الغزاة الحقيقيون 2.2
مع
في الواقع المسلمون هم أكبر ضحايا الإرهاب، فهم من يدفع الثمن من أرواحهم ودمائهم عندما يستهدفهم الإرهاب كما حدث في مسجدي نيوزيلاندا وأماكن أخرى، أو من سمعتهم وصورتهم عندما يقترف بعض المسلمين المجانين عمليات إرهابية باسم الدفاع عن الإسلام والانتقام للمسلمين.
إن الإسلام الحقيقي لا علاقة له بما يقترفه بعض المسلمين باسمه.
وها نحن نرى كيف أن تنظيم الدولة في العراق وسوريا الذي يتبخر الْيَوْمَ كان الهدف منه هو تشويه صورة الإسلام وجعله مرادفا للهمجية والوحشية.
وليس هناك مكان للصدفة، كل شيء مخطط له بإحكام شديد، فالقرن الواحد والعشرون، كما تنبأ له بذلك أندريه مالرو، سيكون دينيا أو لا يكون.
لكن هذه الحرب، الخفية تارة والمعلنة تارة أخرى، ضد الوجود الإسلامي في أوربا والغرب عموما، تأخذ أشكالا «ديمقراطية» و«قانونية» حتى لا يظهر العالم الحر والمتقدم عاريا على حقيقته، فتتحطم الصورة المثالية التي يريد تقديمها عن نفسه كمجتمع يعطي الدروس حول الأخلاق والمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان الفردية والجماعية لدول العالم الثالث وبلدان العالم «المتوحش».
لذلك، فالعالم «الحر» يتخذ قراراته من أجل التضييق على المسلمين بطريقة جد ديمقراطية، وذلك عبر الاستفتاء والتصويت وقوانين الهجرة التي يصوت عليها ممثلو الشعب في البرلمان ومجالس الشيوخ.
وبحلول عام 2050 سيشكل المسلمون نسبة %20 من سكان أوربا بعد أن كانوا لا يزيدون عن %5، أي أن الأسماء التي ستكون أكثر تداولا في أوربا بعد أربعين سنة من الآن هي محمد وعائشة وآدم وريان وأيوب ومهدي وأمين وحمزة وفاطمة، وهذا وحده يشكل بالنسبة إلى الفاتيكان، المحرك الحقيقي لسياسات قادة الدول المسيحية، كابوسا مخيفا.
لذلك، بدأت كل الحكومات الأوربية التنسيق في ما بينها على الصعيد الأوربي لوقف هذا الزحف الأخضر.
ويجدر بِجميع المسلمين الاطلاع على تلك الدراسة التي نشرها موقع أنتيرسيبت المتخصص في تتبع أخبار شركات بيع السلاح، والتي انتهت إلى أن أرباح هذه الشركات تضاعفت في السنوات الأخيرة بفضل داعش.
والأمر واضح إذن، الحكاية كلها تجارة في تجارة، وهي ليست تجارة عادية بل تجارة تحرك أقوى البورصات العالمية وتتحكم في انتعاش أو ركود اقتصادات الدول الكبرى، مثلما تتحكم في صعود المستشارين إلى الكونغريس والرؤساء إلى البيت الأبيض كما هو الحال في أمريكا، وتتحكم في الإعلام والسياسة كما هو الحال في فرنسا مع داسو صاحب مجموعة لوفيغارو الإعلامية وصانع طائرات الرافال التي قصفت بالأمس العقيد القذافي وسوريا.
وعندما نتأمل لماذا تحارب القوى العظمى الإسلام بالوكالة فليس لأن الآذان يزعجها أو لأن الحجاب يضايقها أو لأن تجنب المسلمين لأكل لحم الخنزير يثير امتعاضها، بل إنها تحارب الإسلام لأن مقاصده العميقة هي الرحمة والحلم والمودة والتي تصب جميعها في هدف واحد هو السلام، وهي مقاصد تقع على الطرف النقيض لمقاصد ما تعتبره حضارة وحداثة وتقدما، والتي تقوم على الاحتراب والتقاتل والبغي واستعباد الشعوب وتفقيرها ونهب خيراتها تحت غطاء شعارات تتغير حسب الهدف.
إن فهم مقاصد الشريعة الإسلامية على حقيقتها وتطبيقها يعني ببساطة نهاية الحروب والمجاعات والفقر والتلوث. فالإسلام يعلم احترام الإنسان وتكريمه والرأفة بالحيوان ورعاية وحفظ النبات والشجر. الإسلام يعلم طهارة البدن والمكان، طهارتان ضروريتان لحفظ الجسد من الأمراض والمجال من التلوث.
والإسلام يعلم الاعتدال في الأكل كما في كل شيء، فليس الأكل ما أهلك البشرية وتسبب لها في الأمراض والعلل، بل الإسراف في الأكل هو السبب، فالله تعالى لم يقل لنا لا تأكلوا ولا تشربوا بل قال “وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إن الله لا يحب المسرفين”.
والإسراف هو ما يدفع بالدول الغنية إلى رمي 400 مليار دولار سنويا من الأغذية إلى القمامة فيما يتضور 800 مليون إنسان من الجوع عبر العالم.
ببساطة لو تم شرح مقاصد الإسلام لسكان هذا الكوكب، عوض ترك البغدادي وأشباهه يلخصون لهم الإسلام في قطع الرؤوس وسبي النساء وتدمير الآثار، ليسهل بعد ذلك نهبها وبيعها لسماسرة المتاحف العالمية بملايين الدولارات، لدخل الناس في الإسلام أفواجا.
لكن قوى الشر المتحكمة في مصير مليارات النسمات عبر العالم يعرفون أن مشاريعهم الخبيثة المبنية على زرع الفتن والحروب لترويج بضاعتهم القاتلة، ستنتهي في اليوم الذي يفهم فيه العالم أن الإسلام دين حرية ورحمة وليس دين عبودية وعنف وقتل، كما أنه دين عزة وكرامة وانتصار للحق عندما يقتضي الأمر الدفاع عن النفس والعرض والوطن.
وأمام مثل هذا الدين العظيم الذي يطمح لتعميم الرحمة على العالمين تضع الشركات العالمية الكبرى التي تتاجر في الدماء مصالحها دائما فوق كل اعتبار.
وسواء كانت شركات لإنتاج الأمصال المقاومة للفيروسات المعدية أو شركات لصناعة السلاح، فإن المعركة الحقيقية لا تدور في المختبرات الطبية وإنما تدور دائما على شاشات البورصات العالمية.
والشيء نفسه ينطبق على الشركات الكبرى المتخصصة في صناعة الأسلحة، فبدون حروب تصاب أسهم هذه الشركات بهبوط حاد في البورصات، وتصبح مهددة بالإفلاس، ولذلك تصبح الحروب قضية حياة أو موت، بالنسبة إلى شركات صنع الأسلحة طبعا، وليس بالنسبة إلى الدول التي تخوض هذه الحروب.
ولعل الشرق الأوسط ودول الخليج والقارة الإفريقية تبقى أكبر سوق حرة لبيع الأسلحة المصنعة أوربيا وأمريكيا. والقارة الإفريقية هي القارة التي عرفت أكثر الحروب الأهلية والانقلابات والمشاكل السياسية التي تستدعي من البلدان المتخاصمة إبرام صفقات بملايير الدولارات للتزود بأحدث الأسلحة تحسبا لإعلان أحد الجيران الحرب بشكل مفاجئ.
وهذا تقريبا يحدث في كل دول العالم الثالث التي لا تستطيع صنع رصاصة واحدة وتكتفي باستيراد كل أسلحتها من الشركات العالمية المسيطرة على هذا القطاع.
إنها حضارة مبنية على الابتزاز والسطو والبغي، عكس الإسلام الذي يدعو إلى الرحمة وإعطاء كل ذي حق حقه وعدم بخس الناس أشياءهم.
لهذا يخشون الإسلام ويحاربونه، والله متم نوره ولو كره الكارهون.