تفاصيل توسيع صلاحيات الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة
مع تيلي ماروك
صادق مجلس الحكومة في اجتماعه المنعقد، أول أمس الخميس، على مشروع قانون يتعلق بالهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها. ويأتي مشروع هذا القانون، الذي تقدم به وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، في إطار تنزيل أحكام الدستور وخاصة الفصل 167 منه، وذلك من خلال تعزيز موقع الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها كمؤسسة وطنية للحكامة، والتي تضطلع بمهامها، في إطار من التعاون والتكامل والتنسيق المؤسسي والوظيفي، مع السلطات والمؤسسات والهيئات الأخرى المعتبرة ضمن المنظومة الوطنية المعنية بمكافحة الفساد.
كما يندرج هذا في سياق تأهيل الهيئة للنهوض بالمهام الملقاة على عاتقها، سواء في نشر قيم النزاهة والشفافية والوقاية من الرشوة، أو في مجال الإسهام في مكافحة الفساد. ويتضمن المشروع مقتضيات جديدة تهدف بصفة أساسية، إلى توسيع نطاق مهام الهيئة، ومراجعة آليات اشتغالها وقواعد تنظيم عملها ونظام حكامتها، وذلك بغية تحقيق درجة النجاعة والفعالية المطلوبة في عملها، وتوطيد الجهود التي تبذلها الدولة من خلال الأدوار المسندة لعدد من السلطات والهيئات لمواجهة ظاهرة الفساد بكل تجلياته، والعمل على محاصرتها بالوسائل الوقائية والردعية المتاحة.
مفهوم شامل
من أهم المستجدات الواردة في المشروع الذي قدمه وزير الاقتصاد والمالية، توسيع مفهوم الفساد، وينص القانون على أن المهام الجديدة الموكولة للهيئة في مجال مكافحة الفساد، في إعادة صياغة المقتضيات المتعلقة بتحديد مفهوم الفساد وذلك بغاية توسيع نطاق تعريفه وتطبيقاته، حتى يكون مفهوم الفساد شاملا لجريمة تبديد الأموال العمومية ولما قد يجرمه المشرع مستقبلا من أفعال، بدل حصر مفهوم الفساد في جرائم الرشوة واستغلال النفوذ والاختلاس والغدر، كما ينص على ذلك القانون الحالي للهيئة. كما يشمل مفهوم الفساد أيضا المخالفات الإدارية والمالية، التي تشكل سلوكات تتسم بالانحراف وعدم حماية الصالح العام، وتناقض القواعد المهنية، ومبادئ الحكامة وقيم الشفافية والنزاهة.
ويميز مشروع القانون بين نوعين من أفعال الفساد المحددة لمجال تدخل الهيئة، وهي الأفعال التي تشكل جرائم بطبيعتها، حيث عناصرها الجرمية واضحة، تحيلها الهيئة إلى النيابة العامة المختصة، ثم الأفعال التي تشكل مخالفات إدارية ومالية تكتسي طابعا خاصا يتنافى مع مبادئ التخليق والحكامة الجيدة وحسن تدبير الأموال العمومية، دون أن ترقى إلى درجة تكييفها جرائم قائمة بذاتها، ولكونها تعتبر مخالفات مهنية بالأساس، فإنها في حال ثبوتها تؤدي إلى متابعة تأديبية في حق مرتكبها وتوقيع عقوبات إدارية أو مالية في شأنها، مع تمكين الهيئة من إجراء أبحاث وتحريات وإعداد تقارير تحيلها على السلطات والهيئات المختصة بتحريك المتابعة التأديبية أو الجنائية حسب الحالة.
كما يتضمن القانون مقتضيات تهدف إلى توسيع نطاق مهام الهيئة ومجالات تدخلها، وذلك عبر مراجعة مهام الهيئة في ضوء أحكام الدستور، والتي تقوم على ثلاثة أبعاد أساسية تتمثل في البعدين التخليقي والوقائي للهيئة، من خلال التنصيص على صلاحية الهيئة لاقتراح التوجهات الاستراتيجية لسياسة الدولة في مجال الوقاية من الفساد ومكافحته والآليات والتدابير والإجراءات الكفيلة بتنفيذها على الوجه الأمثل، والسهر على استراتيجية وطنية متكاملة للتنشئة التربوية والاجتماعية على قيم النزاهة، ولاسيما في مجالي التربية والتكوين.
صلاحيات واسعة
في ما يخص البعد التدخلي، من خلال الإسهام في مكافحة الفساد، منح المشروع للهيئة مجموعة من الصلاحيات الجديدة نتيجة توسيع مفهوم الفساد، وتتمثل هذه الصلاحيات في تلقي التبليغات والشكايات والمعلومات في شأن حالات الفساد ودراستها، والتأكد من حقيقة الوقائع المضمنة بها من خلال القيام بعمليات البحث والتحري، عبر إجراءات ميدانية تتجسد في الصلاحيات المخولة لمأموري الهيئة من أهمها الدخول إلى مقرات الأشخاص الخاضعين للقانون العام والمقرات المهنية للأشخاص الخاضعين للقانون الخاص وطلب الوثائق والمستندات والاستماع للأشخاص المعنيين، كما يتيح المشروع للهيئة وضع يدها على حالات الفساد التي تصل إلى علمها تلقائيا ودون أن تكون مقيدة بوجود شكاية أو تبليغ، كما يمكن المشروع الهيئة من التنصيب مطالبة بالحق المدني في القضايا المتعلقة بالفساد المعروضة على القضاء في حالة عدم تقديم الوكيل القضائي للمملكة لمطالبه المدنية نيابة عن الدولة داخل أجل ثلاثة أشهر، وذلك بغرض تمكين الهيئة من تتبع قضايا الفساد المعروضة على القضاء. وعلاوة على ذلك، فقد منح مشروع القانون الهيئة أيضا اختصاصا جديدا يتمثل في إمكانية قيامها، بطلب من السلطات العمومية، بإجراء تحقيقات إدارية في وقائع خاصة تتضمن مؤشرات حول شبهة وجود فساد وإعداد تقرير بشأنها، وذلك بالنظر إلى ما تتمتع به الهيئة من استقلالية، وهذا الاختصاص يكتسي طابعا نوعيا سيمكن الدولة من التوفر على آلية موازية ومستقلة للبحث والتحري والتحقيق في القضايا التي لا تكتسي طابعا جرميا ولكن شبهة الفساد قد تحوم بشأنها.
ويحدد المشروع عمل مأموري الهيئة في مجال إجراء الأبحاث والتحريات، وذلك بتمكين الهيئة من آليات اشتغال تستجيب لمتطلبات المهام المنوطة بها، وعلى الخصوص منها الوضع القانوني لمأموريها وصلاحياتهم، والتنصيص على أدائهم اليمين القانونية أمام محكمة الاستئناف بالرباط، مع تكليفهم بعمليات البحث والتحري من قبل رئيس الهيئة وتحت سلطته، من خلال طلب المعطيات ذات الصلة بالملف وجمعها ودراستها وتحليلها، وإنجاز محاضر ترفع إلى رئيس الهيئة، وهي محاضر ذات قيمة قانونية، يوثق بها إلى أن يثبت ما يخالفها. ومن أجل ممارسة الصلاحيات المذكورة، فقد خول مشروع القانون لمأموري الهيئة في إطار مهامهم المتعلقة بالبحث والتحري، إمكانية الولوج إلى مقرات أشخاص القانون العام والمقرات المهنية للأشخاص الخاضعين للقانون الخاص، وفي هذه الحالة نص مشروع القانون على إلزامية مشاركة ضابط أو عدة ضباط للشرطة القضائية في عمليات البحث والتحري داخل هذه المحلات. وينص المشروع على تطبيق عقوبات تأديبية وجنائية في حق الأشخاص الذين يقومون بعرقلة عمل الهيئة، بامتناعهم عن الاستجابة لطلباتها دون مبرر قانوني.
ويتضمن القانون مستجدات تتعلق بإعادة النظر في اختصاصات أجهزة الهيئة، والتنصيص على تعيين ثلاثة نواب لرئيسها، وإحداث لجنة دائمة لدى مجلس الهيئة، تتكون من الرئيس وثلاثة نواب له معينين من قبل مجلسها، تكلف بدراسة ملفات القضايا المتعلقة بحالات الفساد المعروضة ذات الصلة، واتخاذ القرارات المتعلقة بها باسم المجلس، وذلك بإحالة استنتاجاتها وتوصياتها إلى الجهات المعنية بتحريك مسطرة المتابعات الإدارية أو الجنائية، مع اطلاع رئيس الهيئة للمجلس على المعطيات المتعلقة بجميع الملفات التي عرضت على الهيئة أو أحيلت على اللجنة الدائمة. وينص القانون على تخويل رئيس الهيئة إعداد كل الآليات اللازمة لتمكين الهيئة من ممارسة اختصاصاتها، كما هو الشأن بالنسبة للصلاحيات في إعداد جميع مشاريع القرارات المزمع عرضها على مجلس الهيئة وإعداد مشاريع النظام الداخلي للهيئة والنظام الخاص بالصفقات والنظام الأساسي الخاص بالمواد البشرية العاملة بالهيئة وتقريرها السنوي، وغيرها من النصوص، شريطة أن تعرض هذه النصوص على مصادقة مجلس الهيئة للتداول في شأنها.