نهاية كورونا.. تفاؤل ديديي راوول وتشاؤم منظمة الصحة
مع تيلي ماروك
كعادته خرج الطبيب الفرنسي المشاكس بتصريحات تبث الأمل، وأكد بالاستناد على الحجة والدليل أن فيروس كورونا المستجد «كوفيد- 19» في طريقه إلى الزوال من العالم ولن تكون هناك موجة ثانية، في الوقت الذي صرحت فيه منظمة الصحة العالمية وعلماء آخرون بأن الوباء لن ينتهي والعالم سيجبر على أن يتعايش معه.
قام الطبيب الفرنسي ديديي راوول بالخروج بتصريحات تبث الأمل والتفاؤل، بخصوص كورونا الوباء العالمي. حيث تسلح ببعض الأرقام من مدينة مارسيليا الفرنسية، ليؤكد أن إصابات كورونا تتناقص، وأن الوباء قد يختفي خلال الربيع أو بعد أسابيع قليلة. وذلك بظهوره في مقطع فيديو نشره على حسابه على «تويتر»، قائلا: «هنا، أي في مدينة مارسيليا الفرنسية، بدأ الوباء بالتلاشي». وأضاف: «من المحتمل أن يختفي الفيروس خلال هذا الربيع، في الأسابيع القليلة المقبلة. وهو ليس أمرا مستغربا، بل هذا ما يحدث عند انتشار أي وباء فيروسي تنفسي».
كما استعرض الطبيب الفرنسي المثير للجدل والذي زاره الرئيس الفرنسي، ليطلع على العلاج الذي اعتمده لعلاج بعض المرضى بكورونا، أحدث النتائج التي أسفر عنها استخدام دواء هيدروكسي كلوروكين مع الأزومايتريسين لعلاج المرضى المصابين بفيروس «كوفيد- 19» وقال: «نحن مسرورون جدا. أجرينا الاختبار على 32 و83 شخصا وتم علاج 2628 بواسطة البروتوكول الخاص بنا. ويمكن القول إن عدد الوفيات لم يتخط نسبة الـ0.5 في المائة، وهي نتيجة مذهلة على المستوى العالمي».
تغريد خارج السرب
قام فريق البروفيسور راوول بتجربة على 24 شخصا مصابين بفيروس كورونا، مستخدما علاج الكلوروكين. وقد أتت النتائج إيجابية حيث شفي 75 في المائة من المشاركين بهذه التجربة تماما، بعد 6 أيام من خضوعهم للعلاج. لكن وزارة الصحة الفرنسية اعتبرت أن التجربة صغيرة، ولا يمكن الاعتماد عليها للبدء بوصف العلاج. فيما أشارت الهيئة العليا للصحة إلى أن استخدام الكلوروكين لعلاج كورونا لا يزال غير مسموح به حتى الساعة، إلا لعلاج الحالات الحرجة فقط. كما أن منظمة الصحة العالمية لم تبد حماسا كبيرا لاستخدام الكلوروكين، محذرة من آثاره الجانبية السلبية.
ينظر إليه اليوم على أنه مغرد خارج السرب، بالإضافة إلى إصراره على بدء اعتماد الكلوروكين كعلاج ضد فيروس كورونا، رغم التحذيرات الكثيرة من استخدامه. وأعلن راوول امتناعه عن المشاركة في المجلس العلمي، الذي يقدم المشورة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لمكافحة الفيروس.
فقد وجه البروفيسور انتقادات كثيرة للطريقة الحكومية المتبعة في مواجهة الوباء، معتبرا أن الحجر الصحي من الوسائل التي كانت تعتمد في العصور الوسطى. وعوض ذلك، يشدد راوول على ضرورة إجراء فحوصات مكثفة على الأراضي الفرنسية لاكتشاف الحالة المرضية ليتم عزلها ومعالجتها، مستندا على التجربة الكورية الجنوبية.
لكن منتقديه شككوا في المنهجية العلمية التي يعتمدها راوول، مشيرين إلى أن تجربة أقيمت على 24 مريضا فقط، وبالتالي فهي غير كافية لاستخلاص نتائج علمية ثابتة. كما تم اتهامه بالسعي إلى الحصول على شهرة إعلامية، قائلين إن التجارب العلمية لا تنشر في الصحف والأسبوعيات، بل في مجلات علمية متخصصة، بعد اتباع المسار العلمي المخصص قبل النشر.
عالم آخر يوافق ديديي
تحدث عالم الأحياء الشهير مايكل ليفيت، وهو أحد أهم العلماء في مجال الفيروسات وعلوم البيولوجيا في العالم، والمتوج بجائزة نوبل، عن توقعاته للنهاية القريبة التي سيشهدها فيروس كورونا. حيث صرح مايكل بتوقعاته المتفائلة بانحسار فيروس كورونا عما قريب، لكن ذلك وحسب ما قال لن يمنع زيادة عدد الإصابات خلال الفترة المقبلة، والتي ستشهد انكسارا تدريجيا لانتشار الفيروس بعد وصوله إلى نقطة ذروة محددة، كما تكشف الإحصاءات. وكان ليفيت قد توقع سابقا انكسار حدة الإصابات في الصين، مع تزايد إجراءات العزل والتقييد والتي تساهم بشكل كبير في وقف انتشار العدوى، وهو ما تحقق بالفعل كما قال ليفيت.
وأضاف ليفيت مطمئنا أن الفيروس سيشهد انكسارا أقرب بكثير مما توقع الخبراء بأنه سيمتد لفترة طويلة، فمن مجال خبرة ليفيت تحدث عما يعرف بنموذج الإبطاء، وهو النموذج الذي يجب اتباعه في كافة الدول للسيطرة على الفيروس.
ويدور نموذج الإبطاء الذي تحدث عنه ليفيت حول العزلة المؤقتة، فالبقاء في المنزل حتى في حالة ظهور أعراض الإصابة هو السبيل الأمثل والأهم لوقف انتشار العدوى، حيث إن نسبة قليلة من المصابين فقط هم من يحتاجون إلى رعاية سريرية، أما النسق العام للمصابين يمكنهم التعافي في المنزل بعزل أنفسهم عن الآخرين وتناول الباراسيتامول وتقوية المناعة. ويضيف ليفيت أن الفائدة الأهم من نموذج الإبطاء هي أن 100 مصاب قد يتسببون في عدوى 300 شخص، لكن العزلة المنزلية يمكنها أن تساهم بشكل كبير في وقف سلسلة العدوى تلك، وهو ما يقودنا في النهاية إلى وقف تحقق الكارثة، بحسب تعبير ليفيت، مما يعني أن الأمر غير كارثي كما يتصور البعض.
منظمة الصحة العالمية
قال الدكتور مايك ريان، المدير التنفيذي لبرنامج الطوارئ بمنظمة الصحة العالمية، في مؤتمر صحفي عقده في جنيف إن فيروس كورونا المستجد «كوفيد- 19»، «قد لا ينتهي أبدا»، و«قد ينضم إلى مزيج الفيروسات التي تقتل الناس في جميع أنحاء العالم كل عام»، بحسب وصفه. وأضاف ريان: «قد يصبح هذا الفيروس مجرد فيروس متوطن آخر في مجتمعاتنا، وقد لا يختفي هذا الفيروس أبدا. فيروس نقص المناعة المكتسبة HIV (المسبب لمرض الإيدز) لم يختف»، «أنا لا أقارن بين المرضين، ولكن أعتقد أنه من المهم أن نكون واقعيين. لا أعتقد أن أي شخص يمكنه التنبؤ بموعد انتهاء أو اختفاء هذا المرض».
وأوضح المسؤول الرفيع بمنظمة الصحة العالمية أنه مع اللقاح «قد يكون لدينا فرصة للتخلص من هذا الفيروس، ولكن يجب أن يكون اللقاح متاحا، ويجب أن يكون فعالا للغاية، ويجب أن يكون متاحا للجميع»، حسبما قال ريان.
«ومع ذلك، فإن مستقبل فيروس كورونا لا يجب أن يكون هلاكا وكآبة كالملة»، بحسب تعبير الدكتورة ماريا فان كيرخوف، عالمة الأمراض المعدية والأوبئة في منظمة الصحة العالمية، التي أكدت في المؤتمر الصحفي: «مسار هذا التفشي في أيدينا». وتابعت فان كيرخوف، للحث على ضرورة اتخاذ التدابير الملائمة للحد من انتشار فيروس كورونا: «لقد تضافر المجتمع الدولي للعمل في تضامن»، «لقد رأينا البلدان التي تسيطر على هذا الفيروس، لقد رأينا البلدان تستخدم تدابير الصحة العامة».
ومن جانبه، أضاف تيدروس أدهانوم غبريسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، عطفا على تصريحات فان كيرخوف، أنه «يجب أن نساهم جميعا في وقف هذا الوباء».
كورونا سيرافقنا طويلا
على غرار ما صرحت به منظمة الصحة العالمية، قدم عالما أوبئة وخبير في الاقتصاد تقييما مختلفا عن المدة التي ستضطر البشرية أن تتعايش فيها مع جائحة كورونا المستجد «كوفيد- 19». فقد اعتبر مدير المركز القومي لبحوث الأوبئة والأحياء الدقيقة، ألكسندر جينتزبرغ، أن الناس سيعانون فيروس كورونا ليس فقط الصيف المقبل، ولكن ربما بقية حياتهم أيضا وسيقضونها في محاولة كفاحه. وأوضح العالم الأمريكي قائلا: «سوف نعيش بشكل طبيعي فقط بعد أن نبدأ بالتطعيم الشامل». وأكد أن «القضية حاليا هي مكافحة العدوى وعدم ترك الفيروس يتفشى أينما يحلو له». وأشار إلى أن «كل بلد لديه جدول تطعيم خاصا به، ويتم تخصيص الكثير من المال لتصنيع اللقاحات، وإلا فإن معدل الوفيات سيكون أعلى». ووفقا للعالم جينتزبرغ: «سيظهر اللقاح في غضون بضعة أشهر أو حتى نهاية العام. بعد ذلك، ستصبح العدوى بالفيروس التاجي قابلة للإدارة».
وفي السياق نفسه، أطل كيشيرو كوباياشي، الخبير الاقتصادي الياباني، قائلا: «إن جائحة فيروس كورونا قد تستمر لسنوات»، وأضاف أنه يتعين على بلاده إجراء المزيد من الفحوص الخاصة بفيروس كورونا وتقديم دعم نقدي أكثر سخاء للعائلات، في وقت لم تسلم أي من القطاعات الحيوية حول العالم من التأثيرات السلبية التي خلفها تفشي الوباء.
ومن جانبه، حذر واحد من أبرز الباحثين الأمريكيين في الأمراض المعدية من أن فيروس كورونا المستجد لن ينتهي حتى يصيب كل شخص يتمكن من إصابته، مشيرا إلى أنه لا يزال في مراحله الأولى من مهاجمة العالم، ما يهدد معظم الأمريكيين حتى وإن امتثلوا لأوامر البقاء في المنزل، سيما وأن الولايات المتحدة أكثر دول العالم تضررا من الجائحة، التي أصابت أكثر من 4 ملايين شخص في غضون 5 أشهر.
وقال مايكل أوسترهولم، مدير مركز أبحاث وسياسات الأمراض المعدية في جامعة مينيسوتا، إن الموجة الأولى من مرض «كوفيد- 19» في مدن مثل نيويورك ولوس أنجلوس وسياتل، لا تمثل سوى «جزء صغير» من السيناريو الأسوأ الذي لم يحدث بعد. وأضاف أوسترهولم أن «هذا الفيروس اللعين سيستمر حتى يصيب كل فرد يمكن إصابته». ورجح أنه «لن يتباطأ حتى يصيب ما بين 60 و70 في المائة من الأمريكيين وهو العدد الذي من شأنه تطوير ما يعرف باسم «مناعة القطيع»، حيث يتمكن المجتمع بعدها من صد انتشار الفيروس. وأشار إلى أنه في حال انحسرت حالات الإصابة بكورونا الصيف المقبل، فقد يكون ذلك مؤشرا على أن الفيروس يتبع نمطا موسميا مشابها للأنفلونزا الإسبانية.
وكانت الأنفلونزا الإسبانية، الجائحة الأكثر فتكا في تاريخ البشرية، حدثت على عدة موجات عام 1918 وأمرضت ثلث سكان العالم وقتلت الملايين، بينهم 675 ألفا في الولايات المتحدة. وخلال الموجة الأولى من تلك الجائحة، تضررت مدينتا نيويورك وشيكاغو، ثم زادت حدتها لتضرب على نطاق واسع مدنا أخرى مثل بوسطن، ديترويت، منيابوليس وفيلادلفيا. فيما كانت الموجة الثانية أكثر حدة على الصعيد الوطني الأمريكي.
وقال أوسترهولم إنه إذا تراجع «كوفيد- 19» ليعود في فصل الخريف، قد تقفز أعداد الإصابات لتصل إلى ذروتها، وتتكدس المستشفيات التي سيتحتم عليها وقتذاك أن تتعامل أيضا مع مرضى الأنفلونزا وفيروسات الجهاز التنفسي الأخرى. وعلاوة على ذلك، رجح أن تتعرض دول آسيوية نجحت في احتواء الموجة الأولى من الفيروس، مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة، إلى موجة ثانية. وشدد على أنه «بقدر ما عانينا من ألم ومعاناة ووفيات واضطرابات اقتصادية جراء كورونا، فلم يصب سوى من 5 إلى 20 في المائة من الأشخاص، وهو جزء صغير من النسبة المتوقعة والتي تتراوح ما بين 60 و70 في المائة».
ومع ذلك، فثمة فوارق جوهرية بين «كوفيد- 19» والأنفلونزا الإسبانية. يبلغ متوسط حضانة الفيروس التاجي المستجد 5 أيام، مقارنة بيومين للأنفلونزا، وفق تقرير مركز أبحاث وسياسات الأمراض المعدية. وتشير فترة حضانة «كوفيد- 19» الأطول ومعدل انتشاره الأعلى، إلى سرعة انتشاره على نطاق أوسع من الأنفلونزا.
وقال أوسترهولم إن اللقاح الفعال هو الوحيد الذي يمكنه إبطاء الفيروس، وذلك قبل إصابة شريحة كبيرة من السكان بما يطور مستوى معين من المناعة. بيد أنه وحتى إذا نجح اللقاح، فلا يزال من غير المعلوم ما إذا كان قويا بما يكفي لمنح الناس فترة حماية أطول من الفيروس المسبب لمرض «كوفيد- 19»، بحسب أوسترهولم.