بين الرباط وباريس
مع Télé Maroc
اليسار يفوز في الانتخابات الفرنسية. قبل أسابيع، لم يكن أحد ليُطالع خبرا مماثلا، إلا إن صدر في صحيفة ساخرة.
فوز "مفاجئ وغير متوقع" لائتلاف الجبهة الشعبية الجديدة، وهزيمة "مفاجئة وغير متوقعة" لليمين.
هناك نكتة تُتداول في فرنسا هذه الأيام، مفادها أن اليمين الفرنسي يفوز بالانتخابات في الصحافة، بينما اليسار يحسمها في الصناديق.
هذه المقولة "السمجة"، صحيحة مع الأسف. فاليمين الفرنسي، بحكم خطابه المتشدد المعادي للمهاجرين وللإسلام، يلقى تجاوبا وترويجا في مختلف منصات الصحافة والرأي. وهكذا فقد أظهرت أغلب استطلاعات الرأي السابقة أن اليمين قريب جدا من الفوز في الجولة الانتخابية الأولى.
اليسار الفرنسي وعد الفرنسيين بزيادة في الأجور. وهؤلاء الفرنسيون بينهم نسبة محترمة جدا من المهاجرين المغاربة، بالإضافة إلى الفرنسيين المقيمين في المغرب، ولا شك أن السياسة في باريس تؤثر عليهم بشكل مباشر، وبالتالي على مستواهم المعيشي والاقتصادي أيضا.
فوز اليسار بالانتخابات التشريعية، رغم أنه لم يحصل على الأغلبية المطلقة التي كان من شأنها أن تعبد الطريق أمامه إلى الحكم بطريقة أسهل، يبقى رسالة واضحة إلى أنصار الخطاب المتطرف الذي يغزو الإعلام في أوروبا وليس في فرنسا وحدها. وهذا الواقع يطرح السؤال الملح الذي يهيمن الآن على أغلب نقاشات الصالونات والإذاعات والصحف: "هل سيستطيع اليسار حكم فرنسا، بعد فوزه في الانتخابات التشريعية؟".
نتائج الانتخابات الفرنسية، مثلها مثل حركة النجوم، يكثر فيها العرافون وحتى "السحرة"، لكنها في الأخير تُظهر نتائج بعيدة عن أغلب التوقعات، وأحيانا تكون التوقعات صائبة. لا ضمانات تحت سماء باريس.
عندنا هنا في المغرب، لم تعد فرنسا مركز الاهتمام الأول، حتى لو انتصر فيها اليسار على اليمين المعادي للمهاجرين و"التأشيرات" المخصصة للمغاربة سنويا.
مع ازدياد اهتمام جيل كامل من المغاربة باللغة الإنجليزية والانفتاح على دول أخرى، خصوصا في مجال البحث العلمي والدراسات العليا وحتى في سوق الشغل - خصوصا التجارة الإلكترونية-، فإن نتائج الانتخابات الفرنسية لم تعد تعني المغاربة كما كانت من قبلُ.
الحرب الباردة بين بايدن وترامب تحظى باهتمام كبير في أوساط الشبان المغاربة، لأن هذه الحرب ترتبط تماما بقسم التأشيرات في السفارة الأمريكية، وتؤثر مباشرة على مجريات "القُرعة" الأمريكية. في حين أن اليمين الفرنسي، المنهزم أخيرا في الانتخابات التشريعية، يبني حملته دائما على وعود بتقليص أعداد المهاجرين وتشديد شروط منح الجنسية الفرنسية، و"إعادة فرنسا إلى الفرنسيين"، وتفعيل قوانين جديدة لتسهيل ترحيل غير المرغوب فيهم عن فرنسا بشكل نهائي.
لم يسبق أبدا أن حُلت مشاكل فرنسا بوقف المهاجرين، سواء كانوا غير قانونيين أو مندمجين في المجتمع الفرنسي. كل مشاكل فرنسا سببها التغيرات العالمية، التي تنطبق على المجتمع الدولي كله وليس فرنسا فقط. لكن أغلب السياسيين هناك يفضلون إلصاق كل مشاكل الاقتصاد الفرنسي في المساجد والدكاكين التي تبيع اللحوم الحلال والشاي الأخضر والنعناع.
ملايين الفرنسيين الآن ينتظرون الأداء الذي سوف يقدمه اليسار من المنصة التشريعية، وما إن كان سوف يتحالف مع تيارات قريبة منه، خصوصا التيارات المقربة من الحزب الحاكم، أم أنه سوف يستقطب نوابا للأمة من تيارات مختلفة؟
يوجد عشرات البرلمانيين الفرنسيين، ووزراء سابقون أيضا، بينهم مغاربة أو منتمون عموما إلى المنطقة المغاربية. وهؤلاء كانوا يعانون من عنصرية اليمين المتطرف لسنوات، وشُنت ضدهم حملات إعلامية لحثهم على الاستقالة. فهل سوف نرى مستقبلا حضورا أكبر لوزراء ونواب من أصول مغاربية، في قلب المؤسسات التشريعية الفرنسية؟
رئاسة الوزراء، مثلها مثل رئاسة الجمهورية، كلاهما منصبان يشغلان بال المنتمين للجبهة الشعبية الجديدة.
لكن دعونا نعود إلى "الرباط" قليلا، ألم يكن مصدر أغلب المتاعب السياسية بين المغرب وفرنسا، عبر التاريخ، هم رؤساء ووزراء اليسار؟