المرقة بالبرقوق
مع
من يتابع تصريحات رئيس الحكومة وأمناء الأحزاب السياسية وقادتها يخرج بقناعة راسخة وهي أنهم يطبقون مبدأ “شد ليا نقطع ليك”.
وهكذا فعندما يعلن الملك فشل النموذج التنموي ويطالب العثماني بتقديم نماذج جديدة يخرج رئيس الحكومة ويقول إن الوضع في المغرب أحسن من فرنسا، حسب ما قاله له دوفيلبان.
وعندما يطالب الملك بتسريع تنزيل الجهوية يختار العثماني التريث، بحجة أن رئيس الوزراء الإسباني نصحه بذلك.
وعندما تم تنظيم لقاء حول موضوع الجهوية مع رؤساء الفرق البرلمانية لم يجد مضيان، رئيس الفريق الاستقلالي ما يقوله سوى أن أحسن ما في هذا اللقاء هو “المرقة بالبرقوق”، أما العربي المحرشي رئيس المجلس الإقليمي لوزان فقد تأسف لأنهم كانوا يريدون أن يعقد هذا الاجتماع في إقليم غير عمالة طنجة، لكن الحكومة اختارت أن تنام في فنادق خمس نجوم بعروس الشمال والسفر على متن البراق في الدرجة الأولى.
وهكذا هي اجتماعات هؤلاء المسؤولين في هذه البلاد، لغو و”حشيان الهضرة وتقلاز من تحت الجلالب”.
والنتيجة هي أن أحزاب الأغلبية الحكومية لم تستطع الاتفاق حتى حول صياغة مشروع نموذج تنموي واحد لتقديمه للملك، فبالأحرى أن تتفق حول تسيير الحكومة.
عندما بدأ الحديث حول النموذج التنموي سارع رئيس الحكومة العثماني إلى إعداد واحد مع خبرائه في رئاسة الحكومة، لكن حلفاءه في الأغلبية رفضوه.
أما على مستوى الأحزاب فقد قرر كل حزب صياغة مشروعه الخاص وتقديمه بطريقة منفردة.
وحتى هذه المهمة لم تكن سهلة بالنسبة لبعضهم، ففي حزب الأصالة والمعاصرة وجه أعضاء في المجلس الوطني رسالة إلى فاطمة الزهراء المنصوري وبنشماش لتجميد عضوية المحرشي بسبب استفراده بصياغة وثيقة النموذج التنموي للحزب دون التشاور مع بقية الأعضاء.
وما أدهشني في هذا الخبر ليس قضية استفراد المحرشي بصياغة النموذج التنموي للحزب الذي سيتم إرساله إلى القصر، بل كيف استطاع رجل شبه أمي كل ما لديه من شهادات هي شهادته المدرسية المزورة أن يعكف على إعداد وتحرير مقترح نموذج تنموي لحزب يقوده أستاذ جامعي؟
الناس ينتقدون كيف استطاع أشخاص أميون الوصول إلى قمة الشهرة بحيث أصبحت تصريحاتهم الفارغة تملأ فضاءات التواصل الاجتماعي، وينسون أمثال هذا المحرشي الذي كان إلى حدود بضع سنوات شيئا غير مذكور فإذا به بعد التحاقه بحزب الأصالة والمعاصرة يتحول إلى ملياردير ووجيه بين الوجهاء يعطي الآراء ويصوغ الرؤى ونماذج التنمية.
ولعل أول شيء يجب على الآباء المؤسسين لهذا الحزب القيام به هو التخلص نهائيا من أمثال المحرشي، لأن سيرته وحدها كفيلة بأن تنفر الجميع منهم ومن حزبهم.
فمن هو هذا العربي المحرشي وما هو مساره وكيف تحول من أمي فقير إلى قيادي سياسي يتدخل في كل شيء واليد اليمنى لإلياس العماري منذ 15 سنة وإلى اليوم.
العربي المحرشي أصله من دوار مزاورو، قيادة سيدي بوصبار جماعة سيدي أحمد الشريف إقليم وزان، ينحدر من أسرة فقيرة جدا تتكون من تسعة إخوة، تربى في الجهل والقهر ولم يجلس يوما واحدا على كرسي الدراسة.
هاجر منذ بداية التسعينيات إلى الرباط ليشتغل مساعدا في الخياطة التقليدية، حيث كان يساعد في خياطة الجلابيب مع معلمه الذي ما زال حيا في نفس الدوار، وبها بدأ يتعاطى للنصب والاحتيال، إلى أن اعتقل وصدر في حقه حكم ابتدائي جنحي عن المحكمة الابتدائية بمدينة سلا بتاريخ 07 يناير 1998 في الملف الجنحي التلبسي عدد 21/ 98/1، القاضي بإدانته بخمس سنوات حبسا نافذا وغرامة مالية قدرها 5000 درهم، بعد متابعته بتهمة النصب والاحتيال على أحد المواطنين بادعائه القدرة على التدخل لدى مسؤول كبير في وزارة العدل من أجل كسب قضية كانت معروضة على القضاء مقابل الحصول على مبلغ قدره 16 مليون سنتيم، وذلك بعد اعتراف المحرشي أمام الضابطة القضائية بالمنسوب إليه.
وأحيل الملف على محكمة الاستئناف بالرباط بتاريخ 25 فبراير سنة 1998، وصدر في حقه القرار الاستئنافي عدد 8871 بتاريخ 6 أكتوبر 1998 في الملف عدد 1979/98، يقضي بتأييد الحكم الابتدائي مع تخفيض العقوبة الحبسية إلى سنتين حبسا نافذا مع إقرار الباقي، وبررت المحكمة قرار تخفيض العقوبة الحبسية بالظروف الاجتماعية للمتهم المحرشي، لكونه يعمل خياطا بسيطا ومتزوجا وأبا لأطفال، وتم تأييد هذا الحكم برفض طلب النقض من طرف المجلس الأعلى للقضاء في قراره رقم 3/3395 بتاريخ 17 نونبر 1999 في الملف الجنحي عدد 22600/98، وبرر المجلس قراره بكفاية وقائع النازلة بكل تفصيل والتي استندت عليها المحكمة لإصدار الحكم وتعليله، وكذلك اعترافات المحرشي في محاضر الضابطة القضائية وعلى حالة التلبس، وبناء على ذلك أصبح الحكم الصادر في حقه حكما نهائيا، وأصبح يحوز قوة الأمر المقضي به.
وهناك في السجن التقى مع الأباطرة الكبار ومن هناك تغير كل شيء في حياته، خرج من السجن غنيا، سيارة، بيت وأموال، وواصل مغامراته إلى أن أصبح في ظرف ثلاث سنوات من الأغنياء، بحيث أصبح يرفل في المنازل، والسيارات، والممتلكات.
بعد أربع سنوات من صدور الحكم النهائي في حقه، بدأ المحرشي مساره السياسي والانتخابي أثناء مشاركته في الانتخابات الجماعية التي جرت بتاريخ 12 شتنبر سنة 2003، وانتخب رئيسا لمجلس جماعة “سيدي أحمد الشريف”، بناء على شهادة مدرسية مشكوك في صحتها، تفيد بأنه تابع دراسته في السنة الأولى إعدادي بإعدادية تسمى “خالد بن الوليد” بجماعة “سيدي رضوان” التابعة للنيابة الإقليمية سيدي قاسم، وكان مسجلا تحت رقم 16585، قبل أن يغادر المؤسسة في 30 يونيو 1986، لكن وثائق صادرة عن وزارة التربية الوطنية ومندوبيتها بإقليم وزان، تؤكد أن إعدادية “خالد بن الوليد” لم يكن لها وجود في الواقع سنتي 1985 و1986، وهو الموسم الذي تقول الشهادة المدرسية إن المحرشي درس بها سنته الأولى بسلك الإعدادي، ولم تفتح أبواب تلك الإعدادية إلا بعد سنة 1988، ما يعني أن الشهادة المدرسية التي أدلى بها المحرشي تتضمن معلومات خاطئة لا تمت بصلة إلى الواقع.
ثم دخل الانتخابات مع الداخلين بصباطهم إليها ووزع خلالها أموالا لا تتصور، أوصلته إلى مجلس المستشارين، ولكي يضمن بقاءه هناك غير عدة مرات الانتماء الحزبي، بحيث تنقل بخفة لاعب جمباز من التقدم والاشتراكية إلى الاستقلال لكي يحط أخيرا فوق الجرار.
واصل جمع الأموال بالطريقة التي يعرفها الجميع وربط علاقات قوية مع رجال السلطة والدرك والقوات المسلحة وبعض الوكلاء الذين كانوا محسوبين على إلياس وغادروا بعد أفول نجمه، حيث كان يلعب دور الوسيط.
سيطر العربي المحرشي على إقليم وزان وأصبحت كل الجماعات تسير تحت أوامره وكلها تابعة لحزب الجرار، إلى أن أتى بابنته التي تدرس في أمريكا والتي لا تعرف حتى دائرتها التي انتخبت فيها، ومنحها صفة برلمانية.
وإذا كان أمثال هؤلاء هم الذين سيتكلفون بتحرير النموذج التنموي للمغرب فعلى الدنيا السلام.