الإنكار كجواب
مع
يظهر أن اللغة بسعتها ورحابتها تقف عاجزة عن وصف خرجات بنكيران الذي ما فتئ يثبت قدراته الهائلة في التدليل على سذاجته الاستثنائية ومحاولة التلاعب بعقول وقلوب جزء من الرأي العام في سبيل إقناعهم بالشيء ونقيضه، بالقانون والأخلاق، بالاستفادة من مكافآت السياسة ومسك صولجان المعارضة، بالنزاهة والريع في الوقت نفسه.
إنها المفارقة التي يعيشها رئيس الحكومة السابق والذي حولته الأقدار السياسية إلى طرفة جعلت منه موضوعا للسخرية من طرف الجميع بسبب افتقاده لقدر كاف من البصر والبصيرة يؤهله للتعاطي بحكمة وروية مع كل الحقائق والوثائق والفيديوهات التي تثبت تناقضاته، بدل الإمعان في عناد محيّر يزيد في تبديد ما تبقى له من رصيد سياسي، إن كان ما يزال لديه من رصيد.
سياق هذا الحديث نابع من جلسة الجلد التي خصصها بنكيران لمدير نشر هذه الجريدة أول أمس (الأحد)، ورميه بوابل من الاتهامات ونعته بالفسق والكذب والفساد، واستعمال لغة الوعيد والتهديد بسبب وثائق رسمية نشرناها انطلاقا من إيماننا بضرورة إمداد الرأي العام بالمعلومات عن مسؤولية جعلت بنكيران يخرج عن طوعه ويفقد تمالك نفسه ليظهر الوجه الحقيقي للسياسي الإسلاموي تعوزه القدرة على الانتقام لنفسه.
ويبدو، انطلاقا من أبجديات التحليل النفسي للوضع الذي يعيش فيه بنكيران هذه الأيام، أنه يتعرض لضغط نفسي شديد، دفعه إلى ارتكاب أخطاء متتالية، إذ إن الإنسان حينما يكون في حالة إنكار فهو يحاول حماية نفسه عن طريق رفض قبول الحقيقة المرة واتهام الآخرين بالكذب عليه حتى بوجود الحجج والإثباتات القاطعة.
وبعيدا عن لغة السب والقذف والتهديد التي ملأ بها بنكيران قاموس «لايف» سائقه الخاص، فإن رده على الحجج كان مرتبكا للغاية، ولم يقدم أي شيء من شأنه أن ينفي ما كشفت عنه «الأخبار» من مستندات، بل بالعكس أثبت عكس ما يدعيه من كونه يحصل على أكثر من معاش وزاري وبرلماني توقف لأسباب قاهرة بعدما كان يستفيد منه طيلة رئاسته للحكومة، وأكد أنه حصل على معاش استثنائي بأثر رجعي في لحظة كان يقاوم من أجل إرباك المشهد السياسي، وأثبت أنه كان يستفيد من تعويضات مدارس السلام، رغم خطاب المناورة والشعبوية الذي حاول من خلالهما إقحام المجلس الأعلى للحسابات في موضوع بعيد عنه أو من خلال التهرب من مواجهة الحقائق وتحويلها إلى أنها دسائس ومؤامرات تستهدف الحزب الحاكم.
ينبغي أن يفهم بنكيران أنه أنهى مساره السياسي بشكل رديء ودرامي، وسيزيد حجم الرداءة إذا حاول كل مرة عدم احترام وضعه كرئيس حكومة سابق محاط بواجبات التحفظ، والخروج لإعطاء الدروس للجميع، فالذي بيته من زجاج لا ينبغي أن يضرب بيوت الآخرين بالحجر.
تنشر بالاتفاق مع جريدة "الأخبار" الورقية