خطاب مزدوج
مع
تواصل القنابل الأخلاقية الانفجار الواحدة تلو الأخرى وسط حقل حزب العدالة والتنمية، الذي تحول إلى حزب تتسع فيه رقعة المشاكل الأخلاقية رغم ادعاءات الطهرانية، فلم تعد حالات الترامي على زوجات الغير والعلاقات غير المقننة التي يقوم بها وزراء وبرلمانيون ودعاة معزولة، بل ظاهرة مرضية تؤثث العلاقات داخل الحزب الحاكم، الذي يفترض أنه المدافع الشرس عن الالتزام الأخلاقي والذائد عن حماية الاستقرار الأسري.
وبعد توالي الفضائح المعلنة والمستترة، والتي وصل بعضها إلى القضاء وطوي بعضها انحناء للعاصفة، يواجه حزب الإسلاميين امتحان الوضوح حول هويته الفكرية ومواقفه من الحريات الفردية بدل الانحياز للمواقف الرمادية، التي تسمح له بأخذ الزبدة وثمن الزبدة.
وقد قلناها دائما وسنكررها حتى تترسخ في الأذهان، إن حزب العدالة حزب انتهازي وآلة لصناعة الازدواجية، يريد أعضاؤه أن يحشدوا الشرعية السياسية بالأخلاق والمبادئ الدينية ويمارس ملذات الحياة بدون أخلاق، يحبون إشهار سيف المبادئ الأخلاقية في المعارك السياسية لكسب الشرعية، دون أن يمارس عليهم ذلك السلاح لسحب تلك الشرعية عنهم.
والغريب في الأمر أن الحزب الحاكم يريد أن يتمتع بملذات السلطة ومداخيل السياسة لتغيير الزوجات والأزواج كما يغيرون ملابسهم، دون أن يعلنوا أي مراجعات جوهرية في عقيدتهم السياسية والإيديولوجية، مما جعل الحزب يعيش حالة ارتباك بخصوص هويته السياسية، فتارة يؤكد قياديوه أن تنظيمهم ملتزم أخلاقيا ويعتمد المرجعية الإسلامية المحافظة لضبط سلوكهم، وتارة أخرى وحينما يضبط أحد رموزه في حالة شرود أخلاقي يعلنون إقرارهم بالسلوكات الحداثية التي تسمح بممارسة الحريات الفردية، ويحتمون وراء المبادئ المقدسة للحياة الخاصة.
والحقيقة التي لا تخطئها العين، أن الحزب الحاكم يقوم بالتلاعب بعقول وقلوب الرأي العام، وذلك بإيهامه أن الحزب يتطور نحو الحداثة، في انتظار الأوقات الملائمة للعودة بقوة إلى مواقفه الدينية المتشددة التي تحوله إلى جهاز للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما وقع مع عبد الاله بنكيران حينما أوقف جلسة دستورية بسبب ما اعتبره منافيا للأخلاق والضوابط القانونية، أو مع حادثة الحبيب الشوباني، الذي تحول من وزير إلى شرطي للأمر بالمعروف، دون أن يأخذ بعين الاعتبار مقدسات الحياة الخاصة والحريات الفردية، حينما أجبر شرطة مجلس النواب على التدخل لإخراج صحفية بسبب لباسها الذي اعتبره غير لائق. لذلك فحزب العدالة والتنمية سيظل عرضة للجلد والنقد اللاذع، مادام أنه يتبنى الازدواجية في الخطاب والسلوك.
ومادام أنه لا يريد أن يفرط بين المحافظة على مواقعه في الحكم ورصيده الانتخابي وعلى الغنائم التي جناها بالسياسة وسلوكات أفراده، التي تتنافى مع خطابهم.
والمؤكد أن حالة الاحتماء وراء جدار الحياة الخاصة لن يصمد، مادام أن الحزب يقحم تفاصيل تلك الحياة ومناهضته للحريات الفردية في الكسب السياسي.
تنشر بالاتفاق مع جريدة "الأخبار" الورقية