الهدر الجامعي ...الأزمة التي تهدد الكليات المغربية
مع Télé Maroc
16.5 في المائة من الطلبة يغادرون الجامعة في السنة الأولى، و31.3 يحصلون على الاجازة في الوقت القانوني، من أصل 45 في المائة من مجموع الطلبة الذين يحصلون على الدبلوم، في حين أن 47 في المائة منهم يغادرون دون شهادة، وهو ما اعتبره الوزير هدرا للمال العام والطاقة والوقت، ويبلغ متوسط السنوات للحصول على الشهادة حوالي 5 سنوات
مشكلة الهدر الجامعي من الأوجه البارزة لأزمة الجامعة المغربية، حيث سبق لوزير القطاع سعيد أمزازي، أن دق ناقوس الخطر بأن أكد أن الكلفة المالية للهدر الجامعي في المغرب تقدر بحوالي ثلاثة ملايير و700 مليون درهم، أي 370 مليار سنتيم، تدخل فيها كل المصاريف المرتبطة بالدراسة الجامعية. وأكد الوزير أن النظام الجامعي الجديد «الباكلوريوس» يهدف إلى التقليص من ظاهرة انقطاع الطلبة عن التعليم العالي، بمواكبتهم بالتوجيه في الشعب التي اختاروها، مع الانفتاح اللغوي الذي يعد عائقا أساسيا يدفعهم إلى المغادرة قبل الحصول على شهادة جامعية.
شكل الإصلاح الجامعي موضوعا رئيسيا في جلسة المناقشة بين السلطة الحكومية المسؤولة عن قطاع التعليم العالي والبرلمانيين، وخصوصا مسألة الهدر الجامعي. الأمر الذي يعني أن تغيير النظام البيداغوجي يأتي للجواب عن عدد من الإشكالات التي تتخبط فيها الجامعة المغربية، أبرزها ظاهرة الاكتظاظ، حيث سيتم العمل على تنويع العرض التربوي في تخصصات القانون والاقتصاد والعلوم لإتاحة الفرصة للطلبة للانفتاح على شعب جديدة، وبالتالي تخفيف الضغط على تخصصات بعينها.
الهدر الجامعي.. هدر كبير للمال العام
قال إدريس أوعويشة، الوزير المنتدب المكلف بالتعليم العالي، يوم الثلاثاء الماضي بالبرلمان، إنه من بين مليون و79 ألف طالب مغربي، يوجد 858 ألف طالب في المؤسسات ذات الاستقطاب المفتوح، وهو ما يمثل 80 في المائة من مجموع الطلبة، مضيفا أن هذا الأمر ينتج عنه عدد من التحديات التي جاء نظام البكالوريوس لتجاوزها.
وأوضح الوزير أن العمل على إنزال نظام البكالوريوس تم الشروع فيه، لكنه توقف بعد الجائحة، مشيرا إلى أن اعتماد هذا النظام سيتم بمقاربة تدريجية، حيث سينحصر على عدد قليل من الطلبة بهدف التجربة للتجويد قبل التعميم، وسيكون بشكل تطوعي للجامعات التي توجد بها الشروط لإنجاح التجربة.
وبخصوص تنزيل نظام البكالوريوس، أكد الوزير على البيداغوجية الرقمية، مشددا على أن الرقمنة آتية ولا بد منها، ومستقبل الجامعة في التناوب بين الحضوري وعن بعد، من خلال بيداغوجية متنوعة، فيها حركية، وتتيح إمكانية الحصول على البكالوريوس في أقل من أربع سنوات، مع إمكانية إضافة دورات لاستدراك بعض المواد خلال فصل الصيف.
وأوضح أوعويشة أن مؤسسات الاستقطاب المفتوح المعنية بهذا النظام الجديد، تعاني من الاكتظاظ وانعكاساته، ومن الضغط المتزايد، إضافة إلى هيمنة الطابع الأكاديمي، كما أن الكثير من المسالك متقادمة ولم تتغير منذ عقود.
وإضافة إلى ذلك، تعاني هذه المؤسسات، سواء كليات العلوم أو الآداب أو القانون والاقتصاد أو الكليات متعددة التخصصات، من ضعف انخراط الشركاء لربط التكوين مع التشغيل، وغياب نظام للتوجيه، وضعف المستوى المعرفي العام واللغوي، وعدم تملك الخريجين لكفايات أفقية ومهارات حياتية وذاتية.
طلبة يغيرون تخصصاتهم عند الانتقال للتعليم العالي
أشار وزير القطاع، أيضا، إلى أن عددا كبيرا من الطلبة يغيرون تخصصهم بين الثانوي والجامعة، فعدد التلاميذ الذين يحصلون على بكالوريا في العلوم والتقنيات يبلغ 52 في المائة، في حين 15 في المائة من هؤلاء فقط من يلجون كليات العلوم، وهو ما اعتبره خسارة كبيرة سببها أساسا اللغة، فالطلبة يدرسون في الثانوي باللغة العربية، وبعد العطلة الصيفية يجدون أنفسهم ملزمين بالدراسة باللغة الفرنسية.
كما سجل الوزير عددا من الإشكالات الأخرى التي تعاني منها المؤسسات الجامعية المفتوحة، إذ إن 16.5 في المائة من الطلبة يغادرون الجامعة في السنة الأولى، و31.3 يحصلون على الإجازة في الوقت القانوني، من أصل 45 في المائة من مجموع الطلبة الذين يحصلون على الدبلوم، في حين أن 47 في المائة منهم يغادرون دون شهادة، وهو ما اعتبره هدرا للمال العام والطاقة والوقت، ويبلغ متوسط السنوات للحصول على الشهادة حوالي 5 سنوات.
ولفت أوعويشة إلى أن هؤلاء الطلبة المتواجدين بالكليات ذات الاستقطاب المفتوح، معنيون اليوم بنظام «البكالوريوس»، الذي يحاول تجاوز بعض من هذه الإشكالات، من خلال تجويد المردودية الداخلية وتزويد الطلبة بالمهارات الذاتية والحياتية واللغات والثقافة العامة، وتمكينهم من فرصة الحركة وطنيا ودوليا، واستقلال الطلبة وتعلم اتخاذ القرارات، وقابلية التشغيل والاندماج في سوق العمل.
وذكّر أوعويشة بأن نظام البكالوريوس يعمل على برمجة سنة تأسيسية، لضمان الانتقال من التعليم الثانوي للعالي، ولتعزيز استعمال الرقمنة، وإعادة التوجيه واختيار تخصص آخر، مع أخذ شهادات في مستوى اللغات والمعلوميات.
الإصلاح العاجل..
تشير معطيات حديثة صادرة عن وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي والبحث العلمي إلى أن إرساء النظام الأنجلوساكسوني جاء استجابة لمتطلبات المجتمع وسوق الشغل والارتقاء بمهارات الطالب، وليس الاكتفاء فقط بدراسة الحقول المعرفية التقليدية.
ويدرس الطالب في مجموع السنوات الدراسية الأربعة 26 وحدة معرفية (مواد أساسية)، و8 وحدات في الكفايات الحياتية والذاتية، و6 وحدات في اللغات الأجنبية، و4 وحدات للانفتاح المتخصص، ووحدتين للانفتاح العام ووحدتين مخصصتين للمشروع المؤطر بدل واحدة المعمول بها حاليا (PFE).
ويعتمد النظام الجديد على نظام الأرصدة القياسية؛ 30 رصيدا لكل فصل، و60 رصيدا لكل سنة، و240 رصيدا بالنسبة إلى سلك البكالوريوس. ومنح هذا النظام أرصدة متساوية للوحدات المعرفية، ووحدات اللغات بـ6 أرصدة لكل وحدة منهما. وعلى الرغم من أن مدة الدراسة بالنسبة لسلك البكالوريوس محددة في أربع سنوات، فإنه يمكن للطالب الحصول على الشهادة في مدة تقل عن أربع سنوات، حسب قدرات وإمكانات الطالب لتحصيل جميع الأرصدة القياسية الضرورية (دورات صيفية منظمة للغات، للمهارات الحياتية والذاتية، للمشروع المؤطر).
ويضع هذا النظام الجديد التمكن من اللغات الأجنبية شرطا أساسيا لحصول الطالب على البكالوريوس (الإجازة)، حيث يشترط حصوله على إشهاد الكفاءة اللغوية بمستوى B2 للحصول على الدبلوم. وسيجري الطلبة اختبارات التموقع اللغوي، تعفيهم من متابعة الدراسة في وحدة اللغة إذا استطاع الطالب أن يثبت مستوى جيدا فيها؛ وهو ما يتيح له فرصة التسجيل في وحدات للغات أجنبية أخرى، علما أن اللغات المقترحة هي الفرنسية والإنجليزية والإسبانية.
ويعزز النظام الجامعي الجديد التدريب الاجتماعي للطالب عن طريق عمل ميداني لا تقل مدته عن 30 ساعة، يختار فيه مجال تدخله ومكانه، في خطوة تهدف إلى تشجيع الأنشطة التطوعية، والعمل الإنساني، والتضامن، والتدخل السريع، والبيئة، والذاكرة المواطنة، والصحة، والرياضة والثقافة والترفيه. ويقتصر نظام التقييم (الامتحانات)، وفق المعطيات الصادرة عن وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي، على الدورات الاستدراكية والمداولات نهاية السنة بدل كل فصل من أجل الحد من هدر الزمن الجامعي، بالنسبة إلى الطلبة الذين لم يستوفوا السنة الدراسية ويحتفظ الطالب بالنقطة الأعلى من بين النقطتين المحصل عليهما قبل وبعد الدورة الاستدراكية.