انتخابات ممثلي المأجورين.. هل ستتغير الخريطة النقابية؟
مع Télé Maroc
شهد المغرب، خلال الأسبوع الماضي، تنظيم انتخابات ممثلي الأجراء باللجان الثنائية متساوية الأعضاء بالقطاعين العام والخاص، وسترسم نتائج هذه الانتخابات الخريطة النقابية خلال السنوات الست المقبلة، لأنها ستفرز النقابات الأكثر تمثيلية التي تشكل طرفا في الحوار الاجتماعي مع الحكومة ونقابة «الباطرونا». كما أن هذه الانتخابات تشكل قاعدة لانتخابات ممثلي المأجورين بمجلس المستشارين، لكن هذه الانتخابات تجرى في ظل فوضى عارمة يعرفها الحقل النقابي، بعد عجز الحكومة السابقة والحالية عن إخراج القانون التنظيمي للمنظمات النقابية، لتجاوز ازدواجية التشريعات بين القطاع العام والقطاع الخاص في المجال النقابي، وبقي هذا القانون محتجزا بمجلس النواب بدون المصادقة عليه، ما يطرح أسئلة حول الجدوى من هذه الانتخابات بدون إطار قانوني يضبط الحقل النقابي؟
فوضى الحقل النقابي.. ازدواجية النصوص القانونية والتنظيمية
يرى المتتبعون للشأن السياسي والنقابي المغربي، أن التاريخ السياسي والدستوري المغربي يمر من مرحلة دقيقة، خاصة أن الدستور الجديد جاء بالعديد من المقتضيات التي ترمي إلى تنظيم الحياة السياسية والنقابية والمجتمع المدني، ومن أبرز المقتضيات تلك المتعلقة بالنقابات والإضراب، خاصة المواد 8 و9 و29 من الدستور. وفي ما يتعلق بقانون النقابات والإضراب لأول مرة في تاريخ المغرب يتم التنصيص على الضمانات النقابية، على خلاف قانون الإضراب الذي صدر سنة 1962 ومنذ هذا التاريخ والدستور ينص على ضرورة صدور القانون التنظيمي للإضراب، لكنه لحد الآن لم يخرج هذا القانون إلى حيز الوجود.
النقابات في الدستور
بخصوص الإضافة الجديدة التي جاء بها الدستور لتنظيم الحياة النقابية، ينص الدستور الحالي على الخطوط العريضة المتعلقة بالنقابة، سيما في ما يتعلق بالحق في ممارسة الأنشطة النقابية بكل حرية، وهذه النقابات كما ورد في الفصل 8 ستساهم في الدفاع عن المصالح الاقتصادية والحقوق الاجتماعية للفئات التي تمثلها، والنهوض بأوضاع هذه الفئات. ومن بين المستجدات في الدستور، التنصيص على ضرورة احترام الديمقراطية في هيكلة وتسيير النقابات، كما أن الفصل 8، إضافة إلى تأسيسه للخطوط العريضة للحرية والمطابقة والدمقرطة، يحيل كذلك على القانون الذي سينظم القواعد المنظمة لتأسيس المنظمات النقابية ومعايير تحويل الدعم المالي للدولة ومراقبة هذه النقابات، وبالتالي فإن دستور 2011 حدد الخطوط العريضة لهذا القانون، وبالتالي الحكومة ملزمة بتسريع إخراج قانون النقابات إلى حيز الوجود. إضافة إلى ذلك فإن الدستور تضمن مقتضيات ضمن الفصل 9، التي تحدد الضمانات القضائية المتعلقة بالحل أو التوقيف، هذا الفصل جاء لإعطاء ضمانات للمنظمات النقابية لممارسة أنشطتها بطريقة سليمة، ونجد كذلك الفصل 29 من الدستور، أسس لمجموعة من المبادئ المرتبطة بالانتماء النقابي.
كما أن المقتضيات الدستورية حددت مفهوم المنظمات النقابية ودورها في تأطير والدفاع عن الفئات التي تمثلها، وضرورة احترامها للدستور والتنصيص على الدمقرطة، وبالتالي الحكومة ملزمة بإخراج القانون المتعلق بالمنظمات النقابية وبإخراج قانون حرية الانتماء النقابي، وتتجلى فعالية هذا القانون في ضمان النجاعة وحسن تسيير المنظمات النقابية، ولكن لا بد كذلك من أن يواكب ذلك بإخراج القانون التنظيمي للإضراب، لأنه لا يمكن إخراج قانون الإضراب دون تنظيم النقابات، لأنه لا بد من ضرورة وجود بعض المقتضيات التي تنظم الهيئات والمنظمات النقابية التي بإمكانها القيام بالإضراب، لأن المغرب قد أسس لقانون الأحزاب السياسية سنة 2004، وحاليا مطالب بإخراج قانون النقابات، ولا يمكن الحديث عن قانون تنظيمي للإضراب بدون صدور قانون النقابات لتأسيس ما يمكن أن نسميه بالحقوق والحريات النقابية.
ازدواجية النصوص التشريعية
يعرف الحقل النقابي بالمغرب حاليا ازدواجية على مستوى النصوص التشريعية والتنظيمية المحددة لكيفية ممارسة الحق النقابي بكل من القطاعين العام والخاص، حيث يخضع موظفو وأعوان القطاع العام لأحكام الظهير الشريف رقم 1.57.119 الصادر بتاريخ 16 يوليوز 1957، المتعلق بالنقابات المهنية والنصوص التشريعية والتنظيمية الصادرة بتطبيقه، بينما يخضع أجراء القطاع الخاص لأحكام القانون رقم 65.99، المتعلق بمدونة الشغل الذي ينظم النقابات المهنية في مجموعة من مواده، وقد نظم ظهير 16 يوليوز 1957 مجموعة هامة من الجوانب المتعلقة بالنقابات، سيما منها ما يتعلق بالهدف ومجال التطبيق وإجراءات التأسيس وكيفية ممارسة الحق النقابي والأهلية المدنية للنقابات وشخصيتها المعنوية واتحاداتها والعلامات النقابية، وعرف هذا القانون تعديلات هامة بواسطة القانوني رقم 11.98 بتاريخ 15 فبراير 2000، بهدف تعزيز ممارسة الحق النقابي بالمغرب بالقطاع الخاص على الخصوص، تمثلت في النص على منع تدخل المنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية للأجراء في شؤون بعضها البعض، ومنع عرقلة ممارسة الحق النقابي من لدن شخص طبيعي أو معنوي، وكذا منع التمييز بين الأجراء على أساس الانتماء وعدم الانتماء النقابي. كما نظمت مدونة الشغل ممارسة الحق النقابي في القطاع الخاص عبر التنصيص على مجموعة من المقتضيات، المتمثلة على الخصوص في تحديد معايير ومستويات التمثيلية بالنسبة إلى المنظمات النقابية الأكثر تمثيلية للأجراء على مستوى المقاولة، الحق في تعيين ممثل أو ممثلين نقابيين داخل المقاولات التي تشغل 100 أجير أو أكثر، والنص على تمكين هؤلاء الممثلين من التسهيلات النقابية اللازمة لأداء مهامهم، وتخصيص دعم مالي لهذه المنظمات.
من جهة أخرى، وتماشيا مع أحكام دستور فاتح يوليوز 2011، خاصة فصله الثامن، جاء فيه «تساهم المنظمات النقابية للأجراء، والغرف المهنية، والمنظمات المهنية للمشغلين، في الدفاع عن المصالح الاجتماعية والاقتصادية للفئات التي تمثلها، وفي النهوض بها، ويتم تأسيسها وممارسة أنشطتها بحرية، في نطاق احترام الدستور والقانون، ويجب أن تكون هياكل هذه المنظمات وتسييرها مطابقة للمبادئ الديمقراطية، وتعمل السلطات العمومية على تشجيع المفاوضة الجماعية، وعلى إبرام اتقاقيات الشغل الجماعية، وفق الشروط التي ينص عليها القانون، ويحدد القانون، بصفة خاصة، القواعد المتعلقة بتأسيس المنظمات النقابية وأنشطتها، وكذا معايير تخويلها الدعم المالي للدولة، وكيفيات مراقبة تمويلها.
قانون النقابات
أوضحت المذكرة التقديمية للقانون أنه جاء من أجل تدارك واستكمال النصوص التشريعية ذات الصلة، ومد الحقل النقابي والتنظيم المهني الوطني بإطار قانوني يستجيب لمتطلبات الديمقراطية والحكامة الجيدة، ويعكس قدرتها التعاقدية. ولتفادي الازدواجية التي يعرفها الحقل النقابي حاليا، ووضع قانون عام وموحد يشمل القطاعين العام والخاص معا، ولملاءمة التشريع الوطني مع أحكام الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، وكذا مع الأحكام الأساسية لاتفاقية العمل الدولية رقم 87 التي لا تتعارض مع هذا التشريع، فقد تم إعداد مشروع القانون المتعلق بنقابات العمل والمنظمات المهنية للمشغلين.
ويهدف هذا القانون أساسا إلى ضبط وتنظيم مختلف الجوانب المرتبطة بالعمل النقابي للعمال والتمثيل المهني للمشغلين، وذلك من خلال تحديد مجال تطبيق القانون من حيث فئات العمال والمشغلين، وتحديد الهدف من إحداث نقابات العمال والمنظمات المهنية للمشغلين، وضبط شروط وإجراءات تأسيسها وتسييرها وكيفية ممارستها لأنشطتها، وتحديد المعطيات الأساسية التي يجب أن يتضمنها النظام الأساسي لنقابات العمال والمنظمات المهنية للمشغلين، وتحديد الحقوق المترتبة عن الأهلية المدنية لنقابات العمال والمنظمات المهنية للمشغلين، وسريان أحكام القانون على اتحادات نقابات العمال والمنظمات المهنية للمشغلين، وتحديد معايير ومستويات التمثيلية بالنسبة إلى المنظمات النقابية للعمال بالقطاعين العام والخاص، والتنصيص على إمكانية إحداث تنسيقيات نقابية على مستوى المقاولة أو المؤسسة، وتحديد معايير ومستويات التمثيلية المتعلقة بالمنظمات المهنية للمشغلين، وضبط التسهيلات النقابية وحماية الحق النقابي، وضبط الجوانب المتعلقة بالمراقبة المالية للمنظمات النقابية للعمال والمنظمات المهنية للمشغلين، وضبط الجوانب المتعلقة بتوقيف وحل نقابات العمال والمنظمات المهنية للمشغلين، والتنصيص على بعض الأحكام العامة ذات الصلة بالحوار الاجتماعي.
وجاء القانون لحل بعض الصعوبات المرتبطة بالتمثيلية النقابية، حيث إن المادة 425 من مدونة الشغل تعرف النقابة الأكثر تمثيلية على المستوى الوطني بأنها النقابة التي حصلت على نسبة 6 في المائة على الأقل في القطاعين العام والخاص، وأنها قد تضمنت مقتضيات قانونية تفصيلية حول التمثيلية في القطاع الخاص وعلى مستوى المقاولة، في حين لم تتضمن أي مقتضيات من المستوى نفسه لتحديد قواعد التمثيلية ومعاييرها الإجرائية في القطاع العام، مما يقتضي تدارك هذا النقص. وأوضحت المذكرة أنه بات من الضروري وضع قانون موحد ينظم ممارسة العمل النقابي في القطاعين العام والخاص على حد سواء، لعدة اعتبارات، أهمها انشغال الفاعلين النقابيين بالقطاعين معا، وأن النقابات الأكثير تمثيلية وعضوية في مجلس المستشارين تنبثق عن هيئة ناخبة من مندوبي الأجراء وممثلي الموظفين في القطاع العام والمؤسسات العمومية، مما يقتضي وضوحا أكثر للقواعد والمعايير المعتمدة فيها. كما أن القانون التنظيمي لمجلس المستشارين وضع قواعد قانونية واضحة للتمثيلية بالنسبة إلى المنظمات المهنية، ما يقتضي اعتماده في المقتضيات القانونية لتمثيلية هذه المنظمات بصفة عامة وليس فقط على مستوى المؤسسة البرلمانية.
والشيء نفسه بالنسبة إلى انتخاب مندوبي الأجراء في القطاع الخاص، حيث توجد قواعد قانونية واضحة مع الحاجة إلى مراجعة بعضها، التي تبين من خلال الممارسة صعوبة ضبطها من قبيل القدرة التعاقدية والاستقلال الفعلي للنقابة، أو تلك التي قد تفضي إلى صعوبة وجود منظمة نقابية أكثر تمثيلية، مثل اشتراط الحصول على نسبة 35 في المائة من مقاعد مندوبي الأجراء داخل المقاولة، أخذا بعين الاعتبار واقع التعددية النقابية، وذلك على خلاف القطاع العام، مما يقتضي كذلك تدارك النقص والعمل على انسجام قواعد التمثيلية وضمان موضوعيتها وعكسها للقدرة التعاقدية للمنظمات النقابية.
ماموح عبد الحفيظ أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق السويسي الرباط : «نتائج انتخاب اللجان متساوية الأعضاء ستؤثر على انتخابات ممثلي المأجورين بمجلس المستشارين»
-ما هي تأثيرات نتائج الانتخابات المهنية للموظفين على خريطة النقابات الأكثر تمثيلية، وتشكيلة مجلس المستشارين القادم؟
بتاريخ 16 يونيو الجاري تم إجراء الانتخابات المهنية، لانتخاب ممثلي الموظفين في اللجان الإدارية متساوية الأعضاء، وهمت هذه الانتخابات الموظفين في الإدارات العمومية والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية.
واللجان الإدارية متساوية الأعضاء، حسب النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، هي لجان استشارية في كل قطاع وزاري مهمتها النظر في بعض القضايا الفردية المتعلقة بالمسار المهني للموظف، وتتألف هذه اللجان من عدد متساو من ممثلين عن الإدارة يعينون بقرار من الوزير المعني بالأمر ومن ممثلين عن الموظفين، يتم انتخابهم من طرف موظفي الإدارة المعنية لمدة 6 سنوات عن طريق الاقتراع السري باللائحة، وبالتمثيل النسبي على أساس قاعدة المعدل الأقوى، ودون استعمال طريقة مزج الأصوات والتصويت التفاضلي.
وتتنافس في هذه الانتخابات الهيئات النقابية الممثلة للموظفين، إضافة إلى اللوائح المستقلة. وعلى أساس هذه الانتخابات يتم تحديد النقابات الأكثر تمثيلية في الوظيفة العمومية.
وبخصوص علاقة انتخابات اللجان الإدارية متساوية الأعضاء بعضوية النقابات في مجلس المستشارين، فإن أعضاء هذه اللجان يشكلون إضافة إلى مندوبي الأجراء في القطاع الخاص، الهيئة الناخبة لانتخاب ممثلي النقابات بمجلس المستشارين، حيث خصص القانون التنظيمي لمجلس المستشارين 20 مقعدا لتمثيل هذه الفئة.
وطبعا فإن نتائج انتخاب اللجان الإدارية متساوية الأعضاء ستؤثر على نتائج انتخاب ممثلي المأجورين بمجلس المستشارين، وتحدد النقابات التي ستستأثر بالعدد الأكبر من المقاعد.
ولحد الخميس 17 يونيو الجاري لم تنشر بعد النتائج النهائية لهذه الانتخابات، حتى تتم معرفة ما هي النقابة التي حصلت على أكبر عدد من المقاعد، وبالتالي تحديد النقابات الأكثر تمثيلية. وبناء على تلك النتائج يمكن توقع تمثيلية الهيئات النقابية في الانتخابات المقبلة لمجلس المستشارين، التي ستجرى بتاريخ 05 أكتوبر 2021.
-كيف تؤثر العلاقات السياسية للنقابات مع الأحزاب حسب نتائجها الانتخابية؟
نقاش طبيعة العلاقة بين النقابي والسياسي هو نقاش تقليدي ويتجدد باستمرار، كما أنه نقاش له أبعاد متعددة فكرية وسياسية، لا يسعنا المجال للتفصيل فيه. غير أنه يمكن الإشارة إلى بعض خصائص العمل النقابي في المغرب، وأولها التعددية النقابية عوض وحدة الإطار النقابي، وثانيها تبعية الهيئات النقابية للأحزاب السياسية، سواء كانت تبعية مباشرة كإقدام العديد من الأحزاب السياسية على تأسيس أجنحة نقابية تابعة لها، أو إعلان تلك النقابات بشكل صريح أو تبعية غير مباشرة من خلال هيمنة أحزاب معينة على الأجهزة المسيرة لبعض النقابات.
وبالتالي فهذا التداخل بين النقابي والسياسي سيؤثر دون شك على الانتخابات المقبلة وعلى رسم الخريطة الانتخابية، في ما يخص انتخابات مجلس المستشارين التي تتم من طرف هيئة ناخبة تتكون من ممثلي الجماعات الترابية والمنتخبين في الغرف المهنية والمنتخبين في المنظمات المهنية للمشغلين الأكثر تمثيلية وممثلي المأجورين، ولا يمكن إغفال هذا الأمر، بل فإن تأثير هذه الانتخابات سيكون أيضا حتى على مستوى النقابات الأكثر تمثيلية، وسيكون لها تأثير على المشهد النقابي عموما.
-هل من شأن هذه الانتخابات التأثير على نتيجة الانتخابات المحلية والنيابية؟
بخصوص تأثير الانتخابات المهنية الخاصة بالموظفين المشار إليها سابقا، والتي جرت خلال الشهر الحالي، على نتيجة الانتخابات المحلية والنيابية، التي سيتم تنظيمها الصيف المقبل، حيث سيتم إجراء الانتخابات التشريعية يوم الأربعاء 8 شتنبر القادم، ففي نظري لا أعتقد ذلك. فالانتخابات الترابية وكذا الانتخابات النيابية تتم في سياق مختلف عن الانتخابات المهنية للموظفين، وتتحكم فيها اعتبارات ثقافية واجتماعية وسياسية مختلفة، وهي الاعتبارات التي ترتبط بالهيئات الناخبة وطبيعة المرشحين وأيضا طبيعة تلك الانتخابات، ولا يسعنا التفصيل فيها في هذا الحوار المقتضب.