هكذا أجهضت المنطقة التجارية بالفنيدق أنشطة التهريب وتبييض الأموال
مع تيلي ماروك
بعد سنوات من ممارسة التهريب بباب سبتة المحتلة، وتكبيد الخزينة العامة والاقتصاد الوطني خسائر فادحة بالملايير يوميا، بادرت الدولة المغربية إلى إحداث مشروع منطقة الأنشطة الاقتصادية بالفنيدق، في إطار تنزيل استراتيجية البديل عن القطاعات غير المهيكلة، وتوفير فرص شغل للشباب، وتحريك عجلة الاقتصاد المحلي والوطني، والقطع مع الفوضى والعشوائية التي استفحلت بمناطق الشمال بصفة عامة، بسبب الاكتظاظ وحوادث التدافع التي خلفت ضحايا وجرحى بعاهات مستديمة ونسب عجز متفاوتة، فضلا عن التأثير سلبا على الإصلاحات الكبرى التي باشرها المغرب في جميع الميادين بقيادة الملك محمد السادس.
إجهاض الأنشطة الإجرامية
أجهض مشروع الأنشطة الاقتصادية بالفنيدق، المشاريع لشبكات تبييض الأموال وعلاقاتها المتشابكة مع مافيا الاتجار الدولي في المخدرات، فضلا عن قطعه الطريق أمام لوبيات التهريب المنظم، التي تنشط بين الضفتين، وتحقق أرباحا ومعاملات مالية خيالية طيلة شهور السنة، لا تستفيد منها الدولة أي شيء، وتساهم في تنامي القطاعات غير المهيكلة، واستغلال ملفات التهريب المعيشي والقضايا الاجتماعية الحساسة للركوب عليها، وتحقيق أجندات ضيقة.
وفشلت المجالس الجماعية التي تعاقبت على التسيير بكل من تطوان، مرتيل، الفنيدق والمضيق، في رسم خطط للخروج من العشوائية، حيث اكتفت الأحزاب بطرح المشاكل ونقلها إلى المؤسسة التشريعية، في إطار مزايدات وصراعات فارغة، بدل اقتراح مشاريع بديلة حقيقية، أو توفير ميزانيات مهمة يمكنها المساهمة في هيكلة القطاعات الحيوية، سيما واعتماد أغلب مدن الشمال على التجارة والسياحة كموردين أساسيين.
ويهدف مشروع منطقة الأنشطة الاقتصادية، الذي سيتم تنفيذه على مساحة 10 هكتارات بباب سبتة المحتلة، إلى توفير فرص شغل للشباب، وتشجيع هيكلة قطاع التجارة بالمنطقة، وفتح المجال أمام المستثمرين الشباب، إلى جانب تسهيل إجراءات الاستثمار أمام سكان سبتة المحتلة، وتقديم كافة المساعدات لهم من قبل مصالح وزارة الداخلية، ومجلس جهة طنجة - تطوان - الحسيمة.
مشروع دولة
بعد إجراءات الحجر الصحي، وقانون الطوارىء لمواجهة وباء «كوفيد- 19»، وتضرر العديد من القطاعات الحيوية بمدن الشمال، أهمها التجارة والسياحة، بادرت الدولة المغربية إلى تسريع وتيرة إخراج مشاريع بديلة، وخصصت لها ميزانيات مهمة للتنفيذ والتتبع والمواكبة، وذلك قصد تحقيق النتائج المطلوبة، والمساهمة في تعافي سريع للاقتصاد، وعودة الرواج والحفاظ على ارتفاع مؤشر التنمية، وكذا السير في اتجاه هيكلة كافة القطاعات وتنظيمها، لإنعاش الميزانية والقطع مع التهرب من الضرائب، ومنع استغلال لوبيات التهريب الظروف الاجتماعية لممتهني التهريب المعيشي بباب سبتة المحتلة.
وبلغت تكلفة مشروع الأنشطة الاقتصادية 200 مليون درهم، تدخل فيها مصاريف الدراسات والأشغال، حيث سيتم التمويل على مدى 3 سنوات، بواسطة مساهمات مالية لأربعة شركاء أساسيين، هم وزارة الداخلية التي ستساهم بمبلغ 70 مليون درهم، ووزارة الصناعة والتجارة والاقتصاد الأخضر والرقمي بمبلغ 40 مليون درهم، ثم مجلس جهة طنجة - تطوان - الحسيمة بمبلغ 80 مليون درهم، ووكالة الإنعاش والتنمية الاقتصادية والاجتماعية في عمالات وأقاليم الشمال، بمبلغ 10 ملايين درهم.
وحسب مصادر الجريدة، فإن رئاسة الحكومة أوضحت أن مشروع الأنشطة الاقتصادية بالفنيدق، يدخل في إطار إحداث مشاريع بديلة عن العشوائية والقطاعات غير المهيكلة، فضلا عن تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المرجوة، وتنزيل استراتيجية الدولة في تسريع تعافي القطاعات بعد أزمة جائحة «كوفيد- 19».
وتم إحداث (شركة) برأس مال بلغ مليون درهم، تعمل على تعبئة العقارات اللازمة لاحتضان المشاريع الاقتصادية والاجتماعية المهيكلة، كما تهدف من خلال مشروع الأنشطة الاقتصادية بعمالة المضيق، إلى خلق دينامية اقتصادية جديدة بالمنطقة بصفة خاصة، وجهة طنجة - تطوان - الحسيمة بصفة عامة، عبر إنشاء منصة قادرة على استقطاب الأنشطة الاقتصادية ذات القيمة المضافة العالية.
ويأتي إحداث الشركة المذكورة، في إطار مشروع بناء على المادة 8 من القانون رقم 89.39، المأذون بموجبه تحويل منشآت عامة إلى القطاع الخاص، حيث تتمثل أهداف المشروع على وجه الخصوص في مواكبة التنمية الاقتصادية والاجتماعية والحضرية والسياحية التي تعرفها جهة الشمال.
بديل لفوضى القطاعات
يأتي مشروع منطقة الأنشطة الاقتصادية بالفنيدق، كبديل حقيقي لفوضى القطاعات غير المهيكلة بالشمال، حيث تسيطر شبكات تبييض الأموال على تعاملات أسواق بسبتة المحتلة، تطوان، المضيق والفنيدق، عبر توفير قروض ورؤوس أموال في السوق السوداء، فضلا عن العلاقات المتشابكة مع مافيا الاتجار الدولي في المخدرات، والتهريب المنظم، ومحاولة الاستثمار في عقارات ومشاريع كبرى، للتغطية على الثروات الضخمة التي يتم جمعها على حساب ميزانية الدولة والتهرب من الضرائب.
وحسب مصادر مطلعة، فإن شبكات تبييض الأموال التي تنشط بالشمال، تلقت ضربة موجعة، نتيجة إحداث مشروع منطقة تجارية حرة بالفنيدق، حيث ينتظر أن تنخفض معاملاتها المالية بشكل كبير جدا، نتيجة هيكلة قطاع التجارة، والعمل وفق نظام الفواتير وأداء الضرائب، وكافة شروط السلامة والوقاية من الأخطار، وحفظ الصحة، بالنسبة إلى المواد الاستهلاكية.
واستنادا إلى المصادر نفسها فإن التجار السبتيين، بإمكانهم الاستثمار بمنطقة الأنشطة الاقتصادية بالفنيدق، حيث يجري التنسيق بين المؤسسات، لتمكينهم من كافة المعلومات الضرورية، سيما مع إبداء العديد منهم رغبتهم في استيراد أنواع من السلع التي كانت تباع بمتاجر كبرى بسبتة المحتلة، ويتم تهريبها في ظروف غير سليمة، وخارج المراقبة الضرورية، لحماية صحة وسلامة المواطن المستهلك.
وأشارت المصادر ذاتها إلى أن التهريب بالمعبر الوهمي باب سبتة المحتلة، كبد الاقتصاد الوطني خسائر بالملايير، وتسبب في إفلاس شركات وطنية، وفقدان مناصب شغل مهمة، إالى جانب ضياع ميزانية ضخمة على خزينة الدولة، تتعلق بالضرائب والإجراءات الخاصة بصرف العملة، خاصة في ظل أرقام معاملات مالية خيالية، لشبكات تبييض الأموال في السوق السوداء.
نهاية العشوائية
بعد معاناة ممتهني التهريب المعيشي، مع الاكتظاظ والفوضى في العبور لبلوغ سبتة المحتلة، والعودة منها بسلع مهربة، مع ما ترتب عن ذلك من أحداث مؤلمة، تمثلت في وفاة نساء في حوادث تدافع، وجرح أخريات نتيجة الاكتظاظ، ما أدى إلى التأثير سلبا على صورة الإصلاحات في المغرب، والمكانة التي منحها الدستور لحقوق المرأة بشكل خاص، انكبت الجهات المختصة بالعاصمة الرباط، على دراسة بدائل حقيقية للعشوائية، وتوفير فرص شغل تحترم الكرامة، والحقوق المنصوص عليها في مدونة الشغل، وبنود الدستور الجديد للمملكة.
وذكر مصدر أن مشروع المنطقة الحرة بالفنيدق، يندرج ضمن استراتيجية واضحة انتهجتها الدولة، في إاطار مشروع الميناء المتوسطي، لتنمية أقاليم الشمال، بالاعتماد على قطاعات مهيكلة، تقطع مع الفوضى في المعاملات المالية، وتؤسس لنظرة مستقبلية في التنمية، والمساهمة في بناء اقتصاد وطني تنافسي، مبني على أسس قوية وأرقام معاملات واضحة.
وأضاف المصدر نفسه أن التقارير والدراسات التي أنجزت على ممارسة التهريب المعيشي، بباب سبتة المحتلة، منها دراسة تكلف بها مجلس جهة طنجة - تطوان - الحسيمة، أصبحت جاهزة وتم عرضها قبل أسابيع قليلة، على الجهات الحكومية المختصة، لتحليل المعطيات الميدانية والأرقام، قبل اتخاذ قرارات مبنية على أرقام دقيقة، واقتراح مشاريع يمكنها أن تشكل بديلا حقيقيا عن الفوضى والعشوائية وانتعاش السوق السوداء في جميع المجالات، ومشاكل استفادة لوبيات على حساب معاناة شريحة واسعة من الطبقات الاجتماعية المسحوقة، والتي بالكاد توفر القوت اليومي باستغلالها العمل بقطاعات غير مهيكلة.
ركوب فاشل
سعت مجموعة من الأحزاب السياسية، عبر رؤساء جماعات ترابية وبرلمانيين بالشمال، إلى الركوب على مشروع المناطق التجارية الحرة بجهة طنجة - تطوان - الحسيمة، وهو الشيء الذي دفع مصالح وزارة الداخلية إلى إفشال جميع محاولات الركوب على المشروع الضخم المتعلق بإنجاز منطقة الأنشطة الاقتصادية بالقرب من باب سبتة المحتلة، كما تم تفويت فرصة ترقيع القواعد الانتخابية على العديد من الوجوه السياسية المألوفة، سيما مع قرب الانتخابات الجماعية المقبلة 2021.
وذكر مصدر أن السلطات الإقليمية والمحلية بالمضيق، تنسق مع مصالح وزارة الداخلية بجهة الشمال، بخصوص تفاصيل تقدم الأشغال بمشروع المنطقة الحرة المذكورة، وتتبع مراحل تنفيذ الأشطر، فضلا عن السهر على الإجراءات الإدارية وغيرها من تدابير المواكبة المرتبطة بالاستثمار، وفتح المجال أمام السبتيين لممارسة الأنشطة التجارية شأنهم شأن المستثمرين الشباب، كل حسب تخصصه والمجال الذي يرغب في الاستثمار فيه.
واستنادا إلى المصدر نفسه فإن وزارة الداخلية تحملت المسؤولية بمفردها رفقة السلطات الأمنية، عند الاحتجاجات التي شهدتها مدن الشمال، على فوضى القطاعات غير المهيكلة، حيث اختار سياسيون التراجع إلى الخلف، وعدم الاصطدام بمطالب الهيكلة، وتوفير فرص الشغل التي تضمن الكرامة، وذلك خوفا من فقدان القواعد الانتخابية، ومحاولة التغطية على الفشل في تسيير الشأن العام المحلي، والاستغراق في التدابير الروتينية لخدمات النظافة والكهرباء العمومية.
وكانت المجالس الجماعية بالشمال، تأخرت بشكل كبير في مواكبة المشاريع التنموية التي أطلقها الملك محمد السادس بمناطق مختلفة، فضلا عن فشلها الذريع في الوفاء بالوعود الانتخابية، بسبب صراعات التحالفات الفارغة، والتهافت على المصالح الشخصية الضيقة وامتيازات المناصب، في غياب رؤية استراتيجية للانتقال من هيمنة القطاعات غير المهيكلة، إلى بناء قطاعات مهيكلة توفر فرص شغل مهمة، وتساهم في إنعاش ميزانية الدولة.
ولم تكلف الجماعات الترابية بالشمال نفسها عناء التفكير في المساهمة في خلق مشاريع تنموية، لتسريع تنزيل تدابير التعافي من إجراءات الحجر الصحي، والتنسيق والاجتهاد لإنجاح المشاريع الضخمة التي يتم إطلاقها، إذ تنتظر فقط فرص التنفيذ والتمويل، لممارسة الركوب السياسي ومحاولة تحقيق أجندات ضيقة، وأهداف انتخابية لا تتعدى الاستمرار في منصب المسؤولية، والاستفادة من الامتيازات.