حبر على ورق
مع
عاد المجلس الأعلى للحسابات ليلقي بوابل من الانتقادات تجاه الأداء الحكومي والاستراتيجيات التي ترسمها السلطة التنفيذية دون أن تجد طريقها إلى الإنجاز الفعّال ودون أن يترتب عنها تحقيق الأهداف المتوخاة، وهذه المرة بسبب ضعف الإجراءات الحكومية المتخذة لضمان التقارب بين الاستراتيجيات والبرامج الوطنية والقطاعية لتطبيق خطة أهداف التنمية 2014- 2030، مسجلا عدم وضع التدابير اللازمة، على المستوى الوطني، لتحديد الأولويات وتنفيذ هذه الخطة.
وأظهر تقرير جطو الأخير أن الحكومة بلورت 21 اقتراحا يحدد التزامات 21 قطاعا وزاريا تحظى بالأولوية من حيث التنمية المستدامة، غير أن استجابة21 قطاعا المعنية ظلت شبه غائبة.
لقد أصبح في حكم العادة أنه كلما تدخل المجلس الأعلى للحسابات لتقييم برنامج أو استراتيجية حكومية، أو مشروع وقع أمام الملك كما حدث مع «الحسيمة منارة المتوسط»، إلا وجاءت نتائج تقريره كارثية وملاحظاته سلبية. ويكفي أن نعود لتقارير دركي المال العام حول الأجهزة العمومية والتدبير المفوض، أو المؤسسات والمقاولات العمومية، أو مديونية الدولة أو الجبايات المحلية، أو تقييم الوظيفة العمومية والتقاعد.. لنجد أنفسنا أمام الملاحظات نفسها المتمثّلة في غياب الرؤية الموحدة، انعدام الالتقائية في السياسات والبرامج العمومية، الافتقار للقيادة القادرة على التدبير، غياب التمويل الكافي، ضعف الأثر الاقتصادي والاجتماعي المحقق وغيرها من الملاحظات المتكررة باستمرار دون أن تتمكن الحكومة من الالتزام بها.
ويظهر جليا، من خلال خلاصات تقارير جطو، أن الحكومة لا تعير أي اهتمام لتلك التقارير وتضعها في رفوف الإهمال بمجرد التوصل بها، رغم الأهمية الكبيرة التي خصصها الدستور لهاته المؤسسة في مراقبة تدبير المال العام وتقييم الأداء العمومي. فهذا الجهاز الرقابي، الذي يعد الأهم في الدولة في مجال مراقبة المال العام، دائما ما يعد تقارير هامة ثم ينشرها، لكن لا حياة لمن تنادي، فكلها توضع في الأرشيف في انتظار تقرير جديد دون أن يؤدي القديم مفعوله.
وبدون شك، لقد نجحت الحكومات في جعل تقارير المجلس الأعلى للحسابات حبرا على ورق تستعمل فقط للاستعراض السنوي لبعض التجاوزات دون أية ردة فعل، ودون أن تشكل مرجعية حقيقية لسياساتها المقبلة. وباتت تلك التقارير مثل التعويذة التي ترددها ألسن الوزراء دون أن يكون لها أي مفعول يذكر على سياساتهم وقراراتهم، وفي أحسن الأحوال يتم استحضار تلك التقارير لشرعنة سياسات تحمل بذور الفشل في طياتها.
تنشر بالاتفاق مع جريدة "الأخبار" الورقية