عندما وهب المغرب مساعدات لأقطار العالم
مع تيلي ماروك
«المغرب كان يقدم مساعدات مالية إلى دول من مختلف أنحاء العالم. سيكون مثيرا للانتباه مثلا معرفة معلومة تتعلق بصرف معونة مغربية لروسيا سنة 1901، لمساعدتها على اجتياز مأساة كارثة طبيعية كسرت ظهر الاقتصاد الروسي المنهك أساسا وقتها بسبب الحرب. كيف كانت علاقتنا بروسيا إذن؟
فروسيا هذه لم يكن يعرف المغاربة شيئا كثيرا عنها إلا ما كانوا يقرؤونه في القليل من الرحلات العربية التي قام بها أصحابها في بعض نواحيها وخصوصا في مقاطعتها الجنوبية قديما مثل ابن فضلان، وإن لم تطبع رحلته إلا قريبا أو بعضها دون بعض سنة 1939، نشرها الأستاذ زكيا الوليدي، ولا يزال قسم منها بإحدى خزائن الأستانة. كما أن الروس يحتفظون بقسم مفيد منها، ويمانعون في إعارة القشور منه عندهم سنة 1823 مع ترجمة روسية أو التحقيق عليه حسب ذكر الأستاذ محمد سامي الدهان الذي نجده الآن عاملا على نشرها لما فيها من الفوائد التي انفردت بها والملاحظات التي لم يكذبها الزمان رغما عن تطورات الأحداث في هذه الدنيا الروسية ولا نقول البلاد الروسية مع العلم أن ابن فضلان عاش في القرن الرابع وقام برحلته لفائدة الدولة العباسية.
ليست هذه إلا البداية. فالمغرب قدّم مساعدات لدول الشرق الأوسط كانت تصرف على شكل مساعدات للحجيج في مكة خلال مراحل مختلفة من حكم الدولة العلوية».
تبرعات وإعانات مغربية خرقت قاعدة الدول الكبرى
هذه الأحداث العصيبة التي يمر بها العالم، تذكرنا جميعا بأن الدول كانت لا تجد بجانبها إلا بعضها. مهما حالت بينها الجغرافيا، فإنها تخرق القاعدة، وتساعد ضِعافها أقواها.
المغرب كان من بين الدول التي قدمت مساعدات لدول أوربية. مساعدات عينية وأخرى عبارة عن تنازلات ودية، كان الغرض منها أساسا تلطيف الأجواء ونبذ الصراعات بين أقطاب كانت تتسابق لكي تحكم العالم.
عندما كان المغرب على مرمى مدافع الدول الأوربية الاستعمارية، كانت الحالة الداخلية للبلاد في تأزم، بسبب الانغلاق الداخلي وسنوات الجفاف. لكن لم يسجل التاريخ أن الدول الجارة صرفت إعانات للمغرب. وهذه حقيقة، على مرارتها كانت تمثل تحديا للمغرب. ففي المقابل، كنا سباقين دائما إلى صرف إعانات ونقلها إلى الجيران في الجزائر. وهناك وقائع شهيرة لا يتسع المجال لذكرها تتعلق بإعانات مغربية للجزائر منذ بداية الاستعمار الفرنسي للمنطقة، وقبله أيضا. إذ كان معروفا أن المغرب خص جنود الأمير عبد القادر بإعانات مهمة جلبت على المغرب متاعب مع فرنسا مهدت لاحقا للتوغل العسكري في المغرب.
وفي خمسينيات القرن الماضي كان جيش التحرير المغربي يمول الثورة الجزائرية ويقدم لها التمويل اللازم لاستمرار أنشطة المقاومة المسلحة ضد الاستعمار الفرنسي الذي جثم على صدور الجزائريين سنوات إضافية.
قصص الإعانات المغربية للعالم، تستحق فعلا أن تُروى. فقد أرسل المغرب إعانات إلى المشرق، خصوصا خلال موسم الحج، كانت بمثابة عادة شبه سنوية يحرص من خلالها السلاطين الذين تعاقبوا على الحكم في الدولة العلوية. وسوف نرى بعض تفاصيلها في هذا الملف.
لكن أقوى أمثلة الإعانات المغربية للعالم، تلك التي وقعت في عهد المولى عبد العزيز الذي حكم المغرب ما بين سنوات 1894 و1907. حيث أرسل معونات إلى روسيا.
ماذا يربطنا بالروس تحديدا؟ بعيدا عن هذه الإعانة المغربية التي جاءت بعد إرسال المولى عبد العزيز سفيرا، هو وزير الخارجية المغربي السابق عبد الكريم بنسليمان الذي توفي بعد مغادرة المولى عبد العزيز للحكم بفترة قصيرة، فإن علاقتنا بروسيا تستحق فعلا أن نقف عندها. جاء في مجلة دعوة الحق، التي تعد مرجعا للتأريخ بحكم اعتمادها على وثائق ودراسات رسمية، وبالضبط في العدد 26، ما يلي عن العلاقات المغربية الروسية: «المقصود بروسيا في هذه العجالة هي روسيا القيصرية التي كانت الدول الغربية قبل الحرب العالمية الأولى تخطب ودها للمحافظة على التوازن في السياسة الأوربية والتي كانت بعض الدول الغربية تحاول استغلالها كما تستغل الشهوات لكثرة خيراتها وتنوع منابع الثروة فيها وقلة خبرائها. فروسيا هذه لم يكن يعرف المغاربة شيئا كثيرا عنها إلا ما كانوا يقرؤونه في القليل من الرحلات العربية التي قام بها أصحابها في بعض نواحيها وخصوصا في مقاطعتها الجنوبية قديما مثل ابن فضلان، وإن لم تطبع رحلته إلا قريبا أو بعضها دون بعض سنة 1939، نشرها الأستاذ زكيا الوليدي، ولا يزال قسم منها بإحدى خزائن الأستانة. كما أن الروس يحتفظون بقسم مفيد منها، ويمانعون في إعارة القشور منه عندهم سنة 1823 مع ترجمة روسية أو التحقيق عليه حسب ذكر الأستاذ محمد سامي الدهان الذي نجده الآن عاملا على نشرها لما فيها من الفوائد التي انفردت بها والملاحظات التي لم يكذبها الزمان رغما عن تطورات الأحداث في هذه الدنيا الروسية ولا نقول البلاد الروسية مع أن العلم أن ابن فضلان عاش في القرن الرابع وقام برحلته لفائدة الدولة العباسية. نعم، كان المغاربة يعرفون عن روسيا ما كانوا يطالعونه في الكتب المصرية القليلة التي كانت تصل المغرب مثل «التحفة الخالدة» التي يقال بأن نسخة منها كانت متداولة بفاس وعليها تطويرات بيد المولى الحسن الأكبر جد مولانا صاحب الجلالة محمد الخامس، وكل هذه المعلومات شيء قليل إذا أضفناه إلى قلة اعتناء علماء الوقت أي علماء القرن المنصرم بشؤون الجغرافيا والتاريخ إلا من رحم ربك وقليل ما هم». لكن مسألة المعونة التي صرفها المولى عبد العزيز للروس الذين كانوا يمرون بأزمة خانقة بسبب الحرب وكارثة تمثلت في الفيضان المتزامن مع زلزال عنيف، تبقى قصة أخرى تستحق فعلا أن تُروى.
هكذا كان المغرب يمول دول جنوب الصحراء قبل قرون
في التاريخ القديم، كانت علاقة المغرب بعمق القارة الإفريقية وطيدة للغاية، خصوصا في الدول الإفريقية التي وصل إليها الإسلام. فقد عمدت الدولة المغربية منذ قرون خلت، على صرف إعانات عينية وأخرى غير مباشرة لقبائل جنوب الصحراء.
وفي عهد الدولة السعدية، قبل وصول العلويين إلى السلطة، كان المغرب قد وصل إلى مراتب غير مسبوقة في تجارته مع أوربا، خصوصا مع الإنجليز. فقد كان المغرب يحتكر تراخيص تصدير السكر عالي الجودة إلى المملكة المتحدة، ويراكم أموال ضخمة بفضل تلك التجارة. في ذلك الوقت كان المغرب يصرف مساعدات للزوايا في السنغال وبعض القبائل في موريتانيا ومالي أيضا. ولا تزال الشواهد التاريخية على هذه العلاقة قائمة إلى اليوم من خلال انتشار الزوايا التي تنبع من التصوف المغربي في تلك المناطق.
الدولة السعدية التي انتهت سنة 1659، جعلت بداية الدولة العلوية، خصوصا في عهد المولى إسماعيل الذي ورث الحكم عن جده الشريف مؤسس الدولة العلوية (المولى إسماعيل هو الثالث في ترتيب ملوك الدولة العلوية)، حيث أسس لأهم فترة في حكم العلويين خلال القرن السابع عشر، كان يصرف معونات منتظمة لقبائل ما بعد نهر السنغال كما تؤكد ذلك وثائق تاريخية، وُجدت بعضها في مكتبات بموريتانيا. هذه الوثائق أكدت وجود تمويل مغربي منتظم لعدد من القبائل التي نشرت الإسلام في الصحراء الإفريقية، حيث كانت بعض تلك القبائل تربط علاقات وطيدة مع قبائل مخزنية عريقة. وتعود أسباب تلك الصداقة تحديدا إلى الإعانات والتمويل الذي تحظى به هذه القبائل من عائلات مغربية ثرية، ومن تمويلات مباشرة من الدولة بشكل مباشر. وهو ما كان يشكل مورد دخل أساسي لتلك القبائل المشرفة على الزوايا.
موسم الحج قبل 120 سنة.. الموعد الدائم للمساعدات المغربية لدول عربية
في كتاب «الاستقصا» أحد أهم مراجع التاريخ المغربي، جاء ذكر الرحلات المغربية لموسم الحج، والتي كان على رأسها شخصيات مغربية كبيرة أمثال عبد الحي الكتاني، الذي عاد من الحج بجرعة علمية نافح بها العلماء «الكلاسيكيين» في جامع القرويين تزامنا مع الحماية سنة 1912، مرورا بعلماء آخرين كانت رحلتهم إلى الحج مناسبة لتجديد ثقة العرش فيهم، حيث جاء في نفس المرجع، أي الاستقصا، في الجزء المخصص لدولة المولى عبد الرحمن، أن القصر كان يمنح أموالا وهبات لهؤلاء العلماء وأحيانا الوزراء وحتى القضاة، لكي يوزعوها باسم السلطان في موسم الحج على الفقراء من مختلف المناطق من شبه الجزيرة العربية وآسيا، ودول أخرى كمصر والسودان.
هنا نورد قصة هبة مغربية أرخ لها المختار السوسي في كتاب «حول مائدة الغذاء»، وكان بطلها قاض مغربي اسمه أبو شعيب الدكالي، عاش في عهد المولى عبد الحفيظ الذي حكم المغرب ما بين سنوات 1907 و1912، حيث كان موضوع المساعدة المغربية لموسم الحج، امتحانا لأمانة هذا القاضي.
طلب السلطان حضوره إلى إحدى القاعات وجلس معه برفقة أحد أفراد حاشيته، وهو واحد من الذين أخبروا السلطان بالعادة السيئة التي عُرف بها الدكالي في أوساط القضاة.
كانت الجلسة ثلاثية إذن، وقد رواها الطرف الثالث، الذي كان حاضرا رفقة الدكالي والمولى عبد الحفيظ، للفقيه المختار السوسي الذي أوردها لاحقا في كتابه «حول مائدة الغذاء»، والذي حكى فيه قصص القضاة ورجال المخزن.
بدأ المولى عبد الحفيظ يحكي عن سفن بحرية قريبة من المغرب، وتحمل بعض القوات الأجنبية، وسأل مرافقه إن كان يعرف عنها شيئا، رغم أن القصة كلها كانت مختلقة، لكن القاضي الدكالي أومأ برأسه وأكد للسلطان أنه سمع من بعض مقربيه التقاة أن هناك فعلا سفنا أجنبية متوقفة في السواحل المغربية ولا بد أنها تحمل بعض الأسلحة.
لكن المولى عبد الحفيظ أراد أن يمتحنه أكثر، فسأله إن كان يستطيع التكلف بشراء أراض وممتلكات في مكة، حتى تُجعل في ملكية الدولة المغربية ويستفيد منها الحجاج المغاربة في مواسم الحج. وادعى القاضي من جديد أنه يستطيع التكفل بالأمر بل وأكد أنه يعرف بعض الناس في الحج يستطيعون تدبر أمر شراء ممتلكات وتسجيلها باسم الدولة المغربية حتى تكون وقفا لكل الحجاج المغاربة الذين تتقطع بهم السبل في مكة.
توجه القاضي الدكالي إلى موسم الحج وحمل معه المال وتوصية خاصة، لكنه عندما وصل إلى الحج لم يتمكن من تنفيذ المهمة المنوطة به لأنها كانت مستحيلة، ببساطة. لم يكن ممكنا شراء أراض في الحج وتسجيلها باسم بلد آخر. وهنا قام الدكالي بشراء أرض أخرى وسجلها باسمه، وعاد إلى المغرب.
سأل بعض رجال المخزن الذين كلفهم المولى عبد الحفيظ بمتابعة موضوع القاضي الدكالي، إن كان قد أنجز المهمة التي كلف بها في موسم الحج، وأجاب بأنه لم يتمكن من شراء الأراضي للدولة المغربية، ولم يخبرهم أنه اشتراها لنفسه بالمقابل. لكن الأمر وصل إلى المولى عبد الحفيظ وعلم لاحقا أن القاضي اشترى أرضا باسمه في الحج فاستدعاه واستفسره عن الأمر، ليعترف الأخير أنه اشترى فعلا الأرض باسمه وعلل الأمر بأنه اكتشف أنه من المستحيل شراء أراض في الحج باسم الدولة المغربية وطلب منه أصحاب الأرض أن يسجلها باسم معين فسجلها باسمه.
كانت عقوبة القاضي الدكالي أنه أمره بأن يعيد رسوم الأراضي التي اشتراها في الحج وألا يعود نهائيا إلا إذا سجلها باسم الدولة لكي ينتفع منها المغاربة المنقطعون في الحج. وهو الأمر الذي لم يكن ممكنا بطبيعة الحال لأنه كان محظورا في الحجاز بيع الأراضي للأجانب.
كانت هناك تجارب أخرى لنزاهة وزراء الدولة وموظفيها. فقد كلف بعض خدام القصر بتوزيع هبات في الحج باسم بعض أفراد العائلة الملكية، كان من بينهم أمهات ملوك الدولة الدولة العلوية، حيث كانت مناسك الحج فرصة لتوزيع صدقات على الفقراء من مختلف أرجاء المعمور، باسم نساء القصر ورجاله أيضا، وكان يتولى توزيع تلك الهبات موظفون ومرافقون من الخاصة.
هبات المولى إسماعيل لأوربا.. مبالغات أم حقيقة منسية؟
ربما يكون المولى إسماعيل، الذي حكم المغرب ما بين سنوات 1645 و1727، أحد أكثر حكام شمال افريقيا، والحكام المسلمين، تأثيرا في الأوربيين. فمن خلال الكتابات التي خطها في فترة حكمه دائما، أسرى أوربيون قضوا فترة سجن في المغرب وعادوا في إطار الصفقات التي أبرمها المولى إسماعيل مع ملوك إسبانيا والبرتغال وفرنسا، بدا واضحا أن الرأي العام في أوربا كان يرسم صورة للمولى إسماعيل من خلال تلك القصص.
إحداها، كما ذكر الأسير الفرنسي «مويط» الذي نشر مذكراته في باريس فور عودته من تجربة الأسر التي استمرت إحدى عشرة سنة في سجون المولى إسماعيل، ذكر فيها مقدار ثروة السلطان المغربي وعتاد جيشه وكرمه في الهبات التي خص بها الفقراء المغاربة. كانت هذه الكتابات تؤكد أن المولى إسماعيل كان يتوفر على ثروة ضخمة. وفي بعض الروايات، التي صنفها متخصصون على أنها تفتقر إلى الدقة التاريخية أو إلى سند يوثقها ويؤكد صحتها، ذُكر أن المولى إسماعيل اقترح مساعدات على البرتغال وعلى رسول حمل إليه رسالة من فرنسا، وأرسل معه هدايا كانت عبارة عن أموال.
وحتى في بعض المصادر الأجنبية التي كانت عبارة عن مقالات رصدت بعض الجوانب في العلاقات القديمة بين الأسر الحاكمة في أوربا والمغرب، تطرقت صحف كبرى، في عز السباق الاستعماري على المغرب، إلى المساعدات التي كانت تحصل عليها تلك الدول من سلاطين الدولة العلوية في بعض المناسبات العصيبة، مثل انتشار الأوبئة والأمراض والكوارث كالفيضانات والحروب.
ففي الفترة التي أرسل فيها المولى إسماعيل مساعدات مالية إلى فرنسا مع حامل الرسالة، حيث لا يزال الأرشيف الفرنسي محتفظا بأمثلة كثيرة لرسائل من هذا النوع، كانت الأخيرة في الحقيقة تعيش حربا ضروسا مع الإنجليز، عجزت معها عن أداء رواتب الجنود وتكاليف السلاح.
المغرب تبرع للإنجليز بأرباح صفقة معهم.. و"جاسوس" مغربي وثّق المساعدة
هذا الرجل الذي سوف نتحدث عنه في هذه الفقرة لم ينل الشهرة التي يستحق. يتعلق الأمر بالمغربي موسى أفلالو الذي هاجر إلى بريطانيا خلال أواخر القرن 19، وتعلم اللغة الإنجليزية، ليصبح في أواخر أيام المولى الحسن الأول، سنة 1893، موظفا بريطانيا يفاوض المغرب ويُترجم الاجتماعات.
موسى أفلالو كان مقربا من وزير الاقتصاد البريطاني، وكان قد أعد تقريرا ضخما عن المغرب ونشره لاحقا في كتاب أسماه « the truth about Morocco»، حيث ذكر فيه تفاصيل أرباح المغرب من صفقات تجارية مع الحكومة البريطانية سنة 1890، وما يمكن لبريطانيا أن تربحه من المغرب. لكن المفاجأة كانت أن الوزير باحماد اقترح أن يُهدي المغرب لبريطانيا هدية تتمثل في إعفاء من الأرباح، وضخها في الخزينة الحكومية البريطانية.
من الأمور المثيرة في حياة موسى أفلالو، أنه نشر في كتابه، وربما يكون بذلك أول من يقوم بالأمر في تاريخ المغرب، تفاصيل عائدات التجارة ومقدار ثروة الدولة المغربية التي كانت وقتها تقاس برؤوس الأغنام وكميات الحبوب الموجهة للتصدير.
تحدث عن آلاف الجنيهات الإسترلينية التي كان يحصل عليها المغرب كعائدات عن عمليات البيع، لكنه أشار في إحدى فقرات الكتاب إلى أن المغرب ينفق كل ما يجنيه لسد الخصاص الكبير، خصوصا في سنوات الجفاف.
لماذا ينشر موسى أفلالو تفاصيل المبادلات التجارية بين المغرب وفرنسا ليطلع عليها البريطانيون، ويقارنها في نفس الوقت مع المبادلات الفرنسية البريطانية؟
أي خدمة أسداها هذا التاجر لتتم معاملاته معاملة اعتبارية في بريطانيا وفي المغرب. لاشك أن المغاربة وقتها، لم يكونوا يعلمون أي شيء عن كتابه الذي صدر في فترة حساسة جدا من تاريخ المغرب، ومن تاريخ المنافسة الأجنبية على حيازته ليكون دولة تابعة ويفقد السيادة.
كان أيضا مهتما بقرارات الخارجية البريطانية والفرنسية، وبدا ملما وهو يسرد التفاصيل المملة لعمليات المفاوضات،عبر الوثائق الرسمية، لنتسائل هنا.. لماذا يركز تاجر، إن كان تاجرا كما يقول، على تفاصيل المباحثات الدبلوماسية والاتفاقيات التي جعلت بريطانيا وفرنسا تحسمان في اتفاق لتحديد من سيهمن منهما على المغرب؟
دخل موسى أفلالو إذن التاريخ مرتين. الأولى عندما تحدث عن كواليس المفاوضات البريطانية الفرنسية للهيمنة استعماريا على المغرب. ومرة أخرى عندما رصد خلفيات الهدية المغربية، والتي يمكن اعتبارها مساعدة في ذلك الوقت من المغرب، رغم أنه كان دولة فقيرة، لبريطانيا التي كانت تعقد اتفاقيات تجارية كبرى مع دول كثيرة، لكنها تأثرت في تلك الفترة بمنافسة دول أخرى لها على الفوز بتلك الصفقات، فما كان من المغرب إلا أن تنازل لها عن أرباحه الصافية من تلك المبادلات التي كانت أساسا مواد أساسية ضرورية لدوران عجلة الصناعة في بريطانيا.
المولى عبد العزيز أرسل مساعدات إنسانية إلى روسيا
لا تتوفر معلومات دقيقة بهذا الخصوص، لكن باحثين مغاربة أكدوا أن المغرب في عهد المولى عبد العزيز، أرسل مساعدات إنسانية إلى روسيا بعد كارثة ضربت البلاد. نتحدث هنا عن الفترة ما بين 1901 و1906. حيث كان الروس يحاولون إقامة قنصلية رسمية في مدينة طنجة، بعد أن قدم سفير روسي أوراق اعتماده إلى قصر فاس سنة 1898، وكان اسمه «لكونوت دولاشراشت»، أي أن العلاقات بين البلدين أصبحت رسمية.
كانت روسيا وقتها، تمر بمشاكل اقتصادية كبيرة على عهد القيصر الروسي، وزاد من تأزيمها الكارثة الإنسانية التي مرت بها البلاد ودُمرت على إثرها الكثير من المدن بسبب تزامن الزلزال مع فياضان قوي أزهق أرواح الروسيين بالآلاف.
وهكذا كانت أول مهمة دبلوماسية يوجهها المغرب إلى روسيا بعد تعيين القنصل الروسي رسميا في المغرب، بعد أن كان قنصلا في لشبونة البرتغالية، كلف بها الوزير المغربي عبد الكريم بن سليمان، الذي كان عليما جدا بأصول المناصب المخزنية. وهكذا أصبح وزير الخارجية أول مغربي يمثل بلاده رسميا لدى القيصر الروسي، حسب تحقيقات في وثائق الأرشيف المخزني نُشرت مضامينه في مجلة «دعوة الحق» في العدد 26 والذي كان مخصصا للعلاقات المغربية الروسية.
بعد فترة قصيرة على الزيارة التي قال عبد الكريم بنسليمان في رسالته إنها كانت ناجحة بكل المقاييس، ضربت كارثة طبيعية مدنا روسية قرب موسكو، ووصل الخبر إلى أوربا والمغرب وحاز اهتماما كبيرا بحكم أن روسيا كانت تعيش أوضاعا عصيبة بسبب الحرب، وانضافت إليها الكارثة الطبيعية التي شردت الآلاف وقتلت آخرين. كما أن الروس أصبحوا منعزلين بسبب سوء العلاقات مع دول آسيوية وأوربية جعلتها في شبه عزلة عن محيطها.
كان الروس يعيشون أزمة خانقة، وفكر المولى عبد العزيز، بحكم الصداقة «الطرية» التي كانت تجمعه بالقيصر الروسي، في إرسال معونة إنسانية من المغرب، عبارة عن أموال، اختلف تقديرها، لكن المؤكد أنها كانت بآلاف الفرنكات في ذلك الوقت، اعتبرت كمعونة مغربية للقيصر الروسي لإعادة تأهيل المدينة وإطعام المواطنين الروس الذين كانوا يموتون جوعا، وأيضا بسبب الأوبئة.
كانت المساعدة المغربية لروسيا، مهمة في تدبير المستقبل القصير للعلاقات المغربية الروسية، فقد كان القنصل الروسي في المغرب متأثرا بالالتفاتة المغربية، وأبلغ السلطان رسالة شكر من روسيا.
ورغم كل هذا فقد انتهت العلاقة بسبب عجز القنصلية الروسية عن دفع تكاليف فتح مكتبها بطنجة. وليس بسبب جفاء دبلوماسي بين البلدين. فقد تزامن إغلاق قنصلية روسيا في طنجة، مع إغلاق قنصلياتها في دول أخرى بسبب العجز الروسي عن تمويل بعثاته الدبلوماسية في بعض الدول.
مسألة العلاقات المغربية الروسية تحتاج فعلا إلى تمحيص تاريخي، وهذه دعوة لأهل الاختصاص، بحكم أن بعض المقالات تحدثت عن بداية العلاقات الرسمية بين المغرب وروسيا في عهد المولى إسماعيل أي ما بين 1645 و1727. وهي فترة غير مبكرة على كل حال. بينما تحدثت مصادر أخرى عن أول اتصال رسمي بين الروس والمغاربة كان في عهد المولى الحسن الأول، وتحديدا في السنوات الأخيرة لحكمه قبل أن يؤول إلى ابنه المولى عبد العزيز سنة 1894.
وهو ما يعني أن اتصالات بين الجانبين لم تُوثق. لكن الأكيد أن هناك وثائق رسمية لتوثيق الاتصال في عهد الدولة العزيزية، ما دام المغرب يتوفر على أرشيف أول طلب لسفير روسي لكي يضع أوراق اعتماد القنصلية الروسية في شمال المغرب مسايرا الدول الأوربية التي كانت تتوفر على تمثيليات دبلوماسية متقدمة في المغرب.
أما موضوع المساعدات، فقد كانت مجاملة من المولى عبد العزيز لا أكثر، بحكم أن المغرب كان بدوره يمر بمصاعب اقتصادية جمة من بينها إفلاس الميزانية وعجز الدولة عن أداء أجور الجيش، بالإضافة إلى عدم الاستقرار السياسي وظهور حالات انفلات أمني متفرق.
لكن الروس كانوا أسوأ حالا منا، بحكم تخلي دول أوربا وكبريات إمبراطوريات آسيا، وعلى رأسها اليابان، عن تقديم يد المساعدة للروس. وهذا ربما ما جعل المساعدة المغربية تاريخية واستثنائية. لكن بالكاد يعرفها أحد.