول إلى قيادة الحكومة.
ويبقى السؤال المطروح الآن هو ما هو هذا الربيع العربي الذي يبشر به المغاربة بنكيران وأبناؤه، هل هو ربيع تونس ومصر، الذي انتهى بعودة الأنظمة السابقة، أم ربيع ليبيا وسوريا، الذي انتهى بالتدمير والخراب، وسقوط آلاف القتلى في حروب أهلية بين الفصائل المسلحة، ونزوح الملايين من السكان والأطفال نحو الملاجئ البعيدة؟
وفي إطار التبشير بالربيع وتوفير أسباب قيامه، زرعت حكومة بنكيران، خلال الولاية السابقة، العديد من القنابل الاجتماعية الموقوتة، القابلة للانفجار في أية لحظة، ولاحظنا خلال الأسبوع الماضي، بمناسبة ذكرى 20 فبراير، نزول الآلاف من الأساتذة المتعاقدين إلى الشارع، وكيف حاولوا اقتحام باب القصر الملكي للوصول إلى مقر رئاسة الحكومة المتواجد بالمشور السعيد داخل أسوار القصر، والسبب أنه في عهد حكومة بنكيران السابقة تم تمرير قرار التوظيف المؤقت عن طريق التعاقد، أو ما يصطلح عليه بالتوظيف بـ«الكونترا» إلى جانب التوظيف النظامي في الوظائف القارة، ولا يترتب على هذا الأسلوب في التشغيل أي ترسيم للمتعاقدين في أسلاك الوظيفة العمومية.
ولعل أخطر مخطط يهيئ له الحزب الحاكم حاليا هو مخطط رفع دعم صندوق المقاصة عن “البوطا”، ما سيؤدي بشكل مباشر إلى ارتفاع أسعار هذه المادة الحيوية والأساسية في بيوت كل المغاربة، ويدخل ذلك ضمن مخطط إعداد الظروف المواتية اجتماعيا لتهييج الطبقات الشعبية وعودة الربيع، من خلال إشعال المزيد من الاحتجاجات، قبل حلول موعد الانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها سنة 2021.
وهنا تكمن خطورة مغامرة ومقامرة حزب العدالة والتنمية باستقرار البلاد من أجل مكاسب سياسية وانتخابية في محيط جيوستراتيجي ملتهب ومفتوح على أسوأ السيناريوهات.
فمن أجل أن يقود الحزب الحاكم معركة ضد خصمه السياسي عزيز أخنوش فهو مستعد لإحراق البلد، لأن المقصود برفع الدعم عن البوطا هو الخصم السياسي أخنوش الذي هاجمه بنكيران، لكون شركته تملك حصصا كبيرة في سوق غاز البوطان، وبما أن “البوطا” أساسية في كل بيت مغربي فالحزب الحاكم يتصور أن الزيادة في سعرها سوف يتحمل نتائجها السياسية أخنوش وحزبه، لأنه حسب إحصائيات وزارة الداخلية هناك 6 ملايين أسرة مغربية تستعمل “البوطا غاز” داخل بيوتها، وهو ما يشكل قاعدة انتخابية مهمة.
إذن مخطط “البيجيدي” بخصوص رفع الدعم عن “البوطا” ليس من أجل مصلحة المواطن، وإلا ماذا استفاد المواطن من رفع الدعم عن المحروقات، حيث ربحت الحكومة من خلال توفير أموال المقاصة، وربحت الشركات، فيما خسر المواطن الفقير والغني كل شيء، بعد الارتفاع الصاروخي في أسعار المواد البترولية، ما انعكس بشكل مباشر على أسعار باقي المواد الاستهلاكية، وعوض تحسين الوضعية المعيشية للمغاربة، مررت الحكومة السابقة قرار إصلاح صندوق المقاصة عن طريق رفع الدعم عن المحروقات في انتظار أن يشمل القرار مواد السكر وغاز البوتان “بوطا غاز” والدقيق المدعم، ما نتج عنه ضرب القدرة الشرائية للفقراء الذين يستفيدون من هذا الصندوق ونهج سياسة تقشفية استهدفت جيوبهم، فخسر المواطنون قدرتهم الشرائية فيما ربح بنكيران معاشا مريحا، فهل فهمتم الآن لماذا يتحرقون شوقا لعودة الربيع العربي مجددا؟